العمليات النفسية
شهد العالم خلال هذا القرن، طفرات وثورات تكنولوجية هائلة، سواء في مجالات، الاتصال والمعلومات، أو نُظُم التسليح، واكبتها تطورات بالغة الأهمية والخطورة في مجال العلوم الإنسانية، خاصةً فيما يتعلق بالظواهر السلوكية (اجتماعيه ـ نفسية ـ سياسية)، سواء في النظرية أو التطبيق، والتي تعني، بشكل محدد، استغلال نتائج ومردود ذلك التقدم وتوظيفه لمصلحة مفاهيم تطبيق العلوم المتعلقة بالظواهر الإنسانية والسلوكية وأُسُسها ووسائلها وأساليبها، والتي من أبرزها المفهوم الشامل للعمليات النفسية.
وإذا كان من أهم سمات التقدم العلمي والتكنولوجي وطبيعته، إلقاء أعبائها الثقيلة على عقل وفكر القادة والزعماء والعامة وآرائهم، مما يتولد عنها تصاعد الضغوط الذهنية وتناميها على الأفراد والجماعات تقوى فيه التوترات وترتفع طموحات البشر فتنشأ بؤر لتفجر الأزمات والصراعات العسكرية وآلياتها التنفيذية والتي من أهمها العمليات النفسية.
وقد أضحى، ونحن على مشارف القرن الحادي والعشرين، أن مدى التقدم العلمي والحضاري لدول العالم قد أصبح يقاس بما توفره هذه الدول من عناية وتوازن وقدرة على مواجهه وإدارة أنشطتها ومشاكلها وأزماتها من خلال تطبيق المناهج العلمية والدراسات الموضوعية مع الملاحظة والمراقبة المستمرة لسلوك أفرادها والعمل على فهمه وتفسيره في محاولة للتنبوء به، ومن ثم، توجيهه والتحكم فيه والسيطرة عليه (تأمينه نفسياً) تحقيقاً لأهدافها وغاياتها القومية وهو أحد محاور العمليات النفسية وأهدافها، بمفهومها الشامل، الذي أكدته وأفرزته نتائج الحروب الحديثة بدءاً من الحرب العالمية الأولى والثانية وأكتوبر 73، ومروراً بحرب الفوكلاند، وأخيراً نتائجها الرهيبة في حرب تحرير الكويت 1990 ـ 1991.
ومن الثوابت اللافتة للنظر، أن القادة العسكريين على مر العصور، وكافة المستويات، يضعون العامل والعمليات النفسية كبُعد جديد وقوى خامسة (برية ـ بحرية ـ جوية ـ د جو ـ نفسية)، في ميادين الحرب، يتم التخطيط والتطوير في استخدامها لسرعة حسم العمليات العسكرية والمعارك والوصول إلى النصر النهائي بأقل القليل من الخسائر البشرية [1].
وإذا كان الدارسون والباحثون في مجالات، الأمن القومي والإستراتيجية القومية، يركزون، دائماً، بل يركنون، غالباً، إلى تقييم عناصر قوى الدولة الشاملة، من وجهه نظر الإستراتيجية الأمريكية [2]، فقد عبَّر عنها أفلاطون، كذلك، في مقولته عن الروح المعنوية: "إن أسوار المدينة لا تبنيها الحجارة ". إذ يشير إلى أن الإرادة والروح المعنوية العالية، هي الدافع والحافز للإنسان للبناء وليس الجماد.
وهنا، يجب ألا نغفل عن المعادلة الإلهية لقوى الدولة الشاملة، التي تجلت في قوله تعالى، في سوره "الأنفال":] وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ [(سورة الأنفال: الآية 60)، فهي توجيه وتعريف إلهي متكامل الأركان بمفهوم العمليات النفسية الشاملة لِمَا له من تأثير فعال ومباشر على باقي قوى الدولة وهو ما يعني أهمية التوصيف المتكامل والشامل للقوى النفس معنوية (عمليات نفسية) لدعم باقي القوى ومعاونتها في تحقيق أهدافها وغاياتها في مجابهة الأعداء وآخرون (أصدقاء ـ حلفاء ـ محايدون) لتنمية وتعظيم مشاعر الخوف لديهم.
إن العمل النفسي يحمل معنى قديم، فقد لجأ إليه كثير من عظماء القادة السياسيين والعسكريين والزعماء على مر العصور، إما بشكل فطري عفوي، غير مدرك لمواجهه موقف محدد صعب، لتغييره لمصلحته، أو كأحد قدرات وسمات نظرية الرجل العظيم [3] نتيجة محدودية الإمكانيات المادية عن بلوغ أهداف وطموحات تلك الزعامات واستخدمت فيه الوسائل والإمكانيات والأفكار غير المألوفة في ذلك الزمان، إذ استخدمت الخداع [4] والمفاجأة وغيرها.
أمّا المفهوم الحديث للعمل النفسي، فهو يُعالج موضوع مستمر مخطط أكثر شمولاً واتساعاً. فهو يتضمن كل عمل يسعى إلى التأثير على أفكار ـ آراء ـ اتجاهات ـ انفعالات وعواطف الفرد والجماعات لتوجيه سلوكه/ سلوكياتهم، التوجه المطلوب والذي يندرج تحته كل الأنشطة المسؤولة عن التأثير على الرأي العام الداخلي والخارجي، ومسؤولي ومؤسسات متخذي القرار في الدول والمنظمات الدولية المخططة وهو مفهوم يستوعب، كذلك، كل المؤسسات التي تعمل في إطار المؤسسات الإعلامية المتنوعة وعديد من مؤسسات نُظم الحكم مثل الخارجية والدفاع والاستخبارات وغيرها إن اقتضت الحاجة.
وانطلاقا من هذا المفهوم الواسع الشامل، وإدراكا لأهمية وفاعلية العمليات النفسية، صعَّدت الدول المتقدمة العمل النفسي إلى مستوى الأمن القومي من منظوره الشامل، واعتبرت القدرات النفسية إحدى ركائز وقدرات الدولة الشاملة، وهي بذلك، عظمت أهمية وضع سياسات وإستراتيجيات نفسيه لتحقيق الأهداف والغايات القومية والمحافظة على المصالح خارج حدودها القومية بالتنسيق مع باقي السياسات والإستراتيجيات التخصصية الخارجية، والداخلية والاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية إدراكاً منها بقدرة العمل النفسي على استيعاب التطورات العملية والمتغيرات العالمية حتى صارت تمثل بعداً مهماً في مفهوم الأمن القومي الشامل لا يمكن إغفاله.
وتأسيساً على ما سبق، يتضح دور العمليات النفسية وأهميتها، سلماً وحرباً، إذ توجه وتشن للحليف والصديق، المحايد والمعادي، وأن هذه الأهمية في الحقيقة ما هي إلاَّ أحد التداعيات التي تميز النظام العالمي الجديد وتتطلب التكامل والشمولية سواء في الحرب أو السياسة أو الاقتصاد. ولا تقتصر على طرف دون الأخر، من خلال كونها تمثل إحدى الآليات الرئيسية في إدارة الأزمات بين أطراف الصراع بل ونؤكد على أنه قد صار التوسع في استخدام وسائلها وطرقها وأساليبها المختلفة وعلى كافة المستويات لدعم وتحقيق الغايات والأهداف القومية للدول من أهم سمات النظام العالمي للحصول على دور مؤثر ومتميز يحقق غاياتها وأهدافها.
وفى المقابل، فإن عدم الاهتمام أو تبني هذا البُعد الرهيب أو ما يُطلق عليه السياسة النفسية للدولة وتحديد وتقنين علاقاتها وباقي السياسات الإستراتيجية التخصصية للدولة سيؤدي، حتماً، إلى التأثير السلبي لقوى الدولة الشاملة (سياسية ـ اقتصادية ـ عسكرية)، من جهة، وإلى حدوث هزات عنيفة في المجتمعات، السياسية والداخلية والعسكرية، للدولة على المستوي المحلي، أو الإقليمي والدولي من جهة أخرى وهو ما تعلن عنه بكل وضوح تطورات الأزمات المشتعلة، حالياً، (الخليج ـ سلام الشرق الأوسط ـ الردع النووي المتبادل بين الهند وباكستان). وهناك، دائماً، في الأزمتين الأولى والثانية، طرف يُخطط ويدير آلية العمليات النفسية والطرف الأخر يعتمد على توجيهات القيادة السياسية، والاعتماد على القدرة الأكاديمية في الرصد والتحليل وتقديم مقترحات للرد. أمّا في الأزمة الثالثة، الردع النووي، فيُشير الرصد الموضوعي لتطورات مراحل الأزمة إلى الاستخدام العلمي الشامل للقوى النفسية بموضوعية وخبرة عملية، من قِبل طرفَي الصراع، وهو ما يؤكد على تحقيق أطراف الأزمة لأهدافها، من دون تصعيد آخر مع نجاحها في تحجيم أي تدخل خارجي.
[1] وضع بازيل ليدل هارت (1895 ـ 1970)، في نظريته الكاملة عن الحرب، في كتابة `الحروب الحاسمة في التاريخ`، عام 1929، أن الإستراتيجية تهدف إلى خلخلة روح العدو المعنوية، وذلك بمهاجمه توازنه، العقلي والنفسي، ومن ثَمّ، زعزعة قدرته المعنوية على القتال.
[2] عبر عنها وايز كلاين في معادلة أطلق عليها أسمه لتدلل على قياس قوى الدولة الشاملة صدرت عن مركز جورج تاون للدراسات الإستراتيجية عام 1981، وهي: قوى الدولة الشاملة = الكتلة الحرجة (جغرافية ـ ديمواجرافية) + القوى الاقتصادية ـ القوى السياسية + القوى العسكرية) x (الأهداف الإستراتيجية + الإرادة الوطنية). وهو ما يعني إذا كان مستوى المعنويات/النواحي النفسية، صفر، فإن القوى الإجمالية للدولة تصبح صفر في غياب الروح المعنوية العالية والإرادة والعزيمة الصادقة لن يتحقق الانتصار وتحقيق الغايات.
[3] نابليون بونابرت وتوسعه في استخدام المنشورات والصحافة في شن حملاته النفسية المعادية وقوله المشهور (إنني أرهب صرير الأفلام أكثر مما أرهب دوي المدافع).
[4] قول الرسول في أعقاب فتح مكة:] َنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ [(مسند أحمد: 20463). وكان أن أمر الرسول الكريم السرايا بالمرور الدائري ليلاً مع إضاءة المشاعل وإثارة الخيل أمام أبو سفيان كرسالة ينقلها إلى كفار قريش لإرهابهم.
المبحث الأول نشأة وتطور العمليات النفسية
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان واستخلفه في الأرض ليمتحنه أيشكر أم يكفر. قال تعالى:] هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتًا وَلاَ يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَارًا [(سورة فاطر: الآية 39). وأودع الله النفس البشرية بعد أن خلقها العديد من الغرائز، ومنها التنافس الذي نجم عنه أول حادثة قتل في التاريخ، والتي كانت إيذاناً بقيام النزاعات والحروب بين البشر، وهي حادثة قتل "قابيل" لأخيه "هابيل" وفي ظلال هذه الحقيقة البديهية، ألا وهي حتمية الصراع، بدأ الإنسان يبحث عن كل ما يمكنه من الغلبة، ثم طمح إلى الوسيلة التي يستطيع بها أن يتغلب على عدوه بشكل مستمر وحاسم، وبأدنى ثمن، فتوجهت جهود الإنسان ودراساته إلى العمق، إلى منبع الصراع ودافعه وباعثه، والإرادة التي تحركه وتديم أمده، وتبعث الهمم من مراقدها، فكان ما أطلق عليه الإنسان العمليات النفسية ولا تختلف العمليات النفسية ـ وإن تعددت مسمياتها "من حرب باردة، وحرب سرية، وحرب أعصاب، وحرب فكرية .. إلخ" ـ في شكلها الحالي عما كانت عليه من قبل إلا في الوسيلة والتطبيق، وإن ظل هدفها هو التأثير في نفسية العدو والقضاء على معنوياته.
أولاً: مفهوم العمليات النفسية
1. تعريف العمليات النفسية
اتخذ مفهوم العمليات النفسية عدة تعاريف، كما وجدت وجهات نظر متباينة حول معانيه. يقول الدكتور (رفيق السكري): "هناك العديد من التعاريف للعمليات النفسية، إلا أن أكثرها لا يزال يكتنفها ـ حتى الآن ـ الغموض وعدم التحديد". ويعود السبب في ذلك إلى أن بعض الكتاب لا يزالون يربطون بين العمليات النفسية والعمليات العسكرية. ثم قال: "إن المعنى الجديد للعمليات النفسية لم يعد مجرد وسيلة يستخدمها القائد العسكري أثناء الحرب فقط، لقد أصبحت العمليات النفسية مستقلة عن الصراع العسكري حتى أصبح هذا الأخير عنصراً من عناصرها". وعُرِّفت العمليات النفسية أول ما عُرِّفتْ في ملحق معجم ويبستر الدولي الجديد للغة الإنجليزية عام (1941 م). وقد اعتُرِفَ بالتعبير في الأيام الأولى من الحرب العالمية الثانية، وحظي التعبير باعتراف سريع نسبياً في خلال النزاع الذي كان قائماً في أوروبا وفي آسيا. وبعد تورط الولايات المتحدة والأمم المتحدة في النزاع المسلح في كوريا عام (1950 م)، وبعد أن افتتح الرئيس (ترومان) الحملة الاستراتيجية الأمريكية الكبرى المسماة (حملة الحقيقة) دخلت هذه التسمية تدريجياً في مجال المناقشات العامة، (في مناقشة الكونجرس الأمريكي وفي الصحف) وذلك عند وصف الأنشطة التي كانت تقوم بها أجهزة الحكومة الأمريكية والتي كانوا يطلقون عليها قبل ذلك اسم (استعلامات ما وراء البحار). ويعرف أحد القادة العسكريين الجنرال (مارك كلارك) العمليات النفسية بقوله: "هي أي عمل من شأنه أن يجبر العدو على أن يحوِّل رجاله وعتاده من الجهة النشطة، وتجعله يقيد رجاله وأسلحته استعداداً لصد هجوم لن يأتي". ويتضح من هذا التعريف أن مهمة العمليات النفسية الأساسية هي فرض إرادة مستخدمها على إرادة العدو بغرض التحكم في أعماله بطرق غير الطرق العسكرية، ووسائل غير الوسائل الاقتصادية، ولذلك فهي من أسلحة الحرب الحديثة الموجهة ضد (الفكر) والعقيدة والشجاعة، وضد الرغبة في القتال. وهي حرب دفاعية هجومية وذلك لأنها تحاول أن تبني معنويات الشعب والجنود بينما تحطم في الوقت نفسه معنويات العدو.
ويعرف الأمريكيون العمليات النفسية بأنها "سلسلة الجهود المكملة للعمليات الحربية العادية عن طريق استخدام وسائل الاتصال، أي أنها تصميم وتنفيذ الخطط الاستراتيجية الحربية والسياسية على أسس نفسانية مدروسة"، ومن وجهة نظر الأمريكيين تضمنت العبارة تغييراً تناول الأساليب الحربية التقليدية عن طريق استخدام سلاح جديد وتطبيقه على نطاق واسع. أما من وجهة نظر الألمان فقد تضمنت هذه الكلمة تغييراً طرأ على عملية الحرب نفسها، والتجديد في النشاط الحربي الألماني بدأ في ميدانين هامين: الأول: التوحيد بين المجهودات الحربية ونشاط السياسة والدعاية والهدم. الثاني: ما أسفرت عنه بحوث علم النفس الحديث من نتائج يمكن أن تستخدم في تحقيق الأهداف الحربية. أما مفهوم البريطانيين للعمليات النفسية (أو الحرب السياسية كما يسمونها) "هي نوع من الصراع بين الدول، يسعى فيه كل جانب لفرض إرادته على أعدائه بأساليب متنوعة لا تدخل فيها القوة المسلحة، والسلاح الرئيسي للحرب السياسية عندهم هو الجمع بين الدبلوماسية والدعاية، وينطوي هذا الفهم للعمليات النفسية، ضمنياً، على الاهتمام بالرأي العام". وتقول الموسوعة العسكرية في تعريف العمليات النفسية: "هي مجموعة الأعمال التي تستهدف التأثير على أفراد العدو، بما في ذلك القادة السياسيين والأفراد غير المقاتلين، بهدف خدمة أغراض مستخدمي هذا النوع من الحرب". وتهدف العمليات النفسية إلى خلق تصورات معينة لدى العدو، أو نفي تصورات معينة، وذلك عن طريق الدعاية أو العمليات العسكرية الاستعراضية، والتنسيق بين العمل العسكري والدبلوماسي، بهدف إحداث الفوضى والبلبلة في معسكر العدو للتأثير على روح الجنود المعنوية، وعلى انضباطهم، وعلى قرارات ضباطهم وقادتهم. ويقول الدكتور (أحمد نوفل) وربما كان أفضل التعاريف للحرب النفسية والعسكرية هو الذي كتبه (بول لينبارجر) [1] في كتابه المعروف "الحرب النفسية، طبعة عام 1954 م"، والذي عرفها فيه بمعناها الضيق: "أنها استخدام الدعاية ضد العدو مع إجراءات عملية أخرى ذات طبيعة عسكرية، أو اقتصادية، أو سياسية مما تتطلبه الدعاية"، ثم يعرف الدعاية بأنها: "استخدام مخطط لأي شكل من أشكال الإعلام بقصد التأثير في عقول وعواطف مجموعة معادية أو محايدة أو صديقة، وذلك لتحقيق غرض استراتيجي أو تكتيكي معين". أما بالمعنى الواسع فقد عرف (لينبارجر) العمليات النفسية بأنها: "تطبيق لبعض أجزاء علم النفس لمعاونة المجهودات التي تبذل في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية". ولعل التعريف الآتي هو الأكثر تداولاً بين المراجع وأكثر وروداً في الكتب، ويكاد يكون متفقاً عليه بين غالبية من كتبوا في المنطقة عن العمليات النفسية ... فقد أورده كل من الدكتور (حامد عبدالسلام زهران) والدكتور (مختار التهامي)، واللواء (جمال الدين محفوظ) ... وغيرهم وهو قريب من تعريف (لينبارجر) السابق وفيه أن العمليات النفسية هي: "استخدام مخطط من جانب دولة أو مجموعة من الدول في وقت الحرب أو في وقت السلام، لإجراءات إعلامية، بقصد التأثير في أداء وعواطف ومواقف وسلوك جماعات أجنبية معادية أو محايدة أو صديقة بطريقة تساعد على تحقيق سياسة وأهداف الدولة أو الدول المستخدمة".
2. مصطلحات العمليات النفسية
يعتبر مصطلح العمليات النفسية هو الأشهر والأكثر تداولاً بين المصطلحات المستخدمة في بحث هذا الموضوع، ولكننا قد نجد في المراجع والدراسات والبحوث التي تناولت هذا الموضوع مصطلحات أخرى شاعت عند الحديث عن الصراع الأيديولوجي الذي يسود العالم اليوم. وفيما يلي بعض من هذه المصطلحات:
أ. الحرب الباردة.
ب. حرب الأفكار.
ج. النضال من أجل الحصول على عقول الرجال وإرادتهم.
د. الحرب من أجل السيطرة على عقول الرجال.
هـ. حرب الفكر.
وهذه المصطلحات الخمس وظيفية، تصف دور العمليات السيكولوجية في العلاقات الدولية وهي عمليات ديناميكية فعلاً. ويبدو أن مجال الحرب الباردة أوسع، فهناك افتراض أن الحرب الباردة تشن بكل الوسائل باستثناء العمل العسكري الهجومي المباشر الضخم.
و. الحرب الأيديولوجية أو العقائدية. وهي تصف الجانب الأيديولوجي من هذا النشاط، وقد يكون لها معنى وظيفي ينطبق على الصراع بين العالم الشيوعي والعالم الغربي، ومعنى منهجي يشير إلى التكتيكات المستخدمة لمواجهة هذا الصراع.
ز. حرب الأعصاب. هو اصطلاح سيكولوجي ضيق، ونظراً لأنه ينطوي على زيادة التوتر بشكل متعمد، فإنه يقتصر عادة على المعلومات الموجهة ضد العدو في فترة الاشتباكات المباشرة.
ح. الحرب السياسية. وهذا أساساً اصطلاح بريطاني، استخدم لتأكيد فكرة وجود علاقة بين كل وسائل السياسة (مثل الدبلوماسية، الاقتصاد، السلاح ... إلخ) في زمن الحرب، وهو يقترب من معنى الحرب السيكولوجية بمعناها الواسع.
ط. المعلومات الدولية.
ي. المعلومات عبر البحار.
ك. الحملة من أجل الحقيقة.
وهذه المصطلحات الثلاثة تنطبق على عمليات نشر الحقائق والمعلومات دولياً لمواجهة المعلومات المعادية.
ل. الدعاية الدولية.
م. الدعاية.
ن. الحرب الدعائية. وهذه تشير إلى استخدام الرموز، للتأثير على سلوك الجماهير حيال القضايا الدولية التي تختلف حولها وجهات النظر.
س. حرب الكلمات.
ع. العدوان غير المباشر. وهو اصطلاح واسع ينطوي على مفاهيم التخريب وقلب نظام الحكم، وأيضاٍ المعلومات والدعاية لأهداف عدوانية.
ف. التحريك أو الإثارة. هو اصطلاح سوفيتي أساساً، يستخدم لوصف الدعاية بين الجماهير العريضة لتمييز ذلك النشاط عن الدعاية الموجهة للصفوة.
ص. الاتصال الدولي. يستخدم إلى جانب معناه الفني الصرف للإشارة إلى من يقول ماذا وبأي تأثير في العلاقات الدولية.
ثانياً: نشأة وتطور العمليات النفسية
يعود استخدام العمليات النفسية إلى أقدم العصور، وكانت آنذاك تشن بأساليب بدائية، ومنذ القدم عرف رجال السياسة والحرب والموجهون الدينيون سر الأقوال والأفعال التي تدفع الإنسان وتحركه. وقد عُرِفَت الخطابة وقصائد الشعر والحكايات الشعبية والأساطير للتأثير على أذهان الناس، كما استخدمت الحيلة والخدعة والمفاجأة. وفي التاريخ الكثير من الحوادث التي يمكن أن تروي تطبيقات العمليات النفسية.
1. العمليات النفسية في العصور القديمة
أ. العمليات النفسية عند الفراعنة
لقد عرف الفراعنة الصحافة قبل سبعة وثلاثين قرناً خلت، وكانوا يدونونها على أوراق البردي للدعاية، وظهرت عندهم جريدة القصر، وهي الجريدة التي تحدث عنها المؤرخ (هيرودوت). وفي قصة (تحوتمس الثالث) ولجوئه للحيلة والخديعة والمفاجأة عندما استعصى عليه فتح مدينة يافا في فلسطين خير صورة لهذه العمليات النفسية.
ب. العمليات النفسية عند الإغريق
كان السب والشتائم إحدى الوسائل التي استخدمها الأقدمون في منازعاتهم ففي عام (800 ق. م) وصف الشاعر اليوناني (هوميروس) القتال الذي دار بين الإغريق والطرواديين في إحدى قصائده الزاخرة بالبطولة، والتي ذمَّ فيها الطرف الآخر وصور لنا ما كان يقوم به المحاربون الأولون في كلا الجيشين اللذين يقفان وجهاً لوجه يتبادلون الشتائم، حتى يؤثر كل طرف في الروح المعنوية للطرف الآخر. هذا وقد استخدم الإغريق سلاح التخويف والخداع كثيراً، ومن الأمثلة التاريخية المعروفة استخدامهم حصان طروادة للاستيلاء على مدينة طروادة.
ج. العمليات النفسية عند الرومان
عرف الرومان كغيرهم من الأمم العمليات النفسية بأسلوبها البدائي منذ القدم، وقد استخدموا في حروبهم الحيلة والخديعة والدعاية، فقد كانت لهم صحيفة الحوادث اليومية، التي تصدر في أيام القيصر محتوية على الكثير من الأخبار المنوعة والأنباء السياسية.
د. العمليات النفسية عند الجاهلين
عرف العرب العمليات النفسية واشتهرت سوق عكاظ ـ التي كانت تجمع أبلغ شعراء القبائل ـ لممارسة أساليبها، وكان الفخر كل الفخر للقبيلة التي يفوز شعراؤها، وخاصة إذا نالت قصيدتهم شرف التعليق على جدار الكعبة، وقد ورد في الشعر العربي القديم:
ولا تحسبن الحرب سهماً ومغفراً…فإن سلاح الصائلين عقول
هـ. العمليات النفسية في الإسلام
لو عدنا إلى تاريخ الدعوة الإسلامية وما ارتبط بها من صراع فكري وعقائدي، لوجدنا من الشواهد ما لا يتسع ذكره في هذا المجال، ومنها على سبيل المثال استغلال اليهود وكفار قريش ـ الناقمين على الإسلام آنذاك ـ وفاة رسول الله بقولهم إن الإسلام لن تقوم له قائمة بعد ذلك، مما أثار في عمر بن الخطاب t الغضب ـ تحت هول الكارثة ـ فخرج من بيته حاملاً السيف في يده مهدداً كل من يروِّج النبأ، إلى أن حسم الموقف أبو بكر الصديق t بقوله: وكأني بكم لم تسمعوا قوله تعالى:] وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [(سورة آل عمران: الآية 144)، واستخدمت العمليات النفسية فيما بعد في كثير من المعارك الإسلامية، حيث قال خالد بن الوليد في معركة اليرموك عندما قال جندي مسلم: "ما أكثر الروم وأقل المسلمين"، قال خالد: "إنما تكثر الجند بالنصر وتقل بالخذلان".
و. العمليات النفسية عند المغول
استخدم المغول الجاسوسية للحصول على المعلومات اللازمة لشن حملاتهم، كما لجأوا إلى الشائعات وغيرها من وسائل المبالغة لتجسيم عدد قواتهم وعنف جنودهم، ولم يكن يهمهم ماذا يمكن أن يظن أعداؤهم ما داموا ينتفضون من الخوف والرعب، وقد وصف الأوربيون خيَّالة المغول الضاربة وإن كانت أقل عدداً من الحقيقة على أنها جحافل لا حصر لها، ذلك لأن عملاء المغول كانوا يهمسون بمثل هذه القصة في الطرقات، وإلى اليوم لا يقدِّر أغلب الأوربيين سرعة هذه القوات ولا مهارة القيادة، الأمرين اللذين توافرا للمغول عندما وجهوا لهم الضربات منذ سبعة قرون. ولقد استخدم (جنكيز خان) جواسيس العدو كوسيلة لإرهاب جنود العدو أنفسهم، عندما كان يستميل جواسيس العدو إلى جانبه يلقنهم الشائعات التي ينشرونها بين قواتهم. ولنرقب بعضاً مما قاله أول أوروبيِّ أرخ لجنكيز خان واصفاً في كلماته غير المألوفة كيف أن جنكيز خان أطلق (خلية النحل) على ملك خوارزم أي جعله يعيش في دوامة من الاضطراب. يقول المؤرخ: "ولقد جعل الجواسيس الذين بعثهم ملك خوارزم لرؤية قوة جيشه وتعداده ... يقولون في وصف الأمر بهذه الصورة: إنهم كما قال الجواسيس للسلطان كاملو الرجولة شجعان لهم مظهر المصارعين لا يستنشقون شيئاً إلا رائحة الحرب والدماء، ويبدون تشوقاً للقتال حتى إنه من النادر أن يستطيع القادة السيطرة عليهم وتهدئتهم. ومع هذه الوحشية التي يبدون فيها فإنهم يجيدون الضبط والنظام ويطيعون قائدهم طاعة عمياء ... ويقنعون بما يصل إليهم من طعام وليس من المدهش أن يختاروا الوحوش ليأكلوها .. إلخ". لقد أحاط جنكيز خان نفسه بهالة من الرعب التي جعلت أعداءه يرهبونه، وعمل أعمالاً شأنها أن تعمق تلك الرهبة، وخلع على نفسه من الألقاب والأوصاف ما يناسب هذه المكانة التي وضع نفسه فيها.
2. العمليات النفسية في الحربين العالميتين الأولى والثانية
أ. العمليات النفسية في الحرب العالمية الأولى
شهدت الحرب العالمية الأولى تحولاً جذرياً في وسائل العمليات النفسية، فبعدما كان استخدامها عرضياً أصبح فناً وعلماً قائماً بذاته، حتى أن البعض قد ذهب إلى القول بأن كسب الحرب العالمية الأولى يعود الفضل فيه للعمليات النفسية، ومهما يكن من مغالاة في هذا القول فإن العمليات النفسية كانت سلاحاً بين الأسلحة الحاسمة في حرب (1914 ـ 1918 م). وقد لعبت سياسة الحلفاء الملطفة ونقاط ويلسون الأربع عشرة، وطابع الإهمال الذي اتصف به القيصر غيلوم، ثم انبعاث القوميات البولندية والفنلندية والتشيكية .. دوراٍ حقيقياً في استسلام ألمانيا عام (1918 م).
وقد لعبت الدعاية دوراً كبيراً في هذه الحرب لأن الدول المشتركة فيها ركزت على وسائل الاتصال الجماهيري وجعلته جزءاً من حياتها المدنية. فقد كان للولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الأولى وكالتان مسؤولتان عن الدعاية الوكالة المدنية للمعلومات والتي عرفت باسم لجنة كريل، ثم الوكالة العسكرية التي لها قسم للدعاية أو العمليات النفسية في هيئة العمليات (جي ـ 2 دي) بمركز رئاسة الحملة الأمريكية تحت قيادة النقيب (هيبر بلانكتهورن).
لقد كان للجنة كريل حظاً طيباً في فوزها برئيسها (جورج كريل) الذي كان يتمتع بثقة الرئيس الأمريكي. وقد مكنه موقعه في الإدارة من المشاركة في السياسة القومية وتنسيق نشاطات دعايته مع الوكالات الحكومية الأخرى. لقد أنشأ كريل دائرة جديدة في واشنطن كانت مهمتها توفير المواد لاستهلاك الصحافة المحلية، ومعالجة مواد الدعاية للبعثات الدعائية في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا التي تنشر الرأي العام الأمريكي عن الحرب وغطت لجنة كريل كل مراحل أعمال الدعاية فقد كان لكل قسم فيها مجال مسؤوليته الذي كان يتضمن الإعلان، والأفلام، والصحافة باللغات الأجنبية والمنظمات النسائية ومكاتب استعلامات .. إلخ.
وأعدت لجنة كريل متحدثين متطوعين يتحدثون في كل المجتمعات الأمريكية، وظهرت لافتات كُتِبَ عليها بالإنجليزية ما معناه أن المتحدث لا يتكلم غير أربع دقائق وأعدت أفلاماً للدعاية عرضت على كل أنحاء العالم، وجاء وقت هدد كريل شركات العرض السويسرية بمقاطعتها ما لم تعرض أفلام الدعاية الأمريكية كما أرسل مبعوث الدعاية إلى فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وهولندا وأسبانيا والمكسيك وغيرها من بلاد أمريكا اللاتينية وكذلك الصين وروسيا. أما في مسرح العمليات فقد ركزت العمليات النفسية العسكرية الأمريكية على إنتاج المنشورات إذ إن أجهزة الراديو لم تكن موجودة كوسيلة اتصال جماهيري ومكبرات الصوت ما زالت بدائية. وركزت كذلك منشورات الدعاية الأمريكية على خفض الروح المعنوية للعدو ـ من خلال استخدام المبادئ الفطرية ـ وقد نجح هذا الأسلوب في استسلام عدد كبير من قوات العدو خاصة بعد استخدام أساليب توزيع المنشورات البريطانية والفرنسية وتحسينها باستخدام البالونات والطائرات كوسائل أساسية في التوزيع.
أما ألمانيا فلم ينجح الألمان في دعايتهم في الحرب العالمية الأولى ولاسيما في الجبهة الداخلية، ومع هذا فقد استفادت ألمانيا الهتلرية من هذا الدرس إذ وصلت النازية إلى السلطة عن طريق استمالة الرجل العادي وطبق هتلر هذا التكتيك في الميدان الدولي بادئاً بتملق الجماهير في كل مكان، وقام بالعروض التي تدل على القوة ثم انتهى إلى الوحشية الباردة التي لا يهمها ما يحدث في سبيل تحقيق أهدافها.
أما بريطانيا فقد أنشأت وزارة الخارجية البريطانية مكتباً للدعاية عام (1914 م)، ولكن الجزء الأكبر من الجهد كان يتم بواسطة المؤسسات الخاصة، ونتيجة للصعاب التنظيمية التي قابلها الإنجليز أصبح لديهم في نهاية الحرب وكالتان منفصلتان: الأولى تتكون من وزارة الاستعلامات تحت رئاسة (لورد بيفربوك) ومعها إدارة المخابرات تحت رئاسة (الكولونيل بوكان) للقيام بأعمال الدعاية خارج بريطانيا، أما الوكالة الأخيرة فهي اللجنة القومية لأغراض الحرب وتقوم بأعمال العمليات النفسية داخل بريطانيا.
وجاءت الثورة البولشفية في السنة الرابعة للحرب، واستندت هذه الثورة إلى الدعاية، ثم استمرت الدعاية السلاح الرئيسي الفعال في أيام البولشفيك، ثم عند التحول إلى الشيوعية، وقد استخدمت الدعاية البولشيفية الوسائل التالية:
(1) تنظيمات الحزب الشيوعي.
(2) اتحادات العمال.
(3) المنظمات السرية.
(4) البعثات التجارية والقنصلية.
(5) النشرات التي ترسل بالبريد.
(6) الملصقات والكتب والصحف.
(7) الأفلام والراديو.
والواقع أن ما حققته الشيوعية في ميدان العمليات النفسية كان يعتبر دائماً جزءاً خاصاً من تطبيقات الماركسية، ولم ينظر إليه على أنه فن يمكن أن تتعلمه أو تستخدمه أية شعوب لا تدين بالشيوعية، وكذلك اعتبر الاكتساح التاريخي الذي قامت به الجيوش الصينية الوطنية بين عام (1922 ـ 1927 م) مسألة صينية بحتة، وأغفلت الدروس التي كان من الممكن تعلمها من العمليات النفسية التي قام بها الشيوعيون الصينيون.
ب. العمليات النفسية في الحرب العالمية الثانية
إن مجالات الدعاية في كلتا الحربين العالميتين كانت متشابهة، غير أن مجهودات الدعاية في الحرب العالمية الثانية كانت أكبر في مجالها. فأصبح اسم العمليات النفسية الاسم الجديد للدعاية وبدأ الراديو يلعب دوراً رئيسياً في نشر الدعاية على عدد كبير من المستمعين الهدف. وفي فترة الحرب الثانية استطاعت دول المحور (روما، برلين، طوكيو) أن تنال رضا شعوبها في القيام بحرب عدوانية أولاً ثم تفتيت خصومها للحصول على النصر، وكان عليها أن تدخل الخوف والرعب في نفوس أعدائها المباشرين. وقد استخدمت الدعاية السوداء بشكل واسع النطاق قبل العمليات الحربية برغم ما بذل من جهد كبير لإخفائها. ويرى الألمان أن الدعاية هي العامل الحاسم في العمليات النفسية الحديثة الذي يمكن استخدامه لهزيمة العدو بأقل قدر من إراقة الدماء.
وقد نسقت وزارة الدعاية الألمانية جميع نشاطات الدعاية وأثرت وسيطرت بشكل كامل على كل أوجه الحياة الاجتماعية مبلورة الرأي العام المطلوب في ألمانيا وخارجها. وقامت وسائل الإعلام النازية وهيئاتها بالمبالغة في وصف آلة الحرب الألمانية التي لا تقهر. لقد اكتشف الألمان نقاط الضعف النفسية في خصومهم وتضمن هذا الضعف الخوف والرعب من الحرب، والرأي المعارض للحرب في أوروبا، فأخذوا يقدمون متطلباتهم لخصومهم موفرين لعدوهم طريقاً آخر لتفادي حرب أخرى مما مكنهم من إعادة احتلال أرض الراين وضم النمسا وتشيكوسلوفاكيا بهذا الأسلوب.
وقد استسلمت الدنمارك والنرويج والأراضي المنخفضة جزئياٍ نظراً للخوف من الحرب الذي خلقته وسائل الدعاية الألمانية. وكان للحرب الخاطفة وغارات الألمان الجوية والبرية في عمق المنطقة الخلفية لقوات الحلفاء وتدمير قياداتها أثر كبير. إضافة إلى أن قوات الحلفاء كانت تتوقع أن تكون الحرب شبيهة في استراتيجيتها وتكتيكاتها بالحرب العالمية الأولى مما وضعها في موقف نفسي لم تكن مستعدة للتعامل معه، ولقد حقق الألمان ثلاثة انتصارات في المجالات التالية:
(1) في المجال السياسي: بجعل كتلة كبيرة من الرأي العام الدولي ترى أن مستقبل العالم يتوقف على الاختيار بين الشيوعية والفاشية.
(2) في المجال الاستراتيجي. حيث تبدو كل ضحية على أنها هي الضحية الأخيرة.
(3) في الميدان السيكولوجي. باستخدام (الذعر الكامل) بجعل الشعب الألماني نفسه يخشى من تصفية الشيوعية له، كما استخدمت أفلام عمليات الحرب الخاطفة لإخافة الجماعات الحاكمة في دول أخرى ولتحطيم المعنويات، وتسبب عن ذلك ما يسمى (بالانهيار العصبي) للأمم وذلك بإبقائها دائماً في حالة شك وعدم تيقن مما يمكن أن يحدث لها غداً.
ومن ناحية أخرى لوحظ أن كلاً من ألمانيا وبريطانيا وجدتا في الإذاعة وسيلة فعالة يمكن توجيهها إلى كل دول أوروبا على الموجات العادية، بل تستطيع كل منهما أن تتداخل في الإذاعة الأخرى بالقيام بما يسمى "أعمال التشويش". ولقد ركز كل منهما على جذب أكبر عدد من المستمعين ومحاولة التأثير في عواطفهم ومعتقداتهم وولائهم.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد أنشأت أثناء الحرب العالمية الثانية وكالتين شاركتا في عمليات العمليات النفسية. كانت إحداهما مكتب معلومات الحرب الذي تولى السيطرة على الدعاية المحلية والدعاية البيضاء المستخدمة في الخارج. وقد بذلت جهود مكثفة لتعبئة الشعب الأمريكي وضمان مساندته للحرب وقامت صناعة السينما والحكومة بإنتاج أعداد هائلة من الأفلام تناولت الموضوعات الأساسية في الحرب وكان من أشهرها سلسة أفلام فرانك كابرا (لماذا نحارب) أما الوكالة الثانية فهي مكتب الخدمات الاستراتيجية الذي تتلخص مهامه الرئيسية في الآتي:
(1) جمع معلومات الاستخبارات.
(2) القيام بعمليات الدعاية السوداء.
(3) القيام بعمليات الدعاية الهدامة من مؤامرات وتقويض بالتعاون مع السلطات العسكرية النظامية. هذا وقد تم إنشاء شعبة العمليات النفسية الخاصة بالقوات المسلحة تحت خدمات الاستخبارات العسكرية للجيش (جي 2).
أما العمليات النفسية في الميدان فقد كانت تدار بواسطة شعبة العمليات النفسية في مسرح العمليات الأوروبي وفرع العمليات النفسية في الباسفيك. وتم تطوير العمليات النفسية التكتيكية الأمريكية في مسرح العمليات في البحر الأبيض المتوسط وأوروبا. فشكلت وحدات الدعاية في الجيش للعمل، مع تزويدها بمحطات لا سلكية متحركة ومطابع ذات قدرة عالية للإنتاج حتى أصبحت المنشورات التعبوية تنتج كلية ضمن وحدات الجيش للعمليات النفسية. كما استخدمت مكبرات الصوت المركبة على الطائرات والمدرعات وقد أثبتت الأخيرة نجاحها ضد الألمان في أوروبا وجزيرة أوكيناوا.
أما اليابانيون فلم يأتوا بجديد في العمليات النفسية، وقد أحسنوا استخدام الأنباء في اجتذاب المستمعين الأمريكيين واستمرت وكالة "دومي" في إصدار نشراتها بالإنجليزية وأجهزة مورس اللاسلكية في إرسال الأنباء للصحف الأمريكية، كذلك نجح الروس في معركة العمليات النفسية، إذ قاموا بتجميع مواطنيهم وتكتيلهم ضد العدو، إذ طالبوا الشعب بأداء الصلوات في الكنائس من أجل النصر، وأطلقوا على الحرب اسم "الحرب الوطنية الكبرى" وأعادوا للألمان ذكرى (فردريك) وبعثوا نصيحة (بسمارك) بعدم إلقاء جنودهم في أي مغامرة نحو الشرق من بلادهم، وأثاروا طبقة (اليونكرز) ضد النازيين غير المحترفين، الذين يحطمون الجيش الألماني، واستخدموا الأسرى الألمان في الدعاية وجعلوا الجنرالات النازيين يتحولون إلى حركة ألمانيا الحرة.
3. العمليات النفسية في العصور الحديثة
ما أن انتهت الحرب العالمية الثانية حتى بدأت دراسة نتائجها والآثار التي نجمت عنها تظهر، فكشفت هذه الدراسات عن حقيقة الدور الذي لعبته الأساليب النفسية في هذه الحرب، لدرجة أصبح من الممكن بعدها الاستمرار في استخدام هذه الأجهزة وحدها لتحقيق الهدف المطلوب، دون اللجوء إلى الأسلحة العسكرية التقليدية، فلقد تم اكتشاف أسلحة دمار من نوع جديد تستهدف تدمير الإنسان حياً، ولعلها أكثر كفاية من غيرها في تغيير قيم وأفكار ومعتقدات ومواقف الناس، وبذلك فهي تناسب طبيعة العصر الذي أصبح الصراع فيه صراع أيديولوجيات متنافرة ومتناقضة. ولقد تمخضت الحرب العالمية الثانية عن صراع مذهبي كبير بين المنتصرين، وأدى هذا الصراع إلى أن عاش العالم في جو من الاضطراب والقلق بدرجة فاقت ما كانت تتوقعه الشعوب التي قاست كثيراً من مآسي الحرب العالمية الثانية.
إن العمليات النفسية قد دخلت في مرحلة لا هي حرب فعلية، ولا هي سلام حقيقي، إذ حاول كل من المعسكرين أن يعالج المشكلات الدولية بطريقته الخاصة، ومفهومه السياسي، وتسابق الطرفان في ميدان العمليات النفسية بشكل لم يظهر في التاريخ الحديث، مما أدى إلى ما سماه (والتر ليبمان)، (الحرب الباردة) بأشكالها المختلفة. والحرب الباردة هي صراع تمتنع خلاله الأطراف المتنازعة عن اللجوء إلى السلاح الواحدة ضد الأخرى، ولقد استخدم هذا المفهوم من قبل الأمير خوان مانويل الإسباني في القرن الرابع عشر، ثم من قبل الاقتصادي الأمريكي (برنارد باروش) في مطلع عام (1947 م)، وأصبح تعبيراً شائعاً مع الصحافي والترليبمان. ويفهم منه بصورة عامة وصف حالة التوتر التي كانت قائمة بين الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والكتلة الشرقية بقيادة ما كان يُسمى الاتحاد السوفيتي، والتي حصلت بعد عام (1945 م) على أثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولكنه لم ينحصر في هذا النطاق فحسب، فقد أُطْلِقَتْ تسمية الحرب الباردة على النزاع القائم بين الاتحاد السوفيتي والصين.
وقد اتخذت الحرب الباردة عدة مظاهر متدرجة من التوتر والترقب، وكادت أن تصل إلى حد المواجهة ـ كما حدث أثناء أزمة الصواريخ الكوبية ـ إلى أن أعلن عن انتهائها رسمياً في (3/ 12/1989 م) بعد اجتماع الرئيسين الأمريكي (جورج بوش) والسوفيتي (ميخائيل جورباتشوف) في جزيرة مالطا في التاريخ المذكور. ثم ما لبثت أن بدأت دولة الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات في التفكك والانهيار المفاجئ الذي لم يكن متوقعاً أن يكون بهذه الصورة السريعة، مما أدى إلى غياب الشيوعية في كثير من بلدان الكتلة الشرقية، إلا أن الشيوعية ما زالت باقية في الصين الشعبية ودول قليلة أخرى، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بما سيحدث في المرحلة التاريخية القادمة.
ثالثاً: المشتملات والمراحل والمبادئ لتخطيط الحملات النفسية والعوامل المؤثرة عليها
تناولنا، تفصيلاً، مفهوم وخصائص وأهداف العمليات النفسية ومستوياتها. إذ اتضح أنها تعتمد، أساساً، على الفكر والكلمة للتأثير في السياسات ولتغيير المواقف الفردية والجماعية لخلق وتكوين الرأي ونشره وإشاعته في المجتمعات وبين الأفراد والجماعات المستهدفة. كما أنها ترسخ قناعات معينة من خلال ما تتناوله من موضوعات فكريه تفرض نفسها وإرادتها على الخصم إمّا بتأثير مضمونها، أو بفعل التهديد، أو بكلاهما.
…وفى إطار ما تتضمنه المراجع والكتب والوثائق الخاصة بهذا المجال، يتضح أن هناك اختلافات وتباين وإزدواجية في تحديد وتقنين وتعريف ومفهوم مكونات أو مشتملات العمليات النفسية فالبعض يَعُدّ الطرق أساليب والأساليب وسائل.
…إلا أنه، وتأسيساً على ما تقدم، يمكن تحديد وتقنين مشتملات العمليات النفسية في أربعة مكونات رئيسية، لا يمكن لأجهزة التخطيط للعمليات النفسية العمل في غياب أو قصور أيّاً منها، وهي:
1. موضوعات العمليات النفسية
قد تستغل العمليات النفسية لحملة أو عدد من الحملات يتم تنفيذ ونشر موضوعاتها من خلال مجموعة من الرسائل التي تصاغ وتُعَدّ في شكل رموز وشعارات.
2. طرق العمليات النفسية
وهي السُبُل التي يتم بواسطتها تنفيذ إجراءات وأنشطة العمل النفسي الواردة في الحملات النفسية وتشمل طرق الدعاية / الدعاية المضادة ـ الخداع والعمل / الحركة.
3. وسائل العمليات النفسية
وتعني الوسائط (أجهزة ـ معدات ـ أسلحة ـ مطبوعات ... إلخ) المستخدمة في نقل وتوزيع ونشر موضوعات ورسائل الحملات النفسية.
4. أساليب العمليات النفسية
وهي الأشكال التي تنفذ من خلال الطرق السابقة بوساطة الوسائل المختلفة وتنقسم إلى أساليب معاديه وأخرى مضادة أو ما يُطلق عليها (أساليب التأمين النفسي).
[1] بول لينبارجر، باحث عمل في مكتب المعلومات الحربية الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية وشارك في نشر الدعاية الأمريكية بين المدنيين والعسكريين في مسارح العمليات العسكرية في أوروبا والباسفيك، وكان مستشاراً للحرب النفسية في وزارة الدفاع الأمريكية، وأستاذاً للدراسات الدولية في جامعة واشنطن.
المبحث الثاني الحملات وطرق وأساليب العمليات النفسية
أولاً: موضوع الحملات النفسية
1. الحملات النفسية
أ. يُعرف موضوع الحملة على أنه المادة الناتجة عن حصيلة المعلومات، العسكرية ـ السياسية، الاجتماعية ـ الاقتصادية، والعوامل المؤثرة عليها والمتحصل عليها من مصادر المعلومات المختلفة ومعالجتها بوساطة المختصين لتحديد نقاط الضعف والتعرض ويمكن استغلالها في شن حمله نفسية أو عدد من الحملات ضد أفراد القوات المعادية لخفض روحها المعنوية وبمعنى آخر يستخدم موضوع الحملة (فكرة ـ رأس موضوع ـ موضوع كامل) من قِبل المخطط لتحقيق الهدف النفسي من خلال استغلال نقاط الضعف أو التعرض في الهدف المخاطب.
ب. تشتمل العمليات النفسية على عدد من الحملات يتم تحديد موضوعاتها أثناء مرحلة تقدير الموقف النفسي كما أنه طبقاً لتطوير المواقف، السياسية ـ الاقتصادية أو العمليات العسكرية، فقد يتطلب الموقف تعديل أو تطوير موضوع الحملة (ومن خلال التغذية العكسية) مثل الإنهيار السريع للدفاعات أو الإنسحاب السريع والغير المنظم أو تعرض القوات لخسائر كبيرة حيث تُستغل مثل هذه الأحداث كموضوع لحملة نفسية تركز على دعوه أفراد القوات المعادية للاستسلام أو الهروب من الخدمة طلباً للنجاة.
ج. تستهدف موضوعات الحملات النفسية عند تخطيط وإدارة العمليات النفسية خلال العمليات العسكرية خفض الروح المعنوية وتدمير قدرات العدو القتالية وفى نفس الوقت تركز على رفع الروح المعنوية وتعزيز القدرات القتالية للقوات الصديقة والحليفة هذا مع عدم إغفال أن أي من هذه الأهداف يريد معرفة وفهم ما يحيط به من أحداث مع تزويده بمعلومات جديده تساعده على تعديل سلوكه وتصرفاته.
د. الاختيار الجيد لموضوع الحملة لن يكون وحده كافياً لتحقيق الهدف من الحملة بل يجب على مخططي الحملات النفسية مراعاة مجموعة من الاعتبارات أكدتها الخبرات المكتسبة والدروس المستفادة من الحروب الحديثة خاصة ما أفرزت عنه حرب تحرير الكويت 1990 ـ 1991.
2. الاعتبارات وعوامل النجاح
أ. دقة وموضوعية المعلومات المستخدمة
إن صحة وموضوعية المعلومات المستخدمة في إعداد وصياغة موضوع الحملة تلعبان دوراً بارزاً في إقناع الهدف المخاطب بمضمون الرسالة الموجهة. بينما أي كذب، ولو محدود، وعدم معالجته في موضوع الحملة، قد يكون كافياً لتحطيم ثقة الهدف المخاطب، ليس في مضمون الرسالة فقط، بل في الحملة النفسية ككل. ولإيضاح ذلك، سنتناول، على سبيل المثال، وليس الحصر، واحداً من أبرز الموضوعات المغالطة التي وردت في الحملات النفسية العراقية الموجهة إلى القوات المشتركة. فقد تم التركيز، منذ بداية أزمة الخليج، وبدء وصول القوات الحليفة إلى الأراضي السعودية، على موضوع التشكيك في قدرات القوات المشتركة وعدم إمكانياتها، أو قدرتها، على التصدي للقوات والإمكانيات العراقية. بينما أفراد هذه القوات يعلمون الفرق الحقيقي في حجم وإمكانيات وقدرات كلا الطرفين. وقد أدى ذلك إلى عدم وفقد الثقة في مصداقية الحملات النفسية العراقية منذ بدايتها.
ب. تجنب معاداة الهدف / الأهداف المخاطبة
على الرغم من أنه قد يكون هناك صراع مسلح قائم أو منتظر بين دوله وأخرى، إلاّ أن القائمين على تخطيط وإدارة الحملات النفسية الناجحة دائماً، ما يعمل على تجنب معاداة الهدف / الأهداف المخاطبة سواء لأفراد قواتها المسلحة أو للسكان المحليين أو الشعب، مع العمل في الوقت نفسه، على أن يُراعى عند صياغة موضوعات الحملة ما يلي:
(1) عدم المبالغة في حجم خسائر العدو أو عرضها بطريقة مخجلة.
(2) عدم السخرية والاستهزاء أو إهانة الأفراد حتى لا يؤدي ذلك إلى المقاومة العنيدة.
(3) عدم إظهار تقصير الأفراد في القتال على أنه شيء مخل بالشرف.
ولعل من أهم عوامل نجاح الحملات النفسية التي أدارتها القوات المشتركة في حرب تحرير الكويت، هو وضع هذا الاعتبار، موضع التنفيذ، منذ بدء شن الحملات النفسية وحتى نهاية العمليات. إذ لجأ المخطط، دائماً، إلى العمل على كسب صداقة وود الهدف المخاطب (أفراد القوات العراقية) حتى أثناء تحذيرهم وطلب إخلاء مواقعهم، بينما على الجانب الآخر لجأ المخطط العراقي إلى استخدام الأساليب الرخيصة والبدائية والإشاعات الكاذبة في إعداد وصياغة موضوعات الحملات النفسية، كالسخرية والاستهزاء من قيادات ورموز الحكم للدول الحليفة مما أفقد حملاته مصداقيتها والإقبال على متابعتها.
ج. التحريض غير المباشر للهدف المخاطب
على الرغم من أن أسلوب التحريض أثناء الحرب أو الصراع المسلح من الأمور المنافية للقوانين والأعراف الدولية، إلاَّ أنه يُعَدّ أحد الأشكال التي يلجأ إليها المخطط في تصميم موضوعات الحملات النفسية وصياغتها، خاصة عند الطلب من الأهداف المخاطبة التسليم / التوقف عن المقاومة أو القتال، وعند اللجوء إلى استخدام هذا الأسلوب في إعداد موضوع الحملة يجب أن يراعى صياغتها بالأسلوب غير المباشر بالعمل ضد نظام الحكم أو قيادته فقد يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية (عناد ـ مقاومة عنيفة ـ تجاهل) وهو الخطأ الذي وقع فيه المخطط العراقي عند صياغة موضوع دعوة بعض العناصر المناوئة في المملكة العربية السعودية للقيام بعمليات تخريب داخل المملكة. فقد جاءت الدعوة في إذاعة المدينة المنوَّرة ومكة المكرمة (إذاعات عراقية إستراتجية موجهة) مفتوحة ومباشرة كان من نتائجها تجاهل تام على الطرف الآخر.
د. تزامن ودقة التوقيت
ويعني أنه لن يحقق موضوع الحملة الهدف منه، ما لم تؤخذ التطورات الهامة والحادة والمواقف الجارية في الاعتبار والإعداد الجيّد والموقوت للموضوع، مع ضرورة مراعاة أن يتم النشر في تزامن وتوافق مع الحدث وقبل أن يفقد أهميته وفاعليته. فمثلاً، لن يحقق منشور يتركز موضوعه على تحريض الخصم على عدم القتال والدعوة إلى الانضمام أو الاستسلام للقوات المهاجمة، وذلك بعد أن يتمكن الطرف الآخر من احتواء الهجوم ونجاحه.
ثانياً: طرق العمليات النفسية
تُعرف طرق العمليات النفسية على أنها أنسب الأشكال/ الأساليب التي تستخدم لعرض أو نشر موضوع الحملات النفسية بما يحقق التأثير على انفعالات وسلوكيات الأهداف المخاطبة. وطرق العمليات النفسية، هي:
·…الدعاية
· والدعاية المضادة.
· العمل/ الحركة.
·…الخداع.
…عند التخطيط للعمليات النفسية المدعمة لخطط العمليات الإستراتيجية، قد يلجأ المخطط إلى استخدام واحدة من الطرق السابقة. وطبقاً لتقدير الموقف النفسي للعملية، وتطورات الموقف، السياسي والعسكري، قد يستخدم أكثر من طريقه أو كافة الطرق، لتغطية موضوع واحد في الحملة النفسية، وهو ما ظهر، جلياً، في حرب الخليج. إذ لجأ كلاً من طرفي الصراع، إلى استخدام كافة طرق العمليات النفسية (دعاية ـ عنف ـ خداع). وبتوسع في عرض ونشر موضوعات الحملات النفسية، لضمان وصول الرسالة وتأثيرها على آراء واتجاهات وسلوك الأهداف المخاطبة، وهو ما سيبرز عند التعرض لكل طريقة، تفصيلاً.
الطرق الرئيسية للعمليات النفسية
أ. الدعاية
إن الغرض الأساسي من استخدام الدعاية، بأنواعها ومستوياتها المختلفة، كأحد الطرق الرئيسية التي يستغلها المخطط في تنفيذ الحملات النفسية المدعمة لخطط العمليات العسكرية، هو التأثير في أراء وانفعالات واتجاهات الهدف، ومن ثم، سلوك أفراد القوات المعادية، في المقام الأول، وباستخدام الوسائل المختلفة، (مقروءة ـ مسموعة ـ مسموعة ـ مرئية)، لإقناع الهدف المخاطب لتوجيهه أو الإيحاء له بإتباع سلوك محدد يخدم هدف المخطط عادة ما يكون خفض الروح المعنوية وتحطيم إرادته القتالية (إقناعه بعدم جدوى المقاومة).
وتُعَدّ الدعاية أكثر طرق العمليات النفسية، إن لم تكن الطريقة الرئيسية التي يعتمد عليها عند تخطيط وإدارة الحملات النفسية لعرض ونشر موضوعات الحملات المدعمة للعمليات العسكرية على كافة مستوياتها وصورها. ومن خلال كافة الوسائل المتاحة والمتوافرة، ولكونها تستمد قوتها وفاعليتها، من خلال السيطرة على الهدف المخاطب، بدراسة الدوافع المؤثرة على سلوكه.
وإذا كانت الدعاية تنقسم، من حيث النوع، إلى دعاية بيضاء / صريحة، ودعاية رمادية، ودعاية سوداء، فإن مخطط الحملات النفسية إلى جانب استخدام الدعاية الصريحة خلال المراحل المختلفة للصراع المسلح (قبل ـ أثناء ـ بعد انتهاء الحرب)، عاده ما يركز على استخدام الدعاية الرمادية والسوداء لِما لهذه الأنواع من إمكانيات وتأثير خطير في حال التخطيط والاستخدام الجيد لها في تحقيق الآتي:
(1) نشرها ووصولها إلى أعماق ومساحات كبيرة من مسرح الحرب.
(2) أنها تحوز قبولاً وسرعة انتشار والتأثير بين أفراد وقوات الخصم.
(3) استخدام موضوعات وأساليب يصعب استخدامها في الدعاية البيضاء:
(أ) إخفاء المصدر والاتجاه ـ تزييف وثائق ـ تزوير عمله .. تخريب.
(ب) صعوبة وضعف تأثير إجراءات المقاومة والدعاية المضادة عليها نظراً لسريتها.
(ج) قدرة عالية على تحطيم الذات، والقدرة القتالية للهدف المخاطب لسرعة انتشارها وعدم معرفة مصدرها واستخدامها لمعلومات ذات درجة سريه عالية، يصعب التشكيك فيها، أو مقاومتها.
(4) ويراعى عند استخدام الدعاية، كأحد الطرق المدعمة لخطة العمليات العسكرية، أن يتم التخطيط لتصميم الحملات النفسية، لتدار بالتوازي على كل من المستوى، الإستراتيجي والتعبوي.
ب. الدعاية المضادة
أمّا الدعاية المضادة، فتُعرف على أنها الحملات النفسية التي تقوم أجهزة العمليات النفسية بتنظيمها وإدارتها لصالح الأهداف المخاطبة (الصديقة ـ المحايدة ـ المعادية)، بهدف مقاومة والحد من نتائج الحملات النفسية المعادية. هذا ويتم بناء الحملات النفسية المضادة وتصميمها، على ضوء الدراسة التحليلية للحملات النفسية المعادية، إذ يتم من خلال هذه الدراسات، تحديد الآتي:
(1) الأهداف المخاطبة.
(2) الأهداف والمشاعر النفسية للهدف.
(3) المقترحات/ التوصيات الخاصة بتحديد أنسب الطرق والأساليب، للرد على مثل هذه الحملات، ووسائل نشرها.
ج. العمل/ الحركة (العنف)
(1) هو الطريقة الثانية للعمليات النفسية، ويُعرف على أنه أحد أشكال الإجبار الفكري والاستخدام المحسوب للعنف أو القوة أو التهديد به بهدف إثارة وإيقاع الاضطراب وخلخلة التوازن النفسي للهدف / الأهداف المخاطبة، وإجبارها على اتخاذ سلوك محدد، غير مقبول، من الهدف المخاطب، يحقق هدف المخطط، والمحتمل في فرض إرادته.
(2) يرجع استخدام العنف، بأشكاله وأساليبه المختلفة، كأحد طرق العمليات النفسية الفردية أو المخططة لدعم العمليات العسكرية والحرب إلى ما قبل الميلاد. فقد استخدمه المسلمون والتتار، ولا يزال له الأثر الفعال في العصر الحديث. ولعل أزمة الخليج، خير دليل على ذلك. فقد شهدت، منذ تفجرها، العديد من أعمال العنف، المتدرج والمخطط، والذي انتهى بالعمليات العسكرية على المسرح الكويتي، وجنوب العراق ـ ولو أخذنا على سبيل المثال العمليات الإرهابية التي نفذها الجانب العراقي، بعد بدء العمليات الجوية، وحتى نهاية الحرب، نجد أنها بلغت حوالي 75 عملية إرهابية، نُفذت في إحدى عشر دولة.
(3) إذا كان الإرهاب يُعَدّ من أهم طرق العنف المستخدمة في هذا المجال، فأن الحرب أو الصراع المسلح، من وجهة نظر العمليات النفسية، يُعَدّ عملاً من أعمال العنف الذي يستهدف إجبار أو إكراه الخصم على تنفيذ إرادة المخطط، وفرض الإرادة عليه، هذا إضافة إلى استخدام كل القوات غير النظامية ـ حرب العصابات ـ الحركات والثورات المضادة.
(4) يلجأ مخططو العمليات النفسية، إلى استخدام الإرهاب، بكافة أساليبه وطرقه، لدعم خطط العمليات العسكرية، وذلك بهدف إثارة وإيقاع الاضطراب والخلخلة النفسية والرعب من أفراد القوات المعادية وقلوب القادة وأفراد الشعب، وعلى كل من الجبهة الداخلية وجبهة القتال، في وقت واحد، بوسائل وأساليب متعددة، تؤدى في النهاية إلى هدف أساسي، هو تحطيم الروح المعنوية، وروح القتال (إلقاء الرعب في الجندي بفقده سلاحه).
(5) يُعرف الإرهاب، من وجهة نظر العمليات النفسية، على أنه الحالة الذهنية والنفسية، التي تحدث للهدف/ الأهداف المخاطبة، نتيجة للتهديد، أو الاستخدام الفعلي للعنف والقوة لتحقيق أهداف (عسكرية ـ سياسية ـ اقتصادية)، يتضمن أيّاً منها هدفين:
(أ) هدف نفسي: بإثارة دوافع القلق والخوف وخلخلة التوازن النفسي لأفراد القوات المسلحة والشعب.
(ب) هدف مادي: من خلال نسف وتدمير المنشآت الحيوية، وتهديد في الدولة، أو الدول، محل الاهتمام، بما يؤثر على المجهود الحربي للخصم.
(6) أمّا من حيث أشكال العنف التي تستخدم، وبتوسع، خلال مراحل العمليات العسكرية، وهو ما أكدته خبرات الحروب، وأخرها حرب الخليج، يُعَدّ الآتي، أبرزها وأكثرها تأثيراً:
(أ) اغتيال الشخصيات المهمة والبارزة في الدولة.
(ب) اختطاف الرهائن واحتجازهم.
(ج) الاقتحام المسلح للمنشآت والأهداف الحيوية ذات التأثير النفسي.
(د) العبوات الناسفة المخططة، ضد أهداف محدده أو عشوائية.
(7) وبالنظر إلى ما قد يحققه استخدام الإرهاب، كطريقه لإجبار الأهداف المخاطبة لانتهاج سلوك معين، يحقق هدف المخطط، والآثار النفسية السلبية، التي يتسع انتشارها بين جمهور الهدف المخاطب (قتل عشرة ترهب ألف)، نجد أنه من الضروري، عند تصميم الحملات النفسية المضادّة، أن تتضمن أهداف العمليات النفسية، في مقاومة الإرهاب ما يلي:
(أ) عزل المنظمة، أو الجماعة الإرهابية، القائمة بتنفيذ العملية، عن أي تأييد خارجي أو داخلي لها.
(ب) الكشف عن الطبيعة غير السويه، سواء للإرهابيين، أو الهدف من العملية.
(ج) كسب التأييد، وشحذ الهمم، للقوات القائمة بتصفية العمل الإرهابي.
(د) خفض الروح المعنوية للإرهابيين، وبث عدم الثقة بينهم وبين القيادة التابعة لهم.
(هـ) التقليل من شأن الحدث الإرهابي.
(و) إحباط الحملة الدعائية المصاحبة للحدث الإرهابي، من قِبل المنظمة الإرهابية التابع لها مجموعة التنفيذ.
(ز) إقناع الإرهابيين بعدم جدوى المقاومة والاستسلام.
د. الخداع
(1) يعرف الخداع، من وجهة نظر العمليات النفسية، على أنه مجموعه الإجراءات والأنشطة المنسقة لإخفاء الحقائق ومنعها من الوصول إلى أجهزة المخابرات المعادية والمتعاونة معها، وتوجيه ودعم تقديراتها وجهودها، إلى اتجاهات زائفة، تؤدى إلى قرارات مناسبة، تخدم هدف المخطط.
(2) ويهدف الخداع في الحرب/ الصراع المسلح، إلى خداع العدو عن خطة إعداد الدولة وإجراءاتها، مع إخفاء فكرة إدارة الصراع المسلح وطبيعته، وكذا استخدام القوات إجراءات التنسيق مع الدول، الصديقة والحليفة، وذلك من خلال التركيز على الآتي:
(أ) وضع أجهزة المخابرات المعادية والمتعاونة معها في حالة إقناع وتصديق للأخبار والمعلومات الزائفة.
(ب) القياس المستمر لردود فعل العدو وتحليلها.
(ج) ضمان تحقيق النتائج من خطة الخداع.
(3) ولقد بات واضحاً، وبما لا يدع مجالاً للشك، من خلال الدراسة التحليلية للصراع المسلح والحروب التي نشبت عبر التاريخ، أن الخداع، بجميع أنواعه ومستوياته، قد لعب دوراً بارزاً، ومؤثراً، بل حاسماً، في العديد من العمليات العسكرية. ويمكن القول، أنه منذ تفجر أزمة الخليج الثانية، وحتى نهاية العمليات العسكرية البرية، أي من خلال كافة مراحل الأزمة، لعب الخداع دوراً بارزاً. فنرى القيادة العراقية، على المستوى السياسي، قد نجحت في خداع معظم القيادات العربية، بالتضليل والتظاهر بعدم اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية في حل الأزمة، ثم تفاجئ العالم باجتياحها دولة الكويت، ثم تتوسع في إجراءات الخداع العسكري، بكافة مستوياته وأساليبه، (إخفاء ـ إيحاء)، لتحقيق أهدافها العسكرية، بينما تقوم القوات المشتركة، ومع بداية الحشد، بخداع الجانب العراقي عن اتجاه الضربات الرئيسية، مع الإيحاء والتظاهر بنية تنفيذ عمليات إبرار بحري بحجم كبير [1]، مما حدا بالقيادة العراقية إلى تركيز الجهود الرئيسية للدفاعات على الساحل الشرقي للخليج.
(4) يتم تنظيم الخداع وإدارته، بواسطة أعلى قياده عسكرية في الدولة، ومن خلال خطة مركزية. وتنفذ إجراءاتها على جميع المستويات، ومن خلال أنواع الخداع المختلفة (عسكري ـ سياسي) وبكافة أساليب الخداع وجميع الوسائل المتوافرة والمتاحة لهذه المستويات. هذا، ويُراعى أن تتضمن خطة الخداع لدعم العملية العسكرية الآتي:
(أ) هدف الخداع وفكرته.
(ب) مراحل خطة الخداع والمهام في كل مرحلة.
(ج) أسلوب تنفيذ مهام الخداع.
(د) القوات والوسائل والعناصر، المنفذة في كل مرحلة.
(هـ) توقيتات ومسؤوليات التنفيذ.
(5) ويجب التأكيد على أن تتضمن فكرة الخداع ما يلي:
(أ) الأهداف السياسية ـ العسكرية المطلوب تضليل أجهزة المخابرات، المعادية والمتعاونة، معها عنها.
(ب) الموقف، السياسي والعسكري، والموقف الإستراتيجي ـ العسكري، والعوامل السلبية الخارجية، التي تتعارض مع السياسة العسكرية للدولة.
(ج) أهداف الخداع لكل مرحلة، وأسلوب التغلب على العوامل السلبية الخارجية.
(د) أجهزة المخابرات المعادية وأسلوب التغلب عليها.
(هـ) التوقيتات المنتظرة لاستقبال رد فعل العدو.
(6) أساليب الخداع
تجمع كافة المراجع التي تناولت هذا الموضوع ومن خلال الخبرات والدروس المستفادة إلى أن هناك أربعة أساليب تستخدم بتوسع في تنفيذ إجراءات الخداع على كافة المستويات وهي:
(أ) الإخفاء
تُعَدّ من أكثر الأساليب فاعلية لحجب الحقائق والنوايا المستقبلية والإمكانيات والقدرات المعنوية للقوات المسلحة. وعادة ما يكون تحقيق ذلك من خلال:
·…التقيد الصارم بالسرية في كافة التحضيرات الخاصة بالعمليات العسكرية. كذلك، في تداول الوثائق السرية وحفظها.
·…تحديد عدد الأفراد المصرح لهم بالاشتراك في إعداد الوثائق الخاصة بالعمليات، ومتابعتهم.
·…إعداد الوثائق الإستراتيجية المهمة من نسخة واحدة (باليد)، مع إعطائها أعلى درجات السرية، والمحافظة على سلامتها.
· إتباع الأساليب العلمية، والاستخدام الجيد للأدوات والمواد الخاصة بإخفاء القوات وتمويهها (أفراد ـ أجهزه ـ معدات ... إلخ).
·…الإعداد الجيد لخطة المخابرات المضادة، مع الإصرار على تنفيذ إجراءاتها بكل دقة.
(ب) التقليد
وهو أحد أشكال الإيحاء الذي يستخدم، بتوسع، خاصة على المستوى العسكري (تعبوي ـ تكتيكي)، ويتم بتقليد الأهداف المختلفة (أسلحة ـ مطارات ـ معدات ـ منشآت ... إلخ). في مناطق هيكلية بما يمكن من خداع أجهزة ومصادر جمع المعلومات عن فكرة العمليات (مناطق تمركز ـ اتجاهات عمل وضربات رئيسية). وتستخدم معدات القتال والأسلحة الهيكلية وكذلك الأسلحة المدمرة/ عاطلة بتوسع لتنفيذ التقليد [2]، ونشير هنا إلى أهمية تخصيص وحدات/ عناصر، تقوم بتنفيذ خطة القرائن الدالة عن نشاط الهدف (تحركات ـ صوت ـ ضوء ـ نشاط لاسلكي ... إلخ)، أو ما يُطلق عليه "إجراءات بعث للحياة".
(ج) التظاهر
وهو أكثر أساليب الخداع صعوبة وتكلفة، كما أنه يتطلب التخطيط الجيد، والسرية الكاملة [3]، ووقت أطول من باقي الأساليب. إلاّ أن نتائجه الإيجابية، لها تأثير حاد على سير العمليات العسكرية. ويستخدم هذا الأسلوب على كافة مستويات الخداع العسكري، وعادة ما يركز على إخفاء هدف مهم، وإظهار هدف أخر أقل أهمية، لجذب الانتباه إليه، أو الخداع عن اتجاه الضربات الرئيسية، والحشود. ومن أبرز الأمثلة التي شهدتها الحرب العالمية الثانية، في هذا المجال، عملية إنزال نورماندي، حيث تم خداع أجهزة الاستخبارات الألمانية، وإظهار ما يؤكد قيام عملية الغزو على ساحل كاليه (200 ميل) شمال نورماندي، كذلك عملية غزو جزيرة صقلية، وإظهار الحشود، وأن هدف الغزو هو جزيرة سردينيا [4].
(د) الإعلام المخادع
ويستخدم هذا الأسلوب في تزاوج وتنسيق كامل لأساليب الخداع، ومن خلال الخطة المركزية للخداع الإستراتيجي. وتلعب وسائل الإعلام وأجهزتها، دوراً بارزاً في تنفيذ إجراءات الخداع الإستراتيجي، مع مراعاة أن تصمم الرسالة (الخبر المزيف)، في وسائل الإعلام، بأسلوب علمي دقيق، تحسباً للنتائج العكسية. كما يلزم على أجهزة الاستخبارات المراقبة المستمرة للهدف المخاطب لمعرفة ردود الأفعال (نتائج التأثير)، ومدى تأثير هذه الإجراءات على قراراته، أو ردود فعل العدو.
ثالثاً: أساليب العمليات النفسية
تُشكِّل في مجملها المكون الثالث من مشتملات العمليات النفسية، والتي تُعرف بكونها الأشكال أو الصور التي يستخدمها مخططو العمليات النفسية، بعد الدراسة، العلمية والموضوعية، للعوامل المؤثرة على الهدف، أو الأهداف المخاطبة، واتجاهاتها ومشاعرها، لإعداد موضوعات ورسائل الحملات النفسية المقترح استخدامها وصياغتها، في شن أو توجيه الحملات النفسية الأساليب التالية وتشمل:
1. الأساليب المعادية
هي الأساليب المستخدمة في الحملات النفسية التي تشن ضد الدول/ الجماعات المعادية وتشمل الآتي:
أ. الديموجوجية
استخدام تصريحات أو معلومات تبدو كأنها تؤيد وتخدم مصالح الدولة أو الجماعة المخططة وإظهارها على أنها تمثل الرأي العام، الدولي والإقليمي. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، قيام إسرائيل، من خلال المنظمات الصهيونية، الداخلية والخارجية، بإصدار نشرات وتصريحات وشائعات (الحقد والكراهية)، توجه إلى جميع دول العالم، وتدعي فيها تأييد دول العالم لقضيتها ومواقفها السياسية المختلفة، وعادة ما تستخدم في هذا الأسلوب، أحد أو مجموعه من وسائل العمليات النفسية لنقل مواد الحملة ونشرها. وتعتبر توجيهات هذا الأسلوب وتوظيفه، من أكثرها توظيفاً من الجانب الإسرائيلي في شن حملاته النفسية.
ب. عمليات التخريب النفسي
تُعَدّ عمليات التخريب النفسي، السلاح الرئيسي في الأساليب النفسية المعادية، الذي يستهدف، أساساً، التأثير في اتجاهات الأهداف وسلوكياتها، لخلق اتجاه عام لديها، ودفعها إلى القيام بالاضطرابات، ونشر الذعر والفوضى أو التقاعس، وسلبية الأداء. وعادة ما تقوم أجهزة الاستخبارات في الدولة بتخطيط هذه العمليات وإدارتها، وعادة ما تشمل:
(1) أساليب الضغط النفسي
تستغل حملات التخريب النفسي لتوجيه الصدمات المفاجئة، واللعب بالعواطف والانفعالات، مع التوسع في استخدام الآراء الزائفة، مستنده في ذلك على فلسفة اللاعقلانية، التي تعتمد على أن سلوك الأفراد، غالباً، ما تحكمها دوافع غير واعية، مثل الغرائز الوراثية، والعواطف والانفعالات، والمؤثرات الخارجية، (عقائدية ـ دينية). أي أنها تسعى إلى الأفراد وتستغل في هذه الأساليب شائعات الخوف والحقد على نطاق واسع.
(2) أساليب التخويف والردع
وتشمل كافة المجالات، الاقتصادية ـ السياسية ـ العسكرية. وتهدف إلى إجبار الدولة، أو المجموعات المستهدفة، إتباع سلوك معين، يخدم، هدف أو أهداف، الدولة المخططة. وأبرز الأمثلة على ذلك، في المجال الاقتصادي، الحملات التي تهدف إلى التخويف من تأثير نظام اقتصادي معين (رأسمالي ـ اشتراكي ـ تكتلات اقتصادية ... إلخ)، على المجتمع، أو إحداث اضطرابات في النظام المالي للدولة الهدف، وذلك بتزييف العملة وتهريبها ـ عمليات غسيل للأموال.
أمّا في المجال العسكري، فتلجأ الحملات المعادية إلى الردع والتخويف بالقوة الهائلة والمزعومة للدولة، أو امتلاكها أحد وسائل الردع، المتمثل في الأسلحة فوق التقليدية. وأبرز الأمثلة على ذلك، أساليب الردع المباشر والغير مباشر، التي تشنها إسرائيل، حالياً، ضد الدول العربية بقدرتها وامتلاكها لسلاح نووي، يمكنها استخدامه طبقاً للمواقف. وتلعب الشائعات، بأنواعها، دوراً رئيسياً في نجاح هذا الأسلوب، إلى جانب إصدار الصور والوثائق المزيفة. كذلك الحملات المعادية والمرصودة، حالياً، بين الهند والباكستان، وهي تأخذ شكل الردع المباشر.
(3) الشائعات
وتُعَدّ الشائعات بأنواعها، من أبرز أساليب ووسائل وطرق العنف وأكثرها استخداماً وتأثيراً على الهدف المخاطب، بما لها من خصائص وقدرات على افتقاد الهدف/ الأهداف المخاطبة ثقتها، في قيادتها وسلاحها وقوتها، وكذلك ثقتها في النصر. ونشير هنا، إلى أن مثل هذا المستوى من الشائعات، يتم له التخطيط والصياغة واختيار وسائل النشر، بوساطة أجهزة العمليات النفسية، ومن خلال الحملات النفسية التي تهدف إلى تدمير/القضاء على الروح المعنوية، وإرادة القتال بين أفراد القوات المسلحة.
(4) افتعال الأزمات
ويتأتي هذا بالتخطيط والتنفيذ لبعض الأحداث/عمليات التخريب المادي، التي تؤدي، في النهاية، إلى ظهور أزمة (سياسية ـ اقتصادية ـ اجتماعية ... إلخ)، لخلق حالة من التوتر والقلق، تؤدي إلى الخوف، ومن ثم، الرضوخ لمطالب المخطط. ويتم ذلك من خلال الوقيعة واصطناع الأخبار المزيفة، وكذلك التحريض على أعمال التخريب، أو تنفيذ أعمال التخريب المتعمد، مثل قيام الإذاعة العراقية الموجهة، " المدينة المنورة "، بالتحريض المباشر للعناصر المناوئة، في المملكة العربية السعودية، بإشعال الحرائق، ونسف محطات الوقود، والأهداف المهمة بها. كذلك افتعاله لأزمة التلوث البيئي، بضخ النفط في مياه الخليج، وإشعال آبار البترول في الكويت.
(5) أسلوب التقارب (الصداقة ـ الحب)
ويُستخدم هذا الأسلوب، لمحاولة التقارب مع كافة جماعات وأفراد القوات المسلحة (خاصة في أسرى الحرب)، للدولة المستهدفة، بما يحقق إمكانية تحييد هؤلاء الأفراد (الأهداف)، وفتح قنوات اتصال معها، وضمان استمرارهم في استقبال الحملات النفسية، ومن ثم، تعديل سلوكهم وتغييره، بما يحقق هدف المخطط.
(6) أسلوب التشكيك وعدم الثقة
ويهدف هذا الأسلوب، إلى بث الشك وعدم ثقة الأفراد والجماعات داخل الدولة الهدف، في قدرة القيادة السياسية والعسكرية وكفاءتهما، في تحقيق الأهداف والغايات القومية للدولة. كذلك بث عدم الثقة بين الضباط والجنود، في أسلحتهم ومعداتهم العسكرية، قبل، وأثناء، وبعد، الصراع المسلح. وهنا يبرز دور كل من الشائعات والسخرية والفكاهة والنكتة والرسوم الكاريكاتورية، كوسائل رئيسية في تنفيذ هذا الأسلوب.
(7) أسلوب التهكم ـ الاستهزاء ـ السخرية
ويهدف إلى النيل من بعض الفئات، أو الشخصيات، (سياسية ـ عسكرية ـ اقتصادية)، لتحطيم كبريائها وتحقيرها وتجريحها. وهنا يجب الإشارة إلى أهمية وصعوبة انتقاء الكلمات والألفاظ المناسبة، من الناحية الأدبية والأخلاقية، حتى لا يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية. ويُعَدّ ما ورد في القرآن الكريم من أمثلة، دليل إلهي للمخطط العربي في هذا المجال.
(8) عمليات غسيل المخ (الإقناع الإجباري أو قتل العقل)
هي أي محاولة تستخدم لتوجيه الفكر الإنساني، أو العمل ضد رغبة الفرد الحر، أي ضد إرادة الفرد وعقله. كما يطلق عليها "عمليات الإقناع الإجباري"، بهدف تحطيم الشخصية الفردية، وعادة ما يستخدم هذا الأسلوب ضد أسرى الحرب. وتتم عملية غسيل المخ من خلال مرحلتين أساسيتين هما:
(أ) مرحلة العزل
وتتم بعزل الهدف عن باقي الأفراد، وصور الحياة العامة (العالم الخارجي)، وإجراء عمليات الضغط الجسماني ـ التهديد ـ وأعمال التعذيب والإذلال النفسي، مع استغلال مؤثرات الجوع والعطش والآلام والعقاقير المخدرة، التي تضعف قدرة الفرد على التحكم في إرادته، وهو ما يعني (محو أي أفكار مكتسبة)، بما يفقد الفرد الثقة في النفس، وإيمانه بعقائده، وبما يجعله أكثر استعداداً لتنفيذ أي توجيهات تتطلب منه، أن يسلك سلوكاً معيناً.
(ب) مرحلة الغرس/ التحول
ويتم من خلالها، تلقين وغرس الأفكار والعقائد الجديدة المطلوب توصيلها من المخطط إلى الهدف، مع حمل الهدف وتشجيعه على تعلم معايير سلوكية جديدة، وهو ما يعرف بـ "الإقناع بالواقع المزيف"، وعادة ما يستخدم هذا الأسلوب مع أسرى الحرب ـ العملاء والمساجين والمعتقلين.
2. أساليب الحملات النفسية المضادة
تقوم أجهزة العمليات النفسية، على كافة مستوياتها، (قوميه ـ إستراتيجية)، في الدولة، بدراسة الحملات النفسية المعادية وتحليلاها، لتحديد أهدافها ونتائجها، ومدى تأثيرها على الأفراد والجماعات. ثم تدرس على ضوء تخطيط وشن الحملات النفسية المضادة، متبعة في ذلك أحد الأساليب التالية:
أ. أسلوب التكييف
…ويُعَدّ من أقوى الأساليب المضادة، تأثيراً، وأصعبها، تخطيطاً وتنفيذاً. إذ تتطلب وقتاً طويلاً، وإمكانيات كبيرة، لاعتمادها، أساساً، على نشر التعليم والثقافة، والتعريف بأساليب الحملات النفسية المعادية بين جميع أفراد المجتمع، على كافة مستوياته، العلمية والثقافية، من خلال المراحل الأولى للتعليم.
ب. أسلوب السبق أو الإحباط
…ويعني قيام الأجهزة المعنية، بالإعلان والتحليل المسبق، لأحد الموضوعات التي قد تستغلها الأجهزة المعادية أو المعارضة، كموضوع لحملاتها النفسية المعادية، مثل الإعلان والتحليل المسبق عن تدريب مشترك للقوات المسلحة مع أحد الدول الأجنبية أو عقد معاهدات/ إعطاء تسهيلات عسكرية، لأحد الدول.
ج. التفنيد المباشر
وتقوم فيه الأجهزة المعنية، بالدراسة والتحليل والرد المباشر، على الحملات المعادية، ومراعاة أن يكون هذا الأسلوب كاملاً ومؤثراً وموقوتاً، حتى لا يؤدي إلى نتائج عكسية.
د. التفنيد الغير مباشر
هو عرض لموضوعات مناسبة، بهدف تفنيد الحملات المعادية وتكذيبها، بطريقه التخمين والتلميح، لإظهار وجه الحقيقة بطريقه غير مباشرة.
هـ. الأسلوب التحويلي
ويعني جذب انتباه الهدف المخاطب، لتحويله إلى موضوعات فرعية بعيداً عن الموضوع الأصلي للحملة النفسية المعادية، وذلك باستخدام موضوعات جديده، أو التركيز على موضوعات أخرى ثبت تأثيرها وأهميتها للهدف المخاطب.
و. التقليل من أهمية الموضوع
ويستخدم هذا الأسلوب في حالة عدم إمكانية المخطط استخدام أي من الأساليب السابقة، بنجاح، إذ يعمد إلى التصغير من شأن الموضوع، أو تهميشه، متبعاً أحد الأساليب التالية:
(1) الاقتصار على أبرز نواحي الضعف في الموضوع المعادي في صالح المخطط.
(2) التلميح بعدم إمكانية إذاعة الموضوع، بالكامل، في الوقت الراهن، لظروف خاصة (كشف نوايا ـ التأثير على سير تحقيق ... إلخ).
(3) الاكتفاء بإشارة عابرة أو مختصرة عن الموضوع، لمجرد الاحتفاظ بالثقة في عملية التبليغ، ثم إقفال الموضوع، نهائياً.
ز. أسلوب الصمت
ليس من المفضل أن تتولى الحملات النفسية المضادّة الرد على كل ادعاءات الحملات المعادية ذات الموضوعات التافهة، أو التي لم تحقق نجاحاً كبيراً، أو يكون الهدف منها النشر فقط. لذا، فإن هذه الموضوعات تواجه بالصمت والتجاهل، حتى يطويها النسيان، ويفوت على الحملة المعادية الهدف منها.
ح. أسلوب فرض القيود
وهو أصعب الأساليب المضادّة، فضلاً عن تأثيره العكسي على الهدف المخاطب، إذ تلجأ أجهزة الدولة إلى التشويش على وسائل العمليات النفسية (الإذاعات)، وحظر تداولها واستخدامها، وعادة ما تلجأ إليها الأجهزة في المناطق المحتلة.
[1] عمليات التدريب على الإبرار البحري بقوات كبيرة / تمهيد نيراني بحري مع عدم تنفيذ أي عمليات إبرار بحري طوال مدة العملية بينما كان اتجاه الضربات الرئيسية للقوات البرية من اتجاه الجنوب الغربي.
[2] توسع الجانب العراقي في استخدام أسلوب التقليد لخداع وسائل وعناصر الاستطلاع للقوات المشتركة وقد ظهرت نماذج من الأسلحة والمعدات المصنعة من مواد مطاطية مدهونة بطلاء معدني يصعب على وسائل استطلاع المتطورة اكتشاف كونها هيكلية.
[3] عادة ما يكون الهدف المخاطب المطلوب إقناعه بالتظاهر هو أجهزة المخابرات ومصادر جمع المعلومات.
[4] عملية ميجور وليم مارتن (الرجل الذي لم يكن) واستمرت خلال الفترة من 1942 ـ يول 1943.
المبحث الثالث وسائل العمليات النفسية، والمراحل والمبادئ أثناء الحرب
أولاً: وسائل العمليات النفسية
تُعرف وسائل العمليات النفسية، على أنها الأدوات أو الوسائط، المتوافرة والمتاحة، التي يستخدمها مخططو العمليات النفسية لنشر رسائل موضوعات الحملة أو الحملات النفسية وتوصيلها إلى الأفراد والجماعات المستهدفة، أو ما يُطلق عليها " الهدف أو الأهداف المخاطبة ".
وتمثل وسائل العمليات النفسية، الأداة الرئيسية في عملية الاتصال، التي يتم بوساطتها، أو من خلالها، نقل وتوصيل رسائل الحملات النفسية من المرسل إلى المستقبل. إلاّ أن لكل وسيلة من هذه الوسائل خصائص ومميزات ونقاط ضعف يجب على مخطط العمليات دراستها وتحليلها جيداً، مع مراقبة نتائج تأثير الحملة، والاعتبارات المختلفة لتطوير واختيار الوسيلة المناسبة لتوصيل الرسالة. (اُنظر شكل استخدام الحرب النفسية في العمليات العسكرية)
ولا جدال، أنه في ظل ثورة الاتصال والتطوير المعقد والهائل، في كافة أشكالها وأنواعها وإمكانية توافرها واستقبالها الفوري وقت وقوع الحدث، أصبحت وسائل الاتصال تضطلع بدور مؤثر. ومن الأمثلة على ذلك، ما شهدته حرب الخليج من استخدام لكافة هذه الوسائل، بتعقيداتها، إذ عُرض وبُث بعض العمليات العسكرية وقت نشوبها ونتائجها، حتى أنها وصلت لعرض أنواع من الذخائر المتقدمة لحظة أصابتها المباشرة لهدف صغير في عمق المسرح الكويتي.
1. الوسائل المرئية (المطبوعة ـ المقروءة)
أ. تُعَدّ الوسائل التي يتضمنها هذا التقسيم، من أقدم الوسائل وأكثرها استخداماً خلال مراحل الأزمات وتفجر الصراع المسلح، لما تتميز به من إمكانية الاحتفاظ باحتياطي كافٍ منها، مع إمكانية تمريرها من يد إلى يد، مع تغطيتها لمساحات شاسعة. كما يمكن فحصها، بعناية، واكتشاف أي أخطاء بها قبل توزيعها ـ وعلى الرغم من تعدد أنواع المطبوعات (نشرات ـ صحف ـ رسوم ـ صور ـ كتب ـ قصص ـ لافتات ... إلخ)، إلاّ أن المنشورات لا تزال تمثل حجر الأساس، وأكثر هذه الأنواع من الوسائل استخداماً في الحملات النفسية، خاصة خلال تفجر الصراع المسلح. لذلك، سيتم التركيز خلال هذا القسم على المنشورات، كواحد من أبرز الوسائل وأكثرها استخداماً في الحرب.
ب. المبادئ الأساسية في إعداد المنشورات
(1) توفر الكوادر المؤهلة لأعداد المنشور سواء من حيث اختيار وإعداد وصياغة الموضوع، وإعداد وتصميم الرسومات، واختيار وتركيب الألوان والطباعة ... إلخ.
(2) كلما كان الموضوع والكتابة مؤثراً في قارئ المنشور، كلما حقق الهدف منه (سرعة الانتشار والاقتناع بمضمون الموضوع). ويتأتى ذلك باختيار الموضوعات المنطقية أو العاطفية وتنوعها، مع التركيز على الرسوم، واستخدام كلمات قليلة ومؤثرة.
(3) الموضوعية في صياغة مضمون المنشور، وعدم تحيز كاتبه لوجهة نظر محدده، أو ميول شخصية، أي أن يكون الموضوع غير مغرض.
(4) الإيجابية من خلال الروح الهجومية التي يجب أن تتصف بها الحملات النفسية، وألاّ يُكتفى في إعداد المنشورات، بأن يكون الغرض من موضوعاتها الرد أو تفنيد الدعاية المعادية.
(5) المرونة في إعداد المنشور، من حيث الشكل والمضمون، لمجابهة إجراءات القيادة المعادية لمنع وصول المنشور إلى الأهداف المخاطبة [1].
ج. ومن أهم مزايا المنشورات ما يلي:
(1) الاستمرارية أو الإستدامة، سواء من حيث كونه تسجيل مستديم باقي الأثر، أو من حيث إمكانية الاحتفاظ به بواسطة الهدف، والرجوع إليه.
(2) سهولة التداول، وتعدد وسائل النشر والتوزيع.
(3) إمكانية استخدام التخيلات والتصورات الخطية، لما يلائم ذكاء والمستوى التعليمي والثقافي للهدف/ الأهداف المخاطبة.
(4) قد يحقق المنشور تأثيرات أخرى إضافية في الهدف المخاطب بخلاف المضمون المكتوب أو المرسوم، فقد تثير الألوان أو شكل حروف الطباعة وحجمها مشاعر الهدف، لفكرة أخرى غير المستهدفة في المضمون.
(5) فقد يستغل المنشور في أكثر من هدف، كاستغلاله ترخيصات مرور، أو بطاقات آمنة، تشرح لجنود العدو وتتيح لهم فرصة وأسلوب تسليم أنفسهم للقوات الصديقة. (اُنظر شكل بطاقة مرور أمن)
د. أما من حيث عيوب المنشورات فتتركز في الآتي:
(1) يتطلب وقتاً طويلاً للأعداد ـ التحضير ـ الطباعة ـ تعبئه المنشورات وتوزيعها.
(2) عدم توافر أو محدودية الإمكانيات والمتطلبات الخاصة بإعداد المنشورات، خاصة من حيث:
(أ) حجم الطاقات والقدرات الإنتاجية، لماكينات الطباعة المتوفرة.
(ب) توافر الورق والأحبار اللازمة.
(ج) التوازن المطلوب، من حيث حجم عدد النسخ المطلوبة مع عاملي الوقت والإمكانيات.
(3) عدم توافر وسائل النشر والتوزيع ومدى إمكانية المتوفر منها من حيث (السعة ـ مدى التوزيع).
(4) عدم ضمان وصول المنشورات إلى الأهداف المحددة بالنظر إلى الإجراءات المضادّة التي قد يقوم بها العدو.
ومما سبق يبرز أمام المخطط عقبة أساسية، تتطلب الخبرة والمرونة، للإجابة وسرعة التصرف: هل مع وجود أي من العقبات السابقة أو جميعها يتوافر الوقت المناسب لنقل الرسالة إلى الهدف؟ وما هي الوسيلة البديلة؟
هـ. أنواع المنشورات
تستخدم المنشورات في جميع مراحل الحرب، سواء قبل، وأثناء، وبعد الحرب. إلاّ أنه خلال كل مرحلة، وطبقاً للمستوى (إستراتيجي ـ عملياتي ـ تكتيكي). وتطورات الموقف، العسكري والسياسي، يتطلب من المخطط استخدام نوع محدد من جملة أنواع المنشورات التي تختلف في أغراضها، موضوعاتها، شكلها، ونوع الهدف المخاطب، التي ستوجه إليه هذا. وتُعَدّ من أكثر الأنواع التالية استخداماً، خلال مراحل الحرب، المنشورات السياسية، العاطفية، العملياتية، الإعلام/ الأخبار، الخداع، النداء، تصاريح المرور، التخويف، الدعوة ... إلخ. (اُنظر شكل بطاقة دعوة)
و. توزيع المنشورات
(1) يتم توزيع المنشورات على الهدف المخاطب من خلال خطة للسيطرة ومراقبه الحملة ومن خلال عدة وسائل يتوقف استخدام أية وسيلة منها على مجموعه من العوامل التي من خلالها يتم تحديد انسب وسيله ومن هذه العوامل:
(أ) الهدف المخاطب وموقعه (في العمق التكتيكي ـ العملياتي ـ الإستراتيجي).
(ب) تاريخ وتوقيت التوزيع، وهل هو في المرحلة التحضيرية؟ أم أثناء إدارة العمليات؟ …إلخ. وكذلك توقيتات النشر.
(ج) حجم ومساحات الهدف/ المنطقة المطلوب تغطيتها بالمنشورات.
(د) حجم وإمكانيات الوسائل المتوفرة والمتاحة للتوزيع.
(هـ) أبعاد (مقاسات) ونوع المنشورات المطلوب توزيعها.
(و) الإجراءات المعادية لمقاومة المنشورات (تجريم ـ جمع ـ دعاية مضادة ... إلخ).
(2) وتتركز عموما الوسائل المستخدمة في توزيع المنشورات في الآتي:
(أ) ذخائر المدفعيات، والهاونات، خاصة من الأعيرة الكبيرة، وعادة ما تستخدم هذه الوسيلة، على المستوى التكتيكي، ولتغطيه مساحات وأعماق محدود خلال مرحلتي التحضير وإدارة العملية.
(ب) القوات الجوية، ومدى توافر طائرات النقل، وقنابل الطائرات المقاتلة، كذلك الطائرات العمودية التي يمكن استخدامها، لمصلحة إطلاق ونشر المنشورات.
(ج) بوساطة عناصر الاستطلاع والعملاء والمندوبين.
(د) بواسطة البالون [2].
2. الوسائل المسموعة
أ. تُعَدّ هذه الوسيلة، واحدة من أهم وسائل العمليات النفسية وأكثرها استخداماً خلال مراحل نشوب الصراع المسلح، لما تمثله من سرعة واتساع نطاق التعامل مع الأهداف المخاطبة ويفوق أي وسيله أخرى.
ب. وفى ظل التطوير الهائل للوسائل المسموعة، كوسيلة اتصال لنقل الرسالة، نجد أنها تتميز بالعديد من السمات أبرزها ما يلي:
(1) سرعة إعداد وتجهيز النصوص والبرامج الإذاعية، التي تتعلق بالأخبار، وتطورات العمليات العسكرية ونشرها، على مواجهات شاسعة وإذاعتها ونشرها على الأهداف المخاطبة في الوقت المناسب.
(2) اتساع مواجهة وعمق نطاق التغطية، مع سهولة وصولها إلى المناطق المحاصرة أو المحتلة.
(3) تنوع أشكال النصوص والبرامج المستخدمة وأساليبها (إخبارية ـ إعلامية ـ ترفيهية ـ حديث ـ تمثيلية ... إلخ)، بما يحقق مبدأ التشويق وجذب الانتباه للهدف المخاطب وإخفاء المضمون الأساسي للدعاية.
(4) سهولة الإدراك وعدم الاحتياج لجهد كبير لفهم واستيعاب الرسالة.
(5) القدرة على إثارة الانفعالات التي تفتقر إليها الكلمة المحررة على الورق. كذلك سرعة الإقناع باستغلال التأثير الناتج عن اختلاف نبرات الصوت واللهجة والمؤثرات الصوتية.
(6) صعوبة المراقبة والحظر على الاستماع لهذه النوعية من الوسائل (إذاعات ـ مكبرات صوت ـ شرائط كاسيت ... إلخ)، وذلك من قِبل القيادات على مختلف مستوياتها.
ج. أمّا من حيث أوجه القصور التي قد تبرز، كنقاط تعرّض، في استخدام هذه الوسيلة، فتتركز في الآتي:
(1) تعرّضها إلى أعمال الإعاقة والتشويش، فضلاً عن الأعطال الفنية، وسوء الأحوال الجوية، الإرسال ـ المناورة بالمحطات الإذاعية ـ تدمير أجهزه الإعاقة…إلخ.
(2) إجراءات الحظر، وفرض القيود الأمنية، التي تحظر الاستماع إلى هذه الوسائل أو نقل موادها على شرائط الكاسيت.
(3) تعرّض هذه الوسائل لأعمال التدمير، سواء بالقذف الجوي أو أعمال التخريب.
(4) عدم توافر الأجهزة اللازمة لاستقبال الرسائل المذاعة من هذه الوسائل، سواء نتيجة عدم كفايتها أو بسبب فرض القيود [3].
(5) تنافس الإذاعات، المعادية والمحايدة، مع الإذاعات الموجَّهة بغرض جذب انتباه الهدف المخاطب. كذلك إمكانية قيام الإذاعات المعادية بتقليد أو تضليل (خداع) أحد الإذاعات المحبوبة، وبث برامجها الدعائية، لتضليل الأهداف المخاطبة.
(6) صعوبة تقييم نتائج الحملات النفسية، وقياس رد الأفعال للهدف المخاطب.
د. تتضمن الوسائل السمعية التي يستخدمها المخطط، في الحملات النفسية، ما يلي:
(1) الإذاعات الإستراتيجية
(أ) من أهم الوسائل المتاحة، والتي تستغل، بالتنسيق مع وزاره الإعلام، لاستخدامها خلال مراحل الصراع المسلح. كما يمكن، بالتنسيق مع الدول، الشقيقة والصديقة، تحديد مساحات زمنية على خرائطها الإذاعية، لاستغلالها في توجيه البرامج والموضوعات الإذاعية إلى الأهداف المخاطبة، سواء المعادية أو الحليفة أو الصديقة، وعادة ما تتضمن موضوعات التنسيق:
·…نوع ومساحة البرامج الإذاعية.
·…موعد إذاعة هذه البرامج.
·…طرق تسجيل البرامج والنصوص الإذاعية ومراقبتها والتصديق عليها.
· كما قد تستخدم الإذاعات الإستراتيجية في معاونه العناصر السرية (عملاء ـ مندوبين) العاملة داخل الدولة الهدف وذلك بنقل المعلومات والتوجهات الهامة والعاجلة والتي تتطلب تنفيذ إجراءات عاجله [4].
(ب) تصمم البرامج والنصوص الإذاعية، في تنسيق وتزامن، مع أنواع المنشورات وموضوعاتها، التي تتضمن وثيقة مراقبة الحملة النفسية. وعاده ما تتضمن خريطة الإذاعة الإستراتيجية لمصلحة دعم الحملات النفسية البرامج التالية:
·…البرامج الإخبارية
تشمل البرامج الإخبارية أخر أنباء الموقف والحالة في جبهات القتال والدول محل الاهتمام. إلى جانب الأنباء عن انتصارات القوات الصديقة، والموقف الداخلي، ومواقف الدول، الصديقة والمحايدة ... إلخ. وتنقسم البرامج الإخبارية إلى:
·…خبر إعلامي
وهو عبارة عن خبر مختصر جداً، ولكنه قوي في محتوياته، ويؤثر تأثيراً مباشراً وقوياً في العدو. ويذاع عند اللزوم، وعند توفر المعلومات اللازمة لهذا النوع، مثل: حدوث اشتباك أو حادثة معينة أو تحقيق نجاح بارز لقواتنا.
·…التعليق
والتعليق يرتبط بموضوع رئيسي، له لون سياسي، يدور حوله التعليق، وغالباً ما يدور حول معلومات مهمة عن اشتباكات أو حوادث داخلية من معسكرات العدو.
·…الحوار
يتم مع كبار رجال الدولة، والقادة، والمحللين العسكريين، من القوات، الصديقة والمتحالفة، حول آخر تطورات العمليات وسيرها، والنتائج المحققة، أو حول ما تردده الدعاية المعادية. كما يمكن إجراء الحوار مع أسرى الحرب من العدو، وخاصة القادة.
·…الحديث
يستخدم نادراً، إلاّ أن له مزايا خاصة، تجذب انتباه الهدف المخاطب، إذ يُدار، دائماً، في جو ودي حول موضوع ومشكلة حية، ويتوقف نجاح الحديث، دائماً، على حسن اختيار المتحدثين.
·…اللقاءات والاجتماعات الخطابية
وهي اللقاءات التي تجري مع سكان الأراضي المحررة، ويتم اختيار فقرات مرتبطة بموضوع واحد من الخطب التي يتم إلقاؤها، ثم تُذاع على العدو بعد ذلك.
·…الريبورتاج
وهو أصعب أنواع النصوص الإذاعية، وأكثرها فاعلية على الهدف المخاطب. إذ يُدار، دائماً، من مكان الحوادث، أو أثناء سير العمليات العسكرية ومع صانعيها (قادة ـ ضباط ـ جنود ـ مدنيين ـ أسرى ـ سكان ... إلخ)، هذا ويتطلب الريبورتاج دقة وحنكة في تنفيذه.
·…القصة
والقصة، دائماً، لها بطلها الذي عادة ما يكون أحد المقاتلين في الدولة الصديقة، أو معادياً استسلم لنا يحكي قصه استسلامه/ انضمامه ويدعو زملاءه للحذو حذوه. كما يمكن أن تُظهِّر القصة، النواحي الإنسانية لرجالنا في الحرب، لخدمة أهداف الدعاية الصديقة، ولفضح الدعاية المعادية وتكذيبها.
هذا فضلاً عن البرامج الترفيهية ـ الموسيقى .. إلخ. التي تتضمنها الخريطة الإذاعية، كعامل جذب وقبول لتهيئة مزاج الهدف المخاطب بالعمل على حفظ توازن البرامج.
(2) الإذاعات التكتيكية
(أ) عبارة عن محطات إذاعية، خفيفة، متنقلة، ذات قدرات وإمكانيات محدودة، تغطي العمق التكتيكي والعملياتي، وعادة ما تكون ضمن تنظيم وحدات أو عناصر العمليات النفسية، التي تعمل في مسار الحرب ضمن نطاق الجيوش لإسناد أعمال قتال التشكيلات والوحدات.
(ب) يُخطط لهذه المحطات بوساطة وحدات العمليات النفسية وعناصرها، في تنسيق مع موضوعات البرامج ونصوصها الإذاعية، للمحطات الإستراتيجية.
(ج) تستخدم هذه النوعية من الوسائل لتنشيط معنويات القوات، الصديقة والحليفة، وخفض الكفاءة القتالية لقوات العدو العاملة في نطاقها. كذلك تحريضه على الهروب والاستسلام كما قد توجه للقوات الصديقة والحليفة لرفع معنوياتها ودعم أعمال قتالها [5].
(د) عادة ما تتركز الموضوعات المستخدمة في هذه المحطات على نشرات الأخبار وبيانات ورسائل أسرى الحرب. كذلك لقاءات أحاديث مع القادة والجنود ورسائلهم إلى ذويهم.
(3) الإذاعات السرية
(أ) قد تُستخدم هذه النوعية من الإذاعات [6] وكأنها تبث من داخل الدولة المعادية، ومن مصادر منشقة داخل الدولة الهدف.
(ب) عادة ما تُستخدم موضوعات وأساليب لا تسمح بتأديتها بطرق أخرى وتعتمد على المعلومات والأخبار المؤكدة والموقوتة إلاَّ أنها تُعالج بوساطة أجهزة المخابرات لتحقيق الهدف منها.
(ج) يمكن أن تثير القلق بين قيادات الدولة الهدف، نتيجة وجود منشقين/ معارضين بين العاملين فيها [7].
(4) الإذاعة المحمولة جواً
(أ) عبارة عن محطات إذاعية، خفيفة، محمولة على طائرات النقل، مثل الطائرة سي 130 ـ اليوشن…إلخ، وتديرها عناصر من العمليات النفسية، إذ يتم إذاعة برامج سابقة التسجيل (شرائط كاسيت) وتستخدم في حالة عدم وصول/ وضوح إرسال المحطات الإستراتيجية، وعدم تمكن المحطات التكتيكية من التغطية نتيجة العامل الأرضي/ بعد المسافة…. إلخ.
(ب) كما تستخدم كمحطة إعادة إذاعة للبرامج الإذاعية التي تبث من المحطات الإستراتيجية أو التكتيكية، لزيادة مدى تغطيتها أو تستغل للدخول على الشبكات اللاسلكية المعادية لتوجه إمّا برامج إذاعية قصيرة، (النص القصير)، والذي يُعَدّ في شكل برقية تستغرق من 3 ـ 5 دقائق، لإجراء حوار مع قادة الوحدات الفرعية/ الفرعية الصغير، لحثهم وإقناعهم بالاستسلام مع وحداتهم [8].
(5) مكبرات الصوت
(أ) إحدى الوسائل التي تلعب دوراً هاما في توجيه رسائل الحملات النفسية خاصة على المستوى التكتيكي وفى جميع صور المعركة لما تتميز به من خفة حركة ـ سرعة في إعداد وإذاعة الموضوعات الجارية.
(ب) تستخدم هذه الوسيلة العلنية عادة مع تشكيلات ووحدات الأنساق الأولى إما ثابتة أو محمولة على مركبات ـ دبابات ـ طائرات عمودية أو نقل لإذاعة النداءات والرسائل التي تهدف إلى:
·…السيطرة على أسرى الحرب، وتوجيههم إلى نقاط ومعسكرات جمع الأسرى (نداءات تسليم).
·…تنفيذ إجراءات الخداع التكتيكي، مثل تضخيم أصوات جنازير الدبابات والمركبات المدرعة، التي تظهر وكأنها تهاجم إحدى الأجناب لجذب انتباه الهدف المخاطب لاتجاه مخادع.
·…تحريض أفراد العدو على الاستسلام أو الهروب من المعركة.
·…تنفيذ أعمال الإزعاج للقوات المعادية بإذاعة أصوات الانفجارات أو إصدار أصوات مزعجة .. إلخ.
·…تسهيل أعمال القوات الصديقة عند دخولها المدن والمناطق المحررة بتوجيه النداءات للتنظيم والسيطرة على السكان المحليين.
(ج) يراعى إعداد النداءات والرسائل الخاصة بعناصر مكبرات الصوت مقدماً، لاستغلالهاً أثناء العمليات. إذ لا يتوافر الوقت الكافي لإعداد هذه الرسائل أثناء القتال الفعلي على أن تكون قصيرة ومحدده وواضحة الهدف.
(د) عادة ما تتضمن الرسائل التي تذاع من هذه الوسيلة على النداءات المباشرة ورسائل لخفض الروح المعنوية، كذلك نداءات التحذير والإنذار النهائي.
3. الوسائل السمعية والمرئية
أ. من أهم الوسائل المؤثرة، والأكثر إقناعاً وتأثيراً، على عملية تغيير سلوك الهدف/ الأهداف المخاطبة. كما تتميز بكونها أكثر وسائل العمليات النفسية جاذبية كونها تعتمد، في مواجهة الهدف، على حاستَي السمع والبصر.
ب. إمكانية جذب قاعدة عريضة من المشاهدين والأهداف المخاطبة، على كافة مستوياتهم، الثقافية والعملية، فضلاً على توحيد مفهوم الموضوع والرسالة التي تُبث.
ج. تضطلع هذه الوسيلة بدور رئيسي ومؤثر، إلى حدٍّ كبير خلال مراحل إدارة الأزمات والصراع المسلح، خاصة في ظل التقدم الهائل في وسائل وأساليب نقل المعلومات والبرامج والأحداث…إلخ، وذلك عبْر الأقمار الصناعية، وقنوات الاتصال الفضائية، وهو ما أبرزته ولا تزال تبرزه تطورات أزمة الخليج، ومراحل الصراع المسلح، الذي دار خلالها، وذلك من خلال تجسيد أنه:
(1) لا يعني هنا اقتصار الوسيلة على الجهاز، في حد ذاته، بل تتعداه، حالياً، إلى شبكات التليفزيون، الإقليمية المحلية والعالمية. وكذلك شركات الإعلان والدعاية والمراسلين وما يقوموا بإعداده من برامج وأفلام تسجيلية وأحاديث ولقاءات ... إلخ مع الرؤساء والقادة العسكريين ـ السياسيين .. إلخ [9].
(2) تستغل هذه الوسيلة لنقل الرسائل إلى المشاهدين من خلال البرامج والنشرات الإخبارية والمناظرات والندوات واللقاءات والتمثيليات وأفلام الكرتون .. إلخ. كذلك من خلال الأفلام التسجيلية والثقافية [10].
(3) ويُعَدّ من أهم الوسائل السمعية والمرئية التي تستخدم في الحملات النفسية، خلال مراحل نشوب الصراع المسلح، خاصة أثناء المراحل التحضيرية ما يلي:
(أ) التلفزيون والفيديو كاسيت.
(ب) السينما وأفلام الكرتون (صورة متحركة).
(ج) المناطق والمزارات السياحية مثل الصوت والضوء ـ آثار .. إلخ.
(د) الأنشطة المدنية، متمثلة في: المعارض ـ العروض الفنية ـ المسيرات والمظاهرات.
(هـ) الأنشطة العسكرية، متمثلة في: الاستعراضات العسكرية والبيانات ـ المناورات ومعارض الأسلحة ـ التحركات والحشود العسكرية.
ثانياً: مراحل ومبادئ العمليات النفسية أثناء الحرب
تقوم العمليات النفسية، عموماً، على قاعدة سيكولوجية تستهدف التأثير على اتجاهات الأهداف المخاطبة وسلوكها، إذ يلجأ المخطط إلى شتى الطرق والأساليب، التي تؤثر على الإدراك الإنساني، لإحداث التغيير في اتجاهاته، وقيمه، وإرادته، وأفكاره.
أمّا أثناء نشوب الصراع المسلح، فيركز مخططو العمليات النفسية، ومن خلال المضمون نفسه، للقاعدة السابقة، على خلق حالة من الذعر والذهول الجماعي، تؤدي إلى إثارة القلق واضطراب السلوك، ومن ثم، تدمير الروح المعنوية وإرادة القتال لدى الخصم، وذلك من خلال ثلاث مراحل رئيسية كالآتي:
1. إثارة الذعر
ويتم خلال هذه المراحل التركيز على إثارة الصراع، وإحداث خلل في التوازن النفسي للفرد، وذلك من خلال الموضوعات التي تتضمنها الحملات النفسية المتكررة، والتي تستهدف إقناع الأفراد بحتمية نشوب الحرب، ومن ثم، ورود احتمالات الموت أو الإصابة الشديدة أو الأسر وأنه في الوقت عينه يتوافر لديه إمكانية النجاة بالنفس مما يساعد على تولد حالة من عدم الثقة والتوتر لدى الأفراد المقاتلين.
2. التخلص من القلق والصراع
ويقوم المخطط، خلال هذه المراحل، بالتركيز على إقناع الهدف، مره أخرى، بأن نشوب الحرب، والخوف من الموت، من الأمور المستبعدة، مع ضعف نسبة وقوعها أو حدوثها، مما يخلق معها حالة من الانقسام وعدم الاستقرار بين أفراد الهدف المخاطب.
3. تجسيم مشاعر القلق
وتبدأ هذه المرحلة بعد فترة من الهدوء والاستقرار، ودراسة نتائج المرحلتين السابقتين وتحليلها. إذ تشن حملات نفسية، تستهدف خلخلة التوازن النفسي للأهداف المخاطبة، التي تؤدى إلى ازدياد القلق وعدم الاستقرار. ويمكن خلال هذه المراحل تقسيم الأهداف المخاطبة من حيث تأثرها، نفسياً، إلى ثلاثة أنواع هي:
أ. أقلية تحتفظ بهدوء أعصابها.
ب. أقلية تنهار، نفسياً، وتُصاب بما يشبه الشلل العقلي.
ج. أغلبية تصاب بحالة من الذهول الجماعي، وهي الهدف المخاطب التي تركز عليها الحملات النفسية لتعزيز هذا الشعور ويمكن تقسيم هذه المجموعة إلى فئتين:
(1) فئة تعتقد بأنها المقصودة من الحملة النفسية، فتعتريها المخاوف المرضية.
(2) فئة ثانية تشعر بالوحدة وتخلي الآخرين عنها (يصبح الأصدقاء والحلفاء محل شك).
4. أسس ومبادئ نجاح العمليات النفسية
يتوقف نجاح قوات العمليات النفسية ووسائلها، في أدائها لمهامها على القدر المتوافر لها من المعلومات عن الأهداف المخاطبة، التي تشن أو توجه إليها الحملات. فالعمليات النفسية، بطرقها وأساليبها المختلفة، لا تحقق أهدافها، إلاَّ بقدر ما يستخدمه المخطط من حقائق وبراهين، لإقناع الهدف المخاطب، وللعمليات النفسية، بصفة عامة، مجموعة من الأُسُس والمبادئ الرئيسية، ترتكز عليها ويتوقف نجاح المخطط في تحقيق هذه المبادئ، على قدر معرفته، ودراسته التحليلية، للهدف المخاطب في الدولة أو الدول محل الاهتمام، التي تُشن وتوجَّه إليها الحملات النفسية. ومن أهم هذه المبادئ:
أ. تكامل ودقة المعلومات: (المعرفة العميقة بالدول محل الاهتمام)
تعتمد العمليات النفسية على المعلومات والحقائق الموضوعية عن الدولة/ الدول محل الاهتمام، بما يُمكِّن المخطط من التحديد والتحليل الجيّد للهدف أو الأهداف المخاطبة، من كافه النواحي، للتعرف على نقاط الضعف والتعرّض. ومن ثم تركيز الحملات النفسية عليها، لتنميتها.
ب. الاستغلال الأمثل للدوافع والحاجات الأساسية
يعطي مخططو الحملات النفسية، على مستوياتها المختلفة، عند إعداد الحملة وإدارتها، أهمية وأولوية خاصة، لاستغلال كل من الحاجات الأساسية للأفراد (الجوع ـ العطش ـ الأمن ـ الجنس)، والدوافع الثانوية، كالتقدير الاجتماعي ـ الانتماء ـ تحقيق الذات…إلخ.
ج. استغلال العمليات العقلية اللاشعورية
من أساليب التوافق النفسي، لكل نفس بشرية، الميكانيزمات الألية، التي تلجأ إليها هذه النفس عند الاصطدام بالفشل، والرغبة في التخلص من القلق والتوتر. وهو ما يُطلق عليها بـ " الحيل الدفاعية "، أو " العمليات العقلية اللاشعورية/ الاستبدالية " (التبرير ـ الإسقاط ـ النقص ـ القلب ـ التفكك .. إلخ)، التي من الضروري أن يقوم مخططو الحملات النفسية بالتعرف عليها للأهداف في الدول محل الاهتمام.
د. مركزية التخطيط الشامل
يجب أن يتم التخطيط الشامل للعمليات النفسية، على المستوى القومي، ومن خلال لجنة تضم خبراء متخصصين في كافه المجالات تقوم بوضع التخطيط الشامل للعمليات النفسية. كذلك تحديد كافة الاحتمالات والبدائل للخطة المقترحة وتعمل هذه اللجنة باستقلالية وتكامل وتنسيق مع الأجهزة والهيئات المعنية، على أن تقوم المستويات الإستراتيجية بوضع الخطط التخصصية المرحلية لكل مستوى.
هـ. توفر الكوادر الفنية المؤهلة (التخصص)
يتطلب التخطيط الناجح والواعي للعمليات النفسية، عده مجالات تخصصية مختلفة (سياسي ـ اقتصادي ـ اجتماعي ـ إعلامي ـ نفسي .. إلخ)، مما يستلزم معه الاعتماد على خبراء متخصصين ومؤهلين، ومن ذوى الخبرة، في كل مجال منها عند إعداد وتطوير الحملات النفسية.
و. التوقيت المناسب
وهو ما يعني تنظيم الحملات النفسية وإدارتها في التوقيت المحدد، بخطط الإدارة، على أن يرتبط التخطيط للعمليات النفسية الميدانية، بخطط العمليات، على الاتجاهات الإستراتيجية لمسرح الحرب (يتم التخطيط لها في الوقت نفسه مع مخطط العمليات)، كما يعني هذا المبدأ، كذلك، الاستخدام الموقوت للموضوعات والتوزيع بالوسيلة المناسبة، وفى التوقيت المناسب. فعلى سبيل المثال، لو كان هناك منشور مطلوب إعداده عن موضوع معين، في وقت معين، وتم تحضير المنشور في الوقت المناسب، ولكن التوزيع لم يتم في الوقت المحدد، والمناسب، يعني ذلك فشل المهمة والغرض من رسائل المنشور.
ز. المصداقية والقبول
على الرغم من أن الصدق هو المبدأ الرئيسي للعمليات النفسية، إذ تمثل الحقائق الأساس القوي الذي يترك أثره في المستقبل (جسر الثقة بين المُرسِّل والمستقبِل)، إلاَّ أن الصدق، وحده، لا يصنع، دائماً، الحملات النفسية الناجحة. إذ إن الحقائق الصادقة في الحملات النفسية، أمر نسبي، يخضع لاعتبارات عديدة، كظروف الحملة، والهدف، وتطورات الموقف الراهن.
ح. المرونة
ويأتي هذا المبدأ من خلال التعامل مع الواقع، وكل من متطلبات ومعطيات المرحلة. إذ لكل طرف ومرحلة أسلوب ومرتكزات وأهداف تفرضها تلك المعطيات. فالعمليات النفسية تقوم على البحث الذي يقف وراءه أخصائيون، يرسمون معالمها، ويحددون خطاها، ودراسة وتحليل نتائج هذا التخطيط، من خلال تقييم وتحليل نتائج الإدارة والدروس المستفادة، للعمل على تطوير الحملات النفسية.
ط. الاستمرارية
وتعني استمرارية العمليات النفسية قبل وخلال مراحل الحرب المختلفة، وملاحقتها لكافه التطورات، وصور المعركة مع الاستغلال الأمثل لكافة الوسائل والأساليب المتوافرة والمتاحة، وبما لا يترك ثغرة أو فراغ.
[1] نظراً للإجراءات المشددة والتعسفية التي فرضتها القيادة العراقية على أفراد قواتها في المسرح الكويتي اضطر مخططو العمليات النفسية في القوات المشتركة إلى التغير السريع في شكل وأسلوب أعداد وتوزيع منشوراته لحث الجانب العراقي على التقاط المنشور والاحتفاظ به أو قراءته على أقل تقدير حيث طُبع المنشور على (علب سجاير ـ أوراق نقدية ـ تصغير حجم المنشور ليسهل إخفاءه).
[2] تم استخدام هذه الوسيلة خلال حرب الخليج وفى المرحلة التحضيرية (قبل بدء الحرب).
[3] أمكن التغلب على هذه العقبة بإسقاط عدد من أجهزة الراديو والترانزيستور ذات مواصفات خاصة على بعض وحدات النسق الأول في المسرح الكويتي خلال حرب تحرير الكويت.
[4] تصدر هذه التعليمات في شكل رسائل شفوية ـ إذاعية أغنية محددة ـ عبارات مختارة ... الخ.
[5] مثل إذاعة جيش الدفاع الإسرائيلي ـ محطة صوت الخليج تم إنشاءها خلال حرب الخليج.
[6] كأحد أشكال الدعاية السوداء.
[7] برز ذلك جلياً في إذاعة صوت العراق الحر.
[8] تم إتباع هذا الأسلوب من خلال حرب الخليج في المراحل النهائية من العمليات البرية والتي تحقق من خلاله نتائج إيجابية أبرزها تسليم قائد إحدى الكتائب مع وحدته.
[9] لعبت شركة (س ان ان) دوراً محسوسا ومؤثرا في تطورات أحداث أزمة الخليج ومراحل العمليات العسكرية التي واكبتها بل كانت في الكثير من الأحيان هي الطريقة والأسلوب الذي تنفذ به مشتملات الحملات النفسية على المستوى (الإستراتيجي / السياسي / العسكري) الدعاية / دعاية مضادة / خداع / تهديد….الخ.
[10] عادة ما كان المتحدث العسكري الأمريكي يلجأ إلى إذاعة أفلام تسجيليه في أعقاب البيانات العسكرية كأحد أساليب الإقناع والإثارة والتخويف.
المبحث الرابع خطوات التخطيط والعوامل المؤثرة على العمليات النفسية
أولاً: الخطوات الرئيسية في تخطيط العمليات النفسية
يُعَدّ التخطيط للعمليات النفسية، عملية مستمرة تتطلب أفقاً واسعاً، وإعداداً وتصميماً قوياً، لمتابعة المتغيرات الحادة في المواقف، ولضمان تحقيق النتائج المرجوة من العمليات النفسية، بكافه أنواعها ومستوياتها، التي تُشن وتوجَّه للدول محل الاهتمام. يجب أن يراعى المخططون عدد من الاعتبارات الأساسية أبرزها:
1. ضرورة تطبيق مبدأ مركزية التخطيط، ولا مركزية الإدارة. بمعنى أن التوجيهات والتعليمات تصدر عن سلطة مركزية، تتولى الإشراف على عمليات التخطيط، على المستويَين، القومي والإستراتيجي، أمّا تحديد الأساليب والوسائل المستخدمة في إدارة الحملات النفسية، فيتم بوساطة الوحدات والعناصر المنفذة.
2. أن يبنى التخطيط على المعلومات الدقيقة، والموقوتة، التي تتناول اهتمامات الهدف والأهداف المخاطبة [1]. هذا مع مراعاة المستويات والاتجاهات السياسية والثقافية والاجتماعية لأفراد وجماعات الهدف/ الأهداف المخاطبة.
3. إخفاء أعمال التخطيط، بحيث لا تبدو في صورة الأعمال الدعائية، حتى لا يؤدي ذلك إلى فشل الحملة النفسية.
4. البساطة والمرونة في التخطيط، بحيث يتماشى مع التطورات اليومية، مع إمكانية التكرار في استخدام الموضوعات والشعارات بوساطة أكثر من وسيلة، من دون أن يكون ذلك مملاً أو يؤدي إلى كشف الهدف من الحملة النفسية.
5. معرفة دقيقة وفهم جيد من القائمين على التخطيط بالعلوم الأساسية (النفسي ـ الأجناس ـ الاجتماع ـ التاريخ ـ العلوم السياسية). إلى جانب إلمامهم بالمعلومات عن لغة وتقاليد وتاريخ وعادات الجماعات، والأهداف في الدول محل الاهتمام.
6. الاستخدام الأمثل لوسائل العمليات النفسية المتوافرة والمتاحة، مع معرفة مهنية بوسائل الإعلام (إذاعة ـ استخدام النشرات ـ المنشورات ـ الصحافة) لتوضيح رسالة معينة إلى مجموعات أو أفراد أو استخدام التليفون لتوصيل رسالة مقصودة إلى أناس يقيمون في مناطق لا تصل إليها وسائل الأعلام الأخرى.
التخطيط للعمليات النفسية
يمكننا تحديد مراحل التخطيط للعمليات النفسية، في تسعة خطوات رئيسية، على النحو التالي:
1. تحديد المهمة
تحدد مهام العمليات النفسية لأجهزة وعناصر التخطيط للعمليات النفسية في أي وقت وخلال أي مرحلة من مراحل التخطيط. ويتوقف ذلك على تطورات الموقف، والأهداف، وأهمية الهدف النفسي وأسبقيته، والتأثير المطلوب إحداثه في الهدف والأهداف المخاطبة، هذا ويتوقف، بالدرجة الأولي، على حجم ونوع المعلومات والدراسات التي ترتكز، أساساً، على موضوعات واهتمامات الهدف المخاطب، ونقاط الضعف والتعرض فيه.
2. تقدير الموقف النفسي
أ. تقع مسؤولية تقدير الموقف النفسي، على عاتق عنصر التخطيط بمؤسسات أو أجهزة العمليات النفسية، بالاشتراك مع أجهزة جمع وتحليل المعلومات وأجهزتها، وذلك لإعداد التقديرات وتحديد التهديدات والعدائيات المنتظرة.
ب. ويعتمد تقدير الموقف النفسي، على التقدير السليم لعوامل ونقاط القوة والضعف، والتعرض، والدوافع المؤثرة على الهدف أو الأهداف المخاطبة، سواء من الناحية السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وتتضمن مشتملات تقدير الموقف النفسي الآتي:
(1) تحديد ودراسة الدوافع وراء سلوكيات الهدف المخاطب، وهنا يجب على المخطط أن يصل خلال عمليه تقدير الموقف، إلى نوع الدافع الذي أدى بالهدف لانتهاج سلوك معين، هل هو دافع اقتصادي؟ أو اجتماعي؟ أم سياسي؟ أو هدف نفسي؟ مع إعطاء عناية خاصة بالدوافع النفسية، خاصة عند التخطيط ضد الدول المعادية أو محل الاهتمام.
(2) تحليل نقاط الضعف والتعرض في الأهداف المخاطبة، مع التركيز على العوامل المؤثرة فيها، سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وإبراز المقترحات الخاصة بالوسائل والأساليب التي يمكن استخدامها لزيادة فاعليتها.
(3) تحديد ودراسة نقاط القوة في اتجاهات ومشاعر الهدف أو الأهداف المخاطبة، واكتشاف أهم العوامل والدوافع التي يمكن استغلالها، لاختراق مواطن القوة والعمل، على إضعافها مع التركيز في العوامل والدوافع النفسية، خاصة ضد الأهداف المعادية وأثناء الصراع.
(4) دراسة حجم وإمكانيات ومدى صلاحية وحدات وعناصر ووسائل العمليات النفسية المتوافرة والمتاحة.
(5) تحديد مقترحات توظيف استخدام عناصر ووسائل العمليات النفسية متضمنة:
(أ) تحديد المهام الرئيسية للعمليات النفسية.
(ب) تخصيص العناصر المسؤولة عن تنفيذ مهام العمليات النفسية.
(6) التوصيات الخاصة بإجراءات العمليات النفسية وأساليبها المطلوب تنفيذها بسرعة لمصلحة أعمال العمليات النفسية، مثل:
(أ) إجراء وتنفيذ زيارات عاجله، أو مؤتمرات، أو مفاوضات، أو إجراء تنسيق سياسي معين.
(ب) أي أعمال عسكرية إيجابية (عمليات خاصة ضد أهداف/ هدف إستراتيجي نفسي)، أو تهديدات عسكرية، مباشرة أو غير مباشرة.
(ج) الإجراءات الإعلامية التي يجب القيام بها، أو تجنبها، ومطلوب تنفيذها في توقيتات محددة.
(د) إجراءات اقتصادية بإيقاف تصدير أو استيراد أي احتياجات حيوية من الدولة الهدف.
(7) وتنتهي عملية تقدير الموقف النفسي، بإعداد وثيقة تحليل الهدف، الذي يتم اختياره بناء على كل نقطة من نقاط القوة والضعف في بند الخصم على أن يتم تصميم وإعداد ورقة تحليل لكل هدف على حدة وتصدر هذه الوثيقة مشتملة على:
(أ) الهدف القومي، ويؤكد فيه الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه على أعلى مستوى.
(ب) مهمة العمليات النفسية، وتحدد فيها مهام العمليات النفسية المستخدمة لتنفيذ الهدف القومي.
(ج) الهدف المخاطب، التعريف بالهدف المخاطب وأسباب اختياره.
(د) العوامل الخارجية التي تؤثر على الهدف ويمكن أن تستغلها عناصر العمليات النفسية.
(هـ) الاتجاهات والهدف النفسي.
(و) مؤشرات التأثير، وتشمل رد الفعل المباشر للهدف بعد استقباله للرسالة.
3. إعداد خطة العمليات النفسية
يبدأ في إعداد خطة العمليات النفسية، عقب اتخاذ القرار بشن العمليات النفسية، والتصديق عليه ويتم وضع الخطوط الرئيسية لإعداد الحملة النفسية وشنها مرتبطة بتوقيتات محددة كما يحدد بها الوسائل المختلفة والمستخدمة في الخطة. وتُعَدّ الخطة بأجهزة التخطيط للعمليات النفسية على المستوى الإستراتيجي، متضمنة الآتي:
أ. الهدف من الخطة، ويحدد فيه الهدف القومي لكل من الدول، المعادية والصديقة والحليفة والمحايدة.
ب. تركيز الجهود القومية للعمليات النفسية، وتحدد طبقاً لمراحل التنفيذ واتجاهات الهدف القومي (صديق ـ معادى ... إلخ).
ج. مهام العمليات النفسية، تحدد مهام العمليات النفسية مرتبطة بمراحل التخطيط.
د. إعداد المقترحات بطرق وأساليب العمليات النفسية المستخدمة في تنفيذ المهام.
4. اختيار وسائل العمليات النفسية
يتوقف اختيار الوسيلة المناسبة لتوصيل رسائل الحملات النفسية، إلى الهدف على المعلومات التي تم جمعها وتحليلها عن طبيعة الهدف، والعوامل المؤثرة فيه، ودوافعه المختلفة، التي تساعد على اختيار وتحديد نوع وسيلة العمليات النفسية المناسبة والمقبولة من الأفراد والجماعات والدول التي توجَّه إليها الرسالة. ويبرز هنا ضرورة توافر الكوادر الفنية المؤهلة، علمياً، وعلى دراية كاملة بفاعلية وقدرة الوسائل المختلفة على توصيل الرسائل، وإحداث التأثير المطلوب كما يجب على المخطط أن يراعى وسيلة العمليات المناسبة والتي يثق فيها الهدف المخاطب، فمن غير المقبول أن تبث رسالة معينة من طريق إذاعة معروف عنها المبالغة أو التهويل أو الكذب.
5. إعداد الرسائل النفسية
تُعد من أهم الخطوات الرئيسية في عملية الاتصال من المرسل وهي عمليه الصياغة لموضوع الحملة مثل معلومات عن نقاط الضعف أو دوافع الهدف المخاطب في شكل كلمات أو شعارات أو رموز وقد تأخذ في أحد مراحله صورة أفعال، مثل تخريب أهداف حيوية، أو تنفيذ عمليات عسكرية محدودة ضدها وتتطلب هذه المرحلة ما يلي:
أ. توفر الكوادر الفنية والمهنية، التي تقوم بإعداد وصياغة هذه الرسائل (كتَّاب ـ إذاعيون ـ صحفيون ـ مصورون ـ رسامون ـ أطباء نفسيون ـ علماء اجتماع ـ…إلخ).
ب. أن تتصف بالواقعية والمصداقية من المستقبل.
ج. ألاَّ تُصاغ في صورة أوامر أو استعلاء على المستقبل (الهدف المخاطب).
د. أن تثير اهتمام الهدف المخاطب وحاجته لاستقبالها لتوفير الإجابات المقنعة له عن سؤالين رئيسيين هما:
(1) ماذا في الرسالة من أجلي؟
(2) ماذا تريد مني أن أفعل؟
6. الاختبارات الأولية (اختبار تجريبي)
أ. تتم هذه المرحلة قبل نشر وتوزيع مواد وموضوعات الحملة النفسية، وتُجرى هذه الاختبارات، بأسلوب التسلل داخل الهدف، بطريقة الملاحظة والمقابلة الشخصية بالاختيار الجيّد لبعض النماذج من أسرى الحرب.
ب. وتستهدف هذه العملية التعرف على الآراء والاتجاهات والمفاهيم والدوافع والتأثيرات المختلفة، لدى الهدف/ الأهداف. كذلك، معرفة أكثر وسائل العمليات النفسية تأثيراً وقبولاً لديهم (نشرات ـ إذاعة تسجيلات ـ .. إلخ).
ج. وتمر عملية الاختبار الأولي/ التجريبي بالمراحل التالية:
(1) اختبار وإعداد موضوع المسح.
(2) تحديد واختيار العينات التي يتم عليها الاختبار.
(3) إعداد قائمه الأسئلة التي يتكون منها الاختبار.
(4) تحديد العناصر والوسائل القائمة بتنفيذ الاختيار (عملاء ـ مندوبون ـ ملحقون ـ أجهزة وهيئات استطلاع الرأي الرسمية، إن وجدت ـ السفارات .. إلخ).
7. وثيقة مراقبة الحملة النفسية (التحكم في الحملة)
أ. يتم إعداد هذه الوثيقة عقب تقييم وتحليل نتائج الاختبار الأولي والتجريبي، وتصدر للمتابعة والسيطرة على إنتاج وتوزيع ونشر وتنفيذ عناصر ووسائل العمليات النفسية لمواد موضوعات الحملة النفسية.
ب. وتصدر الوثيقة في شكل جدول يتضمن البيانات التالية:
(1) عنوان الوثيقة وتاريخ وجة الإصدار.
(2) الهدف القومي والمهام الرئيسية للعمليات النفسية طبقاً للوارد في وثيقة تحليل الهدف.
(3) الهدف والأهداف النفسية وتُعَدّ من وثيقة تحليل الهدف المخاطب.
(4) العوامل المؤثرة على الهدف، إذ تفرغ من وثيقة تحليل الهدف المخاطب.
(5) قابلية مشاعر واتجاهات الهدف للتأثر.
8. الاختبارات النهائية
أ. تُعَدّ من أصعب خطوات التخطيط للعمليات النفسية، وهي تستهدف تطوير واستحداث وسائل وأساليب وموضوعات الحملات النفسية، بناء على دراسة وتقييم نتائج الاختبارات التي تم تنفيذها.
ب. تتبع هذه المرحلة الخطوات نفسها ومراحل الاختبارات التجريبية، إلاَّ أنها تتم أثناء تنفيذ الحملة. كما أنها لا يتطلب إجراؤها على نفس العينات أو الشرائح التي أجريت عليها نفس الاختبارات الأولية.
9. التغذية العكسية
وهي عملية مستمرة قبل وأثناء وبعد التخطيط للعمليات النفسية، وهي تشمل مرحلتين أساسيتين، هما، دراسة ردود الفعل المختلفة للهدف المخاطب، ودراسة الإيجابيات والسلبيات الناتجة عن الوسائل.
ثانياً: العوامل المؤثرة في العمليات النفسية
إن التخطيط الجيّد للسياسة النفسية، ووضعها موضع التنفيذ، خلال إدارة الأزمة، وتحديداً قبل وأثناء وبعد الصراع المسلح، يخضع للعديد من العوامل والدراسات، التي لها تأثير مباشر وحيوي، في دوافع واتجاهات وسلوكيات الهدف أو الأهداف المخاطبة، خاصة على أفراد القوات المسلحة في الدولة / الدول محل الاهتمام، والتي يجب على مخططي الحملات النفسية، اعطائها عناية خاصة في الإعداد والدراسة والمتابعة المستمرة، لِمَا لها من تأثير إيجابي أو سلبي، على تكامل التخطيط، وأسلوب الحملات النفسية وإدارتها، وما يترتب على هذه الحملات من نتائج إيجابية لصالح المخطط [2].
1. عند توافر الوقت الكافي للمختصين في تنظيم العمليات النفسية، لدراسة العوامل المؤثرة في التخطيط يتم تطويرها إلى دراسات ميدانية يتم من خلالها تحديد:
أ. الهدف/الأهداف المخاطبة.
ب. الحاجات والدوافع الرئيسية المؤثرة في هذه الأهداف.
ج. اتجاهات واهتمامات الأهداف المخاطبة.
د. نقاط القوه والضعف أو التعرّض، ومدى تأثيرها في القوات المسلحة.
هـ. أنسب وسائل الاتصال.
2. وعادة ما يتم دراسة وإعداد العوامل والدراسات الميدانية للدولة، محل الاهتمام، ومتابعتها من خلال المصادر التالية:
أ. المصادر العلنية (مطبوعات بأنواعها ـ إذاعات ـ تليفزيون…إلخ).
ب. الأنشطة السياسية والدبلوماسية.
ج. المصادر السرية وأعمال الاستخبارات.
د. تقارير استجواب الأسرى/ اللاجئين والسكان المحليين.
1. العوامل الجغرافية والتاريخية
يقوم المختصون في تنظيمات العمليات النفسية، بإعداد عرض شامل عن تطوّر تاريخ الدولة محل الاهتمام وجغرافيتها، مع التركيز على تاريخ الدولة، وأهم العوامل التي أسهمت في تشكيلها مع إبراز التسلسل التاريخي والحوادث السياسية التي تمخضت عنها في النهاية ترسيخ نظام الحكم في الدولة. كذلك علاقتها ومواقفها من القضايا المعاصرة، هذا على أن يُراعى أن يكون التناول شاملاً للأبعاد النفسية، مع التحديد الدقيق لنقاط الضعف والتعرّض عند تحليل القضايا التاريخية التي تركز وتؤثر على النواحي السياسية للدولة. كذلك المذاهب والاتجاهات السياسية ومدى تأثيرها على الأفراد وعلاقتها بنظام الحكم.
2. العوامل السياسية (خارجياً ـ داخلياً)
تتأثر الحملات النفسية تأثراً مباشراً بكل من السياسة الخارجية والداخلية للدولة، كأحد السياسات التخصصية، التي تشكل في مجملها، السلوك الذي تنتهجه الدولة في الخارج والداخل لتحقيق أهدافها. إلاَّ أنه يصاحب الممارسة السياسية، دائماً، بعض المعوقات، الخارجية والداخلية، التي، عادة، ما ينشأ عنها ما يُعرف بالمعارضة (خارجية ـ داخلية)، وما يهم المتخصصون في هذا المجال تحديد الآتي:
أ. العلاقات الخارجية للدولة، ومواقفها السياسية، فيما يختص بالشؤون الدولية، وعلاقتها بالدول الخارجية، وانتمائها إلى الدول الكبرى (أحلاف ـ تكتلات ـ اتحاد…إلخ).
ب. تحليل موقف الدولة محل الاهتمام وتفسيرها، تجاه القضايا المعاصرة (محلية ـ إقليمية ـ عالمية)، ومدى وجود نزاعات تهدد بحروب مع الدول المجاورة.
ج. أهم الشخصيات القيادية والزعامات المسؤولة عن صناعه القرار وتوجهاتها وبرامجها السياسية ومدى تأثيرها على الرأي العام.
د. دور الأفراد والجماعات والأحزاب السياسية ذات الأهمية والتأثير في النظام السياسي للدولة.
هـ. المواقف السياسية، وقيم السكان وآرائهم في النظام السياسي، ودور الحكومة داخل المجتمع.
و. شكل الصراعات الداخلية وحجمها، ومدى الاستقرار الداخلي.
3. العوامل الاقتصادية
كلما انخفض المستوى الاقتصادي للشعب، كلما كان أكثر تأثراً بالحملات النفسية المعادية. ويمكن، بدراسة أوجه القوة والضعف في اقتصاد الدولة، إيجاد حقل خصب، ومناسب، لشن الحملات النفسية من خلال دراسة وتحليل ما يلي:
أ. الأركان الرئيسية للاقتصاد ومصادر الدخل القومي.
ب. المشاكل والأزمات الاقتصادية، ومدى تأثيرها في النظام السياسي، ومدى توليد الضغوط الداخلية والخارجية.
ج. توزيع مصادر الثروة، ومدى العدالة في توزيعها.
د. مدى تلبية البناء الاقتصادي للاحتياجات الفردية.
هـ. مدى توافر الخدمات الأساسية لقواعد الإنتاج (وقود ـ نقل ـ اتصال ـ مياه…إلخ). ومن ثم، تحديد المشكلات الصناعية ومدى اتفاقها.
و. أسلوب استغلال العائدات والمساعدات المالية والخارجية.
ز. مدى توافر المواد، الأساسية والاستهلاكية، وتناسب أسعارها مع الأجور، أو ما يعرف بالقدرة الشرائية.
ح. النقابات والتنظيمات (العمالية ـ الزراعية ـ التجارية…إلخ)، ودورها وتأثيرها في القدرات الاقتصادية للدولة.
4. العوامل الاجتماعية
المجتمعات المترابطة يصعب توجيه الحملات النفسية إليها، والعكس صحيح، فالبيئة الاجتماعية التي تتميز بالغموض، والشك والتردد، وعدم اليقين، والتفكك الاجتماعي، تُعَدّ حقل خصب للعمل النفسي. لذا يجب على المختصين عند إعداد هذا الدراسات، تحديد أبرز نقاط الضعف والتعرّض في الموضوعات التالية:
أ. معدلات النمو السكاني ونسبه الإعالة به.
ب. حجم الخدمات المقدمة لأفراد الدولة ومستواها.
ج. مدى توافر البرامج العامة لخدمة الأفراد وتحسين مستواهم.
د. التركيب العِرقي والطائفي الطوائف والتأثيرات المتداخلة للدين واللغة والتاريخ.
هـ. مدى انتشار البيروقراطية والفساد الإداري.
و. تحديد الظواهر، أو المشاكل الاجتماعية، ذات التأثير السلبي على المجتمع، (الانفجار السكاني ـ المخدرات ـ الأمية ـ الصحة ـ الجريمة…إلخ). كذلك تحديد العوامل التي تؤثر في القِيم الأخلاقية، والروابط العائلية، والمبادئ الأساسية، التي تفرض على الفرد احترام النظام والقانون.
ز. تحديد مدى انتشار القِيم الاجتماعية، ذات التأثير السلبي في المجتمع مثل:
(1) الاستسلام ـ اللامبالاة ـ التواكل ـ التسيب ـ السلبية.
(2) الجنوح إلى الفردية وتحقيق المصلحة الشخصية.
(3) التقرب من السلطة والانحرافات السلوكية (الفساد ـ الرشوة .. إلخ).
5. العوامل التعليمية ـ الثقافية ـ الدينية
يلعب عامل التعليم والمستوى الثقافي، دوراً رئيسياً في تحديد اتجاهات أفراد الدولة وسلوكياتهم. كما أن لكل مجتمع ثقافته وعاداته وتقاليده ومعتقداته الخاصة، التي تعينه على حل مشاكله الداخلية، كما تمثل مؤشراً واضحاً لشكل وأسلوب تعامله مع المشاكل الخارجية، التي قد يتعرَّض لها مثل التهديدات الاقتصادية والسياسية والعسكرية. كذلك الكوارث الطبيعية والصناعية. ومن أهم الموضوعات التي يتم التركيز عليها في هذا المجال ما يلي:
أ. المستوى التعليمي ونتائج العملية التعليمية.
ب. نسبة الأمية وآثارها السلبية على المجتمع.
ج. مدى تقدم البحث العلمي والمستوى التكنولوجي.
د. العادات والتقاليد، خاصة المتبعة في الأعياد الدينية ـ القومية…إلخ.
هـ. الأنماط الثقافية والسلوكية المتوارثة في المجتمع.
و. وحدة اللغة والثقافة، ومدى تأثيرها على الاستقرار الاجتماعي.
ز. حجم وإمكانيات ومدى تغطية وسائل الإعلام في الدولة، وآثرها على ثقافة واتجاهات وسلوكيات أفراد المجتمع (صحافة ـ تليفزيون ـ إذاعات ـ مراكز إعلامية ـ قنوات فضائية .... إلخ).
ح. تحديد الأساليب المستخدمة عبْر وسائل الاتصال، وأجهزة الإعلام، لخلق مواقف وإثارة مشاعر وسلوكيات أفراد الدولة.
ط. حرية الصحافة والنشر، وكذلك الرأي والفكر لمختلف الاتجاهات والأحزاب في الدولة محل الاهتمام.
ي. الدين ـ الطوائف الدينية ومدى تأثيرها على الوحدة الوطنية.
ك. التطرف الديني، ومدى انتشاره وجنوحه إلى العنف، ومدى تأثيره على الوحدة الوطنية، واتجاهات القوى الداخلية في الدولة.
ل. حجم ودور الهيئات والمؤسسات والجمعيات الدينية ... إلخ، ومدى تأثيرها في أفراد المجتمعات.
6. العوامل العسكرية
غالباً ما يكون لنشاط وحركة وبرامج القوات المسلحة، أثر واضح على كافة البرامج والخطوط السياسية ـ الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، في أي دولة. كما أنها تتأثر تأثراً مباشراً بكافة العوامل والخصائص السابق التعرّض لها في هذا القسم، لذا يجب على مخططي الحملات النفسية، عند إعداد الدراسات، بالعوامل العسكرية، وإلا يُكتفى بسرد التنظيم ـ الحجم ـ الإمكانيات المهام ـ التهديدات ـ العقائد ـ الكفاءة القتالية…إلخ، بل يجب أن تهدف إلى تحليل واستخلاص ما يلي:
أ. دور القوات المسلحة وتأثيرها في المجالات والميادين (السياسية ـ الاقتصادية ـ الاجتماعية)، ونتائج هذا الدور.
ب. المشاكل والقضايا التي تفرز الترابط وتخلق التنافر والتناحر داخل صفوف القوات المسلحة.
ج. النزاعات الداخلية بين صفوف المؤسسة العسكرية.
د. حجم ونوع وتأثير المساعدات العسكرية الخارجية (ديون عسكرية - نقص ـ حجم الصفقات).
[1] اهتمامات الهدف المخاطب: وتتمثل في مشاكل قائمه فعلا وحساسة تهم الفرد والجماعة (البطالة ـ التضخم ـ تفكك داخلي ـ صراعات حزبية) مع تقديم المقترحات والحلول المناسبة لها
[2] كان لمتابعة وتحليل هذه العوامل في حرب الخليج اثر واضح في نجاح الحملات خاصة في مجال التوصل إلى الدوافع المؤثرة واهتمامات الأهداف المخاطبة.
المبحث الخامس مفهوم العمليات النفسية في الإسلام
عندما أشرقت أنوار الهداية الربانية بظهور الدعوة المحمدية في أم القرى، وبدأ الرسول جهاده العظيم من أجل تبليغ الرسالة السماوية الخالدة، واجه صنوفاً عديدة من ألوان العمليات النفسية، نظراً لما جاء به من مبادئ ترمي إلى تحرير البشرية من الانحلال الاجتماعي والتأخر الحضاري، الأمر الذي جعل الدعوة تلاقي في أول عهدها صنوفاً وأشكالاً من الخصام والتصادم. وواجه المسلمون بقيادة الرسول ألواناً عديدة من العمليات النفسية، في مكة المكرمة والمدينة المنورة، منها حرب الاستهزاء والسخرية، وحرب الوقيعة وإثارة الانقسام، وحرب الجدل العلمي، وحرب النفاق والدسيسة. وانتصر الرسول في جميع الميادين وكان ذلك بفضل إيمان المسلمين العميق ووعيهم العظيم وتمسكهم بتعاليم دينهم وجهادهم في سبيل نصرته، مما مكنهم من دحض العمليات النفسية التي شنت عليهم.
أولاً: الإسلام والعمليات النفسية
لا يختلف المفهوم الإسلامي للعمليات النفسية عن مفهومها المعاصر الذي أشرنا إليه في الفصل الأول، حيث يحفل سجل الفتوحات الإسلامية. في صدر الإسلام بممارسات تؤكد على فهم المسلمين لأساليب ممارسة هذه الحرب وإدارتها بما يحقق انتصار المسلمين على أعدائهم. وقد استمد المسلمون مبادئ عملياتهم النفسية ـ سواء في مفهومها الهجومي أو الوقائي ـ من قول الحق تبارك وتعالى:] وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [(سورة الأنفال: الآية 60)، ومن قول الرسول ،] الْحَرْبُ خَدْعَةٌ [مؤكداً هذا القول بممارسته العملية حيث كان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها تضليلاً للعدو وقد مارس قادة الإسلام الأوائل أساليب العمليات النفسية في معاركهم مع أعدائهم، فهذا خالد بن الوليد t ـ يمارس أساليب العمليات النفسية الوقائية في معركة اليرموك حيث يخاطب جنوده بقوله: "هلموا فإن هؤلاء تهيؤا، وهذا يوم له ما بعده، إن رددناهم اليوم لم نزل نردهم"، شاحذاً بذلك هممهم ورافعاً لروحهم المعنوية لقتال عدوهم ودحره. وقد حبا الله تبارك وتعالى نبينا أثراً نفسياً سيئاً على عدوه، ففي الحديث الصحيح أن النبي قال: أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، الحديث، مما يفهم منه أن للعمليات النفسية منزلتها البالغة الأهمية في الإسلام. وسوف نعالج فيما يلي أساليب العمليات النفسية التي مورست ضد المسلمين والعمليات النفسية المضادّة التي مارسها المسلمون على أعدائهم.
ثانياً: العمليات النفسية في الفترة المكية
اتخذت العمليات النفسية التي شنتها قريش عدة خطوط واتجاهات منها ما اتجه إلى شخصية الداعية الأول ومنها ما اتجه إلى الكتاب الكريم، ومنها ما اتجه إلى المؤمنين إتباع النبي . ولقد واجه الرسول والمسلمون ألواناً عديدة من العمليات النفسية، التي كانت لوناً من ألوان الحروب التي شنتها قريش على النبي ، فقد أثارت قريش حملات متتالية من الإشاعات والتشكيك، ولجأت إلى سلاح السخرية والاستهزاء، وإلى حرب الدعاية المضادة، لتواجه دعوة الحق؛ وكانت هذه العمليات النفسية تتخذ شكلاً عنيفاً واسعاً كلما ازداد الإسلام قوة، وكلما نمت الجماعة الإسلامية وازداد عددها وارتباطها. وقد كانت هذه العمليات النفسية المشبوهة المعلنة على الداعية ومن آمن معه تستهدف تصدع النفوس وتحطيمها لإبطال فعاليتها ومنعها من أن تكون عامل قوة، ومنعها من أن تكون إيجابية مصابرة متمسكة بالحق مدافعة عنه، حماية له مبشرة به في مثابرة ومجاهدة، وتستهدف زحزحة هذه النفوس المؤمنة عن الإيمان والحق والخير، وانحياز أهل الحق للباطل، وإطفاء نور الإسلام، وصد الناس عن سبيل الله والإيمان به ومنعهم من رؤية الحق والوصول إليه. وفيما يلي نذكر بعض وسائل هذه الحرب:
1. حرب السخرية والاستهزاء
من صورها أن الرسول دعا بني هاشم أولاً فقال لهم: قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني ربي لأدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر؛ فأصم القوم آذانهم وتأهبوا لمغادرة المكان، وهب علي بن أبي طالب t وكان لا يزال غلاماً فقال: أنا يا رسول الله عونك، أنا حرب على من حاربت، فانطلق بنو هاشم في الضحك، وإثارة السخرية استهزاء بعبارة علي، وجعل بعضهم ينقل نظره بين أبي طالب وابنه، ووجّه أبو لهب الحديث إلى أبي طالب في سخرية: "أسمعت ما قال ابن أخيك؟ إنه يأمرك أن تسمع لابنك وتطيع"، ثم انصرفوا مستهزئين. ثم جمع النبي وجوه قريش وخطبهم على الصفا، وحتى لا يتأثر القوم مما سمعوا، ثار أبو لهب ليبطل مفعول حديثه فصاح ساخراً: تباً لك من ثائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ وكانت تشارك أبا لهب في سخريته زوجته أم جميل وهي أخت أبي سفيان فنزلت الآيات ترد الرمية إلى نحره:] تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [(سورة المسد) وقد علق المستشرق (واشنجتون أرفج) على حرب السخرية والاستهزاء التي أعلنها القرشيون الوثنيون على الرسول فقال: "كانت أعظم صعوبة واجهها هي استهزاء معارضيه، رغم أنهم قد عرفوه منذ طفولته منذ أن كان غلاماً يجوب شوارع مكة"، واستمر (واشنجتون) في تعليقه إلى أن قال: "ادعى بعضهم كذباً أنه مجنون، وزعم البعض أنه قد تقمصه شيطان، واتهمه البعض بالسحر"، وواصل (واشنجتون) إلى أن قال: "ولكنه تحمل الأذى صابراً غير مبال، وماذا يضيره من السخرية؟ إنها دخان في الهواء، لم يكن يهتم بمعرفة من هم مصدر هذا الإيذاء، بل اهتم بأمر الذين يأمل في اعتناقهم الإسلام". إن قريشاً كانت تتفنن في إيذائه بمختلف الأوصاف منها: اليتيم، ابن أبي كبيشة، والأبتر وغيرها من السخريات اللاذعة. وإن العرب يجيدون فن السخرية، إذا جهلوا. ولذا نهاهم القرآن عن السخرية في قوله تعالى للمجتمع المدني:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ [(سورة الحجرات: الآية 11). بل إن سورة كاملة نزلت تعالج هذا الموضوع هي سورة الهمزة:] وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [، وهي صورة مكية تهدد هؤلاء العتاة البذيئين. ونزل أيضاً القرآن ليطيب خاطر الرسول فقال تعالى:] فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [(سورة الأنعام: الآية 5)،] وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [(سورة الأنعام: الآية 10)،] قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ [(سورة الأنعام: الآية 33).
2. حرب الوقيعة
ما إن فرغ الكفار من حرب السخرية والاستهزاء حتى بدأوا حرباً أخرى ذات طابع جديد وهي حرب الوقيعة بين أبي طالب والنبي وهي حرب لها خطورتها، فقد كان أبو طالب بمثابة الدرع الذي يصد عن الرسول الكريم سهام العداء والإيذاء التي يصوبها المشركون. بالرغم من عدم اعتناق ابي طالب للإسلام إلا أن حمايته لابن أخيه ساعدت بطريق غير مباشرة في انتشار الإسلام، مما أثار حفيظة القرشيين وقرروا الوقيعة بين الرسول وعمه، فأوفدوا وفداً إلى أبي طالب بأن ابن أخيه قد سفَّه أحلامهم وسب آلهتهم، وعاب دينهم، وضلل آباءهم وطلبوا من أبي طالب أن يكف ابن أخيه عنهم أو يخلي بينه وبينهم، فردهم أبو طالب رداً جميلاً. بعد ذلك استمرت الدعوة من قوة إلى قوة، لكن هذا الأمر قد ضايق القرشيين مما دفعهم بإيفاد وفد جديد إلى أبي طالب واستخدموا معه الحزم لعله يرعوي عن دعم ابن أخيه الذي سفَّه أحلامهم، وبعد أن قالوا ما أرادوا انصرفوا من مجلس أبي طالب غاضبين. فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفساً بالتخلي عن ـ ترك وتسليم ـ رسول الله وخذلانه. وبعث أبو طالب يستدعي الرسول إليه، حتى إذا قدم عليه، قال له: يا بن أخي، إن قومك قد جاءوني، فقالوا لي كذا وكذا، فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق. فظن الرسول أن عمه خاذله ومسلِّمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. فقال الرسول : والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه ثم تهيأ الرسول للانصراف، فناداه أبو طالب وقال له: اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبداً!. وهكذا أخفقت قريش للمرة الثانية، لكنها حاولت حيلة أخرى، إذ ساومت أبا طالب على قتل الرسول وتعويضه عنه بفتى من فتيان قريش .. وبالطبع رفض أبو طالب هذا العرض رفضاً مطلقاً. وبعدها أدركت قريش أنها أخفقت إخفاقاً تاماً في الوقيعة بين الرسول وعمه، وأنهم لن يستطيعوا إلحاق الأذى به، فانصرفوا إلى إيذاء المسلمين وخاصة الموالي والرقيق والضعفاء.
3. حرب الإغراء والترغيب
ظن سفهاء قريش أن الدعوة سحابة صيف لا تلبث أن تنقشع، فاتبعوا من وسائل الهزء ما ظنوا أنه يخلصهم من الرسالة وصاحبها، وأخطأوا الظن إذ توهموا أنه طالب شهرة أو مال أو جاه فرأوا أن يتحولوا إلى سلاح الإغراء والترغيب. وبعثوا بوفدهم إلى الرسول وعلى رأسه عتبة بن ربيعة، وقال له المقولة المشهورة: "يا ابن أخي، إنك منا حيث علوت شرفاً ونسباً ... "، إلى أن قال: " ... إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد مُلكاً ملَّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع أن ترده عن نفسك طلبنا لك الطب ... إلخ"، فقال له رسول الله " أفرغت يا أبا الوليد"، قال: نعم، قال: فاسمع مني. ثم تلا عليه صدْراً من سورة فُصلت، حتى أوقفه ذلك، فقال له النبي قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك. وعاد عتبة إلى قومه بغير الوجه الذي أتى به حتى قال القرشيون: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فقالوا ما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال: "ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط .. إلخ". ولم يجد سلاح الإغراء مع الرسول فتيلاً، فلجأت قريش إلى سلاح جديد.
4. حرب التعجيز وطلب المعجزات
استمر القرشيون في عملياتهم النفسية، يبتدعون كل يوم لوناً جديداً، بهدف الحد من سعة انتشار الإسلام، ومن هذه المبتدعات: مطالبة الرسول بمعجزات حسية ملموسة بقصد الإحراج فطالبوه أن يطلب من ربه زحزحة الجبال التي تحيط بمكة، وطالبوه أن يفجِّر عيون الماء ليحل مشكلة الماء، وأن يحول القفار إلى جنات من نخيل وأعناب، وطلبوا كتاباً ينزل من السماء يلمسونه بأيديهم ويرونه بأعينهم، وطلبوا أن يبعث آباءهم من موتهم حتى يصدقوا بالبعث، ثم طلبوا مَلَكاً ينزل مع الرسول يشهد له ويؤيده ... إلخ. وكان جواب الرسول ما يرويه ابن هشام ما بهذا بعثت إليكم، وقد أبلغتكم ما أُرسلت به إليكم فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله تعالى حتى يحكم بيني وبينكم. وقد سجلت آيات عديدة مواقف معاجزة النبي وتشددهم واشتراط معجزات وخوارق وآيات ومنها:] وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلاَلَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولاً [(سورة الإسراء: الآيات 90 - 93)،] وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلاَ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً [(سورة الفرقان: الآيات 7 - 9). وقد أنزل الله سبحانه وتعالى قرآناً يخفف كثيراً من وطأة وثقل معاناة النبي من هذه المغالطات، ولولا هذا العلاج الذي يمسح عن النفس ما تجد، لكان هذا السلاح خطيراً مؤثراً، ولكنه المنهج القرآني والعلاج الرباني، والنفس العظيمة، نفس النبي فقال الله تعالى:] قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ [(سورة الأنعام: الآية 50)،] قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ [(سورة الأنعام: الآيتان 57، 58)، وغيرها من الآيات القرآنية.
5. حرب الإشاعات والافتراءات
مضت قريش في عملياتها النفسية، مستميتة في دفاعها عن أوثانها وجاهليتها، فلجأت فيما لجأت إلى حرب الإشاعات والافتراءات، لقد لجأت إلى سلاح الدعاية منذ الساعة الأولى، بكل ما ينطوي عليه هذا السلاح من مجادلة وحجج ومهاترة وترويج إشاعات، وتوهين لحجة الخصم، واستعلاء بالدليل عليه .. الدعاية على العقيدة وعلى صاحب العقيدة واتهامه فيها، واتهامها لذاتها. والدعاية التي لا تقف عند حدود مكة. وقد أصبحت مهمة قريش في هذه المرحلة من العمليات النفسية، وضع حجاب كثيف بين الرسول والحجاج القادمين إلى مكة، وملاحقة هؤلاء الحجاج بوابل من الدعايات، والإشاعات والافتراءات، تزيد هذا الحجاب كثافة، وحتى يعود هؤلاء الحجاج من حيث أتوا، دون أن يعتنقوا الإسلام. وكان أن أشاعت قريش عن النبي جملة مفتريات وسجل كل ذلك القرآن الكريم وردَّ عليه أبلغ رد، من ذلك قولهم أن الرسول تقوّل القرآن، ذكره القرآن ورده عليهم:] يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لاَ يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ [(سورة الطور: الآيتان 33، 34)،] أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [(سورة يونس: الآية 38)،] أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُم مسلِمُونَ [(سورة هود: الآيتان 13، 14).
6. حروب قرشية أخرى
فضلاً عن الحروب سالفة الذكر شنت قريش حروباً بالغة الضراوة على الرسول منها:
أ. حرب الإيذاء والإرهاب
ومن هذه الحرب اللون السلبي الذي اعتمد على الأقوال والدعاية، ومنها الإيجابي الذي اعتمد على العنف والإرهاب، "والهدف الرئيسي منها هو بث الرعب في نفوس المسلمين، فقد تخير المشركون نفراً من المسلمين، الفقراء والضعفاء، والموالي وألحقوا بهم ألواناً من الاضطهاد والإيذاء، وأحاطوهم بجو من الإرهاب، حتى يثيروا مخاوف سائر المسلمين، ويوضحوا لهم مصير كل من يعتنق الإسلام، وحتى يحولوا دون من لم يؤمن بعد وبين الدخول فيه، وقد كان علاج النبي لهذا اللون من العمليات النفسية واقعياً، فقد أذن لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة فراراً بدينهم، وبقي الرسول مع نفر من أصحابه الذين كانت لهم منعة في مكة.
ب. حرب المقاطعة
اتفقت قريش على مقاطعة بني هاشم وبني عبدالمطلب، فلا يتعاملون معهم ببيع ولا شراء ولا زواج ولا مجالسة، حتى يدفعوا إليهم رسول الله ليقتلوه، وكتبوا بذلك صحيفة علقوها في جوف الكعبة .. واستمرت قريش في مقاطعتها الشاملة هذه ثلاث سنين، حتى استيقظت بعض معاني النخوة في نفوس بعض القرشيين، واتفقوا على نقض الصحيفة، وانتهت المقاطعة، وقد خرج المسلمون منها أصلب عوداً وأعظم تجربة، وقد كسبوا عطف كثير من الناس وتأييدهم وإعجابهم. ثم جاءت حرب الافتراء على القرآن الكريم وعلى المؤمنين ورد عليهم القرآن أبلغ رد أفحمهم عن الإتيان بالمزيد.
ثالثاً: العمليات النفسية في الفترة المدنية
لم يجد الرسول بُداً في بادئ الأمر من ترك مسقط رأسه (مكة المكرمة) والتوجه إلى بلاد جديدة تحتضنه وتحتضن الدعوة التي كلفه الله بها ـ إلى المدينة المنورة ـ في أواخر العهد المكي صعّدت قريش من مقاومتها وطورت من أساليبها إلى حد التآمر على قتل النبي وتوزيع دمه على القبائل، كما خططوا لذلك في دار ندوتهم، وقد وصف القرآن مؤامرتهم بقوله:] وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [(سورة الأنفال: الآية 30). لقد كان حصاد هذه الحملات المحمومة المسعورة على المسلمين في الفترة المكية نصراً للمؤمنين وهزيمة للكافرين. وكانت الهجرة فتحاً كما أيقنت قريش بعد قليل. وأخفقت العمليات النفسية التي أعلنتها قريش إخفاقاً تاماً، فهذه الحروب لا تؤثر في النفوس الضعيفة، المزعزعة الإيمان. ولقد كان للمسلمين الأولين من إيمانهم القوي ما جعل أفئدتهم وعقولهم في منأى عن التأثر بهذه الحملات المغرضة المضللة. وأدركت قريش أنها أخفقت ولقيت هزيمة ساحقة في ميادين العمليات النفسية، فلجأت إلى أسلحة أخرى. ويمكننا أن نجمل مظاهر العمليات النفسية ضد الإسلام وأهله في المرحلة المدنية في النقاط التالية:
1. استمرار عمليات المشركين النفسية من مكة على المسلمين حيث قام كفار قريش بعد هجرة الرسول وصحبه بمصادرة ديار المهاجرين وأموالهم وأراضيهم وعذبوا من بقي من المسلمين في مكة وحالوا بينهم وبين زيارة أزواجهم وأهليهم لهم. كما عمدت قريش إلى استغلال مكانتها الدنيوية وزعامتها الدينية بوصفها ساكنة الحرم ومجاورة البيت في التحريض ضد الرسول والمسلمين في المدينة مستغلة موسم الحج في ذلك.
2. أن الجبهة المضادة للرسول والتي كانت تقوم بعملياتها النفسية ضده قد تعضدت بفرقتين أخريين في المدينة وهما اليهود والمنافقين.
3. أن القوة الإسلامية المتنامية في المدينة المنورة كانت مدركة تماماً لما يدور حولها، متفهمة للأساليب التي يتبعها اليهود والمنافقين في المدينة، وكان الرسول يواجه هذه الحرب بحرب مضادة تتناسب في أساليبها مع المواقف والمناسبات التي يمارس فيها اليهود والمنافقون حربهم على الإسلام.
رابعاً: اليهود والعمليات النفسية في الفترة المدنية
ما أن وصل النبي إلى المدينة حتى بدأ اليهود عملياتهم النفسية ضد الإسلام وأهله، طفقوا يكيدون للإسلام، ويتربصون به وبالمرسل به الدوائر بغياً وحسداً. وبرغم لين النبي وتسامحه وبرغم معاهدته معهم، فقد ظل اليهود ـ ما أمكنهم ـ يقاومون الدعوة الإسلامية ويثيرون المتاعب في وجه حامل لوائها بما يبثون من أراجيف، وينشرون من أكاذيب، تستهدف تشكيك الناس في صدق دعوته، والنفور منها، ويعضدون كل من يريد به شراً، أو يبيت له ولأصحابه مكروهاً، بل ويتآمرون ضد الإسلام بغية الإطاحة بحكمه والقضاء على رسوله ، غير مبالين بعهد أعطوه، ولا مقيمين وزناً لميثاق أبرموه، لأن هذه العهود والمواثيق عند هؤلاء اليهود، لا قيمة لها ولا اعتبار إلا عندما يكون التمسك والالتزام بها يحقق لهم مصلحة خاصة فحسب.
وسائل العمليات النفسية اليهودية في المدينة
اتخذت عمليات اليهود النفسية ضد المسلمين في المدينة عدة وسائل وأساليب منها:
أ. حرب الجدل
من المعروف عن اليهود أنهم أهل الجدل، فقد أتعبوا أنبياءهم بالتوائهم ومجادلتهم، وقصصهم مع موسى u ـ أشهر من أن يشار إليها. وقد بدأت حرب الجدل بين النبي وبين اليهود مبكرة، ونستطيع أن نقول منذ حلوله المدينة، وزاد من أوارها إسلام بعض أحبار اليهود ومحاجتهم قومهم، وممن يذكر في هذا الصدد (عبدالله بن سلام) فقد روى ابن هشام القصة الطريفة لإسلام ابن سلام فقال: إنه طلب من الرسول أن يكتم إسلامه حتى يسأل اليهود عن قدر ومنزلة ابن سلام فيهم، فأجابوه سيدنا وابن سيدنا وحبرنا وعالمنا، فخرج إليهم ابن سلام فقال لهم: يا معشر يهود، اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله. فغيروا رأيهم بابن سلام واتهموه بالكذب، فقال ابن سلام للرسول : ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بهت وأهل غدر وكذب وفجور. وهنالك آيات قرآنية كثيرة تشير إلى جدال اليهود مع الرسول وبدأ هذا الجدال أحبارهم فرد الله قائلاً للرسول:] وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ [(سورة المائدة: الآية 49)، وقوله تعالى:] لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [(سورة آل عمران: الآية 181)، وقال الله تعالى:] يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَءَاتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا [(سورة النساء: الآية 153).
ب. بث الشكوك في الإسلام
ومن وسائل العمليات النفسية بث الشكوك في الإسلام فقد عمد اليهود إلى إضعاف الإيمان في نفوس المسلمين وزعزعة ثقتهم بالإسلام، وذلك بإثارة الشكوك في قلوبهم وتلقينهم أن ما في الإسلام إنما هو تحريف لبعض ما جاء في التوراة وأن في القرآن تناقضاً وغير ذلك من شبهات. وذكر القرآن محاولات اليهود في صد المسلمين عن الإسلام في قوله تعالى:] وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ [(سورة آل عمران: الآية 69). وقد أغاظ اليهود تحويل القبلة من القدس إلى مكة، ورأى اليهود في هذا التغيير دلالة على تحول خطير ضدهم فجاء نفر منهم رفاعة بن قيس، وقردم بن عمرو، وكعب بن الأشرف، إلى النبي يقولون له: يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه، ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك. وفيهم نزل قول الحق تبارك وتعالى:] سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [(سورة البقرة: الآية 142).
ج. الحصار الاقتصادي
ومن وسائل العمليات النفسية على المسلمين: الحصار الاقتصادي .. فقد "قام بعض اليهود بمؤامرة تهدف إلى إبعاد المسلمين عن دينهم وذلك بمقاطعتهم اقتصادياً وامتناعهم عن دفع ما يجب عليهم دفعه من ديون وبيوع وأمانات لمن اعتنق الإسلام، مدعين أن ما كان لهم من حق إنما كان لهم قبل الإسلام، وأن دخولهم في هذا الدين أبطل حقهم فيه. وإلى ذلك يشير القرآن:] وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأَمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [(سورة آل عمران: الآية 75).
د. إثارة الأحقاد والفتن (حرب الوقيعة)
غاظ اليهود ما صنع الإسلام من وحدة المسلمين، وما كونه من قوة نشأت عن الاجتماع عن الحق والدين، وموالاة للصف المؤمن وقيادته النبوية الحكيمة، كل ذلك جعلهم يعلمون حيلتهم ودهاءهم لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه من قبل من فرقة وقطيعة حتى يتسنى لهم الهيمنة عليه وسرقة مقدراته. وقد بذل اليهود قصارى جهدهم للتفريق بين أوس وخزرج المدينة بعد أن دخلوا في الإسلام زرافات ووحدانا. وفي هذا نزل قول الله عز وجل:] قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ءَايَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [(سورة آل عمران: الآيات 99 - 101).
خامساً: وسائل العمليات النفسية عند المسلمين
ليتسنى للمسلمين الانتصار على أعدائهم الظاهرين، اليهود والكفار، وأعدائهم الأخفياء، المنافقين، اتبعوا مجموعة من الوسائل في العمليات النفسية التي عززها العمل العسكري ومن هذه الوسائل ما يلي:
1. الصدق في القول والتصميم على تحقيق الهدف
كان صدق القادة المسلمين في إنذارهم لخصومهم بالمصير الذي سينتهي إليه أمرهم إذا حاربوا المسلمين وتنفيذهم لوعيدهم بدقة، من الأسباب التي أحبطت إرادة القتال لدى خصوم المسلمين وذلك لمجرد وصولهم نذير أو وعيد. وكان التصميم على تحقيق الهدف من الأسباب التي وضعت المسلمين في موقف الذي لا يغلب. وفي هذا المقام نذكر وصية أبي بكر الصديق لعكرمة حينما وجهه إلى عمان، ومهما قلت أني فاعل فافعله ولا تجعل قولك لغواً، واُنظر ما تقول ومتى تقول ....
2. الشجاعة في الحرب
كانت إرادة المسلمين للقتال وعدم انحرافهم عن هدفهم واندفاعهم إلى الموت دونما تردد لتحقيق هذا الهدف، أسباباً رئيسية لإحباط إرادة القتال لدى الخصم. وقد وصف القرآن الكريم مظهر المسلمين مع رسولهم وشدتهم على أعدائهم بقوله:] مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [(سورة الفتح: الآية 29).
3. إبادة قادة العدو منذ اللحظات الأولى للقتال
فقد كان لذلك انعكاسات نفسية سيئة في مسيرة المعركة التي يقتل فيها القائد وفي مسيرة العمليات التالية بحيث أصبح القادة يعرفون أن مصيرهم الحتمي هو القتل عند اصطدامهم بالمسلمين وكان خوف القادة ينعكس بدوره على المقاتلين.
4. اعتماد الأنصار
استخدام الطابور الخامس لتحطيم إرادة القتال لدى العدو، وكان هؤلاء الأنصار من العرب المستعربة أو من الخصوم أنفسهم.
5. الظهور أمام الخصم بالمظهر الذي يدخل الرهبة في نفسه
لا ريب أن طبيعة العربي وحياته الخشنة في الصحراء قد ساعدت على الظهور بهذا المظهر. وتروي كتب السيرة عن أن الرسول أثنى على تبختر أبي دجانة في أرض المعركة باعتبارها موضع إظهار القوة والشجاعة وعدم المبالاة بالعدو.
6. الإفادة من التناقضات والخصومات في صفوف العدو
فقد استغل صلاح الدين الخصومات بين طوائف عدوه فجعلها في خطته لجلب النصر، في ذكاء وفهم، كما حدث في حرب دمياط، فقد أخذ يتصل بجماعة من عسكر كل طائفة على مرأى من الآخر، فزادت الخصومة بين الملك (امري) والبيزنطيين، وظن بعضهم الظنون ببعض، فسهل عقد الصلح وقبلت فيه شروط صلاح الدين.
7. المطاردة الحاسمة في القتال ومطاردة أعداء الإسلام حيثما ذهبوا
كانت المعارك الإسلامية التي تنتهي بانتصار المسلمين لا تترك الفرصة لهروب الأعداء الكبيرة حتى لا يشكلوا جيوب مقاومة جديدة، حيث كانت الفرسان تطوق ميدان المعركة وتبيد مجموعات العدو. وهذا الأسلوب ضروري لتحطيم توازن القوى الذي لم يكن أبداً لصالح المسلمين في جميع معاركهم.
8. الجهاد باللسان
وفي عدة أحاديث منها:] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ اهْجُ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ مَعَكَ [(صحيح البخاري: 3814). وكان عبدالله بن رواحة يلقي شعراً في هجاء الأعداء في المسجد واستنكر ذلك منه عمر بن الخطاب t ـ فقال النبي خل عنه ياعمر فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبل. وهكذا يقرر الرسول ما يلي: إن الجهاد باللسان واجب وجوب الجهاد بالأموال والأنفس، كما أنه يكون أسرع وأشد تأثيراً في الأعداء من القتال بالسلاح.
9. التخويف والضغط النفسي.
10. التفريق بين العدو وحلفائه.
11. تحييد القوى الأخرى وحرمان العدو من محالفتها
اتبع الرسول بعد الهجرة سياسة تقوم على عقد الاتفاقات أو المعاهدات مع مختلف القبائل، تكفل حرية الدعوة وحسن الجوار والمعاملة، وكانت النتيجة المباشرة لتلك المعاهدات حرمان قريش من قوى كان يمكنها ان تتحالف معها وتشد أزرها في صراعها مع المسلمين، وما أقسى على نفس المحارب أن يتلفت حوله باحثاً عن حليف يتقوى به فلا يجد.
12. تجريد العدو من إرادته القتالية
وأبرز الأمثلة التطبيقية على استخدام العامل النفسي في تجريد العدو من إرادته القتالية ما حدث في فتح مكة، فلقد أدى التخطيط الفذ الذي وضعه الرسول والذي استخدم فيه عامل المفاجأة وإظهار القوة والتقدم نحو مكة في أربعة أرتال لإرباك قريش، وتشتيت قواها وعقلها، مما أدى إلى إحداث خلل في توازنها النفسي (كما يقول الإستراتيجيون) وإلى زعزعة ثقتها في إمكان المقاومة أو النصر على المسلمين ومن ثم تجريدها تماماً من إرادة القتال، وقد تمثل هذا في قول أبي سفيان: "هذا محمد جاءكم فيما لا قبل لكم به"، وبذلك فتح المسلمون مكة بلا قتال يذكر.
13. حرمان العدو من المرافق الحيوية
مما يذكر في هذا الجانب أن الحباب بن المنذر سأل الرسول وهم في غزوة بدر إن كان اختياراً منه أو فرضاً عليه من الله، فأجاب بأنه اختياره، فنصح الحباب بنقل الجيش إلى ما بعد عين بدر حتى يحرم الكفار من الاستفادة من مياهها في الشرب بينما يستفيد منها المسلمون.
14. المباغتة
التطور الدائم من طبيعة الحرب، والمباغتة دستورها وقانونها، ولعل إجماع القادة العسكريين والاستراتيجيين في العالم كله على وضع المباغتة في المرتبة الأولى من مبادئ الحرب هو أفضل شاهد على أهميته وعلى دوره الحاسم في إحراز النصر. والمباغتة هي إحداث موقف لا يكون العدو مستعداً له، والكتمان من أهم الوسائل التي تؤدي للمباغتة، والسرعة في التنقل لإنزال ضربة لا يتوقعها العدو في زمان لا يتوقعه أو في مكان لا يتوقعه، واستخدام الأراضي الصعبة، وعبور الأراضي الصعبة، واستخدام أسلحة جديدة غير متوقعة أو أساليب تعبوية جديدة غير متوقعة، كلها وسائل تؤدي للمباغتة أيضاً. وما يعنينا في مبدأ المباغتة هو التأثير النفسي لها على الأعداء، وقد اشتهر القائد المسلم خالد بن الوليد بتنفيذ المباغتة بكثير من صورها التي كانت تحدث في العدو المفاجأة والتأثير النفسي الشديد.
15. الإعداد الدائم المتطور
إن الإسلام لم يشأ أن يدخل المسلمون معركة دون الإعداد لها مادياً ومعنوياً، فقد اهتم بإعداد المقاتلين ليكونوا على درجة من الكفاءة في القتال فعلمهم ودربهم على أصول القتال ومواجهة العدو، واهتم بدنياً وعقلياً، وغرس فيهم روح المقاتل الصادق المؤمن، حتى أصبحوا مضرب الأمثال بين جند العالم. ثم اهتم الإسلام بإعداد السلاح اللازم للمعركة والقيام على خدمته، ليكون صالحاً للاستخدام. ولقد استفاد المسلمون من أسلحة أعدائهم فأدخلوها في تشكيلاتهم وحاربوا بها كالمنجنيق، والدبابة، والنار اليونانية التي أخذوها عن الرومان، والسفن الحربية التي كان لها تاريخ مشرق في تاريخ البحرية عامة.
المبحث السادس العمليات النفسية للجانب العراقي في حرب تحرير الكويت
أولاً: عمليتي عاصفة ودرع الصحراء (90/ 1991)
…إن المتتبع العلمي، المتخصص والموضوعي، لتطورات أزمة الخليج، بأبعادها المختلفة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو سيكولوجية، وعلى كافة مستوياتها، المحلية أو الإقليمية والعالمية، يجد، بكل وضوح، أنه أمام واحد من الآليات الفاعلة والمؤثرة، التي تلعب دوراً فاعلاً ومؤثراً في كافة مراحل إدارة الأزمة، منذ بدايتها، عام 1875، مروراً بمراحل تصاعدها، ثم في عمليات درع وعاصفة الصحراء، فتصاعدها الثاني، في 1996، ثم مرة أخرى، في أكتوبر 1997 ـ فبراير 1998.
…وإذا ما توقفنا، للدراسة والتحليل، عند دراسة إدارة الأزمة من وجهة نظر العمليات النفسية، خلال حرب تحرير الكويت، ومقارنته بالحملات النفسية المعادية، التي يشنها العدو الإسرائيلي، في كافة الاتجاهات، وعلى جميع المستويات، يتضح أنه من الضروري، أن نعطي للبُعد النفسي في إدارة المعركة الحجم والاهتمام اللذين يستحقهما.
…فقد لعبت العمليات النفسية، في هذه الحرب دوراً غير مسبوق في الأزمات والصراعات المختلفة، نظراً لِمَا توافر لها من إمكانيات تكنولوجية هائلة، كانعكاس طبيعي لثورة الاتصالات، فضلاً على الكفاءات البشرية، والكوادر المتخصصة العاملة في هذا المجال. كما كانت المرة الأولى التي يجد فيها الناس أنفسهم، على اختلاف انتماءاتهم وثقافتهم واتجاهاتهم، أمام طرق العمل النفسي وأساليبه، إلى جانب أدوات الحرب والدمار وأسلحتها، في مواجهة مباشرة، وكلاهما يستخدم أحدث ما وصل إليه العصر من أدوات ووسائل وعتاد وسلاح، إلى درجة أن وجد المدنيون أنفسهم، إلى جانب الجنود والدبلوماسيين، يشاركون، الرأي والاتجاه في الأزمة، بإيجابية لا مجرد متابعين سلبيين لها.
…ومهما تعددت وسائل وطرق التأثير النفسي وهويتها داخل إطار الأزمة، إلاّ أنها تبلورت في طرفين رئيسيين متضادين لا ثالث لهما، الأول في العراق والمؤيدين لسياسته ومواقفه، والثاني في القوات المتحالفة، تحت اللواء الأمريكي. وخلاصة القول، أن العمل والتأثير النفسي، كان هو القاسم المشترك الأعظم في أزمة الخليج الثانية، وشملت العمليات النفسية، بمفهومها الشامل، مرحلة ما قبل الأزمة، وخطوات افتعالها، حتى وصلت إلى حد الانفجار، وواكبتها حتى صارت إحدى أدواتها الرئيسية. كذلك كان الحال بعد غزو القوات العراقية للكويت واستمرت أثناء عملية التحرير وبعدها.
…وعلى الرغم من الهزيمة العسكرية القاسية التي مني بها الجانب العراقي، إلاّ أنه لم يغفل دور العمليات النفسية في كافة مراحل الأزمة قبل تصاعدها أو أثناء مراحل الحرب وما بعدها وهو ما برز في افتعاله الأزمة وخلق مناخها.
…فضلاً عن تمكنه من نشر دعاوى تهديد الكويت للأمن القومي العراقي بما برر مراحل الأزمة التالية التي اتسم فيها الجانب العراقي بالمبادأه، واحتلال قواته العسكرية للكويت، وتعطيل القدرة العربية في منع أو ردع العراق عن تنفيذ مخططاته. إلاّ أن ما يؤخذ على الجانب العراقي، في هذا المجال، هو الخضوع إلى النظرية في تخطيط العمل النفسي وإدارته، وبمعنى آخر، اعتماده الكلي على الأكاديميين دون المتخصصين والفنيين.
ثانياً: العمليات النفسية للجانب العراقي
تميزت العمليات النفسية العراقية، بالمبادأة والمناورة النشطة، في مرحلة ما قبل الغزو، حتى مرحلة ما قبل بدء العمليات العسكرية للقوات المتحالفة، إذ تمكنت من تحقيق أهدافها، السياسية والعسكرية. فهي على الجانب السياسي، نجحت في إرباك وشل القرار العربي في إيجاد آلية مناسبة يمكن بها تغيير الواقع، الذي فرضه العمل العسكري العراقي، بعد غزوه الكويت، وإسقاط النظام الشرعي، وإيقاف إجراءات ضم الكويت، بل مزقت الموقف العربي، فضلاً عن محاولتها التأثير على الرأي العام العالمي، والعمل على كسب تأييده لإفشال أي جهود، سياسية أو عسكرية، تهدف إلى إخراجه من الكويت، ومحاولة قبول الأمر الواقع والتعامل معه.
أمّا على الجانب العسكري، فقد هيأ العمل النفسي الظروف المناسبة لتنفيذ عمليات الغزو، باستخدام الخداع والمفاجأة، إذ وجد الكويتيون أنفسهم أمام القوات العراقية، في فجر 8 أغسطس 1990، في عاصمتهم، من دون أي إجراءات دفاعية من جانب قواتهم، وكذلك ما تبعته من عمليات بناء الدفاع من تركيز على بناء الدفاعات الحصينة على الحدود الكويتية، مع محاولات تغيير معالم الكويت من تغيير لأسماء الشوارع والعملة وغيرها من الإجراءات التي تشير إلى استقرار الأمر الواقع وتجاوز ما قبل ذلك.
1. مراحل العمل النفسي العراقي
مع بدء افتعال العراق للأزمة، بدا على السلوك العراقي الميل إلى التصعيد، مع الظهور بمظهر الحريص على استنفاد جميع السبل والوسائل الدبلوماسية، بغرض كسب تأييد الأطراف الأخرى المعنية بالمسألة من خلال المراحل التالية:
أ. مرحلة بدء افتعال الأزمة
مذكرة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، من وزارة الخارجية العراقية، في 15 يوليه 1990، يتهم فيها حكومتَي الكويت والإمارات. خص فيها حكومة الكويت، الاتهام بإنشاء مخافر ومنشآت عسكرية كويتية على أراضى عراقية.
(1) اتهام الحكومتين معاً بالاشتراك في عملية مدبرة لإغراق السوق النفطية بمزيد من الإنتاج خارج الحصص المقررة بواسطة أوبك.
(2) أدت هذه الخطوة إلى تدهور سعر برميل النفط من 18 إلى 13، 11 دولار، مما أصاب الاقتصاد العراقي بخسارة تقدر بحوالي مليار دولار خلال الفترة من 1981 ـ 1990.
(3) اتهام حكومة الكويت بإقامة منشآت نفطية على الجزء الجنوبي من حقل الرملية وسحب نفط يقدر بنحو 2.4 مليار دولار خلال الفترة من 1980 ـ 1990 مستغلة انشغال العراق في حربه مع إيران.
(4) مطالبة العراق بإلغاء الديون المستحقة عليه من دول الخليج وتنظيم خطة عربية على غرار مشروع مارشال لتعويض العراق عن بعض خسائره في الحرب
ب. مرحلة التصعيد العراقي للحملة النفسية
(1) أعاب العراق على الكويت إرسالها مذكرة إلى السكرتير العام للأمم المتحدة وأنها بهذا التحرك تقصد تدويل المسألة.
(2) وجه صدام حسين في خطابه بمناسبة الذكرى 22 لثورة يوليه 1958 تحذيرات شديدة اللهجة إلى الدول العربية الخليجية والتي تجاوزت حصص إنتاجها من النفط مع التهديد باستخدام القوة ضدها إذا لم تلتزم بقرارات الأوبك.
(3) كما أكد على أن تحرك هذه الدول يأتي في إطار مخطط أمريكي يستهدف خفض أسعار النفط عالمياً وبما يحقق خسائر هائلة للاقتصاد العراقي.
ج. مرحلة ترسيخ سياسة الأمر الواقع
بدأت أولى خطوات هذا النهج بقرار الغزو في الثاني من أغسطس 1990 بدعوى مساندة انقلاب عسكري أطاح بحكومة الكويت وتلا ذلك الإعلان في 4 أغسطس عن حكومة الكويت الحرة المؤقتة وقيام العراق بعقد اتفاقية مع هذه الحكومة المؤقتة لتأمين سلامتها ضد أي أخطار خارجية ولإتاحة الشرعية أمام الوجود العسكري العراقي داخل الكويت.
وتطور السلوك العراقي خلال هذه المرحلة كالآتي:
(1) الإسراع في عملية ضم الكويت عملياً عن طريق إنهاء الطابع الدولي والديموجرافي بل وتغيير الهوية الوطنية لدولة الكويت.
(2) صرف الانتباه عن القضية الأساسية (ضم الكويت) والتركيز على قضايا أخرى فرعية سعى العراق إلى خلقها.
(3) العمل على تجميد الوضع عند حدود 2/ 8/1990.
(4) الإصرار على حل القضية في إطار عربي وليس دولي وبالتالي نزع الشرعية عن أي وجود أجنبي بالمنطقة.
(5) ولقد مر السلوك العراقي خلال الفترة من 2/ 8/1990 إلى 15/ 1/1991 بأربع مراحل رئيسية ومتتابعة بغرض إحداث الأثر النفسي المطلوب:
(أ) مرحلة ترسيخ الأمر الواقع.
(ب) مرحلة استخدام ورقة السفارات والجاليات الأجنبية من خلال الضغط على أعضاء هذه الجاليات والبعثات الدبلوماسية في الكويت ومنع الرعايا الأجانب من مغادرة البلاد (كويت وعراق) اعتباراً من 9/ 8/1990 وذلك بإتباع تكتيك خاص بهذه المرحلة يسعى إلى تصعيد المشكلة على مراحل مما يساعد القيادة العراقية على تشتيت الانتباه الدولي عن القضية الأساسية وللحصول على مكاسب سياسية واقتصادية من خلال سياسة تدريجية في حل مشاكل الرعايا الغربية.
(ج) مرحلة تحييد الجبهة الإيرانية
· انسحاب القوات العراقية من الأراضي الإيرانية ومن جانب العراق فقط اعتباراً من 16/ 8/1990
· موافقة السلطات العراقية على ترسيم الحدود الإيرانية العراقية وإقرارها باتفاقية الجزائر 1975
· التبادل الفوري والشامل لجميع أسرى الحرب بالتاريخ نفسه وذلك بغرض:
-…تحييد القوة الإيرانية.
-…دفع المزيد من القوات العراقية من الجبهة الإيرانية إلى منطقة التوتر.
-…العمل على أن تقوم إيران بتقديم العون للعراق في موضوع الحصار المفروض عليها.
(د) مرحلة المناورة والحركات السياسية والاقتراحات العراقية
وذلك من خلال ثلاث مبادرات عراقية بخصوص المشكلة ونداء من الرئيس العراقي في 23/ 8/1990 إلى الشعوب العربية.
2. الحملات النفسية العراقية المعادية والمضادة لمرحلة ما بعد الغزو
أ. مشتملات الحملات النفسية العراقية
من الدراسات التحليلية ونتائج تحليل موضوعات الحملات النفسية المرصودة يتأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن القائمين على أعمال تخطيط وإدارة العمليات النفسية العراقية يتعاملون مع أربعة مكونات هي:
(1) موضوعات ومواد الحملات النفسية
إعداد وتحديد مواد وموضوعات الحملات النفسية بناءً على الأخبار المستقاة أساساً من وكالات الأنباء و الصحافة العالمية و الإذاعة والتليفزيون في دول العالم فضلاً عن التوجيهات الخاصة بالقيادة السياسية العليا.
(2) طرق العمليات النفسية
ركّز مخططو العمليات النفسية العراقية في استخدام كافة طرق العمليات النفسية (الدعاية ـ الدعاية المضادة ـ العنف ـ الخداع) لعرض ونشر موضوعات الحملات النفسية، ولضمان وصول الرسالة وتأثيرها في آراء الأهداف المخاطبة، واتجاهاتها وسلوكها، بهدف الإثارة النفسية وإشاعة القلق.
(3) وسائل العمليات النفسية
وهي الوسائط التي استخدمها المخطط العراقي لتبليغ الرسائل وتوصيلها إلى الأهداف وقد تركزت في الآتي: الصحف العراقية والأردنية و الإذاعات الموجهة (مكة المكرمة والمدينة المنورة) ـ موجز عن أبرز تحليلات وكالات الأنباء (مكتب الاتصالات الخارجية).
(4) أساليب العمليات النفسية
وهي الأشكال التي يستخدمها العاملون بجهاز العمليات النفسية العراقية للتأثير في عواطف الأهداف وانفعالاتها، للتأثير على اتجاهاتها وسلوكياتها تحقيقاً لأهدافه وقد ركز الجانب العراقي في الأساليب الآتية:
(أ) الأساليب المعادية
استخدام الأساليب الانفعالية والغوغائية، إلغاء إمكانية التفكير العقلي والمنطقي لدى الأهداف المخاطبة، من خلال بث إشاعات الخوف والحقد والكراهية، أسلوب التشكيك وعدم الثقة والتهكم والاستهزاء.
(ب) الأساليب المضادة
تقوم الدعاية العراقية المضادة، والتي تُوجه إلى الشعب العراقي وبعض الدول المؤيدة له على التركيز في الأساليب التالية:
الأسلوب التحويلي، التفنيد غير المباشر، التقليل من أهمية الموضوع، إضافة إلى توسعه في فرض الصمت والتعتيم الإعلامي على الحقائق، وفرض القيود على أفراد القوات المسلحة، مع استغلال نقاط التعرض في مجتمعات الدول ذات الاتجاهات المعادية وإبرازها إعلامياً على أنها أحد صور التأييد الدولي للموقف العراقي.
ب. اتجاهات الدعاية العراقية
من الدراسة التحليلية لاتجاهات الدعاية العراقية خلال هذه الفترة يمكن تحديد الخط العام لكل من الدعاية المعادية والمضادة على النحو التالي:
(1) اتجاهات الدعاية العراقية المعادية
يمكن تحديد اتجاهات الدعاية العراقية المعادية التي أديرت، في توافق، على ثلاثة محاور لتستهدف إحداث هزة نفسية لدى المواطنين والعناصر المعارضة وأفراد القوات المسلحة، على النحو التالي:
(أ) تجاه الشعب والقوات المتحالفة كالآتي:
·…التشكيك في القيادة السياسية ورموز الحكم في منطقة الخليج ونظمه الحاكمة، وخاصة في المملكة العربية السعودية، مع محاولة إثارة الأحقاد بهدف زعزعة نظام الحكم.
·…العمل على إثارة مشاعر الغضب وتأليب العناصر الشيعية وطلبة الجامعات على الوجود العسكري للقوات الأجنبية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
·…استثارة المشاعر الدينية للشعب السعودي بالتركيز على أن الهدف من وجود القوات الأمريكية والأجنبية ما هو إلا وجود وسلوكيات تركز على الإهانة للإسلام والمسلمين وتدنيس المقدسات الدينية مع العمل على تغيير طبيعة وتقاليد المجتمع الإسلامي في الجزيرة العربية.
·…تشجيع العناصر الرافضة والمتشددة على تنفيذ أعمال التخريب المادي في أنحاء المملكة وذلك من خلال الإشارات الخاصة بإعداد عبوات ناسفة بدائية والأماكن التي يمكن تدميرها بواسطة هذه العبوات.
·…التهديد والتخويف لقيادات وشعب المملكة بقدرات وإمكانيات العراق الهائلة في استخدام الصواريخ أرض/ أرض و الأسلحة الكيماوية وقنابل الغاز ضد منابع النفط والأهداف الإستراتيجية والحيوية في المملكة.
·…التشكيك في قدرات القوات السعودية والقوات المتحالفة وعدم إمكانيتها التصدي للقوات والإمكانيات العراقية.
·…الإيحاء بأن هناك خوارق ومعجزات إلهية تؤيد العراق في مسلكه الحالي نتيجة لبعض الحوادث العادية وبعض حوادث الطائرات ضمن التدريبات التي تقوم بها القوات المتحالفة.
(ب) تجاه الدول العربية
·…محاولة الإيقاع بين دول التحالف وبعضها خلال:
- الإيحاء إلى شعوب الدول العربية بتنامي وتصاعد حركات المعارضة في كل من المملكة السعودية و مصر وتزايد الرأي العام الأمريكي والأوروبي، المعارضين للموقف في الخليج.
- تخويف المجتمع العربي بأن نشوب حرب سيؤدى إلى تدمير الاقتصاد العربي وأن أكثر المستفيدين من هذه الأزمة هو إسرائيل.
- التشكيك في الأهداف الحقيقية وراء الوجود الأمريكي في المنطقة والتركيز على أنه عودة إلى شكل الاستعمار القديم الذي جاء للمنطقة للسيطرة على اقتصادها وتقسيم العالم العربي.
- الإيحاء بعدم اهتمام الرأي العام الأوروبي والأمريكي بمستقبل الكويت ووقوفه ضد إشعال الحرب في الخليج.
·…إظهار المملكة العربية السعودية بمظهر الداعي للحرب وأن العراق تدعو إلى السلام.
·…الإيحاء للرأي العام العربي بوجود وتنامي الانقسام في الرأي العام الأمريكي والبريطاني ضد خيار الحرب وميله التدريجي نحو القبول بالأمر الواقع مستغلاً الرهائن والإفراج التدريجي عن بعض الرهائن لبعض الدول مثل فرنسا بغرض إحداث شرخ في التماسك الدولي أمام العراق.
·…استثارة المشاعر العربية والدينية ضد كل من المملكة العربية السعودية ومصر والولايات المتحدة والوجود الأجنبي في المملكة.
·…تشجيع العناصر المعارضة والرافضة في كل من المملكة العربية السعودية ومصر، ودعوتها للقيام بانتفاضات شعبية.
·…التشكيك في أهمية القوات المتحالفة وفاعليتها، وإثارة الشك في اشتراك بعض هذه الدول في الحرب حال نشوبها.
·…زرع الشك والتخويف بين المملكة السعودية وبين جاراتها من الدول العربية (اليمن ـ الإمارات ـ قطر).
·…تضخيم الأخبار، التي تنشر حوادث القوات المتحالفة في الخليج وتكرارها، مع إبرازها على أنها معجزات دينية، تؤكد غضب الله على هذا الوجود، ودعماً للموقف العراقي والدول المؤيدة له.
·…استثارة المشاعر القومية والوطنية، من خلال محاولات الإيحاء لشعوب الدول العربية الربط بين أزمة الخليج والصراع العربي الإسرائيلي.
·…محاولة الإيقاع بين الدول العربية الفقيرة والدول الغنية مع الإيحاء بقدرة العراق على إعادة توزيع الثروات وإيجاد التوازن الاقتصادي العادل في دول المنطقة.
(ج) تجاه المجتمع الأوروبي وباقي دول العالم
·…تخويف المجتمع الدولي من نتائج نشوب صراع مسلح في المنطقة وآثاره المدمرة على الاقتصاد الأوروبي والآسيوي مع تجويع شعوب العالم.
·…محاولة استمالة الرأي العام العالمي من خلال إطلاق سراح بعض الرهائن لبعض الدول مع العمل على الإيقاع وبث الفرقة بين الدول التي ينتمي إليها هؤلاء الرهائن والولايات المتحدة الأمريكية.
·…التشكيك في موقف الولايات المتحدة وأسباب وجودها في المنطقة وإبرازه على أنه أحد أشكال الهيمنة الأمريكية سواء كانت عسكرية أو سياسية أو اقتصادية.
·…الإيحاء بأن المملكة العربية السعودية هي السبب الرئيسي في توتر ونشوء هذه الأزمة وأنها الداعية للحرب بينما يدعو العراق إلى السلام.
·…الإيحاء بعدم جدوى الحصار الاقتصادي المفروض على العراق وأن لديه من المصادر الداخلية ودعم الدول الصديقة بما فيها دول أوروبية ما يجعله قادرا على مواجهة الحصار لمدة طويلة وأن الخاسر الوحيد هو الاقتصاد العالمي، خاصة الأوروبي.
·…الإيحاء بأن العراق يدعو إلى السلام وينبذ الحرب، وذلك من خلال رسالة وجهها الرئيس صدام حسين إلى بابا الفاتيكان.
(2) اتجاهات الدعاية المضادّة وتعبئة الشعب والقوات المسلحة العراقية
تركز أجهزة الدعاية العراقية في تحليلاتها والرد على الدعايات الموجهة للعراق من كافة دول العالم من خلال المبالغة و سواء في الدعاية المضادة أو الدعاية الموجهة للشعب والقوات العراقية مستخدمة في ذلك كافة الوسائل والأساليب النفسية، ولقد تركزت الحملات النفسية لتعبئه الشعب والقوات العراقية خلال هذه الفترة في الآتي:
(أ) التقليل من أهمية الحصار الاقتصادي مع محاولة الإيحاء بقدره الشعب العراقي على مواجهة النتائج الناجمة عن الحصار بالإعداد والتعبئة النفسية المسبقة.
(ب) الإيحاء بأن هناك تأييد من معظم دول العالم لموقف العراق مع التركيز على الدول (فرنسا ـ الأرجنتين ـ الهند ـ إندونيسيا ـ الجزائر ـ الأردن ـ تونس ـ موريتانيا ـ ليبيا ـ اليمن) مع تنامي المعارضة من باقي دول العالم للموقف في الخليج.
(ج) تعظيم القدرات على مواجهه وردع أي عدوان من خلال إبراز التصريحات والمقالات التي توردها وكالات الأنباء العالمية وذلك بنشرها في الصحف الأولى وإذاعتها في صدر النشرات الإخبارية يومياً.
(د) الادعاء بتمتع صدام حسين بتأييد قوي من الشعوب العربية كافة والشعب الفلسطيني خاصة وأن العداء الذي يجابه به قاصر فقط على ملوك ورؤساء بعض الدول العربية التي تسير في فلك الصهيونية والولايات المتحدة الأمريكية.
(هـ) محاولة إقناع الشعب وأفراد القوات العراقية الربط بين أزمة الخليج والصراع العربي الإسرائيلي
(و) الادعاء بروحانية وذكاء القيادة العراقية الحالية وقدراتها الفذة على مجابهة الموقف، للوصول بشعب العراق وباقي الدول العربية إلى مصاف الدول العالمية.
(ز) محاولة إقناع الشعب وأفراد القوات المسلحة العراقية بسلامة وشرعية القرارات التي يتخذها الرئيس صدام حسين وذلك بالإيحاء بأنه على صلة روحانية بالرسول محمد.
(ح) تغيير فكر الشعب والقوات المسلحة العراقية إلى مرحلة الاعتقاد بأن الكويت هي جزء مسلوب من العراق، وأن ما تم هو استرداد الحقوق المغتصبة من العراق.
ج. أساليب الحملات النفسية العراقية
إن أبرز ما يميز الحملات النفسية العراقية سواء المعادية أو المضادة كونها تعتمد أساساً على المبالغة والسرد الإعلامي المنحاز والذي يعتمد أساساً على سرد التقارير الصحفية العالمية وتصريحات المسئولين العراقيين والتي في مجملها انحياز إلى وجهة النظر العراقية و فيما يلي أبرز الأساليب المستخدمة في الحملات العراقية سواء المعادية أو المضادة منها.
(1) أساليب الضغط النفسي
(أ) اللعب بالعواطف والآراء الزائفة بطريقه لا عقلانية للتأثير على عواطف وانفعالات الجماهير (عقائدية ـ دينية) في محاولة لإلغاء إمكانية التفكير العقلي والمنطقي.
(ب) استغلال النعرات القومية من خلال التأثير على العواطف الإنسانية عند العرب مثل (الخوف ـ الغرور ـ الطموح والميل للمغامرة).
(ج) إشعال الخلافات والوقيعة بين رموز /أفراد فئة وأخرى.
(د) التحريض على القيام بأعمال العنف والتخريب المادي.
(هـ) بث شائعات الخوف والحقد والعمل على تأليب العناصر المعارضة ضد نظام الحكم.
(و) تفريغ الكويت من السكان الأصليين ومحاولة تغيير الهوية الكويتية من خلال ترحيل السكان وتغيير أسماء الموانئ والأحياء والطرق بأسماء جديدة و العلامات الإرشادية.
(2) أساليب التخويف والردع
(أ) في المجال الاقتصادي والسياسي
·…ويتركز أساساً على إبراز التغلغل والوجود الأمريكي والأوروبي في الخليج وسيطرته على سياسات الدول العربية ومقدراتها ومصادر ثرواتها.
·…استغلال الخلافات بين الدول العربية إما بالتهديد المباشر أو بتنفيذ العمليات الإرهابية بوساطة المجموعات الفلسطينية الإرهابية.
·…التركيز في أن نتائج الموقف الحالي والحصار الاقتصادي سوف تدمر الاقتصاد العالمي قبل الاقتصاد العراقي.
(ب) في المجال العسكري
·…التخويف بالقوة والقدرات الهائلة للعراق ويدها الطولى في الوصول إلى الأهداف الإستراتيجية والحيوية في المنطقة.
·…الردع غير المباشر (من خلال تصريحات وتقارير الخبراء في الصحافة العالمية ووكالات الأنباء) بامتلاك العراق للقنبلة الغازية وكمية كبير من الغازات تنقلها صورايخ طويلة المدى ستحيل المنطقة إلى جحيم في حاله نشوب الحرب.
(3) أساليب الإيحاء والتضليل ـ التظاهر
وهي من الأساليب الأساسية في طريقة الخداع أو الطريقة الثالثة للعمليات النفسية وتتركز في الآتي:
(أ) التظاهر بالتقارب والصداقة لجماهير الشعب في كل من المملكة العربية السعودية ومصر.
(ب) التضليل وذلك بترديد العبارات والشعارات عن بطولة الملهم وطهارة صدام حسين والعدالة والديموقراطية في العراق.
(ج) الإيحاء بتهديد السعودية للعراق.
(د) ادعاء العلم الوثيق بالأمور والأحداث عن طريق المصادر العلمية والمطلعة.
(هـ) الكشف الجزئي عن الحقائق مثل حوادث التدريب وسقوط الطائرات مع الادعاء بكونها معجزات دينية ودليل على الصلابة وعدالة الموقف العراقي.
(و) استخدام تصريحات ومقالات المسؤولين ووكالات الأنباء على أنها تمثل الرأي العام، وتخدم المصالح العراقية بينما في حقيقتها ما هي إلا تحليل متكامل عن الموقف، يؤكد مضمونه الحقيقي عكس ما ينشر أو يذاع تماما.
(ز) الإيحاء بأن العراق يدعو إلى السلام والأمن والطمأنينة من خلال رسائله إلى بعض الدول الأوروبية والشخصيات المسيحية المهمة مثل بابا الفاتيكان.
(ح) محاولة تضليل الرأي العام العربي والعالمي بأن ما قام به ليس غزوا بل استرداداً للحقوق المشروعة.
(4) أساليب التهكم والاستهزاء والسخرية
هي من أبرز سمات الحملات النفسية العراقية الموجهة للدول الحليفة والصديقة والتي تستهدف تشويه رموزها وقيادتها والنيل منها في محاولة لتجزئتها وتحطيم كبريائها وقد تميز الأسلوب العراقي بانتقاء أبذأ الألفاظ وأقذعها، والكلمات التي يتعفف عن سماعها أي فرد. إلا أن مثل هذه الأساليب لا تأتي إلا بنتائج عكسية لمخطط مثل هذه الحملات ويتوسع الجانب العراقي في هذا المجال باستغلال الشائعات والرسوم الكاريكاتورية.
(5) أساليب التشكيك وعدم الثقة
ركز المخطط في استخدام هذه الأساليب بهدف إظهار الآتي:
(أ) عدم قدرة القيادة السياسية وأنظمة الحكم في المنطقة على الإدارة الرشيدة لازمه الخليج وتوريط العالم العربي في صراع لا نهائي.
(ب) التفكك والتناقض بين ضباط وأفراد القوات المتحالفة وعدم تحملهم للظروف الطبوغرافية والمناخية للمسرح.
(ج) افتقار الضباط والجنود في القوات المتحالفة للثقة في أسلحتهم ومعداتهم العسكرية و عدم وجود ترابط بين القيادة المشتركة وهذه القوات.
(د) موافقة المملكة على إنشاء كنائس ومعابد يهودية على الأراضي المقدسة وكذلك عن وجود قوات إسرائيلية ضمن القوات المتحالفة تحت العلم الأمريكي لتقاتل المسلمين العرب في العراق.
(6) أسلوب التقارب (الصداقة ـ الحب):
ويبرز استخدام هذا الأسلوب في الحملات التي تشنها كل من إذاعتي (مكة المكرمة والمدينة المنورة) بهدف محاولة التقارب منه الأهداف المخاطبة والعمل على تحييدها وضمان استمرارها في استقبال الحملات النفسية وبالتالي تغير سلوكياتها على المدى البعيد.
(7) الأسلوب التحويلي
كما توسع المخطط العراقي في استخدام هذا الأسلوب في الحملات النفسية الموجهة لأفراد الشعب العراقي والقوات المسلحة من خلال الصحف القومية والعسكرية بهدف جذب انتباه أفراد الشعب والقوات المسلحة بعيداً عن الآثار الناتجة عن الغزو العراقي وما يترتب عنها من أثار اقتصادية وعسكرية مثل:
(أ) أحداث المسجد الأقصى والربط بين أزمة الخليج وقضية الشرق الأوسط.
(ب) العمل على إيجاد هدف قومي أو قضية محورية يلتف بها الشعب حول القيادة ومحاولة إظهار تماسك في الجبهة الداخلية وصمودها أمام نتائج الأزمة وكان من أبرز ما رصد في هذا المجال ما يلي:
·…حملة الاستزراع (اتبعت إنجلترا هذه الحملة خلال الحرب العالمية الثانية).
·…حملة حليب الأطفال.
·…حملة توعية لترشيد استخدام الطاقة.
·…حملة الرهائن (الإفراج عن رهائن بعض الدول الغربية).
·…المظاهرات والمسيرات المؤيدة لصدام حسين.
·…إقامة المعارض (الكتب ـ التصوير ـ الرسم ـ .. إلخ).
(8) أساليب الصمت وفرض القيود
توسع الجانب العراقي في أتباع هذه الأساليب خاصة في مواجهة حملات الدعاية الغربية البناءً على الحقائق وأتباع الأسلوب العقلاني مع التركيز على فرض القيود الأمنية والفنية على كل من أفراد القوات المسلحة والشعب العراقي على النحو التالي:
(أ) القيود الأمنية
·…تجريم الاستماع إلى أي إذاعات أجنبية.
·…منع أفراد القوات المسلحة من حيازة الراديو.
·…معاقبة كل من يحوز منشور مناهض بعقوبات تصل إلى حد الإعدام.
(ب) القيود الفنية
تتمثل في الإعاقة والتشويش لرسائل البث الإذاعي (كان يمتلك العراق خلال هذه الفترة 16 محطة أعاقه، 15 محطة أذاعه بقدرات تصل إلى 500 كيلو وات).
د. أبرز الشعارات والرموز المستخدمة في الحملات النفسية العراقية
تلاحظ استخدام شعارات ورموز خلال الحملة العراقية تتسم باستعمال ألفاظ رنانة ذات صدى ومغزى وأثر نفسي ومعنوي كبير للعمل على احتواء أي رد فعل مضاد من جانب الشعب العراقي إضافة إلى إلهاء الشعب والجيش العراقيين بشعارات طنانة غير قابله للتطبيق في معظمها خاصة فيما يختص بالربط بين القضية الفلسطينية والأزمة الحالية بالخليج إضافة إلى استخدام شعارات ضد رموز الحكم في الدول العربية المناهضة لمنهج النظام العراقي فيما يتعلق بأزمة الكويت تتسم في أغلبها بالوقاحة واستخدام أسلوب السخرية والاستهزاء .. وكانت أبرز الشعارات المرصودة خلال هذه الفترة ما يلي:
(1) إطلاق اسم صاروخ الحجارة على آخر إنتاج الترسانة الحربية العراقية تيمناً بثورة الحجارة
(2) يا صدام اتوكل بالله فلسطين حرة.
(3) القائد صدام مميز الشعب العربي وسيف على رقاب العملاء والجواسيس.
(4) لا مكان للأجنبي الذي يعد للعدوان على العراق في أرض الجزيرة العربية.
(5) العار لمن سمح للأمريكيين بتدنيس أرض المقدسات والإعداد للعدوان على العراق.
(6) يا صدام يا حبيب الخطوة الجاية في تل أبيب.
هـ. نقاط القوة والضعف في العمليات النفسية العراقية
(1) نقاط القوة
(أ) وجود جريدة يومية سياسية عسكرية تصدر من مديرية التوجيه المعنوي للقوات المسلحة العراقية.
(ب) استخدام أسلوب الإجبار الفكري الذي يعتمد على إلغاء إمكانية التفكير العقلاني لدى الأهداف المخاطبة وبطرق الملاحقة المستمرة مع التكرار مستغلا وجود نسبة كبيرة منهم تمثل الرأي العام المنساق
(ج) الارتكاز على نقاط تعرض واضحة في الحملات المعادية للعراق وتحويلها إلى نقاط ارتكاز في حملته المضادة خاصة فيما يبدو على السطح من ممارسات ديموقراطية في مجتمعات الدول المناهضة للسياسة العراقية.
(د) استخدام معاني وألفاظ عند تصميم الشعارات والرموز تشكل تأثيرا قوياً على الأهداف المخاطبة (نجد والحجاز ـ مكة المكرمة ـ المدينة المنورة ـ الأرض المقدسة ـ تدنيس أرض الحرمين ـ الإيدز - العاهرات .. إلخ).
(هـ) استغلال معاناة الشعب العراقي من مشاكل داخليه كنتيجة حتمية لفرض الحصار الاقتصادي والفكري وتحويل هذه المعاناة إلى غضب جماهيري موجه بوساطة الحزب الحاكم ضد كل ما هو معادي للعراق.
(و) النجاح في إرهاب وإجبار الأهداف المخاطبة والمحتملة من العراقيين من إمكانية استماعهم إلى إذاعات أجنبية أو قراءة مواد مطبوعة معادية.
(ز) النجاح إلى حد كبير في فرض سياسة التعتيم الإعلامي على الشعب والجيش العراقيين لفرض ما يريده النظام و توصيله لهم كأهداف مخاطبة.
(ح) النجاح في إجراء التعبئة النفسية والمعنوية للشعب والجيش ضد كل ما هو معادي للنظام العراقي.
(ط) امتلاك لقدرات دعائية قوية (إذاعة إستراتيجية من بغداد ـ إذاعة مكة المكرمة ـ إذاعة المدينة المنورة ـ مصر العروبة ـ صوت السلام) بحيث تمكنه هذه القدرات من التغطية الإعلامية للمسرح وعلى الموجات المتوسطة والقصيرة وتغطى تقريباً معظم المملكة السعودية طوال اليوم.
(ي) إمكانية استخدام أجهزة الفاكس المدنية في نشر وتوزيع المواد المطبوعة وسبق أن نقلت أجهزة الفاكس بالمملكة العربية السعودية منشورات عراقية تحذر من الأسلحة الكيماوية.
(ك) امتلاكه لجهاز عمليات نفسية معقد يعمل بكفاءة إلا انه يلجأ إلى الاستخدام غير الموضوعي أساليب وطرق قديمة ومستهلكة في أحداث معاصرة ومتطورة خاصة أسلوب التشكيك والتضليل والثورية في الوسائل المسموعة.
(ل) إصدار جريدة يومية للكويت تثبت أن نية العراق نحو الكويت كانت مبيتة وأن هذه النية ما زالت قائمة بعد اعتبار الكويت المحافظة رقم (19) وإلغاء التعامل بالدينار الكويتي والعمل الدؤوب على تغير الطبيعة الديموجرافية للدولة الكويتية (صحيفة النداء 3/ 8/1990).
(2) نقاط الضعف
(أ) اعتماد جهاز العمليات النفسية على المصادر العلنية نتيجة للقصور في الإمداد بالمعلومات وتجميعها وتحليلها بالوسائل الأخرى.
(ب) تميز حملاته الدعائية بالملل نتيجة التكرار الممل لتعظيم القيادة السياسية
(ج) إتباع سياسة التعتيم الإعلامي التي تنجح لفترة ما .. ولكن عندما يتوفر الخبر الصادق الذي يستطيع أن ينفذ إلى الأهداف المخاطبة تتحول هذه الأهداف كلها نحو هذا الخبر الذي يتميز بالصدق.
(د) اللجوء إلى الأساليب الرخيصة/ البذيئة، في السخرية والاستهزاء، ضد قيادات ورموز الحكم لدول التحالف، ورموزها فضلا عن اللجوء إلى استخدام الشائعات الكاذبة مما يفقد الحملة مصداقيتها والإقبال على متابعتها.
(هـ) اعتماده المطلق على الأكاديميين من المدنيين دون الكوادر المتخصصة والفنيين مما حول التخطيط والإدارة للعمليات النفسية العراقية إلى الطابع النظري والتقليدي مع افتقاد الفهم والمعرفة السليمة بالفروق بين القيم والتقاليد والنظم العسكرية من جانب، والتعامل مع العمليات النفسية المخططة من جانب القوات المتحالفة بتكنولوجياتها وكوادرها ووسائلها الرهيبة من جهة أخرى.
المبحث السابع العمليات النفسية لدول التحالف الدولي والدروس المستفادة
أولاً: العمليات النفسية لدول التحالف الدولي
استثمرت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، عدم نجاح الدول العربية في احتواء الأردن، وتشدد العراق بعد الغزو وإعلانه ضم الكويت، في تشكيل القوات المتحالفة، بهدف تحرير الكويت وإعادة الحكومة الشرعية لها. وفي الوقت نفسه لضمان تأمين مصالحها الحيوية في المنطقة، والعمل على تدمير القوة العسكرية العراقية التي تهدد هذه المصالح، وتخل توازن القوى بالمنطقة.
لقد برز توظيف آلية العمليات النفسية للقوات المتحالفة ودولها، في الفترة من أغسطس 1990 إلى ما قبل بدء العمليات العسكرية في السابع عشر من يناير 1991، بهدف تأليب الرأي العام العالمي ضد النظام العراقي، وتقديم مبررات العمل العسكري اللاحق.
1. التهيئة النفسية للغرب عموماً للأزمة
نظراً لما تمثله منطقة الخليج من أهمية حيوية للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية عموماً كأحد أهم مصادر إنتاج الطاقة إضافة إلى الأهمية الإستراتيجية والجيوبولوتيكية للمنطقة، بدأت مرحلة بناء الأزمة من وجهة نظر الغرب عموماً بعد القبض على صحفي بريطاني (من أصل إيراني) بوساطة السلطات العراقية بتهمة التجسس وإعدامه رغم محاولات المملكة المتحدة وبعض الدول الغربية إعادة محاكمته وإطلاق سراحه.
تلا ذلك حملات إعلامية ودعائية مكثفة ضد النظام العراقي بغرض إحداث الأثر النفسي المطلوب في الرأي العام، الإقليمي والدولي، للآتي:
أ. تعظيم القدرات العسكرية العراقية.
ب. إظهار النظام العراقي بمظهر صاحب السلوك العدواني.
ج. كشف حقيقة التوجهات العراقية في تحقيق زعامة إقليمية.
د. توصيل القيادة العراقية إلى مرحلة معينة من مرحلة الهوس توقعاً لردود أفعال محسوبة ومتوقعة نتيجة للدراسات النفسية الأساسية لطبيعة هذه الشخصية.
2. الحملات النفسية للقوات المتحالفة اعتباراً من 2/ 8 وحتى إيقاف العمليات العسكرية في 27/ 2
كان للتدابير النفسية التي اُستخدمت ضد العراق أكبر الأثر في ترسيخ أهم مفاهيم العمل النفسي خاصة لدى القيادة العراقية نفسها، وذلك عن طريق زرع هذه المفاهيم في عقول متخذي القرار العراقي من حيث تعظيم القدرات العسكرية العراقية على المستويين الدولي والإقليمي بحيث تكون التركيبة النفسية لمجتمعات الخليج عموماً مهيئة لتقبل مشروعية القضاء على هذه القدرات، في المقابل نجد أن هذه التدابير أوصلت القيادة العراقية إلى الاعتقاد الراسخ بقدرتها المبالغ فيها عن قصد ـ وتوصيل هذه القيادة إلى إحدى مراحل جنون العظمة ـ الهوس الديكتاتوري ـ وأيضا لتهيئة المجتمع الدولي نفسه إضافة إلى أعمال الخداع الإستراتيجي والتعبوي التي تمت في إطار التأثير على العامل النفسي.
أ. مرحلة الإعداد
(1) أُعيد تنظيم فريق العمليات النفسية للمملكة العربية السعودية وتشكيله، وبُدء العمل مباشرة اعتباراً من 1/ 10/1990. (اُنظر شكل مخطط تنظيم فريق العمليات)
(2) تمت أعمال التنسيق مع الأفرع المعنية بالقوات المتحالفة، ووُقف على إمكانيات العمليات النفسية، ووسائلها المتاحة. (اُنظر شكل شعار القوات المشتركة)
(3) أُُعدت مقترحات لشن حملات نفسية مخططة تشمل الآتي:
(أ) حملات نفسية تُشن ضد القوات العراقية.
(ب) حملات مضادة للحملات العراقية.
(ج) حملات نفسية لقهر الدوافع النفسية لدى القوات المتحالفة.
(د) حملات نفسية تعزيزية لدعم دولها لكويت قبل وبعد التحرير.
(4) وساهم هذا التخطيط في نجاح العمل النفسي حتى وقف الأعمال العسكرية في 27/ 2/1991 وذلك للأسباب الآتية:
(أ) وجود الدراسات النفسية الأساسية للدول المعنية خاصة العراق مما ساهم بقدر كبير في اختيار انسب الأساليب للتعامل مع الفرد العراقي كما ساهم في اختيار انسب طرق الاقتراب للتعامل النفسي مع الشخصية العراقية.
(ب) تشكيل فريق عمليات نفسية موحد ضم جميع عناصر العمل النفسي من المتخصصين في علم النفس العسكري والعلوم السياسية والاجتماعية والإعلام إضافة إلى عناصر العمليات النفسية الأمريكية المخصصة لدعم العملية.
(ج) حرية الحركة في اتخاذ القرار خاصة فيما يتعلق بالعمل النفسي مادام في إطار الخطة العامة والقيود المقررة.
(د) توفر قدر هائل من الإمكانيات المتاحة والميُسرة دون تعقيدات اعتمدت في مجملها على إمكانيات موجودة، أصلاً، في المملكة العربية السعودية، إضافة إلى إمكانيات متاحة خارج المملكة وإمكانيات الجانب الأمريكي المخصصة لمساندة العملية من مطابع ومحطات إذاعة تكتيكية.
(هـ) الاعتماد على مصادر معلومات من الاستخبارات الإستراتيجية والقومية مباشرة مما أدى إلى السهولة والسرعة في تداول المعلومات وتحليلها وبالتالي تطوير الدعاية.
(و) ساهم الاعتماد على مصدر للمعلومات العلنية يتبع فريق العمليات النفسية بقدر كبير في سرعة وصول المعلومة وتحليلها واستخدامها لمصلحة تطوير الحملة من المنظور السيكولوجي.
(ز) الاعتماد على شبكة مواصلات ممتازة مما ساهم في توصيل المعلومات الفورية من المسرح إلى عنصر التخطيط وأيضا ساهم في زيادة التغطية الإعلامية لكلا الإذاعتين الإستراتيجية والتكتيكية.
(ح) المتابعة المستمرة لإجراءات الحملة ومؤشرات التأثير من الداخل بوساطة عناصر المقاومة والخدمة السرية مما ساهم في عملية تطوير الدعاية ومتابعة الحملات النفسية التي يشنها الجانب العراقي.
(5) تطوير الحملة الدعائية لقوات دول التحالف الدولي من خلال الآتي:
(أ) إعداد دراسة مبدئية للخطوط العريضة لمتطلبات التخطيط للحملة النفسية وتم تقديمها في 8/ 10/1990 للتصديق عليها من قائد القوات المتحالفة ومسرح العمليات.
(ب) إعداد عرض لحملة نفسية لتشجيع القوات العراقية على الانضمام للمملكة.
(ج) دراسة نتائج استجواب المنضمين العراقيين وتحليلها.
(د) إعداد دليل متكامل عن الاستجواب يتضمن طرق أساليب الاستجواب إضافة إلى كافة الأسئلة التي تهم الاستخبارات والعمليات النفسية.
(هـ) إعداد أربع دراسات تحليلية عن ابرز اتجاهات الحملات النفسية العراقية، شملت تحديد أهداف وأساليب تحقيقها وأنسب الأساليب للتعامل مع هذه الأهداف والتوصيات اللازمة، وإصدار ثلاث نشرات لتحليل اتجاهات الصحف العراقية.
(و) إصدار مائة نشرة أنباء خاصة لتطورات الموقف بالخليج وعملية عاصفة الصحراء اشتملت على تحليل لأهم الأنباء (السياسية/ الاقتصادية/ العسكرية/ الاجتماعية) وكذلك أهم التوصيات لكل منها.
(ز) إصدار ثلاثون تقرير نفسي عن أزمة الخليج، اشتملت على تحديد الموقف المعنوي والحالة النفسية للقوات العراقية والموقف الاقتصادي والسياسي للدول المعنية والإرهاب الدولي وعلاقته بالعمل النفسي والتوصيات اللازمة لذلك.
(ح) إصدار تقريرين عن الاستنتاجات النفسية لاستجواب الأسرى واللاجئين يضمان تحليل للدوافع والأهداف النفسية ونقاط الضعف التي يجب استغلالها عند توجيه الحملات النفسية ضد الشعب والقوات المسلحة العراقيَيْن.
(ط) إصدار عشرين وثيقة تحليل لإذاعتي مكة المكرمة والمدينة المنورة الموجهتين ضد نظام الحكم في المملكة العربية السعودية والقوات المتحالفة اشتملت على الأهداف النفسية ونقاط التعرض، التي يجب استغلالها عند توجيه الحملات النفسية ضد الشعب والقوات المسلحة العراقية
(ي) تصميم كتيبان دعاية للقوات المتحالفة (شقيقة/ صديقة).
(ك) إعداد عرض لتنظيم مراكز الاستجواب ومعسكرات الأسرى ومهامها إضافة إلى برامج التأهيل للمنضمين وأسرى الحرب.
(ل) إصدار أربع نشرات اشتملت على أهم التوصيات والمقترحات للقادة والمسؤولين وقد نُفِذ ما جاء بهذه المقترحات، وقد اختصت بالآتي:
·…ببدء عملية عاصفة الصحراء.
·…الإرهاب البيئي.
·…العمليات الإرهابية العراقية.
· عن عملية الخداع التي استخدامها الجانب العراقي أثناء العملية.
(م) الإعداد والتحضير لبدء تنفيذ خطة العمليات النفسية، تمهيداً لشن الحملة النفسية المخططة اعتباراً من 28/ 11/1990 وتشكيل فريق العمليات النفسية المشترك.
ب. مرحلة الإعداد والتحضير
بعد اكتمال تشكيل فريق العمليات النفسية المشترك، تم الاستعانة بعناصر مؤهلة في الدراسات الاجتماعية وعلم النفس والإعلام، وكلها من الاستخبارات العامة السعودية، مع الاستعانة ببعض التخصصات المطلوبة مثل رسامي الكاريكاتير ومخرجي ومعدي البرامج الإذاعية.
(1) إنشاء محطة إذاعة تكتيكية بمنطقه مطار القيصومة اعتبارا من 19/ 12/90 أطلق عليها صوت الخليج
(2) كما اُجريت في 20/ 12/1990، تجارب البث التجريبي لإذاعة صوت العراق الحر من جدة.
(3) تصميم أكثر من أربعين منشور باستخدام إمكانيات مطابع للقوات السعودية وقوات الدفاع الجوى وإمكانيات مطابع الاستخبارات العامة السعودية بالرياض وجدة وفرانكفورت بألمانيا الغربية.
(4) أُجريت تجارب إلقاء المنشورات من القنابل إم 129 من الطائرات أف 16 وكذا طائرات الهيل وإجراء تجارب أخرى على دانات المدفعية 155 مم المحملة بالمنشورات.
(5) إعداد الخطة العامة للحملات النفسية المعادية وعرضها على كل من قائد القوات المتحالفة ومسرح العمليات، وقائد القيادة المركزية، والتصديق عليها، وكانت تشمل على الآتي:
(أ) التركيز في شن الحملة النفسية باستخدام كافة الوسائل (المرئية ـ المسموعة ـ المرئية المسموعة) ضد القوات العراقية في مسرح العمليات وكذا على الشعب العراقي بهدف:
·…كسب ود الأهداف المخاطبة في مرحلة الاقتراب الأولى.
·…التهيئة النفسية للأهداف المخاطبة لتلقي أفكارنا.
·…تجهيز الأهداف المخاطبة بالمسرح على أن يكونوا مستعدين دائما لتلقي الأفكار المخططة من جميع الوسائط الإعلامية المستخدمة.
(ب) روعي أن يكون الاقتراب من الشخصية العراقية كأهداف مخاطبة اقترابا محسوبا باستخدام أساليب الصداقة والود في مراحل الاقتراب الأولى.
(ج) التدرج في استخدام الأساليب مروراً بأساليب الصداقة/ الحب والتلويح بالقدرات العسكرية ـ التخويف ـ إثارة الحنين ـ وصولا إلى مرحلة تدمير الذات للفرد العراقي.
(د) التوسع في استخدام المواد المطبوعة الموضحة بالرسوم الكاريكاتورية للتغلب على إمكانية وصول المفاهيم للأهداف المخاطبة. (اُنظر شكل كاريكاتير نفسي 1) و (شكل كاريكاتير نفسي 2)
(هـ) استخدام اللهجات العراقية الدارجة في كتابة المنشورات وكذا في إدارة الأحاديث من خلال الإذاعات.
(و) استخدام أسلوب غير نمطي ولأول مرة في نشر المواد المطبوعة على القوات العراقية بالمسرح الكويتي ودون الحاجة إلى إحداث اختراقات جوية من جانب القوات المتحالفة قد تخل بموضوعات الأمن والسرية المفروضة على العملية.
(ز) الاعتماد على عناصر من المعارضة العراقية خارج العراق وذات شخصيات قيادية معروفة لدى عامة الشعب في إدارة العمل الموجه من خلال الإذاعة.
(ح) أن يتم بدء الحملة اللازمة قبل العملية الجوية بوقت كافٍ وذلك لإتاحة الفرصة للعمل النفسي كي يحدث الأثر المطلوب لتهيئة القوات العراقية نفسياً مع بدء شن العمل الجوى.
(ط) التخطيط لزيادة مدى التغطية الإعلامية لوسائل البث المرئي والمسموع من خلال عمليات إعادة الإذاعة بواسطة طائرات س 130 مجهزة لأعمال المسح و الاستطلاع الإلكتروني وأعمال الإعاقة.
(ي) التخطيط للمناورة بأماكن وترددات محطات الإذاعة الإستراتيجية والتكتيكية للتغلب على إمكانيات الإعاقة والتشويش العراقية وذلك على أن يتم البث للمحطة الإستراتيجية من الرياض ـ جدة ـ القاهرة ـ الإمارات ـ البحرين ـ مع المناورة بالترددات العاملة + 20 ميجا سيكل.
(ك) وعلى الرغم من التخطيط لانتقالات محطة الإذاعة التكتيكية لزيادة المدى إلا أنه قد تم التغلب على هذه المشكلة ببعض الإجراءات الفنية من الجانب السعودي.
(ل) خُطط لاستخدام شبكات الإذاعة اللاسلكية في بث وسائل عمل نفسي موجه ضد القادة في مسرح العمليات الكويتي.
(م) الاستمرار في تعديل وتطوير مخطط قهر الدوافع النفسية للقوات المتحالفة من خلال برامج الشؤون العامة الخاصة بذلك
(ن) استمرار التنسيق مع جميع الأجهزة المسؤولة بالدولة والمشاركة بجهود في تنفيذ الخطة (فريق العمليات النفسية المشتركة ـ وزارة البترول ـ وزارة المواصلات ـ وزارة الإعلام ـ وزارة الخارجية ـ وزارة الداخلية .. إلخ) خلال جميع مراحل التخطيط للحملات النفسية.
ج. مرحلة التنفيذ
بدأت مرحلة التنفيذ لخطة العمليات النفسية بعد التصديق عليها وتحديد يوم 26/ 12/1990 لبدء تنفيذ الخطة، و اكتمال العدد المطلوب من البالونات المختلفة، وتدبير الاحتياطي اللازم من غاز الهليوم اللازم للبالونات، وذلك بالتنسيق مع وزارة البترول. وتم خلال هذه المرحلة الآتي:
(1) إطلاق أول بالون سعت 1000 يوم 30/ 12/1990 محمل بعدد (54) ألف منشور على أهداف بالنسق الأول التعبوي للقوات العراقية مخطط توزيع المنشورات. (اُنظر خريطة مناطق الإسقاط بالبالون)
(2) أطلق 11 بالوناً مختلفة الأحجام والأنواع حتى 8/ 1/1991.
(3) اختلفت أنواع المنشورات خلال هذه المدة من منشورات التقارب / الصداقة إلى الأسلوب العاطفي / الإيحاء وصولا إلى مرحلة التحريض وطبقاً لما هو موضح بالأشكال المرفقة.
(4) بدءاً من 12/ 1/1991، أطلقت طائرات من داخل الحدود السعودية وعلى طول حدودها مع الكويت عبوات المنشورات، مع الوضع في الحسبان سرعة الريح واتجاهه أثناء الإطلاق، بحيث أمكن تغطية معظم قوات النسق الأول العملياتي للقوات العراقية في توقيت واحد، بكميات كبيرة وصلت إلى مليوني ونصف مليون من المنشورات في المرة الواحدة. نتيجة لذلك، أمكن إحداث أثر نفسي كبير في آنٍ واحد لقطاع عريض من القوات المدافعة، ومن دون حدوث أي اختراقات جوية للمجال الجوي الكويتي. كما تم توزيع خمسة وعشرين مليوناً من المنشورات في كل أنحاء المسرح الكويتي والعمق العراقي حتى 27/ 2/ 1991.
(5) في إطار أعمال الخداع التعبوي /الإستراتيجي تم تغطيه المناطق المتوقعة من جانب العراق لأعمال الإبرار البحري والإنزال البرمائي بالمواد المطبوعة (تحريض ـ تخويف) وسبق ذلك الإعلان عن أعمال تدريب القوات الأمريكية التي كان من المتوقع إبرارها على الساحل الكويتي.
(6) تدرجت الأساليب النفسية المستخدمة من استخدام أسلوب إثارة الحنين والعاطفة وصولاً إلى مرحلة تدمير الذات للفرد العراقي (التخويف ـ القلق ـ زرع الشك) وذلك تمهيدا لشن العملية الجوية بحيث يكون الفرد العراقي مهيئاً نفسياً لإعطاء رد الفعل المحسوب والمخطط لها.
(7) قبل بدء تنفيذ العملية الجوية تم الانتهاء من توزيع بطاقات الدعوة وتأكد وصولها لجميع أنحاء المسرح الكويتي (اُنظر شكل بطاقة الدعوة).
(8) مع بداية العملية الجوية تم تنفيذ أساليب جديدة لتوزيع المواد المطبوعة في تزامن مع أعمال القصف الجوى مع عمل الإذاعات الموجهة.
(9) اعتبارا من صباح 7/ 2/1991 اُستخدم أسلوب جديد لأعمال القصف الجوى بغرض إحداث أثر نفسي كبير على القوات العراقية المدافعة، وذلك بقصف الفرقة السادسة عشر والفرقة السادسة والثلاثين بعد تهديدها بالمنشورات (اُنظر خريطة مواقع القوات العراقية)، بضرورة إخلاء الموقع والتوجه جنوباً ثم قصفها بقنابل غازية زنة 15.000 رطل (سبعة أطنان تقريباً) بمعدل قنبلة واحدة لكل فرقة وبدء هذا الأسلوب بالتدرج من أوزان 2000 رطل وحتى 15.000 رطل. (اُنظر شكل قصف الفرقة 16 مشاة)
(10) خُصصت ثمان طلعات مقاتلات قاذفة لنشر مواد العمل النفسي على جميع الأهداف بالمسرح وعمق العراق، شملت بالنسق الأول التعبوي (عناصر فرق الحرس الجمهوري) حمورابي ـ توكلنا ـ المدينة ـ عدنان ـ والأهداف جنوب بغداد والموصول ـ الشاطرة ـ الرمثية ـ سوق الشيخ ـ السمارة ـ الناصرية.
(11) تخصيص سبعة عشر طلعة قاذفة إستراتيجية ب 52، لإسقاط المواد المطبوعة على فرق الحرس الجمهوري، توكلنا ـ المدينة ـ عدنان ـ حمورابي.
(12) كما خُصصت سبعة عشر طلعة بطائرات س 130 لأعمال الاستطلاع والحرب الإلكترونية لمصلحة العمل النفسي. (اُنظر خريطة مناطق الإسقاط بالطائرة س 130)
(13) أما في مجال الإذاعات فقد بُثت ستة عشر ساعة يومياً لإذاعة صوت العراق الحر من جدة و الرياض والقاهرة والبحرين، مع المناورة بالترددات وتوقيتات البث و كذلك تم البث الإذاعي لصوت الخليج التكتيكية لمدة أربع ساعات يومياً مع زيادة مدى التغطية لهذه الإذاعة الموجهة (تكتيكية ـ إستراتيجية).
(14) زادت حدَّة التغطية الإعلامية للإذاعة الإستراتيجية (صوت العراق الحر) بعدة وسائل، وذلك عن طريق البث من أكثر من موقع و أكثر من وسيلة (الرياض ـ جده ـ طائره C 130).
(15) استخدام شبكات الإعاقة اللاسلكية في بث العمل النفسي الموجه للقيادة العراقية على المستوى التكتيكي بغرض الدعوة للانضمام للقوات المتحالفة وكذلك استخدام أسلوب مبتكر ولأول مرة في جذب القيادة والوحدات العسكرية للتخاطب وإدارة حديث معهم عبر أجهزة اللاسلكي ودعوتهم للانضمام وترك مواقعهم باستخدام طائره كوماند سولو C 130 مجهزة للأعمال الخاصة.
(16) وفي مجال العمل النفسي التعزيزي وُضعت خطة متكاملة لمرحلة التعزيز (كمرحلة ما بعد التحرير بالاشتراك مع الأجهزة الأخرى المتعاونة في دولة الكويت ولكن ولم تُنفذ الخطة الموضوع للأسباب الآتية:
(أ) يأتي هذا الدور ضمن اختصاصات الشؤون المدنية الأمريكية وبالتالي فهو ليس اختصاص العمليات النفسية.
(ب) قيام القوات المتحالفة بتسليم دولة الكويت إلى الحكومة الشرعية واضطلاع هذه الحكومة بمهامها.
ثانياً: نتائج العمليات النفسية والدروس المستفادة
لقد كان الهدف من العمليات العسكرية التي شنتها القوات المتحالفة، هو فرض الشرعية الدولية على العراق وإجبار قواته على الانسحاب من المسرح الكويتي وإعادة الشرعية إليها وبمعنى آخر هو تحقيق النصر على التجمعات العراقية التي تحتل الكويت وفي حقيقة الأمر، فإن النصر أو الهزيمة هما حالة عقلية لعملية سيكولوجية يتم من خلالها التأثير في عقلية الفرد المقاتل.
وكان للعامل النفسي الأثر الكبير أثناء إدارة الصراع، إضافة إلى أعمال قتال القوات، خاصة الجوية، التي استمرت أكثر من سبعة وثلاثين يوما من القصف الجوى المستمر والمتلاحق، الذي ساعد بشكل فعال في التهيئة النفسية للقوات العراقية في كل أنحاء المسرح الكويتي حتى عمق العراق، من البصرة جنوباً حتى زاخو شمالاً.
ولو دققنا في عملية استسلام أفراد القوات العراقية أو حتى انضمامهم إلى القوات المتحالفة لوجدنا أنهما نتاج حالة عقلية واتجاه نفسي سيطر عليهم، ومن خلالهما دُفعوا إلى عدم مواصلة القتال. وكان ذلك نتيجة لعدة عوامل وضغوط نفسية، استثمرها المخطط بنجاح، مما أدى إلى فرض حالة من السيطرة النفسية، بتبني تدابير نفسية حرمت هؤلاء المقاتلين من إصرارهم على القتال، وقضت على آمالهم في تحقيق النصر. ويؤكد ذلك استجوابات الفارين العراقيين، الذين عبروا الخطوط قبل بدء العملية الجوية وكذلك أعداد الأسرى، التي وصلت إلى عشرات الألوف من الذين أنهكتهم تلك التدابير النفسية في ظل الأعمال القتالية. (اُنظر شكل منشور طريقة الانضمام)
1. أهم الدروس المستفادة من العمليات النفسية في أزمة الخليج الثانية
أثبتت العمليات النفسية، التي شنتها القوات المتحالفة الدولي، منذ بداية أزمة الخليج الثانية حتى نهايتها أهمية تلك العمليات المصاحبة لعمليات القتال في هزيمة إرادة الخصم وكانت أبرز الدروس المستفادة في كل مراحل العملية ما يلي:
أ. مرحلة الإعداد
(1) تشكيل فريق عمل نفسي مشترك من (السعودية ـ مصر ـ الولايات المتحدة الأمريكية ـ إنجلترا ـ فرنسا .. إلخ) ضم جميع الجهات المسؤولة عن العمل النفسي و كذلك الكوادر الأكاديمية والمتخصصة والفنية أدى إلى السهولة واليسر في اختيار أفضل الطرق والوسائل لمصلحة عملية الإعداد والتخطيط.
(2) تنسيق العمل النفسي مع الأفرع والأركان المتخصصة في قيادة قوات المسرح بهدف تكامل إجراءات التخطيط والتنفيذ للحملات النفسية ضد القوات العراقية لخفض روحها المعنوية ولمساندة القوات المتحالفة ورفع روحها المعنوية وبالتالي رفع كفائتها القتالية، على أن تتضمن الآتي:
(أ) حملات نفسية ضد القوات العراقية.
(ب) حملات نفسية مضادة.
(ج) حملات نفسية لقهر الدوافع النفسية لقواتنا.
(د) حملات نفسية تعزيزية لمساندة دولة الكويت قبل وبعد التحرير.
(3) الاعتماد على مصادر معلومات ذات إمكانيات هائلة ومتنوعة تغطى المسرح وعمق الدولة الهدف وجميع الدول المعنية.
(4) أدى وجود قسم للمصادر العلنية يتبع فريق العمليات النفسية إلى السرعة في توفير المعلومات وتكثيفها مما سهل سرعة الرد في معظم الأحيان، على الحملات الدعائية المعادية بحملات مضادة من جانبنا.
(5) أدى الاعتماد على شبكة مواصلات متطورة بين الفريق والمندوبين والعملاء من داخل المسرح أدى إلى بناء الخطط طبقاً للواقع وبناءً على مؤشرات التأثير الحقيقي.
(6) ساهم الاعتماد على عناصر مؤهلة ومتخصصة في جميع التخصصات المطلوبة في العلم العسكري والعلوم السياسية والاجتماعية والإعلامية بقدرٍ كبيرٍ في عملية تطوير الدعاية ونجاحها.
(7) ساهم الاعتماد على عناصر من الاستخبارات في الدول محل الاهتمام وممن عملوا كضباط معلومات بالعراق لمدد طويلة تقرب من خمس سنوات بقدرٍ كبيرٍ في تحديد ومعرفة أنسب أساليب التأثير وأفضل الطرق للاقتراب من الشخصية العراقية مما حقق عمق التأثير المطلوب.
(8) القصور الواضح في عدم وجود دراسات أساسية نفسية عن الدولة الهدف يقوم عليها التخطيط الشامل للعمليات النفسية.
ب. مرحلة التخطيط
(1) الإلمام التام بإمكانيات ووسائل العمليات النفسية المتوفرة المتاحة.
(2) الاعتماد على كوادر مؤهلة تخصصياً في مجالات العمليات النفسية المختلفة (دعاية - إعلام ـ تاريخ .. إلخ) حتى ولو بنظام التعبئة عند إدارة مثل هذه الحملات على أي من الاتجاهات الإستراتيجية المختلفة.
(3) الإعداد والتأهيل الجيد لضباط العمليات النفسية بالعمل كملحقين عسكريين أو ضباط معلومات في الدول محل الاهتمام وعلى اتجاهات التهديد المحتملة.
(4) يُعد الاعتماد على وسائل نشر وتوزيع بطاقات العضوية من صلب تنظيم عناصر العمليات النفسية القائمة على التخطيط والإدارة للحملة.
(5) الاعتماد على مصادر معلومات متطورة ودقيقة من وجهة نظر العمل النفسي الموجه مع التنسيق والتعاون المستمريْن بين أجهزة جمع المعلومات وتحليلها وتقديرها على المستويين القومي والإستراتيجي.
(6) التنسيق المستمر مع أجهزة العمل النفسي الصديقة، خاصة فيما يتعلق بنشر مواد الدعاية، لإمكانية استخدام تلك الإمكانيات في أعمال المناورة لتشتيت جهود العدو.
ج. مرحلة التنفيذ
(1) المتابعة المستمرة لإجراءات تنفيذ الحملة ومدى تأثيرها من الداخل وبكافة الوسائل.
(2) التنسيق المستمر طوال مرحلة إدارة الحملة مع جميع الأجهزة الأخرى المتعاونة والعاملة في مجال العمل النفسي.
(3) استخدام كافة أساليب العمل النفسي واستنباط أساليب غير نمطية في عمليات مواد وموضوعات ورسائل الحملات النفسية ونشرها.
(4) الإلمام التام بخصائص وإمكانيات العمليات النفسية للجانب المعادي مواجهتها.
(5) المناورة بالوسائل للتغلب على إمكانيات العدو في مجال العمليات النفسية (ترددات إذاعية ـ مواد مطبوعة ـ أماكن بث إذاعات).
(6) ساعد وجود نخبة من المتخصصين الأكفاء في مجالات علم النفس والاجتماع والعلوم السياسية والإعلامية والدعاية، ضمن فريق العمل النفسي المشترك في المتابعة على تطوير الدعاية بما يتلاءم مع مطالب العملية.
(7) استخدام المواد المطبوعة والمسموعة في تزامن مع أعمال قتال القوات، خاصة العمليات الجوية.
المبحث الثامن العمليات النفسية الإسرائيلية
بدأت الجماعات اليهودية في تطوير فكرها وأسلوب عملها منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكانت البداية العملية المنظمة هي المؤتمر الشهير الذي دعا إليه وترأسه اليهودي النمساوي الأصل (تيودور هرتزل) وعقد في بال عام (1897 م)، وكان هدفه إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وقد أدركت الحركة الصهيونية منذ البداية أهمية الدعاية ودورها في تحقيق أهداف الصهيونية المتعاقبة، فاعتمدت على الدعاية بشتى الوسائل والأساليب من صحف وكتب وجمعيات ومراكز لجمع التبرعات والأموال، جنباً إلى جنب مع إنشاء المؤسسات الإرهابية التي اعتمدت على القوة واتخذت من الإرهاب والقتل والتدمير منهجاً لها. وقد استطاع الصهاينة بأساليبهم الإعلامية المختلفة، وبالوسائل المتاحة لديهم، تحقيق أكبر عملية غسل للدماغ لمصلحة مخططات تهويد فلسطين وتغيير معالمها العربية والسيطرة عليها أطول فترة ممكنة من الزمن. ويرجع هذا النجاح إلى سيطرتهم على الرأي العام في أوروبا الغربية وأمريكا على وجه الخصوص. فقد تفهم الصهاينة تأثير الرأي العام في البلدان الغربية ـ وخصوصاً الدول ذات النظم البرلمانية والانتخابات الحرة ـ ودوره في التأثير على القرار السياسي في هذه البلدان، فجعلوا من الرأي العام شغلهم الشاغل فأغرقوه بالمعلومات التي تبشر بآرائهم وأفكارهم السياسية حتى أصبحت تلك المجتمعات حكراً عليهم ومغلقة أمام خصومهم، والأدهى من ذلك أنهم جعلوا من تلك المجتمعات بوقاً لأفكارهم مدافعاً عن أطماعهم وتطلعاتهم.
أولاً: مراحل تطور العمليات النفسية الإسرائيلية
اتسمت العمليات النفسية الإسرائيلية بالمرحلية التوسعية والتخطيط المتقن الذي يقف وراءه أخصائيون يرسمون معالمه ويحددون خطواته وفقاً لمعطيات وتحليلات ودراسات شاملة. والعمليات النفسية الإسرائيلية تتلون بألوان الواقع السياسي والوضع القائم من غير أن تفقد خطها، وتطرح مقولتها في تناغم وانسجام مع العمل العسكري والسياسي؛ والدارس للعمليات النفسية الإسرائيلية يمكن أن يميز ثلاث مراحل هي:
1. العمليات النفسية الإسرائيلية قبل إنشاء الكيان الصهيوني
ارتكزت العمليات النفسية الإسرائيلية في هذه المرحلة على الترويج للأفكار التالية:
أ. مقولة "الحق التاريخي وأرض الميعاد"
وتتضمن هذه المقولة ادعاء الصهاينة بأن لهم حقاً قديماً وإلهياً في فلسطين، حيث قامت الدعاية الصهيونية بترسيخ موضع الحق التاريخي في فلسطين بواسطة مقولة "أرض الميعاد" وبنت الصهيونية على مقولة أرض الميعاد مقولة أخرى هي "حق العودة" حيث صدّرت للرأي العام ـ خصوصاً الرأي العام المسيحي ـ أن اليهود طُرِدوا من فلسطين على يد الرومان، وأن لهم الحق في العودة إليها، لأن من حق المطرود أن يعود إلى وطنه. مع أن الواقع عكس ذلك، فقبل الحرب العالمية الأولى كان تعداد سكان فلسطين (750) ألف نسمة، ثمانية أتساعهم من العرب والتسع الآخر فقط من اليهود.
ب. مقولة "العداء للسامية" (الهولوكوست: المحرقة) [1]
يدعي اليهود بأن العقيدة الصهيونية نشأت كرد فعل لمعاداة السامية التي يعتبرونها أبدية ما دام لليهود وجود بين قوميات أخرى. والتناقض في هذه الدعوة واضح وضوح الشمس، إذ إن العرب أنفسهم ساميون وإن عداء المجتمعات التي عاش بها اليهود لا يقف وراءه ادعاء وهمي كهذا، بل حقائق ودوافع كانوا هم سببها، فالنازية التي اعتقلت الملايين من شتى القوميات واضطهدتها وعذبتها، كان من بينهم عدد قليل من اليهود لا يقاس بضحايا الشعب السوفيتي التي فاقت العشرين مليوناً، لكن كل ما ارتكبته النازية بحق العالم حولته الصهيونية لحسابها واستثمرته لخدمة أغراضها العدوانية، فقد أمر "بن جوريون" العملاء الصهاينة بتفجير معبد يهودي في بغداد لكي يستغل هذا الانفجار كإثبات على العداء الوحشي الذي يكنه العالم والعرب للسامية، وكأن العرب لم يعودوا ساميين، وبحجة القضاء على معاداة السامية تقوم إسرائيل بالعدوان واحتلال الأراضي وطرد العرب والتنكيل بهم.
ج. مقولة "الجنس اليهودي المتميز"
يزعم اليهود بأنهم أنقى جنس خلقه الله. يقول (ليفين) عضو الكينست الإسرائيلي عن حزب (أجودات إسرائيل) عام (1970 م): "إننا لسنا شعباً كباقي الشعوب ولسنا ديناً ككل الأديان، إننا شعب خاص، شعب الله، شعب التوراة ". وقد استغل اليهود هذا الزعم العنصري المفتري لاجتناب الاندماج مع غيرهم، لأن في هذا الاختلاط فقدانا لنقاء اليهود وبالتالي الإساءة إليهم. وقد أكدت الأبحاث العلمية والحقائق الموضوعية عدم صحة ادعاءات الصهيونية بتميز الجنس اليهودي، فيهود العالم لا يرجعون إلى جنس واحد، وليس في الطبيعة نمط عنصري محدد لليهودي في سائر بقاع الأرض، فهم أبناء دين لا أبناء جنس واحد. ويثبت الواقع العلمي أيضاً حقيقة اختلاط الناس وتمازجهم على مدى القرون ومن شتى القارات، مما يؤدي إلى عدم وجود جنس واحد نقي. ويهود إسرائيل حسب أرقام مجلة النيوزويك الأمريكية هم أناس قادمون من تسعين بلداً ويتكلمون سبعين لغة.
2. العمليات النفسية الإسرائيلية بعد قيام الكيان الصهيوني
أ. مقولة الأرض الخالية من السكان والصحراء القاحلة
وهي تختصر الزعم القائل بأن فلسطين (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، وطرح هذا الزعم قبل إنشاء دولة العدوان وبعده، حيث زعموا أن فلسطين بقيت خالية من السكان منذ طرد اليهود منها على يد الرومان قبل ألفي عام، ولأنها بقيت خالية فمن حقهم العودة إليها والاستيطان فيها وتعميرها. قال (حاييم وايزامان)، أول رئيس إسرائيلي: "هناك بلد اسمه فلسطين، وهو بدون شعب، وهناك الشعب اليهودي، وهو بدون بلاد"، وزعم (ليفي أشكول) في عام (1969 م) للنيوزويك الأمريكية: "لقد كانت صحراء، فقط بعد أن جعلنا الصحراء تزدهر ومأهولة بالسكان أصبحوا مهتمين بأخذها منا". وما أوضح الكذب والتضليل والخداع في هذه الدعاية، لأن فلسطين لم تكن خالية كما أسلفنا في مقولة (الحق التاريخي) من حيث عدد السكان، كما كان الشعب الفلسطيني متقدماً في الزراعة حتى بلغت صادرات الحمضيات من فلسطين قبل الحرب العالمية الأولى أكثر من مليون جنيه فلسطيني، فلا هي خالية من السكان ولا هي صحراء قاحلة كما يدعون ولا أهلها متخلفون.
ب. مقولة الجيل الجديد (الصابرا)
هذه المقولة مفادها أن هناك جيلاً جديداً قد تشكل في إسرائيل، وهذا الجيل ولد في فلسطين ومن حقه بالتالي العيش والاستيطان فيها. ولا يحق لأي قانون أن يطرده منها، وأية محاولة للطرد تُعد عملية عدوانية وضد حقوق الإنسان اليهودي، ويتغنى الإعلام الصهيوني بهذا الجيل وقدرته الخارقة. ويدعى أن أمة جديدة قد تكونت منذ أكثر من ثلاثين سنة وأن هذه الأمة لها خصائصها القومية، ولغتها الخاصة بها، هذه الأمة هي الأمة العبرية أو الإسرائيلية. ويستخدم الصهاينة هذه المقولة دفاعاً عن سياسة الاستيطان العدوانية محاولين إظهار تكوين سيكولوجي موحد للتجمع الإسرائيلي.
ج. مقولة إسرائيل الصغيرة
حيث يعقد اليهود مقارنة بين المساحات التي يسكنها العرب من المحيط إلى الخليج وبين مساحة إسرائيل الصغيرة، وفي الوقت نفسه تحرص الدعاية الصهيونية على عدم ذكر فلسطين أو الشعب الفلسطيني وحتى في حال الإشارة إلى اللاجئين الفلسطينيين، فإن الإعلام الصهيوني يدعو إلى توطين هؤلاء اللاجئين في الأقطار العربية كما فعل الألمان الغربيون بالمواطنين اللاجئين من ألمانيا الشرقية. ومقولة إسرائيل الصغيرة مقولة تستدر بها الدعاية الإسرائيلية عطف العالم، كما تبرر بها أعمالها التوسعية، والتماس السند المادي والمعنوي والعسكري.
د. مقولة إسرائيل المكافحة من أجل العيش والبقاء
يحاول الإعلام الصهيوني عبر هذه المقولة وضع إسرائيل في صورة الدولة المهددة باستمرار. ويدَّعي هذا الإعلام أن إسرائيل المسالمة تكافح من أجل العيش والبقاء واتقاء أخطار العرب عامة والفلسطينيين الإرهابيين بحسب تسميتها لهم، وأن وقفة إسرائيل في وجه هذا الخطر هي بطولة فذة، ومن خلال هذا الادعاء تبرز مقولة وزعم الحدود الآمنة، ونظرية الأمن الإسرائيلي، والحروب الوقائية، وقمع الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم.
هـ. مقولة إسرائيل دولة حضارية في محيط متخلف
تدعي إسرائيل في هذه المقولة بأنها الوجه الحضاري التقدمي الغربي وأنها امتداد للحضارة الغربية المعاصرة في المشرق وذراعها الفاعل في تغيير التخلف الشرقي، وأن أي تسليح للعرب هو تحطيم لهذا الوجه الحضاري المشرق، بل هو خطوة أولى في تحطيم الحضارة الغربية ومنجزاتها العلمية والتكنولوجية.
3. العمليات النفسية الإسرائيلية بعد عام (1973 م)
نظراً لتطور الأحداث في الساحة الدولية وانعكاساتها على ساحة الصراع العربي الإسرائيلي وما استجد من ظروف وأمور، وحرصاً من إسرائيل على مسايرة الأحداث والظروف، فقد عمدت إسرائيل إلى التركيز في عملياتها النفسية على بعض مقولاتها السابقة واستحداث مقولات أخرى تلائم الأوضاع والتطورات ومنها ما يلي:
أ. خطر الإسلام الزاحف
تثير إسرائيل مشاعر الخوف من الإسلام وتعمل وسائل الدعاية الإسرائيلية على التحذير من الصحوة الإسلامية وخطورة الأممية الإسلامية، وتربط ذلك بأن إسرائيل تمثل القلعة الأولى في الدفاع عن الحضارة الغربية ضد الإسلام، كما سبق ووقفت ضد المد الشيوعي. وينسحب هذا التخويف على مظاهر القوة في أي بلد إسلامي، كامتلاك باكستان القنبلة الذرية، فعبرت الدعاية الصهيونية عن ذلك بفيلم أسمته (قنبلة من أجل الإسلام) وبآخر أسمته (القنبلة الإسلامية)، وينسحب من هذه المقولة كذلك الإرهاب الإسلامي أو الإسلام الإرهابي، والعرب المسلمين الإرهابيين.
ب. خطر العربي الثري
ظهرت هذه المقولة لتعبر مجدداً عن مقولات سابقة تؤكد بجملتها على أن إسرائيل هي المدافع عن تفاقم الخطر العربي المتمثل مجدداً في امتلاك العرب لقوة النفط، وبرز ذلك بوضوح بعد حظر النفط العربي في حرب (1973 م) واستخدام العرب لحقهم المشروع في تنبيه الغرب المغالي والمسرف في تجاهله لحقوق العرب.
ج. تشويه الطابع القومي العربي والإسلامي على حد سواء
لعبت الصحافة التي يسيطر عليها اليهود دوراً كبيراً في تشويه صورة العربي المسلم، هذا بجانب التلفزيون والسينما في الولايات المتحدة الأمريكية بالذات، فحسب البرامج، فإنه في الفترة ما بين عام (75 ـ 1980 م) يظهر العربي في التلفزيون الأمريكي مرة كل أسبوعين في شخصية مثيرة للضحك والاشمئزاز، ولا يكاد يخلو مسلسل واحد من المسلسلات الأمريكية التلفزيونية المعروفة من إشارة مهينة للعرب، ومن أكثرها تعريضاً للعرب مسلسلا (ملائكة شارلي) و (ملفات روكفورد)، والنتيجة في نظر (30%) من مشاهدي التلفزيون الأمريكي هو مرادف للإرهابي.
د. تأليه الطابع القومي اليهودي
وهذا الأسلوب هو استمرار لأسلوبهم القديم مقابل تشويه الصورة العربية الإسلامية، وقد ظهر ذلك بوضوح في الفيلم الإنجليزي (عربات النار) الذي يظهر اليهود بأنهم شعب الله المختار، وغيره من الأفلام مثل الفيلم التلفزيوني الأمريكي (امرأة تدعى جولدا) الذي يضفي على اليهود صفات البطولة والإنسانية والحكمة والقوة.
هـ. توثيق ربط اليهود بالمسيحية
وهذه المقولة قديمة إلا أنها عادت بتركيز شديد بعد عام (1973 م)، وفيها تطرح الدعاية الصهيونية فكرة أن المسيحية التي تؤمن بعودة المسيح مرة ثانية يجب أن تساعد على تجميع اليهود وبناء الهيكل الثالث (وهذا مدخل لجعل القدس عاصمة لإسرائيل). وذلك لأن التنبؤات التوراتية تقول بظهور المسيح (للمرة الأولى بالنسبة لليهود، وللمرة الثانية بالنسبة للنصارى) ولا يتم ذلك إلا بعد عودة اليهود إلى فلسطين وبناء الهيكل الثالث. وقد عبر عن المخاوف من هذا الاتجاه المطران العربي (إيليا خوري) في الندوة الصحفية التي عقدت في (25/ 6/1981 م) بقوله: "مصيبتنا الكبرى هي الكنائس في أمريكا، فالكنائس المسيحية هناك تهوِّد العقيدة المسيحية، وتجعل الدين المسيحي مذهباً يهودياً"، وهذا ما تفعله الصهيونية اليوم ويمارسه اليهود في أمريكا بعناد وإصرار. (اُنظر شكل تطور الدعاية الصهيونية).
و. إن الأعمال الحربية الإسرائيلية هي من أجل السلام العالمي
وخير مثال على ذلك ادعاء إسرائيل خلال غزوها لبنان عام (1982 م) بأنها تهدف إلى تطهير المنطقة من الإرهاب، ولذلك أعطت أعمال الغزو الحربية اسماً يعكس معنى الهدف المدَّعى (سلام الجليل). وإذا كانت هذه الفكرة تنسحب من مقولاتها السابقة (إسرائيل الضعيفة المعتدى عليها باستمرار من قبل العرب) وهو ما بررت به اعتداءاتها على العرب في الأعوام (1956 م، 1967 م،) إلا أن حرب (1982 م) نسفت هذه المقولة من الأساس؛ رغم الستارة الدخانية التي أخفت عملية الغزو خلفها وهي تأمين الحدود وسلامة منطقة الجليل. حيث إن المقاومة الشديدة التي جوبهت بها إسرائيل ثم انسحابها، جعلت العالم يوقن بكذب هذه المقولة.
ثانياً: خصائص وسمات العمليات النفسية الإسرائيلية
على الرغم من تعدد المراحل التي مرت بها العمليات النفسية الإسرائيلية إلا أنها عموماً اتسمت بسمات وخصائص يمكننا أن نلخصها فيما يلي:
1. المركزية
العمليات النفسية الإسرائيلية هي حرب يديرها جهاز يضم الخبراء المختصين الذين يضعون التخطيط الشامل للعمليات النفسية، ثم يرسمون الخطط المرحلية التي ستنفذ مع وضع البدائل للخطط المقترحة وذلك ضمن استراتيجية عامة للعمل الإعلامي الدعائي النفسي وفق سياسة الدولة، وهي ترتبط بأدوات تنفيذ السياسة الخارجية والأداة العسكرية، مما يظهر معه ارتباطاً وانسجاماً بين الإعلام والعمليات النفسية والعمل الدبلوماسي والإدارة العسكرية. (اُنظر شكل التعامل النفسي الصهيوني).
2. التخصص
تتعدد مجالات العمليات النفسية الإسرائيلية، ولا شك أن ذلك يقتضي الاعتماد على خبراء مختصين في كافة مجالاتها. وتركيبة المجتمع الإسرائيلي تساعد في ذلك، إذ إنهم تجمعوا من كل بلاد العالم، وكل منهم يحمل مؤهلات وخبرات البلد الذي قدم منه، مما ساعد في توفير كل الاختصاصات المطلوبة لتلك العمليات النفسية.
3. التركيز
تعتمد العمليات النفسية عامة على التركيز في عملياتها الدعائية التي تهدف إلى تنفيذها، وهنا يأخذ التركيز الهدف بعين الاعتبار ثم يعمد إلى التكرار كصفة هامة يجب أن تتضمنها أية دعاية يراد لها النجاح. وهذه السمة نجدها واضحة في ممارسات العدو لعملياته النفسية، حيث يعمد إلى التركيز في دعايته المضللة ويستخدم أسلوب الحملات العامة التي توجَّه عادة للتأثير في كافة المجالات المراد التأثير عليها.
4. التوقيت
تحرص إسرائيل دائماً في عملياتها النفسية على عامل التوقيت لعلمها بأن الإعلام الدعائي النفسي الناجح يجب أن ينطلق في الوقت المناسب مع تهيئة الجو وشحنه بعوامل القبول والتصديق، إذ أن دقة التوقيت تعطي دعماً لواقعية التعامل النفسي بمختلف أشكاله مما يساعد على إعطاء المردود النفسي المطلوب.
5. إضفاء المصداقية النسبية
يقيم الإعلام الإسرائيلي وزناً كبيراً للمصداقية النسبية، ويسعى بدأب للحفاظ على ثقة المستمع ـ العدو والصديق معاً ـ وهذه المصداقية تعتمد على سيكولوجية الجماهير وسيكولوجية الفرد، وتتطلب جمع معلومات واسعة عن أماني الشعب الخصم وتطلعاته.
6. الهجوم
إذا حللنا العمليات النفسية الموجهة إلى العالم العربي نجدها ذات طابع هجومي، أي تسعى لامتلاك المبادرة الدعائية. ويظهر هذا الخط الهجومي الدعائي بوضوح عند قيام إسرائيل باعتداءات عسكرية، أو اتخاذها لقرار هام مثل ضم منطقة محتلة مثلاً، فإن الإعلام سرعان ما يواكب هذا القرار السياسي بهجوم دعائي.
ثالثاً: أساليب العمليات النفسية الإسرائيلية
تستخدم إسرائيل الأساليب التالية في عملياتها النفسية
1. التركيز على هدف واحد في وقت واحد
تحاول إسرائيل دائماً الاستفادة من المتغيرات السياسية والعسكرية والاجتماعية التي تحدث في العالم، ولا تدع فرصة واحدة تفوتها، فمثلاً في قضية فتح صنبور الهجرة اليهودية السوفيتية، اغتنمت إسرائيل فرصة هدوء المسرح العالمي وتهيُّؤه للتلقي فجندت كل طاقاتها الإعلامية لتثير ضجة وجدلاً حول التهجير وفتح مراكز الاستقبال في الدول الغربية. وفي حرب رمضان نجد أن الإعلام الإسرائيلي ركز على أخبار المعارك متجاهلاً تماماً قطع الدول الأفريقية علاقاتها مع إسرائيل، وذلك لتختار إسرائيل الوقت الملائم لعرض المسائل حسب رغبتها ومعالجتها على النحو الذي يرضيها.
2. أسلوب خلق مصادر مختلفة للأخبار
تضفي إسرائيل بعداً آخراً للأخبار أو تنسبها إلى مصدر آخر إضافي تأكيداً لصحتها في آذان المستمع ثم تعتمد تلك المصادر الأخرى كأساس باعتبارها مصادر خارجية محايدة. وخير مثال على ذلك في حرب (1973 م) عندما منيت إسرائيل بخسائر فادحة في المعدات والأرواح لجأت إلى الصحافة العالمية المملوكة في معظمها لليهود، ومراسليها الصهاينة، وأخذت تذيع رسائلهم المكذوبة والمحشوة بالتلفيق حتى قال أحد المراسلين الأجانب آنذاك: "عندما تذيع إسرائيل حقيقة خسائرها بعد الحرب، فإن الفضيحة ستكون أكبر مما أثارته فضيحة ووترجيت".
3. إخفاء الأخبار الملائمة للخصم وتضليله عنها
لقد درجت إسرائيل منذ نشأتها على إخفاء الحقائق والمعلومات وأخبار عمليات المقاومة، وحتى في الحروب، لا تعترف إسرائيل بخسائرها، ففي عام (1973 م) لم تعترف إسرائيل بخسائرها بل كانت تصفها بأنها طفيفة، وحتى بعد تدمير لواء الدبابات (190) في سيناء وأسر قائده قالت إسرائيل إن الورش تعمل على إصلاح الدبابات التي استهلكت من جراء الاستعمال. وفي الحرب نفسها كشف صحفي يهودي عن بيانين لكل من (موشي ديان) و (ديفيد أليعازر) في الأيام الأولى من الحرب، يُظهر فيهما مدى الرعب والانهيار النفسي الذي أصاب قادة اليهود. فقد قال وزير الدفاع موشى ديان مخاطباً اليهود: "هذا الوقت عصيب، وقواتنا في الجولان وسيناء تتراجع، ولم يعد خط بارليف قائماً! وقد تم تحييد سلاح الجو .. وباختصار فإن الوضع مأساوي، إلا أنه غير خطير". أما (ديفيد أليعازر) فقد قال: "لقد خرج اليوم جيش الدفاع الإسرائيلي للقيام بهجوم مضاد، ولكن ـ بصدق ـ فقد فشل الهجوم، قوات العدو (العرب) هائلة وسوف يحطمون عظامنا!! وأقصى ما آمله هو أن يكتفي المصريون بصدِّ هجومنا فقط، والاكتفاء بسيناء .. ثقوا وتشجعوا". وهذه البيانات لم يسمع بها الناس لأن خبيراً نفسياً منع إذاعتها لعلمه التام بأنها لو أذيعت لتغيرت مجريات الأحداث في المعركة.
4. أسلوب التحويل السريع للأخبار
تحاول إسرائيل دائماً، عن طريق إعلامها القوي وأبواق دعايتها، تحويل الأنظار عما يجري في الساحة ـ إن كان في غير مصلحتها ـ ففي حرب (1973 م) حاولت إسرائيل تحويل الأنظار عن خسائرها وهزائمها وعن الإنجازات التي حققتها الجيوش العربية ـ خاصة في جبهة سيناء ـ بالتركيز على تواجد الجيش الإسرائيلي في غرب قناة السويس، ثم أخذت تتحدث عن موضوع تبادل الأسرى، موحية بذلك للمستمع والجندي الإسرائيلي ـ بطريقة غير مباشرة ـ بأن كل ما يسمعونه من أخبار الحرب من الإذاعات هراء وتلفيق، تاركة المستمع والجندي الإسرائيلي مبلبلي التفكير مشتتي الذهن، محافظة على صورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر.
5. إشاعة عدم الثقة بالنفس وإيقاع المستهدف بالتخبط الفكري
لقد دأبت إسرائيل في عملياتها النفسية ضد العرب على استخدام شتى الأساليب، ومن هذه الأساليب، تشكيكهم في كل من حولهم وزعزعة ثقتهم في أنفسهم وقادتهم وإعلامهم. ففي حرب (1973 م)، وأثناء المعارك الطاحنة الدائرة في الجولان، كان الإعلام الإسرائيلي يذيع باللغة العربية أن حكومة إسرائيل تعتزم وضع خطط لمضاعفة سكان الجولان. ولا شك في أن هذا الأسلوب الخبيث يلقى في نفس المستمع العربي الشك في صحة ما نقلته وسائل الإعلام العربي، كما أنه يوحي له بأن نتائج المعارك على العكس تماماً مما تذيعه الإذاعات العربية.
6. استغلال المعارك السابقة كرصيد يستشهد به
لا شك أن الجيش الإسرائيلي قد أحرز بعض الانتصارات في الحروب العربية الإسرائيلية السابقة لظروف كثيرة كانت في صالح الجيش الإسرائيلي، ولكن قادة العدو ووسائل إعلامه قد تجاهلت تلك الظروف وعزت تلك الانتصارات إلى أسطورية هذا الجيش وكفايته العالية التي لا تقهر، وذلك لتعميق مفهوم شجاعة الجندي الإسرائيلي ومقدرته على التعامل مع أحدث الأسلحة التكنولوجية التي حظه فيها أوفر من نظيره العربي.
7. الحرص على إظهار التفوق التكنولوجي
من المعروف أن إسرائيل تتفوق تكنولوجياً على جميع الدول العربية، وذلك لحرص القوى الكبرى والعالم الغربي على ترجيح ميزان القوى لمصلحتها، باعتبارها دويلة صغيرة محاطة بأعدائها العرب من كل الجهات كما يزعمون، ولذلك عمدوا ـ منذ نشأتها ـ إلى مدِّها بكل أسباب التقدم والتكنولوجيا والأسلحة الحديثة من طائرات وصواريخ، وبكل ما أنتجته آلة الحرب الغربية من عتاد عسكري يضمن لها الغلبة حتى أصبحت إسرائيل اليوم تمتلك أفضل سلاح جوي في منطقة الشرق الأوسط، وتزعم بأن الفارق التكنولوجي بينها وبين العرب هائل جداً، وأنها ستحرم العرب من اللحاق بها حتى منتصف القرن الحادي والعشرين على أقل تقدير. وما تطالعنا به وسائل الإعلام الإسرائيلية من نجاح تجارب إطلاق الصواريخ والأقمار الإسرائيلية (أريحا ـ 1، أريحا ـ 2، الأفق ـ 1) ما هو إلا تعميق للشعور باليأس وإيحاء باتساع الفارق التكنولوجي بينها وبين العرب.
8. التخويف بالأسلحة النووية ونظرية الردع النووي
إن تبني إسرائيل للأسلحة النووية وإدخالها ضمن استراتيجية الدفاع الإسرائيلي إنما القصد منه ردع العرب عن شن هجوم رئيسي ضدها أو تهديد بقائها. يقول الدكتور محمد حجاز ضمن حديثه عن عناصر الدعاية الصهيونية على مستوى الوطن العربي: "إن الصهيونية تمارس التخويف بالسلاح النووي الذي تملكه من خلال إذاعة أخبار ما يكتبه المعلقون السياسيون العالميون من تعليقات ودراسات عن قوة إسرائيل النووية، وعن الأسلحة المتطورة الحديثة التي تردها من الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك كجزء من الحملة السيكولوجية الدعائية الرامية إلى إبقاء الأمة العربية تحت سيطرة البعبع الإسرائيلي وتيئيسها من متابعة القتال".
9. الترويج لأسطورة الجيش الذي لا يقهر
نجد في كتابات اليهود عن جيشهم مقولة ظلوا يرددونها حتى أصبحت من المسلمات البديهية، ألا وهي مقولة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، والذي يستطيع منازلة كل الجيوش العربية وهزيمتها. ثم راحت أجهزة الإعلام الصهيوني تروِّج لها بإمكانياتها الواسعة في مشارق الأرض ومغاربها حتى صدقها الكثيرون ... وقديماً قيل: يستمر الرجل يكذب حتى يصدقه من حوله، ثم يكذب حتى يصدق نفسه. وهنا تقع الطامة .. وقد وقعت بإسرائيل فزلزلت بنيانها المنقوش، لقد صدقت إسرائيل أكاذيبها حتى خرج عليها يوم (24) أكتوبر رئيس دولتها (إبراهيم كاتزير) يوقظها من أحلام الخيال، ويكشف لشعبه المخدوع طرفاً من الحقائق الأليمة، فيقول: "لقد كنا نعيش بين عام (1967 م، 1973 م) في نشوة لم تكن الظروف تبررها، بل كنا نعيش في عالم من الخيال لا صلة له بالواقع، وهذه الحالة النفسية هي المسؤولة عن الأخطاء التي حدثت قبل حرب أكتوبر، وفي الأيام الأولى للحرب، لأنها كانت قد تفشَّت في كل المجالات العسكرية والسياسية والاجتماعية وأحدثت فيها مواطن ضعف خطيرة".
10. الانفراد بالجبهات
تعلم إسرائيل جيداً بأنها لا تستطيع مجابهة الجيوش العربية مجتمعة، لذلك نجدها في جميع حروبها الإسرائيلية العربية قد تبنت استراتيجية الانفراد بالجبهات ـ أي مقاتلة الجيوش العربية كل على حده ـ ممارسة بذلك عمليات نفسية ناجحة، ومدعية بأن جيش الدفاع الإسرائيلي هزم الجيوش العربية. ففي حرب (1967 م) نجدها تصدَّت أولاً بقواتها للجبهة المصرية في سيناء، حيث أوقفت تقدم القوات المصرية، ومن ثم انتقلت وبسرعة فائقة للجبهة السورية حيث استطاعت حسم المعركة في أقصر وقت.
11. الرد السريع وعدم الاستجابة للضغوط
لقد دأبت إسرائيل على ألا تترك عملية مسلحة تقع ضد مستوطناتها أو أي فرد من أفراد شعبها دون رد سريع وحاسم، ولا تقبل المساومة أو المفاوضة. فمثلاً في عملية "عنتيبي" الشهيرة التي تم فيها اختطاف طائرة إسرائيلية رفض اليهود المفاوضة والمساومة واستغلوا وقت المفاوضات الجارية آنذاك في مطار عنتيبي في الإعداد لعملية كوماندوز ونفذوها بنجاح تام ـ رغم بعد المسافة بين تل أبيب وعنتيبي ـ حرروا فيها طائرتهم. وقد أصبحت عملية "عنتيبي" فيما بعد مادة خصبة للدعاية والعمليات النفسية، وأن إسرائيل لا تنحني للضغوط. ويعتبر هذا الموقف جزءاً من العمليات النفسية، إذ تعطي إسرائيل عن نفسها صورة الدولة ذات المبادئ، والمنهاج الثابت والصلابة .. فهي بالتالي تتصرف عن قوة، لأن القوي الذي لا يرضخ ولا يتنازل. وهي في الوقت ذاته تريد حرمان خصومها من أية فرصة يحققون فيها انتصاراً يعزز ثقتهم بأنفسهم ويغريهم بسلوك الطريق مرة ثانية.
12. التدمير وارتكاب المجازر
تلجأ إسرائيل إلى ارتكاب أعمال دموية بربرية فظيعة لتلقي بها الرعب والخوف في النفوس، وما تلك المجازر التي حدثت في دير ياسين وصبرا وشاتيلا إلا صوراً واضحة للعيان لا تخفي أهداف العدو من ورائها. ويفخر "مناحم بيجين" بالأعمال التي تمت على يد منظمته، فأوقعت الرعب في قلوب الناس أثناء احتلال يافا فيقول: "وفجأة رأينا أمام أعيننا ظاهرة عجيبة .. الهرب الجماعي من يافا .. لقد بدأ المدنيون العرب، وفريق من المحاربين يهربون من المدينة فجأة، وقد غلبهم الذعر؛ والظاهر أن هناك سببين لهذا الهرب والرعب: أولاً: اسم مهاجميهم المخيف، والدعاية المرعبة التي أحاطت بهذا الاسم، فقد أرسل مراسل اليونايتدبرس في بيروت إلى جريدته يومها يقول: "إن الهاربين الذين وصلوا إلى بيروت قالوا: إن الأخبار التي وصلتهم تفيد بأن الأرغون تقوم بالهجوم مما زرع الرعب في قلوبهم". وأما السبب الثاني: فكان قوة مدفعيتنا. لقد رددنا ليافا في يوم ما أعطته لتل أبيب في ثلاثة أشهر". ويقول الجنرال (شائون نكديمون) عن النبطية: "لقد بدت لنا المدينة كأنقاض من جراء القصف الجوي والأرضي الذي لم يترك الكثير من المباني لم تدمر". ويقول الجنرال (بن تسيون شرايدر): "ماذا نفعل أكثر من ذلك، لقد دمرنا لهم المدن والقرى، ومسحنا لهم مخيماتهم".
رابعاً: وسائل العمليات النفسية الإسرائيلية
تستخدم إسرائيل في عملياتها النفسية الأساليب المعروفة من حيث: التضليل الإعلامي والصدمة النفسية، والتهديد المستمر بالبطش، والاستدراج الإعلامي، والدعاية المتكررة، والنشرات الاستسلامية .. إلخ، ولم تقتصر إسرائيل في عملياتها النفسية على إذاعتها وتلفزيونها، بل قامت بشراء العديد من الصحف والمجلات في العالم ـ وخاصة في أمريكا وأوروبا ـ نظراً لتأثير هذه الصحف في الرأي العام. وسيطرت إسرائيل على كثير من المؤسسات السينمائية ودور النشر والتأليف وشبكات التلفزيون، واستغلتها في دعايتها وتمرير أهدافها.
1. الإذاعة والتلفزيون
الإذاعة والتلفزيون في الكيان الصهيوني حكوميان، ولكن تتولى الإشراف عليهما سلطة مستقلة. أنشئت الإذاعة عام (1965 م)، وتبث إذاعة إسرائيل برامج بمختلف اللغات، ولكن أهم برنامج لإذاعة العدو هو برنامجها باللغة العربية حيث تبلغ مدة البث (15) ساعة يومياً، وتتضمن (12) نشرة أخبار، ويتولى هذا البرنامج شن العمليات النفسية على الجماهير العربية، والجدير بالذكر أنه تم عام (1971 م) تقوية بث البرنامج العربي، إذ جرى تشغيل أجهزة الإرسال الجديدة على الموجة المتوسطة التي تبلغ قوتها (600) كيلو وات، وهي تسمع بوضوح على مسافة (2000 كم). كما تُعد الإذاعة الإسرائيلية برامج ثقافية وإخبارية تحليلية ترسلها إلى الإذاعات المتعاونة معها في أوروبا وأمريكا اللاتينية، وكندا، والدول الأفريقية كبرنامج "هنا إسرائيل". أمّا التلفزيون الإسرائيلي فقد بدأت فكرة إنشائه عام (1951 م)، ليكون الأداة التحريضية المساعدة في صياغة الشخصية الإسرائيلية وفق مواصفات الثقافة الصهيونية وعلى رأسها سيادة الروح العدائية ضد العرب. وقد تم تشغيله عام (1968 م) في معارضة دينية شديدة لأنه يتعارض وتعاليم الديانة اليهودية. حيث بدأ يبث أربع ساعات منها ثلاث ساعات بالعربية. أما الآن فيبث بالعبرية (4) ساعات، وبالعربية ساعتين.
2. أجهزة الإعلام في وزارة الخارجية
أ. دائرة الإعلام
وهي الجهة المسؤولة عن تخطيط وتنسيق نشاطات الإعلام الصهيوني عامة في دول العالم الخارجي. وتقوم بالاتفاق مع الصحف العالمية على إصدار ملاحق خاصة عن الكيان الصهيوني، وكذلك تقوم بتنظيم المقابلات والندوات وإعداد وتوزيع الكتيبات، وإقامة علاقات وثيقة مع شبكات التلفزيون الأجنبية، وإعداد المسلسلات الجديدة حول مختلف جوانب الحياة الإسرائيلية، وتنظيم الحملات الدعائية.
ب. دائرة التعاون الدولي
وتعني بتنسيق ومتابعة برامج التعاون الفني والعلمي والتدريب مع بعض دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وذلك بإرسال الخبراء الصهاينة للعمل في الخارج، وتقوم كذلك هذه الدائرة بتنظيم الندوات والمؤتمرات الدولية.
ج. دائرة العلاقات الثقافية والعلمية
ومهمة هذه الدائرة تطوير علاقات الكيان الصهيوني مع دول العالم الأخرى في المجالات العلمية والثقافية والفنية، وهذه الدائرة ركن أساسي من أركان الإعلام الصهيوني (اُنظر شكل التعامل النفسي المعاصر).
د. المكتب الصحفي بوزارة الخارجية
يقوم بتزويد الصحافة المحلية والمراسلين الأجانب بالأنباء اليومية أو ترتيب مقابلات الصحفيين لمسؤولي الخارجية الصهيونية.
هـ. قسم رعاية الضيوف الرسميين
ويتولى إعداد برامج زيارات الضيوف الرسميين حسب رغبة وذوق وأهواء كل منهم بما ينال رضاهم. وقد بلغ عدد ضيوف وزارة الخارجية عام (69) زهاء (1500) ضيف من (71) بلداً.
3. أجهزة الإعلام في وزارة الدفاع. وهي تتكون من ثلاث دوائر
أ. دائرة التعاون والارتباط الخارجي
وتضم خمسة أقسام هي، قسم مساعدة الأقطار الأجنبية، قسم أمريكا اللاتينية، قسم الأقطار الأفريقية الناطقة بالفرنسية، قسم اختيار المدربين للعمل في الخارج، قسم الأبحاث والمنشورات.
ب. دار النشر في وزارة الدفاع
وتقوم بمهام كبيرة في الإعلام الصهيوني ـ لا سيما الموجه منه لأفراد الجيش ـ وتتولى دار النشر هذه إصدار كتب متنوعة تتناول الموضوعات الجغرافية والتاريخية، والكتب العسكرية المتعلقة بمختلف أنواع الأسلحة.
ج. متاحف جيش العدو
تهتم وزارة الحرب الصهيوني بإنشاء المتاحف العسكرية كوسيلة ناجحة من وسائل الإعلام الداخلي، ومن هذه المتاحف: متحف بيت الهاجاناة، متحف الهجرة غير الشرعية، متحف البحرية.
4. أجهزة الإعلام في مكتب رئاسة الوزراء
أ. المكتب الصحفي للحكومة
ويضم المكتب قسماً للمطبوعات يصدر مجموعة من المنشورات بمختلف اللغات.
ب. قسم التعميم والنشر
ومهمته تخطيط وتنفيذ الدعاية الحكومية الموجَّهة للمجتمع الصهيوني، وتوجيه الرأي العام المحلي من خلال وسائل الإعلام المتوفرة.
ج. مكتب الإرشاد المركزي
وهو يشكل دائرة واحدة مرتبطة بمكتب رئيس الوزراء، ويقوم بنشر المعلومات عن نشاطات الحكومة ومشاكلها وأهداف الدولة ومنجزاتها، وخاصة ما يتصل بترسيخ الوحدة الثقافية والروحية والاجتماعية والمدنية.
5. النشاطات الإعلامية لوزارة السياحة
تُولي وزارة السياحة عناية واهتماماً كبيرين بالسياحة، فهي إلى جانب أنها تُعد أكبر مصدر للعملات الصعبة، فهي تمثل بالنسبة لإسرائيل تربة خصبة لبث دعايتها فيها. والحكومة الإسرائيلية تدرك جيداً أهمية هؤلاء السياح في نشر دعايتها عندما يعودون إلى أوطانهم ويتحدثون ويكتبون عما شاهدوه عبر وسائل إعلام بلادهم. وتنظِّم الحكومة الصهيونية أمسيات سياحية تتضمن محاضرات عن الكيان الصهيوني وتفسح المجال أمام السياح لتوجيه الأسئلة والاستفسارات. وتكثر الحكومة الإسرائيلية من طبع النشرات السياحية التي تتضمن دعايات سياسية ذكية.
6. الجامعات والمعاهد المختصة
على الرغم من أن التعليم عملية تربوية يتم عن طريقها نقل ميراث ثقافي واجتماعي من جيل إلى جيل، إلا أن الحركة الصهيونية قد اتخذت من المؤسسات التعليمية والجامعات والمعاهد وسيلة من وسائل الدعاية لتدعيم مفاهيمها ونظرياتها، وأخذت توجه الطلبة الصهاينة والأجانب المبعوثين وجهة معينة تتلاءم ومصالحها. فقد أنشأت الجامعة العبرية في القدس لتتولى مخاطبة القطاعات المثقفة من الرأي العام العالمي مخاطبة علمية. وتركز الجامعات والمعاهد المختصة في نشاطها الثقافي على إبراز دور اليهود في تدعيم الحضارة وإحياء التراث العلمي في منطقة الشرق الأوسط. مما أكسبها تأييد كثير من مثقفي العالم. ويوجد في إسرائيل خمس جامعات، أقدمها الجامعة العبرية التي تأسست عام (1918 م)، وجامعة تل أبيب التي تأسست عام (1953 م)، وجامعة حيفا عام (1963 م) وجامعة بار إيلان عام (1955 م)، وجامعة النقب في بئر السبع عام (1969 م)، والمؤسسة العلمية الكبرى الثانية في إسرائيل هي معهد وايزمان العلمي في رحوبوت ويليه في الأهمية المعهد التكنولوجي (التخنيون). هذا إلى جانب المعاهد العلمية الأخرى التي يزيد عددها عن الأربعين. ونظراً للصلات والروابط الوثيقة التي خلفتها هذه المؤسسات التعليمية مع المؤسسات التعليمية في الدول الأخرى، نجد أن عدداً كبيراً من الجامعات والمعاهد الأمريكية تتعاطف مع الصهيونية مثل جامعات براندايز وبوسطن وياشيفيا في نيويورك.
7. أجهزة المخابرات والاستخبارات
لعبت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية دوراً أساسياً في شن العمليات النفسية وتغيير اتجاهات الرأي العام منذ أن كانت دولة إسرائيل فكرة في العقول، فقد سبق إنشاء الاستخبارات الإسرائيلي بشكل واضح منذ أن بدأ الاستيطان الصهيوني في فلسطين إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى وكان يطلق عليها اسم (نيللي) ثم أطلق اسم (شيروت يديعوت) أي خدمات المعلومات. ثم عرف بعد قيام الكيان الصهيوني باسم (شيروتيه بطاحون) أي خدمات الأمن واختصارها (شين بيت). ورغم أن نشاطات الاستخبارات الإسرائيلية تتوزع على عدة دوائر من استخبارات عسكرية واستخبارات سياسية وأخرى داخلية، إلا أن هناك هيئة عليا تقوم بتنسيق نشاطاتها تدعى (الموساد). ولقد أدركت القيادة الصهيونية عبر التجربة أن قسطاً كبيراً من نجاحها في تنفيذ المخطط الصهيوني يعتمد بشكل كبير على مقدرة جهاز الاستخبارات في مجال المعلومات. حيث غدت هذه العملية في السنوات الأخيرة المرحلة الأساسية الهامة التي تسبق أي تحرك في كافة المجالات. وقد أصبح العنف المخطط والإرهاب سمة من سمات أعمال أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في توجيه وتغيير اتجاهات الرأي العام. وتشمل أساليب المخابرات عمليات وضع الألغام والمتفجرات والتهديد، واغتيال الشخصيات الهامة وكل من ناصر القضية الفلسطينية.
8. معاهد الرأي العام والشؤون العربية
توجد في إسرائيل عدة معاهد تتابع واقع مختلف البلدان العربية وما يطرأ عليها من تطورات في شتى الميادين ثم تقدم نتائجها إلى الجهات المختصة التي تستفيد منها في تخطيط سياستها.
خامساً: مجابهة العمليات النفسية الإسرائيلية
إن نجاح العدو في عملياته النفسية يُسهم فيه غياب مخططات عربية للمجابهة بالشكل المطلوب. وعليه فإن المجابهة العربية يجب أن تعتمد دراسة عميقة لأساليب العدو التي تمليها عليها أهداف عملياته النفسية الاستراتيجية والتكتيكية ثم دراسة لوسائله المستخدمة ووضع التقويم الشامل لكل ذلك، ثم وضع الخطة الشاملة للمجابهة على ضوء هذا التقويم وملاحقتها وإحباطها. كما أن دراسة الأسس التي تقوم عليها عمليات العدو النفسية هي عملية ضرورية تماماً، وذلك للعمل على تعريتها وإفهام الفئات المُسْتَهدفة حقيقة هذه الأسانيد الباطلة التي يعتمدها عمله الإعلامي الدعائي النفسي. ويقتضي التخطيط العلمي لمجابهة عمليات العدو النفسية إعداد خطة دعائية موحدة ومحكمة يرفدها جيش من الساسة المتخصصين في الدعاية على أرفع المستويات العلمية والعملية، فضلاً عن توافر أجهزة إعلامية راسخة قادرة على بناء وتنفيذ الخطة الدعائية استراتيجياً وتكتيكياً.
[1] ترمز `الهولوكوست` ادعاء الصهيونية بالمحارق التي كان يباد فيها يهود ألمانيا أثناء الحكم النازي.
المبحث التاسع العمليات النفسية في العمليات العسكرية
إن الهدف الرئيسي من استخدام العمليات النفسية في العمليات العسكرية هو إحداث تغيير في آراء وعواطف واتجاهات وسلوك الأفراد المعنيين بها. وتسهم أساليب العمليات النفسية المستخدمة من دعاية وغيرها في إنجاز مهام قائد العمليات العسكرية. وتستخدم العمليات النفسية في جميع مستويات العمليات العسكرية ـ المستوى الاستراتيجي والمستوى العملياتي، والمستوى التكتيكي ـ كما يُمثِّل استخدامها ضرورة قصوى في النزاع منخفض الشدة والنزاع متوسط الشدة والنزاع عالي الشدة (اُنظر شكل الحرب النفسية في العمليات العسكرية). ففي المستوى الاستراتيجي من العمليات العسكرية تُستَخدم العمليات النفسية لاستغلال مواطن ضعف حكومات وقوات ومواطني الدول الأجنبية لتحقيق أهداف متوسطة المدى كمحاولة إقناع العدو بعدم مقدرته على تحقيق النصر أو ضرورة انسحابه من مسرح العمليات العسكرية. أما استخدام العمليات النفسية على المستوى التكتيكي في العمليات العسكرية فالغرض منه تحقيق أهداف مباشرة وقصيرة المدى ويتضمن استخدام العمليات النفسية على المستوى التكتيكي الوسائل المرئية أو المسموعة أو كليهما لإسناد الوحدات التكتيكية إسناداً مباشراً. وللاستفادة القصوى من وحدات وخبراء العمليات النفسية ينبغي أن يحرص قادة العمليات العسكرية على دمجهم ضمن منظومة اتخاذ القرارات العسكرية، وأن يتأكدوا من مقدرتهم على العمل في جميع ظروف القتال.
أولاً: تنظيم ومهام وحدات العمليات النفسية الميداني
قبل التعرف على الدور الذي تقوم به العمليات النفسية في إسناد العمليات العسكرية المختلفة ينبغي إلقاء الضوء على وحدات العمليات النفسية الميدانية والمنَفِّذة لمهام العمل النفسي من حيث التنظيم وطبيعة المهام المكلفة بها.
1. التنظيم
غالباً تتكون وحدة العمليات النفسية من العناصر الرئيسية التالية:
·…عنصر المعلومات.
·…عنصر الدعاية.
·…عنصر مكبرات الصوت.
·…عنصر التصوير (تلفزيوني ـ فوتوغرافي)
·…عنصر المطبعة الميدانية.
·…محطة الإذاعة التكتيكية.
·…أطقم الاستجواب النفسي.
ويعتمد حجم عنصر العمليات النفسية الذي يساند العمليات العسكرية على التشكيل التكتيكي للقوة المسنودة (اُنظر شكل تنظيم سرية عمليات نفسية) و (شكل تنظيم كتيبة عمليات نفسية) لتنظيم سرية وكتيبة عمليات نفسية في الجيش الأمريكي كمثال.
2. وظائف العناصر المكونة لوحدات العمليات النفسية الميدانية
أ. عنصر المعلومات
يقوم بجمع المعلومات من كافة المصادر وتوظيفها لصالح العمليات النفسية المستخدمة في إسناد العمليات العسكرية.
ب. عنصر الدعاية
ويقوم بوضع خطة الدعاية المستخدمة في الحملة النفسية الموجهة ضد العدو مستغلاً المعلومات المتوفرة لديه، مستخدماً كافة الإمكانات المتوفرة لوحدة العمليات النفسية.
ج. عنصر مكبرات الصوت
يقوم بإذاعة الأخبار وتوجيه التعليمات والأوامر المختلفة لأفراد العدو من خلال رسائل مختصرة، كما يقوم بتوجيه الإنذارات إلى ذيول المقاومة المعادية وحثها على الاستسلام. وقد تُوجَّه الأخبار والرسائل باستخدام مكبرات الصوت المحمولة على عربات أو دبابات أو حوامات.
د. عنصر التصوير (فوتوغرافي ـ تلفزيوني)
يقوم بتصوير كافة مراحل المعركة وإبراز مظاهر الانتصارات، وكذا مظاهر هزائم العدو.
هـ. عنصر المطبعة الميدانية
يقوم بطبع المنشورات المصورة والمكتوبة التي يصممها عنصر الدعاية. والمطبعة الميدانية تكون محمولة على عربات ولديها القدرة على طبع وإعداد المنشورات بكميات كبيرة وفي زمن قصير، وبعض المطابع الميدانية لديها القدرة على طبع آلاف المنشورات في الساعة الواحدة.
و. محطة الإذاعة التكتيكية
هي محطة قصيرة المدى تُغَطِّي مسرح العمليات على المستوى التكتيكي، وتَبُثُّ إرسالها من عربة مصممة لهذا الغرض وتستخدم في إذاعة الأخبار والبيانات عن الأسرى وتقوم بتبليغ رسائلهم إلى ذويهم، كما تُستَخدم في إذاعة الأنباء التي قد تساعد في عملية خداع العدو. وعلاوة على استخدام محطة الإذاعة التكتيكية في بث برامجها المعادية ضد قوات العدو فإنها تُستَخدم في توضيح موقف معين لصالح القوات الصديقة.
ز. أطقم الاستجواب النفسي
تقوم بعمليات الاستجواب النفسي للأسرى للوقوف على الحالة المعنوية والنفسية لقوات العدو.
3. وسائل العمليات النفسية المستخدمة في العمليات العسكرية
يتم الجهد الأكبر في العمليات النفسية ـ أثناء العمليات العسكرية ـ من خلال الدعاية لكي تصل المعلومات والنداءات والأفكار إلى العدو وتؤثر عليه بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وعلى هذا فإن اختيار وسيلة التبليغ السليمة أمر في غاية الأهمية إذ يجب أن تكون ملائمة للمُتلقين وذات أثرٍ في نفوسهم. وعادة ما تنفذ بالطرق الآتية:
أ. المنشورات
استخدام المنشورات هو أحد الوسائل الأساسية لتوصيل الدعاية، وخاصة في العمليات النفسية على مستوى العمليات التكتيكية. وتشمل المنشورات تلك التي تقوم الطائرات بإسقاطها ونشرات الأخبار والملصقات وتصاريح المرور. وقبل البدء في استخدام المنشورات ينبغي على القائمين على العمليات النفسية أن يضعوا في اعتبارهم مستوى تعليم المتلقين، وحالة الجو، والوسائل المتوفرة وتوصيلها.
ب. مكبرات الصوت
تُعد مكبرات الصوت هي الطريقة الثانية لتوصيل المعلومات للعدو في الموقف التكتيكي، ويمكن استخدامها على الأرض أو من الطائرات (إذاعة الطائرات الصوتية) حيث تُثبَّت مكبرات الصوت تحت الجناح من الخارج أو تحت جسم الطائرة.
ج. الإذاعة التكتيكية
يقتصر استخدام المذياع في العمليات النفسية على العمليات الإستراتيجية والتعزيزية، ويشرف عليه فنيون. وتُمثَّل الإذاعة التكتيكية وسيلة ممتازة من وسائل العمليات النفسية لإمكانية توصيلها للمعلومات على جبهة واسعة من الجماهير.
د. التلفزيون والأفلام
رغم التأثير الشديد لهذه الوسيلة إلا أن استخدامها يظل قاصراً على الدول الصديقة والمحايدة، ورغم أن الأقمار الصناعية تزيد كثيراً من المساحة التي يغطيها الإرسال إلا أنها تزيد أيضاً من فرص استقبال كل من الصديق والعدو لبرامج قد يُقصَد منها هدف آخر غير الهدف المقصود.
ثانياً: العمليات النفسية في العمليات العسكرية التقليدية
يُعزِّز استخدام العمليات النفسية في العمليات العسكرية التقليدية ـ على جميع مستوياتها ـ من قوة قتال القوات الصديقة ويعمل على تقليل كفاءة ومقدرة قوات العدو، ولتحقيق هذا الهدف ينبغي دمج خطة العمليات النفسية ضمن خطة المعركة.
1. استخدام العمليات النفسية في المستوى الاستراتيجي من العمليات العسكرية
إن التخطيط للعمليات النفسية عملية مستمرة ومتواترة، فعادة ما تُشَن العمليات النفسية قبل بدء العمليات العسكرية وأثنائها وبعدها. وتتسم العمليات النفسية في المستوى الاستراتيجي من العمليات العسكرية بأنها ذات أهداف بعيدة المدى، وتتضمن أهداف العمليات النفسية على المستوى الاستراتيجي من العمليات العسكرية ما يلي:
أ. الحصول على مساندة الدول الصديقة.
ب. إنهاء النزاع أو الحدِّ منه.
ج. إشعار الدول المعادية أن خوض المعركة سيؤدي إلى هزيمتها.
د. العمل على منع العدو من الحصول على دعم خارجي.
هـ. التصدي للعمليات النفسية المعادية ومقاومتها.
و. إحداث انقسام في صفوف وحدات العدو العسكرية.
2. استخدام العمليات النفسية في المستوى العملياتي من العمليات العسكرية
تُستخدم العمليات النفسية في هذا المستوى لتحقيق أهداف استراتيجية متوسطة المدى في مسرح عمليات جبهة واحدة، وتتضمن هذه الأهداف التركيز على الأهداف التي كانت العمليات النفسية موجهة من أجلها في المستوى الاستراتيجي ولكن بتركيزها في هذا المستوى على منطقة محددة.
3. استخدام العمليات النفسية في المستوى التكتيكي من العمليات العسكرية
المستوى التكتيكي من العمليات العسكرية هو حشد كافة وحدات القتال ووحدات الإسناد في ميدان المعركة لدحر العدو وتدمير قواته، وتُمثِّل نشاطات العمليات النفسية جزءاً لا يتجزأ من نشاطات هذا المستوى من العمليات حيث تخطط العمليات النفسية للضغط على قوات العدو العسكرية والمدنية لكي يتمكن القائد العسكري من إنجاز مهامه التكتيكية. وتتضمن الأهداف الفورية وقصيرة المدى للعمليات النفسية في هذا المستوى: الحصول على معلومات عن العدو وعن عملياته، ومعرفة مدى إلمامه بعمليات القوات الصديقة، والعمل على تقليل كفاءته القتالية.
4. العمليات النفسية التعزيزية
تقوم وحدات العمليات النفسية بعمليات تعزيزية لإسناد العمليات العسكرية في مستوياتها المختلفة. وتوجَّه هذه العمليات للسكان المحليين في مناطق مؤخرة القوات الصديقة أو المناطق التي تسيطر عليها القوات الصديقة، وتهدف العمليات النفسية التعزيزية إلى:
أ. تقديم المساعدة المباشرة للعمليات العسكرية عن طريق تأمين خطوط المواصلات، والسيطرة على اللاجئين، ومنع حدوث الذعر الجماعي بين المواطنين.
ب. كسب الحرب وتأييد السكان المحليين.
ج. مقاومة العمليات النفسية التي يشنها العدو ضد السكان المدنيين.
وبالرغم من أن العمليات النفسية التعزيزية تشمل مقاومة العمليات النفسية التي يوجهها العدو ضد السكان المدنيين الموجودين تحت سيطرة القوات الصديقة، إلا أنها لا تشمل مقاومة العمليات النفسية التي يوجهها العدو ضد قواتنا المسلحة، لأن مسؤولية ذلك تقع على عاتق قادة الوحدات وضباط الأركان، يساعدهم في ذلك ضباط الشؤون العامة إذا لزم الأمر. ويتحقق لهم ذلك بالآتي:
(1) القضاء على محاولات العدو التأثير في نفوس أفرادهم.
(2) القيادة الجيدة.
(3) رفع الروح المعنوية.
(4) إطلاع أفرادهم بمجريات الأمور.
(5) فهم الأساليب التي يسلكها العدو في عملياته النفسية.
5. استخدام العمليات النفسية في العمليات العسكرية التعرضية
تتكون العمليات العسكرية التعرضية من: التحرك للتماس، والهجوم (سريع، ومدبر)، واستغلال النجاح، والمطاردة، وتهدف إلى تدمير قوات العدو وحرمانه من المصادر اللازمة له، الاستيلاء على منطقة أو أرض حيوية للعدو أو الحصول على معلومات عن مواقع توزيعات قواته أو توجيه انتباهه إلى مناطق أخرى، أو تثبيت قواته وأثناء العمليات التعرضية تكون مهمة وحدات العمليات النفسية هي توفير الإسناد القريب والمستمر للوحدات التي تساندها ولعناصر مناورتها. وينبغي أن يبدأ هذا الإسناد أثناء مرحلة التخطيط للعملية مع مراعاة نوع العملية التعرضية التي سيتم القيام بها:
أ. التحرك للتماس
هو عبارة عن عملية تعرضية تهدف لإحراز أو استعادة التماس مع العدو قبل الاشتباك معه. وفي أثناء التحرك للتماس تقوم وحدات العمليات النفسية بتحليل العوامل النفسية وتقدم توصياتها لقائد القوة المسنودة في المسائل المتعلقة بإسناد العمليات النفسية. كما تقوم بتقويم نتائج الحملات النفسية السابقة ضد أهداف مماثلة. كما تقوم وحدات العمليات النفسية بتوزيع المنشورات واستخدام مكبرات الصوت في الدعاية والعمليات النفسية ضد العدو. ونسبة لأن قلة المعلومات عن العدو وغموض الموقف يعتبران من أصعب الأمور التي يواجهها القائد أثناء التحرك للتماس، فإن وحدات العمليات النفسية تعمل على تحليل المعلومات المتوفرة، واستنباط نتائج جديدة من المواقف التي تتكشف في الحال. وتُسهم وحدات العمليات النفسية إسهاماً كبيراً في خطة العمليات الخداعية لصرف انتباه العدو عن نشاطات معينة، كالتوصية بشن هجوم مخادع لصرف انتباه العدو عن الهجوم الرئيسي.
ب. الهجوم
(1) الهجوم السريع
عبارة عن عملية هجومية تحدث في عمليات التحرك للتماس أو بعد عملية دفاعية ناجحة وينفذ بأسرع ما يمكن لمنع العدو من القيام بمقاومة منظمة (المعركة التصادمية). ونسبة لضيق الوقت في شن الهجوم السريع فإن وحدات العمليات النفسية تكون مهيئة مسبقاً لمثل هذا الهجوم فتجهز وسائل دعايتها سلفاً.
(2) الهجوم المدبّر
هو ذلك الهجوم الذي يهدف إلى تدمير قوات العدو المدافعة مع ضرورة توفر الوقت الكافي للتخطيط والتحضير واستخدام كافة المصادر المتوفرة. وتستخدم وحدات العمليات النفسية أساليب الدعاية، وتوزيع المنشورات، وغيرها من أساليب العمليات النفسية لخفض معنويات العدو وتقليل كفاءته القتالية.
ج. استغلال النجاح
هي تلك المرحلة من التعرض التي يتم فيها شل قدرة العدو على إعادة تنظيم دفاعه والقيام بعملية انسحاب منظم. وتتضمن مهام وحدات العمليات النفسية في استغلال النجاح: تطبيق أساليب العمليات النفسية على وحدات العدو العابرة لدفعها للاستسلام، وتعيين مواطن ضعف العدو، وجمع المعلومات ومعالجتها للوصول إلى الاستغلال الأمثل للنجاح.
د. المطاردة
هي استكمال تدمير قوات العدو المنسحبة والتي فقدت القدرة على القيام بمقاومة منظمة، تُمارس فيها وحدات العمليات النفسية شتى أساليب الضغط للتأثير عليه ودفعه للاستسلام، كما تسهم بذلك في خفض معنوياته بتأكيد هزيمته، وذكر الخسائر والإصابات التي وقعت في صفوفه أثناء مراحل الهجوم واستغلال النجاح.
6. استخدام العمليات النفسية في العمليات الدفاعية
يقصد بالدفاع كل الأعمال المنسَّقة التي تقوم بها قوة ما لإحباط هجوم تشنه قوة معادية ومنعها من تحقيق أهدافها. وتسهم العمليات النفسية في إسناد تلك الأعمال أثناء العمليات الدفاعية لعرقلة تقدم العدو. كما تعمل على إضعافه بإثارة الرأي العام وإثارة الضغوط السياسية والاقتصادية ضد هذه العمليات. ومن وسائل إضعاف عمليات العدو أيضاً خفض معنويات قواته وتثبيط عزيمتها القتالية وتشجيع المدنيين على السخط من هذه العمليات. ومن الوسائل التي تتبعها وحدات العمليات النفسية تحليل العوامل النفسية وتقديم التوصيات لقائد القوة المسنودة وفقاً لذلك.
7. استخدام العمليات النفسية في عمليات التقهقر
أ. الانسحاب
تتخلص أو تتحرر بواسطته جميع القوة المستخدمة أو جزء منها من الاشتباك مع العدو، وقد يكون الانسحاب اختيارياً أو إجبارياً، وفي كلتا الحالتين يتركز مجهود العمليات النفسية على عمليات الخداع التكتيكية لفك التماس مع العدو بطريقة ناجحة، ومحاولة التصدي لدعاية العدو، ورفع الروح المعنوية للقوات الصديقة حتى لا يؤثر الانسحاب في روحهم المعنوية.
ب. الإعاقة
تحاول فيها القوة الواقعة تحت ضغط العدو التضحية بالأرض في سبيل الوقت، بينما تكبد العدو أقصى حد من الخسائر دون أن تتورط معه في قتال حاسم وتلعب العمليات النفسية دوراً مهماً في عمليات الإعاقة، حيث تتسبب في إضعاف معنويات العدو وحركته بالخطط الخداعية. كما تعمل على رفع الروح المعنوية للقوات الصديقة وشرح الأسباب الحقيقية للتخلي عن بعض الأراضي حتى لا يعتقد جنود القوات الصديقة أنهم تعرضوا للهزيمة.
8. العمليات الخلفية (خلف خطوط العدو)
تسهم العمليات النفسية في العمليات الخلفية في كسب ولاء السكان المدنيين لتوفير الحماية، كما تُعد مصدراً هاماً للاستخبارات، ورفع روح قوات المظليين لإنزالهم خلف خطوط العدو، وبث الشك والارتباك في صفوف قوات العدو عن طريق الدعاية والتركيز على ضعف موقفهم، والتصدي للحملات الدعائية المعادية.
9. استخدام العمليات النفسية في عمليات الأمن الداخلي
إن استخدام العمليات النفسية في العمليات التقليدية التي تتدخل فيها القوات المسلحة لمساعدة السلطات المدنية على مواجهة الاضطرابات المعادية يأتي بنتائج جيدة. وتُستخدم وحدات العمليات النفسية الإذاعة ومكبرات الصوت والمنشورات. وتهدف هذه العمليات النفسية إلى:
أ. تبرير أعمال القوات المسلحة، خاصة إذا كانت هذه العمليات تتطلب فرض بعض القيود على المدنيين.
ب. نشر التعليمات على السكان المحليين بخصوص أعمال التفتيش والتصرف الواجب اتخاذه.
ج. نشر شروط الاستسلام.
د. إضعاف روح الأعداء.
هـ. نشر الأخبار والدعاية التي توضح عدم جدوى اتباع العناصر المعادية التي تسعى لتحقيق أغراضها الذاتية.
و. إذاعة ونشر الآثار السيئة التي سيعاني منها المدنيون في حالة تأييدهم للقضية المعادية.
ثالثاً: استخدام العمليات النفسية في إسناد عمليات الخداع
تستخدم العمليات النفسية لإسناد عمليات الخداع في جميع مستويات العمليات العسكرية وفي جميع درجات حدة النزاع. ويعرَّف الخداع بأنه "تلك الإجراءات المتخذة لتضليل العدو بتشويه الحقائق أو تزييفها أو معالجتها بطرق غير قويمة لإجباره على رد الفعل في ظروف غير مواتية له. وتتضمن خطة الخداع إخفاء الحقائق وتزييفها، وتستخدم في ذلك أساليب المخادعة التظاهر والحيلة".
1. الخداع في العمليات التعرضية
تكتسب المفاجأة أهمية قصوى في العمليات التعرضية، ولكن من الصعوبة بمكان المحافظة على سرية المعلومات أثناء التخطيط لهجوم كبير. لذا فإنه يُلجأ إلى عمليات الخداع لجعل العدو يعتقد بوقوع الهجوم في موقع معين مما يجبره على إعادة نشر قواته. وتسهم وحدات العمليات النفسية في عمليات الخداع بكتابة وثائق وهمية عن القوات الصديقة، مثل: تعيين الأفراد ووضع هذه الوثائق بحيث يجدها العدو، وترويج الإشاعات عن الهجوم المحتمل والوحدات المشاركة فيه، كما تُستخدم مكبرات الصوت والإذاعات. وأثناء التحضير للهجوم الرئيسي تواصل وحدات العمليات النفسية مجهوداتها في موقع الهجوم المساند لتضليل العدو.
2. الخداع في العمليات الدفاعية
تستخدم عمليات الخداع في العمليات الدفاعية لتخفية الموقع الحقيقي للقوات الصديقة ولتضليل العدو عنه. ويتحقق ذلك بإقامة مواقع وهمية يستنفذ العدو طاقاته في استطلاعها. وتستخدم وحدات العمليات النفسية الأشرطة المسجلة وإذاعتها عبر مكبرات الصوت، وتحريك العربات والقوات لإشعار العدو بوصول تعزيز للقوات الصديقة، والرماية الوهمية في خطوط العدو لكي يعتقد العدو بكثرة الأسلحة على خطوط الدفاع، وترويج الإشاعات عن وصول التعزيزات.
رابعاً: إسناد العمليات النفسية للعمليات الخاصة
العمليات الخاصة هي تلك العمليات العسكرية التي تنفذها قوات مجهزة تجهيزاً خاصاً ـ من حيث التدريب والتسليح والتنظيم ـ ضد أهداف استراتيجية وعملياتية وتكتيكية لتحقيق مكاسب قومية أو عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أو نفسية. وتُساند العمليات الخاصة العمليات التقليدية أو تنفَّذ بمفردها إذا كانت القوات التقليدية غير مناسبة للعملية. وتتضمن العمليات الخاصة العمليات غير التقليدية في مناطق النزاعات منخفضة الشدة، وعمليات مكافحة الإرهاب، وعمليات الأمن الجماعي، والأمن الداخلي. وتدخل جميع متطلبات العمليات في مناطق النزاع منخفض الشدة في إطار العمليات الخاصة، بمعنى أن القوات الخاصة لها الدور الرئيسي في حل النزاعات منخفضة الشدة. وإذا كانت العمليات النفسية ذات أهمية قصوى في جميع العمليات العسكرية، فإنها تكتسب أهمية خاصة في العمليات الخاصة لأن الحروب الثورية الحديثة تتسم بالنزاع في جميع النشاطات (سياسية ـ اجتماعية ـ اقتصادية ـ ثقافية) وإذا فشلت العمليات النفسية في السيطرة على العناصر غير المشتركة في القتال، فإن ذلك قد يؤدي للهزيمة بغض النظر عن نتائج العمليات العسكرية. وتعمل وحدات العمليات النفسية باستخدام كافة الإمكانيات المتوفرة لديها لتحقيق الآتي:
1. كسب ولاء السكان المحليين
لإزالة الأثر النفسي بين سكان الدولة الهدف، وللحصول على أكبر درجة من التعاون تقوم وحدات العمليات النفسية بتنفيذ المهام التالية تجاه السكان:
أ. التحذير من الهجمات والغارات الجوية.
ب. مساعدة المواطنين في بناء ـ أو إعادة بناء ـ المنشآت التي يحتاجونها.
ج. المحافظة على دور العبادة والمستشفيات والمدارس.
د. تقديم المساعدات الطبية والمادية والمعنوية.
هـ. تسهيل اتصال الأفراد بأقاربهم وذويهم.
و. تشجيع الأفراد على العودة إلى ممارسة الحياة الطبيعية.
ز. تهدئة مشاعر الأفراد والعمل على إزالة القلق والتوتر الذي يصاحب العملية.
2. التوجيه والتعليم
من المهام الرئيسية لوحدة العمليات النفسية أثناء العمليات الخاصة محاول إقناع أفراد الدولة الهدف بالمبادئ السياسية والمذاهب التي تعتنقها الدولة التي قامت بالعمليات (تشريب المبادئ) بهدف إزالة الاختلافات الأيديولوجية والعقائدية التي تعيق عملية التآلف والتعاون. ولا شك أن إقناع أفراد الدولة المستهدفة بمبادئ الدولة المهاجمة يُسهِّل العمليات العسكرية ويزيد فرصة التعاون المنشودة، بل ويصل أحياناً لدرجة تشجيع الأفراد لمواصلة العمليات العسكرية كما حدث في عملية غزو (بنما) من قيام نسبة كبيرة من المواطنين هناك بمؤازرة القوات الأمريكية وحثها على الاستمرار في تنفيذ مهامها حتى يتم القبض على (الجنرال نوريجا). وتبدأ عملية التوجيه والتعليم مع بداية العمليات.
3. السيطرة على الشائعات
تقوم وحدة العمليات النفسية بمتابعة كافة الشائعات المتداولة بين الأفراد ومحاربة تلك التي يحاول العدو ترويجها بهدف حث الجماهير على رفض العمليات العسكرية، كما تقوم وحدات العمليات النفسية ببث الشائعات التي تعين القوات المهاجمة على أداء مهامها.
4. تحقيق مكاسب سياسية
تقوم وحدة العمليات النفسية بدعم المجهود السياسي بالآتي:
أ. تشجيع الأفراد المدنيين في الدولة الهدف على مقاومة القوانين والقيود التي تفرضها هيئات العدو.
ب. تشجيع ودعم عناصر المقاومة الشعبية ضد نظام العدو.
ج. مؤازرة أحزاب المعارضة وتشجيع مليشياتها المسلحة إن وجدت.
د. تعزيز المشاعر المناهضة لنظام العدو ومقاومة المشاعر المؤيدة له.
هـ. العمل على تأييد القيادات المحلية المناهضة لنظام الحكم.
و. مقاومة أشكال ومظاهر العمليات النفسية الموجهة من نظام الدولة الهدف إلى أفرادها والرامية إلى كسب ولائهم والحصول على تأييدهم.
المبحث العاشر الوقاية من العمليات النفسية
تناولنا الأساليب والوسائل المتبعة في العمليات النفسية، وعرفنا مدى خطورة تلك الأساليب والوسائل. ولتتمكن القوات الصديقة من الوقوف في وجه هذه التحديات لا بد لها من دراسة الأساليب الوقائية الكفيلة بصد هذه الهجمات الشرسة، خاصة بعد أن عرفنا أن العمليات النفسية توجه جهودها وعملياتها ضد الجنود لتحطيم معنويات العدو مستهدفة من ذلك الحصول على استجابات بدرجة أكثر من عملها للحصول على عمل مباشر. ولكي تكون عمليات تحطيم معنويات العدو ذات فاعلية، فإنها يجب أن تتجه نحو المعنويات الفعلية التي يُعنى بها الجنود ويهتمون لها "فالجنود الذين يتناولون غذاءً جيداً لا يمكن تخويفهم باحتمال أنهم سيواجهون الجوع في تاريخ قادم بعيد، والجنود الذين يتوافر لهم ضباط أكفاء لا يمكن حثهم على القيام بثورة، والجنود الذين تصل إليهم الرسائل تباعاً لا يمكن أن يشعروا بنقص معلوماتهم عمن تركوهم وراءهم في أرض الوطن. ومع هذا، فإن النقاط الضعيفة في تنظيم العدو يمكن أن تقدم الأهداف لتحطيم المعنويات، فموقف الهزيمة مثلاً يفرض إجهاداً كبيراً على الجنود وعلى الضباط الذين يقومون بأعمال ذات مسؤولية، وفي مثل هذا الوقت يبرز التفكك داخل الوحدات، ويكون المجال مهيأ لانتشار الشائعات على نطاق واسع، كما يكون تأثير عمليات الدعاية ضد المعنويات ذا أثر بالغ. (اُنظر شكل سلم ماسلو للحاجات)
وعليه فإن نجاح أي دفاع ضد العمليات النفسية ينبني على أساس عاملين اثنين هما:
1. جودة الأغذية والتموين والمواصلات والأسلحة بالنسبة للجنود.
2. تنسيق الخدمات المعنوية لمقاومة العمليات النفسية.
ويكون ذا فائدة إذا توفر للقوات الصديقة مجموعة من الضباط الأكفاء ليديروا عمليات نفسية مضادة باقتدار مثلما كان يفعل الألمان في حروبهم التي خاضوها ضد أعدائهم، عندما كانوا يعيِّنون ضباط توجيه معنوي على دراية بواجباتهم ليخوضوا العمليات النفسية الدفاعية. إذاً فالعمليات النفسية الدفاعية توجه ضد عقل المستمع، لخلق اتجاهات باعتقاد معين أو بالشك الذي يؤدي إلى العمل المطلوب. ومن المهام الرئيسية للعمليات النفسية الدفاعية اجتذاب الانتباه ثم استمرار الإبقاء على هذا الاجتذاب، ولكن العمليات النفسية التي تبدأ بتركيز انتباهها على ما يعرفه العدو مقضي عليها بالفشل من البداية. وأخيراً علينا أن نذكر أن العمليات النفسية الدفاعية يجب أن تجعل من أهدافها أعمال (مقاومة التخريب المعنوي) و (مقاومة الجاسوسية). وتستطيع العمليات النفسية الدفاع عن أرض الوطن ضد عمليات العدو إذا تمكنت من أن تخلق وعياً بالحذر من الدعاية وتجعل الناس قادرين على نقد الاتجاهات والآراء المضادة للسياسة القومية. على أن التكتيكات الرسمية المعدومة المهارة والاكتفاء بالتشهير العام بالانشقاق والخروج على رأي الجماعة تجعل المواطن يعتقد ما اعتقده (مستر بامبل) في رواية (أوليفر تويست) عندما قال إن (القانون حمار وغبي).
أولاً: أساليب مكافحة العمليات النفسية
وفيما يلي نتناول بعضً من أساليب مكافحة العمليات النفسية لبيان كيف نتمكن من مجابهتها:
1. مكافحة الطابور الخامس
إن المُرجفين موجودون في المجتمع البشري منذ أقدم العصور، فقد سبق أن استخدمهم القائد الإسرائيلي (يشوع) قبل نحو خمسة آلاف عام عندما غزا أريحا، كما استخدمهم الإسكندر المقدوني (الإسكندر الأكبر) الذي يعتبر أحد عباقرة الحرب في كل العصور، ملك مقدونيا من (356 ق. م ـ 323 ق. م) وجنكيز خان (1162 ـ 1227 م، إمبراطور مغولي) وفردريك الكبير (ملك بروسيا من 1712 ـ 1786 م الذي هزم النمسا) ونابليون وغيرهم من القادة الآخرين في حروبهم المختلفة. ظهر تعبير (الطابور الخامس) خلال الحرب الأهلية الأسبانية بين قوات الجمهورية الأسبانية وقوات (الجنرال فرانسيسكو فرانكو ـ ديكتاتور أسبانيا) حينما قال (الجنرال سولا) أحد قادة فرانكو: "إن أربعة أرتال تتقدم نحو مدريد للاستيلاء عليها، ولكن هناك رتلاً خامساً كاملاً داخل المدينة له القابلية على إنجاز ما لا يستطيع أي رتل إنجازه". يُعد الطابور الخامس سلاحاً فعالاً إذا استخدم الاستخدام الأمثل. في تحطيم كيان الأمم بإضعافها وتفتيتها بالإشاعات والأراجيف لإثارة الفزع بين صفوف المواطنين بإظهار مقدرة العدو العسكرية والقيام بأعمال التجسس والتخريب وإثارة النعرات القومية والإقليمية والطائفية والعرقية بين المواطنين. إن عناصر الطابور الخامس، هم من الأقليات النفعية التي تسكن أرض الوطن والتي تمت بصلة الدم والعرق إلى دولة الخصم، وهم أيضاً المستاءون من نظام الحكم، وأصحاب المبادئ المخالفة لمبادئ النظام القائم، والخونة من أهل البلد الذين يشتري العدو ذممهم بالمال أو الجنس أو المغريات الأخرى، والجواسيس الذين يُرسلهم العدو سياحاً أو مبشرين أو وكلاء أو تجاريين أو في شكل بعثات علمية. ويمكن اتخاذ التدابير التالية لمكافحة نشاط هذا الطابور:
أ. إعداد منهاج توعية واضح وشامل يستهدف تنمية الشعور بالمسؤولية لدى المواطنين مبيناً نوايا العدو، مع التركيز على الدور التخريبي الذي يلعبه هذا الطابور وإيضاح أساليبه في العمل.
ب. تحقيق الوحدة الوطنية المتراصَّة كي لا ينفذ منها الوكلاء وعناصر الطابور الخامس.
ج. الحد من النشاط الأجنبي ومراقبته بواسطة منظمات مقاومة الطابور الخامس.
2. مواجهة الإشاعات
إن للشائعة تعاريف وأنواع مختلفة ذات تأثير على نفوس المستمعين، ونعلم أن الإشاعة غالباً ما تجد آذاناً صاغية وتسري في الشعب الضعيف الأعصاب كسريان النار في الهشيم، وتنخر بنيانه الداخلي. وفيما يلي استعراضاً للأساليب التي يمكن أن اتخاذها لمواجهة الإشاعات كل حسب نوعها:
أ. إذا كانت الإشاعة تتعلق بموضوع يتطلب الكشف عن الحقائق المجردة فيه في الوقت الذي تبدأ فيه الإشاعة بسبب تعلق الموضوع مثلاً بالأسرار العسكرية أو كان يمس العلاقات الدولية أو يؤثر على السياسة الإنتاجية، وكان هنالك حرج في الكشف عنها ضمن السقف الزمني الذي تثار فيه مثل هذه الأنواع من الإشاعة، وأن الاستمرار في عدم الرد عليها بصورة مباشرة يتيح زيادة انتشارها، فعلى الأجهزة المسؤولة أن تلبي طلب الجماهير وتعمل على تهدئة الموقف والقلق، وذلك بالكشف عن الأركان الصحيحة للموضوع الذي تضمنته الإشاعة، وبهذا تكون الإشاعة قد حققت غرضها، بالرغم من اكتشاف الجماهير لجوانب الخداع والكذب فيها، لأن الهدف الرئيسي والبعيد للإشاعة هو إثارة الحرج والقلق. وعلى هذا الأساس فإن التخطيط لمكافحة هذا النوع من الإشاعات يرتكز على الأسس التالية:
(1) معالجتها بالأساليب التي تؤدي إلى تحقيق أهدافها والمواجهة غير المباشرة، بحيث يؤدي هذا الأسلوب إلى التخفيف من حدة الإشاعة أو مكافحتها حسب مساعدة الظروف.
(2) لا يُفضَّل الاعتماد على العلاج الوقتي (بإصدار بيانات وتصريحات تستند على وقائع غير سليمة)، لأن هذا الأسلوب يشكل سلاحاً ذا حدين، قد يؤدي إلى بروز حرب مكشوفة للإشاعة تستند على تلك الوقائع غير السليمة.
(3) إن مواجهة الإشاعة بصورة صريحة ومكشوفة وتوضيح جوانب الصحة فيها وجوانب الكذب والخداع والدجل في جوانبها الأخرى، كفيل بإزالة التربة الصالحة لترويج الإشاعة، كما يؤدي كذلكً إلى تدريب الجماهير وتوعيتها على معالجة الأمور بالعقل والمنطق وتخفيف حدة التأثيرات السطحية في المشاعر والانفعالات.
ب. أما بالنسبة للإشاعات ذات الطبيعة الفردية والتي لها تأثيرات جماهيرية فيستخدم أسلوب الإقناع العقلي القائم على تمكين الجماعات والأفراد من الشعور بالثقة بالنفس وضرورة استخدام المنطق والعقل وعدم الانقياد لمعلومات أو أفكار غير مؤكدة وغير صحيحة، وكذلك ينبغي عدم معالجتها علاجاً فردياً ـ لأن أهدافها قد تكون أعمق من أهدافها الفردية ـ وإيجاد الأسلوب الملائم والمدروس لمواجهتها، ويجب أن لا تساهم الأجهزة المجتمعة فيها، إلا بحدود التوجيه.
ج. أما الإشاعات ذات الأهداف والطبيعة الجماعية، والتي لها تأثير على الوحدة الوطنية ووحدة البناء الاجتماعي، وتُوجَّه نحو نقاط الضعف لدى الفئات المختلفة في المجتمع، فإن مقاومتها تتم باستخدام الأسلوب الإعلامي المباشر وفقاً لأحكام العقل والمنطق.
د. هناك إشاعات ذات طبيعة مجتمعية تستند بشكل عام على جهود تتولى الإشراف عليها وإطلاقها وترويجها أدوات النشر الخارجية، مما يُمكن لها أن تسير في مجالات عالية حسب مستوى ذيوع ونشاط أدوات النشر تلك، وتستخدم فيها الأكاذيب وأنواع الخداع والتضليل كأسلوب الرأي العام العالمي. وترتكز مواجهة مثل هذه الإشاعات على تنفيذها خارجياً، والعمل على توجيه الجماهير داخلياً وتعريفها بأعدائها وألوان الإشاعات التي يستخدمها أولئك الأعداء في بث روح الثقة والاضطراب في الخارج والداخل، لأن تماسك البنيان الداخلي وقوة الجبهة الداخلية يفتت ويلغي كل ألوان الشائعات.
هـ. شائعات الضغط: إذا كانت الشائعة تمسُّ موضوعاً يتعذر الكشف عن الحقائق فيه ـ في الوقت الذي تنطلق فيه الشائعات ـ ويتيح الاستمرار في عدم الرد على الشائعة بصورة مباشرة إلى سريانها وذيوعها، فإن مصمم الشائعة يضع ذلك في اعتباره عندما يبدأ في تصميمها فهو يرتكز في تصميمه للشائعة على أن أحد محاورها يمكن أن يؤدي إلى الاعتقاد في صحة الشائعات، وهنا تتعرض الأجهزة المكلفة بمواجهة الشائعات لحرج شديد نتيجة للصراع الذي يحدث بسبب ضغط الجماهير وترديدها للشائعة، مما يثبت موضوعها في الأذهان أو يثير الاعتقاد في صحتها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن مواجهة الشائعات قد يؤدي إلى الكشف عن بعض الأدوار أو المواقف ذات الأهمية الكبرى أو التي ترتبط بمسائل سرية يصعب الكشف عنها داخل الإطار الزمني الذي تثار فيه الشائعة.
و. هنالك بعض الأمور ينبغي إتباعها لمقاومة الإشاعات ووأدها في مهدها منها:
(1) إلقاء المحاضرات عن الإشاعة ومخاطرها وطرق الوقاية منها.
(2) تدريس مادة العمليات النفسية ـ التي من عناصرها الإشاعة ـ في الكليات والمعاهد والمراكز العسكرية.
(3) وضع اللافتات والصور التي تظهر فيها حالات انتشار الإشاعات ومخاطرها وأسلوب انتقالها.
(4) الاهتمام والعمل على خلق الوعي الثقافي والفكري والسياسي تجاه الإشاعة ومخاطرها عن طريق النشرات والمطبوعات التي تضم الشعارات المختلفة منها: (لتقبر الإشاعة وهي في مهدها)، (عدم المعرفة بمعلومة أفضل من إعطائها خطأ) ... إلخ.
(5) إطلاع الشعب وجيشه في الميدان على الأحداث والمواقف المختلفة.
(6) التحرِّي عن مصدر الإشاعة ومحاسبة مروجيها.
(7) غرس الروح الوطنية والتفاني والولاء للدولة.
(8) الابتعاد عن الفكاهات والنكات السياسية والقتالية لأنهما من أساليب الإشاعات التي يروجها العدو.
وقد عقّب الدكتور محمود أبو النيل في كتابه (علم النفس والشائعات) على محاربة الشائعات مقترحاً برنامجاً لذلك قائلاً: "لمحاربة الشائعات قواعد وأسس يتم إتباعها مثل تصوير مروجي الشائعات في الصحف بصورة مضحكة وساخرة". ويقترح عمل عمود في كل صحيفة يومية يتلقى الشائعات التي يسمعها المواطنون ويقوم أخصائيون في علم النفس والاجتماع والسياسة وتخصصات أخرى بتحليل مضمونها وكشف الدوافع وراءها. كذلك يمكن أن يوجَّه برنامج يومي من الإذاعة يدحض الأكاذيب ويكشف الحقائق. ويمكن بعد تحليل الشائعات أن يتم بث حقائق مضادة للشائعات الأولى، تتضمن توضيحاً للأحداث يتولى القيام بها أفراد يطلق عليهم (حراس المعنوية).
ثانياً: الوسائل والأساليب التي استخدمها المسلمون لمقاومة العمليات النفسية المضادة ولتوجيه حملات نفسية لأعدائهم
كانت وسائل الكفار هي نفسها الوسائل التي استخدمها المسلمون والصحابة، حيث قدمت ظروف العصر، وطبيعة الحياة في ذلك الوقت، وسائط واحدة لشن العمليات النفسية ومواجهتها. واستخدام المسلمون أساليب متعددة ليحققوا هدفين:
الهدف الأول: مقاومة العمليات النفسية الموجَّهة إليهم من أعدائهم والتحصن ضدها.
والهدف الثاني: توجيه ضربات معنوية ونفسية إلى الأعداء، ونشر الدعوة وبثها أيضاً.
ومن الأساليب التي استخدمها المسلمون في مقاومة العمليات النفسية ما يلي:
1. تحطيم منطق العدو
استخدم الرسول هذا الأسلوب لمقاومة أسلوب التشكيك ومحاولات الإعجاز والتعجيز التي قام بها الكفار واليهود، حيث طلب منه الكفار أن يأتيهم بالمعجزات، فسألوه لهم، وسألوه لنفسه، ووجهوا له الأسئلة عن وجود الله وكيفية خلقه، لكن الرسول تخلص من هذه الأسئلة التي ظن الأعداء أنه لا يستطيع منها فكاكاً، فقال للكفار: ما بهذا بعثني الله إليكم، وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله تعالى، حتى يحكم الله بيني وبينكم، واستخدم هذا الأسلوب الصحابة بعده.
2. أسلوب الإعجاز ومقاومة الحجة بالمنطق والإقناع
استخدم المسلمون أيضاً في مقاومتهم للعمليات النفسية المضادة أسلوب الإعجاز، لإخراس الألسنة، فها هو الرسول يستقبل عتبة بن ربيعة، الذي جاءه ليعرض عليه أموراً لعله يقبل أحدها أو ما شاء منها، ويتنازل عن دعوته، ولكن الرسول يظل يسمع من عتبة، ثم يفاجئه بكلام لا يستطيع الرد عليه، يقرأ عليه (سورة فصلت)، وبذلك لا يستطيع عتبة إلا أن ينصح قومه بألا يتصدوا مرة أخرى لطريق محمد فقد سمع منه كلاماً، ما هو بكلام للبشر، وهكذا كان لهذا الأسلوب تأثير واضح، في إخراس ألسنة الكفار وتعجيزهم.
3. أسلوب ربط المجتمع، أو تقوية الجبهة الداخلية
كان من أهم الأساليب التي حصن بها الرسول أصحابه من العمليات النفسية المضادة، أسلوب ربط المجتمع الداخلي، وعَمِل على ذلك بالمؤاخاة والمساواة والحرية، والقضاء على الرَّق، والقضاء على الأثرة والأنانية كما ذكرنا فيما تقدم. وهذا الأسلوب كان له رد فعل جميل، حيث جعل الصحابة مجتمعاً واحداً متماسكاً لا تجد الحملات المعادية ثغرة واحدة تنفذ منها إليه ولا إلى قائده، وأدى ذلك إلى أن يشعر كل واحد من الصحابة بشعور أخيه، ويندفع لنصرته، مفتدياً إياه بماله ونفسه، ولا أدل على ذلك من إعتاق أبي بكر لسبع رقاب من الصحابة، كانوا يُعذَّبون لأنهم دخلوا في الإسلام، اشتراهم بغالي الثمن، وأعتقهم لله.
4. أسلوب الصبر والسلم وعدم الحرب
نهج الرسول في مقاومته للعمليات النفسية المضادة للدعوة وله ولأصحابه أسلوب الصبر والسلم وعدم الحرب، وكان يعلِّم أصحابه هذا الأسلوب، فكان ينهاهم عن الرد على ما يقوله أو يفعله الكفار، فقد تحمل الأذى وتحمل السب والشتم والاستهزاء، ولم يقابل الأذى بأذى، ولم يقابل السب أو الشتم بمثله، بل إنه كان من الناحية القبلية يستطيع ذلك، حيث إن له قبيلة يهمها حمايته والوقوف إلى جانبه.
5. أسلوب تحسين العلاقات مع غير المسلمين
استخدم الرسول هذا الأسلوب لتكون له علاقات طيبة مع جميع الناس، وبذلك يدافع عنه أعداؤه، كما يدافع عنه أصحابه، وهذا الأسلوب يشبه في عصرنا هذا عقد معاهدات الصداقة والأحلاف.
6. تفنيد الشائعات
استخدم المسلمون أيضاً أسلوباً مهماً من أساليب مقاومة العمليات النفسية، هو أسلوب تفنيد الشائعات، وهذا الأسلوب يعمل على دحض الشائعة وقتلها في مهدها قبل أن تؤثر في مستمعيها.
7. أسلوب نشر الدعوة
وإلى جانب العمليات النفسية كان الرسول وأصحابه يقومون بالدعوة ونشر الدين، فلم ينشغلوا فقط بدحض الشائعات، أو مقاومة العمليات النفسية، بل التفتوا إلى المهمة الرئيسية التي هي نشر الدين، فكان النبي يلقى الأذى ومع ذلك يمر في الأسواق وموسم الحج، وأماكن تجمعات الناس يدعو إلى الله، وكان الصحابة يلقون الأذى ويقومون بالدعوة سراً وجهراً، كما كانوا يقومون بتوجيه الضربات المعنوية والنفسية إلى أعدائهم.
8. أسلوب تحويل الانتباه وتثبيط الهمم
وهو أسلوب يستخدم لتحويل نظر العدو من جهة إلى جهة أخرى، أو من جبهة إلى جبهة أخرى، أو من موضوع إلى موضوع آخر، مستغلين فرصة انشغال العدو في الجبهة الأخرى للحصول على مكاسب معينة، وقد استخدم هذا الأسلوب في الحرب العالمية الثانية ولا يزال يستخدم في كافة المجالات والميادين.
9. أسلوب شراء الذمم
استخدم كثير من المسلمين في هجرتهم من مكة إلى المدينة هذا الأسلوب، حتى يدعهم الكفار يشقون طريقهم إلى المدينة، فقد خرج الكفار يقاتلون صهيب بن سنان الرومي، فوقف لهم بسهمه وسيفه، ثم دلهم على ماله في مكة، فرجعوا إلى المكان الذي دلهم عليه، فرحين بالمال تاركين صهيباً يأخذ طريقه إلى المدينة، وبذلك نجح أسلوب شراء الذمم في صرف الكفار عن صهيب. ومن الجدير بالذكر أن هذا الأسلوب لم يُفلح من قبل مع أبي طالب، كما لم يفلح مع النجاشي، مما يدل على أن هذا الأسلوب يصلح مع ذوي النفوس الضعيفة الذين يغريهم المال، وينسيهم مبادئهم، وهذا يحدث كثيراً في العصر الحديث، حيث تنشر الصحف والإذاعات المأجورة ما تأخذ ثمنه من مقالات مظهرة أنه رأي محايد. وهنالك أساليب أخرى عديدة استخدمها المسلمون في مواجهة العمليات النفسية منها على سبيل المثال: توجيه الضربة في الوقت المناسب واستخدام أسلوب العنف لإسكات الخصم.
ثالثاً: مجابهة العمليات النفسية الإسرائيلية
إن نجاح العدو في عملياته النفسية يتم في غياب مخططات عربية للمجابهة بالشكل المطلوب، وما يُمارس من دعاية مضادة يفتقر إلى الخطة المتناسقة المتكاملة أولاً، وإلى الأجهزة الدعائية القوية التي تقوم على أكتاف مختصين في هذا المجال ثانياً، كما أن أسلوب الدعاية العربية الحالي هو أسلوب مُبتسر يفترض أن العالم يعرف قضيتنا بخفاياها ودقائقها، كما أنه أسلوب يتميز بأنه يتبنى النظرة العربية إلى إسرائيل التي تتصف: إما بالاستهانة وإما بالمبالغة العظمى، مما يجعلها دعاية مترددة حائرة تقف أمام إعلام ودعاية العدو المخططة المنظمة. وعليه فإن المجابهة العربية المطلوبة يجب أن تعتمد دراسة عميقة لأساليب العدو التي تمليها عليها أهداف عملياته النفسية الاستراتيجية والتكتيكية ثم دراسة لوسائله المستخدمة ووضع التقويم الشامل لكل ذلك، ثم وضع الخطة الشاملة للمجابهة على ضوء هذا التقويم وملاحقتها وإحباطها. إن دراسة الأسس التي تقوم عليها عمليات العدو النفسية هي عملية ضرورية، وذلك للعمل على تعريتها وإفهام الفئات المستهدفة حقيقة هذه الأسانيد الباطلة التي يعتمدها عمله الإعلامي الدعائي النفسي. ويقتضي التخطيط العلمي لمجابهة عمليات العدو النفسية إعداد خطة دعائية موحدة ومحكمة يرفدها جيش من الساسة الدعائيين المتخصصين على أرفع المستويات العلمية، وأجهزة إعلامية راسخة قادرة على بناء وتنفيذ الخطة الدعائية. ويساعد في هذه المجابهة وفي وضع الخطة الشاملة دراسة طبيعة دولة العدوان العنصرية الاستيطانية التوسعية التي تعمل على استقطاب وتعبئة اليهود من خلال استراتيجية تستغل أول ما تستغل الأساس الأيديولوجي. وما يساعد في هذه المجابهة أيضاً أمور نحصرها في الآتي:
1. دراسة العدو من حيث التكوين النفسي.
2. دراسة الخلفية الثقافية والنمط الإنساني الذي يمثله.
3. دراسة ظروفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
4. دراسة ورصد جميع السلبيات الخفية لديه.
واستغلال كل ذلك يساعد في المجابهة وفي توعية مواطنينا ورفع روحهم المعنوية، وشن عمليات نفسية مضادة تعمل على تحطيم إرادة العدو القيادية والشعبية وتزرع بذور التخاذل والانهزام والفتنة والشقاق بين طوائفه، وتضع شرخاً لا يلتئم بين أفراد جماهيره وقادتهم. ويساعد ذلك أيضاً في كشف زيف دعاية العدو وملاحقتها أولاً بأول ثم توجيهه الخطة الدعائية الشاملة التي توجه إلى تلك المجالات كافة، والتي تنطلق ـ كما سبق ـ من إستراتيجية واضحة الأهداف محددة المقاصد، يضعها خبراء متخصصون في كافة المجالات العسكرية والنفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ثم يتبلور هذا التخطيط الشامل في خطط مرحلية تنفذ حسب توقيتاتها مع وضع كافة الاحتمالات والبدائل المقترحة بحيث ينضوي كل ذلك تحت الاستراتيجية العامة للعمليات النفسية.
رابعاً: واجبات ضباط وضباط صف وجنود القوات المسلحة في التصدي للعمليات النفسية
يُعد ضباط وضباط صف وجنود القوات المسلحة أهدافاً ذات أهمية في الهجوم النفسي الذي يشنه العدو ـ سواء كان ذلك في السلم أو في الحرب ـ وهناك واجبات على ضباط وجنود القوات المسلحة ينبغي أن يلتزموا بها في التصدي للعمليات النفسية منها:
1. أن يكون لدى كل ضابط وضابط صف وجندي الوعي السياسي والديني الكامل ويعرفوا ما تتخذه الحكومة أو القيادة العسكرية من إجراءات تتعلق بمجال الدفاع النفسي.
2. أن يتفاعلوا مع القوى الشاملة التي تعمل من أجل الدفاع ضد الهجمات النفسية التي يشنها العدو.
3. أن يلموا بالمعلومات الأساسية الكافية التي تمكنهم من التصدي للعمليات النفسية بنجاح.
4. عليهم الإلمام بطرق وأشكال وإمكانات العمليات النفسية. (اُنظر جدول عن محاضرة الحرب النفسية، للفريق محمد عيد الروقي بكلية القيادة والأركان)
المبحث الحادي عشر تطور مفاهيم ووظائف العمليات النفسية
تُعد العمليات النفسية من أسلحة الحرب غير القاتلة، والتي تحقق تأثيرات حاسمة على القوى المضادة، لذلك لاقت في السنوات الأخيرة اهتماماً بتطوير أساليبها واستخداماتها، وبما يتواكب مع تطور الإستراتيجيات، ونظم التسليح والقيادة والسيطرة؛ بل وتطور أهداف الحروب ذاتها في القضاء على قدرة الدولة في الاستمرار في إدارة الصراع والعمل على تغيير أنظمتها السياسية، بنظم تقبل التبعية للقوى التي تشن الحرب.
أصبحت العمليات النفسية من أهم الآليات التي تدعم الصراع المسلح، ذلك أن الإستراتيجيات الحديثة حددت إحداث 100% خسائر في الروح المعنوية للعدو، إلى جانب 50% خسائر مادية، قبل توجيه أي هجوم بري حاسم. ويأتي قتل الروح المعنوية كأحد إجراءات العمليات النفسية الملازمة لعمليات عسكرية، تخطط بأسلوب علمي ونفسي سليمين. وقد أصبحت العمليات النفسية عاملاً رئيسياً في إدارة الصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من أجل تحقيق هدفٍ محددٍ يحقق مصالح الخصم بين الدول والقوى المختلفة؛ فضلاً عن أنها تمثل إحدى أدوات فرض الإرادة على الطرف الآخر، قبل القضاء عليه واحتوائه.
وتعتمد العمليات النفسية الحديثة على قاعدة سيكولوجية، تستهدف التأثير على اتجاهات الهدف (الأهداف المخاطبة) وسلوكياته، حيث يلجأ المخطط إلى الطرق والأساليب التي تؤثر على الإدراك الإنساني لإحداث التغيير (لدى العدو) في اتجاهاته وقيمه وإرادته وأفكاره، قبل نشوب الصراع المسلح.
أما خلال نشوب الصراع المسلح، فيركز مخططوا العمليات النفسية - من خلال المضمون نفسه للتأثيرات السابقة - على إشاعة حالة من الذعر والذهول الجماعي، تؤدي إلى إثارة القلق واضطراب السلوك، ومن ثَم تدمير الروح المعنوية وإرادة القتال لدى الخصم، أو تجعله يتخذ إجراءات خارج قدراته، من أجل تحقيق التوازن أو إثبات الوجود أو تصعيد المنافسة، وبما يؤدي إلى نتائج عكسية مؤثرة، قد تطيح النظام الحاكم أو الدولة نفسها.
بمعني أن مجال العمليات النفسية يتخصص في السيطرة على المعلومة الموجهة لجماهير بمختلف فئاتها؛ خاصة إلى عدو قائم وموجود، أو احتمال وجود هذا العدو.
وترتبط العمليات النفسية رباطاً وثيقاً بعلم النفس الاجتماعي، الذي يهتم بدراسة تركيب التنظيمات الاجتماعية ووظيفتها، ويركز جهوده على دراسة سلوك الفرد في المجتمع، وما ينتج عنها من مؤثرات على تكوين الجماعات الاجتماعية والتفاعلات بين الأفراد. كذلك فإن الحرب النفسية والدعاية كلتيهما عنصران قديمان قدم الجنس البشري نفسه؛ لكنهما أخذتا في العصر الحديث طابع التخصص ما جعلهما يبرزان في الأضواء كموضوعين منفصلين.
وهناك العديد من دروس التاريخ التي حددت إستراتيجية استخدام الحرب النفسية في حسم المعارك الكبرى. وقد أشار إليها المفكر "ليدل هارت" في كتابه" الإستراتيجية وتاريخ العالم"، ونذكر منها على سبيل المثال:
1. أن الحيلة أساس فن الحرب، لذا ينبغي التظاهر بالعجز، عندما تتوافر القدرة على الهجوم، والتظاهر بعدم العمل، عند الرغبة في استخدام الجيوش، وإقناع العدو بأننا بعيدون عندما نكون على مقربة منه، وبأننا قريبون، ونحن بعيدون عنه.
2. أن أفضل الأعمال العسكرية، هي تحطيم مقاومة العدو، من دون قتال.
3. سينتصر من أتقن فن الخداع؛ لأنه فن المناورة.
4. أن أعظم انتصار وأنجحه هو إرغام العدو على التخلي عن مشروعاته وخططه، من دون أن يتحمل الطرف الآخر أي خسائر.
5. علينا أن ندرك أن القدرة العسكرية هي عامل واحد من عوامل الإستراتيجية العليا، التي يدخل في حساباتها قوة الضغط المالي أو السياسي أو الدبلوماسي أو التجاري أو المعنوي؛ وكلها عوامل مهمة لإضعاف إرادة الخصم.
6. أن المفاجأة في الحقل المعنوي تتطلب حسابات أصعب من حسابات الحقل المادي، وتتعلق بشروط مختلفة تؤثر على إرادة الخصم، وتختلف في كل حالة من الحالات.
7. أن الانتصارات التي تحدث من دون إراقة دماء، تعد شيئاً نادراً في التاريخ؛ ولكن قدرتها لاتقلل من قيمتها بل تزيدها؛ فهي تسلط الأضواء على الإمكانيات الكامنة في الإستراتيجية والإستراتيجية العليا، وفي الحرب النفسية.
8. يكون التفتيت لقدرة العدو في الحقل النفسي من خلال التأثير على أفكار القائد، ويزداد التأثير فجأة عندما يرى القائد أنه في موقف غير ملائم، ولديه شعور بالعجز عن مقاومة حركة عدوه. وهي الفكرة التي استفاد منها شيرمان في نهاية القرن التاسع عشر بتنفيذ إستراتيجية "وضع العدو في حالة تستولي الحيرة فيها عليه".
9. أن القائد الألماني الشهير "لودندورف"، الذي قاد القوات الألمانية في الحرب العالمية الأولي، حدد هدفه الإستراتيجي: "في تفتيت مقاومة العدو، وشل قدرته، وليس قتله". ويدلل على ذلك أن قتل جندي من جنود العدو يعني إنقاص عدد الأعداء واحداً، أما تحطيم معنوياته فيعني بذر بذور الخوف والهلع في صفوف الأعداء، وبما يعجل بهزيمتهم.
10. لنابليون بونابرت مقوله مشهورة: "أن الروح المعنوية هي ثلاثة أرباع عوامل النصر".
وفي إسرائيل فإن كلمة "الدعاية" هي المستخدمة كبديل لمصطلح الحرب النفسية، وتنطلق مبادئها واستخداماتها من المفهوم الدارج والمأخوذ عن الوسائل الأمريكية في هذا الاتجاه.
ومن ثَم، فإن العمليات النفسية تاريخياً، وحثي نهاية القرن التاسع عشر، اعتمدت على العديد من الوسائل، أهمها: "الخداع عن طريق الحيل والإيهام وإثارة القلق والشتائم والتصدي لإدعاءات العدو وتفنيدها وإبراز القوة والتفوق والتحقير من شأن العدو وإطلاق الشائعات والإغراء والتضليل والوعد الكاذب والإرهاب واستغلال الخلافات الدينية والعقائدية".
أولاً: تطور مفهوم العمليات النفسية الحديثة
من المعروف أن أول تعريف للحرب النفسية وضعه الخبراء العسكريون الأمريكيون، وهو "استخدام أي وسيلة بقصد التأثير على الروح المعنوية، وعلى سلوك أي جماعة لغرض عسكري معين". ثم تطور هذا التعريف من قبل مدرسة القوات البرية الأمريكية "لتتضمن الحرب النفسية استخدام الدعاية ضد عدو، مع استخدام عمليات عسكرية، أو إجراءات أخرى، تدعو الحاجة إليها لتكملة مثل هذه الدعاية".
ثم صدر بعد ذلك المعجم الأمريكي للحرب النفسية، وهو يتضمن تعريفاً مطوراً هو أن:"الحرب النفسية هي استخدام مخطط من جانب الدولة في وقت الحرب، أو في وقت الطوارئ، لإجراءات دعائية بقصد التأثير على آراء وعواطف ومواقف وسلوك جماعة أجنبية معادية، أو محايدة، أو صديقة، بطريقة تعين على تحقيق سياسة الدولة وأهدافها".
وبعد ثلاث سنوات من هذا التعريف، صدرت طبعة جديدة من هذا المعجم، تطور تعريف الحرب النفسية فيها ليصبح: "هي استخدام مخطط من جانب دولة، أو مجموعة من الدول للدعاية وغيرها من الإجراءات الإعلامية، الموجهة إلى جماعات عدائية أو محايدة، أو صديقة للتأثير على آرائها وعواطفها ومواقفها وسلوكها، بطريقة تعين على تحقيق سياسة الدولة وأهدافها".
وكان هذا التعريف هو الأول الذي يشير إلى أن العمليات النفسية تتم خلال كل الأوقات، ولا تتوقف على أوقات الحرب أو الصراع، وهو ما يعني التطبيق العملي للتعريف الذي درج استخدامه في البحرية الأمريكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والذي كان يشير إلى أن المهمة الرئيسية للحرب النفسية هي "فرض الإرادة على العدو بغرض التحكم في أعماله بطرق غير عسكرية، ووسائل غير الوسائل الاقتصادية".
يذكر الجنرال الأمريكي "مارك كلارك"، "أن التغيير الواسع للحرب النفسية يتضمن أي عمل من شأنه أن يجبر العدو على أن يحول رجاله وعتاده من الجبهة النشطة، أو تجعله يقيد رجاله وأسلحته استعدادا لصد هجوم لن يأتي". كما كان أفضل التعاريف للحرب النفسية والعسكرية، هو الذي كتبه عالم الاجتماع "بول لينبارجر"، في كتابه "الحرب النفسية"، وقد عرفها من خلال مجالين:
الأول: بمعناها الضيق: "بأنها استخدام الدعاية ضد العدو مع إجراءات عملية أخرى ذات طبيعة عسكرية، أو اقتصادية، أو سياسية، مما تتطلبه الدعاية" .. وفي هذا المجال فإنه يعرف الدعاية العسكرية: "بأنها استخدام مخطط لأي شكل من أشكال الإعلام، بقصد التأثير في عقول وعواطف مجموعة معادية أو محايدة أو صديقة، وبهدف تحقيق غرض إستراتيجي أو تكتيكي معين".
الثاني: بمعناها الواسع، حيث يعرفها بأنها "تطبيق لبعض أجزاء علم النفس لمعاونة المجهودات، التي تبذل في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية".
وفي هذا السياق، تطرق الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابة "نصر بلا حرب" إلى تعريف سياسي/إستراتيجي للحرب النفسية، بأنها: "النضال من أجل عقول الرجال وإرادتهم"، وربط ذلك بإستراتيجية أمريكا حيال الحرب الباردة، وقال: "يجب أن نكيف سياستنا الخارجية، حتي نوائم إستراتيجية الحرب الباردة من خلال الوحدة والتماسك، وأن يكون في روحنا وعزيمتنا الإصرار على أن نحصل في هذه الحرب على نصر دون خسارة في الأرواح، وكي نفوز في نضال من أجل السلام".
ثانياً: الفارق بين العمليات النفسية والحرب النفسية
يخلط الناس ـ عادة بين "العمليات النفسية" و"الحرب النفسية"، أو قد يلجأ بعضهم - متعمداً- إلى الخلط بينهما؛ ولكن الحقيقة تشير إلى فارق دقيق في العلاقة بينهما، ذلك أن الحرب النفسية هي بمثابة جزء من العمليات النفسية التي تتصف بالشمولية. وعلى ذلك تتحدد الفروق من خلال الآتي:
1. أن العمليات النفسية توجه إلى الدول والجماعات (معادية - صديقة - محايدة - حليفة)، بينما توجه الحرب النفسية إلى أفراد وجماعات الدول المعادية فقط.
2. أن العمليات النفسية - طبقاً لمفهوم الهدف النفسي - تهدف إلى التأثير في آراء وانفعالات وسلوك الأفراد والجماعات (السياسية - الاقتصادية - الاجتماعية - العسكرية)، لإقناعهم بوجهة نظر المخطط؛ بينما هدف الحرب النفسية الرئيسي هو تحطيم القوي المعنوية للشعب والقوات المسلحة المعادية، وخفض القدرة على القتال.
3. من منظور البعد الأمني، فإن العمليات النفسية مستمرة في جميع الأوقات، تدار في أوقات السلم والتوتر والحرب وما بعدها؛ بينما يقتصر استخدام الحرب النفسية على أوقات التوتر والصراع المسلح فقط.
4. تستخدم العمليات النفسية كافة الطرق والوسائل والأساليب؛ بينما تستخدم الحرب النفسية الطرق والوسائل والأساليب ذات الصفة المعادية فقط.
5. تستخدم العمليات النفسية على كافة المستويات {إستراتيجي - تعبوي (سوقي) - تكتيكي (ميداني)}؛ بينما يبرز استخدام الحرب النفسية على المستويين التعبوي والتكتيكي.
ثالثاًً: مفهوم العمليات النفسية الحديثة
من كل ماسبق يمكن تحديد مفهوم العمليات النفسية الحديثة بأنها:
"استخدام مخطط من جانب الدولة أو مجموعة من الدول للطرق والوسائل والأساليب النفسية، التي توجه أو تشن ضد الدولة المعادية أو الحليفة والصديقة والمحايدة، للتأثير على آرائها وعواطفها ومواقفها وسلوكها بطريقة تساعد على تحقيق أهداف الدولة، أو الدول المستخدمة. وهي تهدف إلى خلق وتشكيل الرأي وتنميته من خلال وسائل الإعلام وتعديل وتغيير اتجاهات الرأي العام بواسطة الدعاية والدعاية المضادة والخداع والحركة. كما أنها تُعد بمثابة التهيئة والتعبئة النفسية للرأي والاتجاهات حول قضية ما، سواء سلماً أو حرباً". وهي تتميز بالآتي:
1. يكون التخطيط لها على أعلى مستوى في أجهزة الدولة، أو مجموعة من الدول.
2. تستمر قبل وأثناء وبعد الأزمة، خاصة في مرحلة تصاعد الأزمة في الصراع المسلح.
3. تعدد استخدام طرق ووسائل وأساليب وآليات العمل النفسي.
4. تُشن ضد الجماعات وتوجه للدول الحليفة والصديقة والمحايدة والمعادية في وقت واحد، وتختلف باختلاف الهدف.
5. تتضمن العمليات النفسية أكثر من حملة نفسية (إعلامية - دعائية - إعلانية - علاقات عامة)، ويحدد لكل حملة هدف مخاطب، ومهام نفسية محددة.
6. قد تكون عمليات الحرب النفسية قصيرة أو بعيدة المدى، حيث تشمل أنشطة العمليات قصيرة المدى:
" الدعاية الإستراتيجية - دعايات القتال أو الدعايات المتخصصة، التي تشن العمليات من أجل تحقيقها - نشر وإشاعة الأخبار للتأثير على معنويات العدو - تنظيم إجراءات الخداع بطريقة منظمة ومحكمة - إجراءات الدعاية السرية".
بينما تتضمن العمليات النفسية بعيدة المدى: نشر الأخبار بطريقة مستمرة وبوسائل شتى، بغرض دعم السياسة الخارجية للدولة، وبناء رأي عام مساند للقوات ومعاد للطرف الآخر، إلى جانب الوسائل السابقة، والتي يتم تنظيمها على فترات زمنية طويلة.
رابعاً: مفهوم الحرب النفسية
تعرف الحرب النفسية بأنها:"استخدام أي وسيلة بهدف التأثير على الروح المعنوية للخصم فقط، وعلى سلوك أي جماعة لغرض عسكري معين".
ويرتكز هذا التعريف على نقطتين رئيستين:
1. اقتصار العمل النفسي على الروح المعنوية، وهي جزء من العمل النفسي الشامل للتأثير على أفكار واتجاهات وسلوكيات الفرد عن قناعة، لرفع أو خفض الروح المعنوية لوقت محدد دون أن تكون هناك قناعة للدوافع والمؤشرات.
2. إنها ترتبط بغرض عسكري محدد، أي لا يبرر استخدامها إلا وقت الصراع المسلح، وعلى ذلك فإن الحرب النفسية ليست أفضل أو أسوأ من غيرها من الصراعات الدولية، والاختلاف الأساسي أن الإنسان لا يصاب فيها بضرر جسماني مادي إذا ما قورنت بحروب الأسلحة الأخرى. أما من ناحية تكاليفها، فلا يمكن مقارنة آثارها البالغة على العدو، مقارنة بنفقاتها.
خامساً: أهداف العمليات النفسية الحديثة
عندما نتعمق في تحديد أهداف العمليات النفسية في التاريخ المعاصر، فعلينا أن نستعرض سير ونتائج بعض الأحداث المهمة المؤثرة، والتي شغلت العالم على مدى نصف القرن الماضي وحتى الآن، واستخدمت فيها العمليات النفسية بكثافة. وهذه الأحداث مرتبة زمنياًً، تتمثل في الآتي:
1. تطور مجريات وأحداث الحرب الباردة، التي دارت رحاها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، واستمرت على مدى حوالي أربعة عقود، وانتهت بانتصار حاسم للولايات المتحدة الأمريكية، والتحول من نظام عالمي ثنائي القوة إلى نظام أحادي القوة، تتربع فيه الولايات المتحدة على قمة العالم.
2. أحداث حرب الخليج الثانية عام 90/ 1991، التي استخدمت فيها الحرب النفسية بأسلوب جديد ومباشر، يهدف إلى قتل الروح المعنوية للشعب والقوات العسكرية العراقية بنسبة 100%، قبل شن الهجوم البري الرئيسي لضمان نجاحه.
3. حرب البلقان عام 1999، التي نُفذت فيها نظرية "مبدأ" كلينتون، التي تشير إلى تحقيق نصر سياسي من خلال ضربات نيرانية حاسمة، دون شن حرب برية بهدف تقليل الخسائر الأمريكية إلى أقصي حد ممكن.
4. الإستراتيجية الأمريكية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، والتي شملت إستراتيجية "الهيمنة السريعة"، و"الضربة الإستباقية"، و"إسقاط النظم الحاكمة في الدول المناوئة"، وذلك من خلال عمليات عسكرية، أو حصار اقتصادي وسياسي، وكلاهما مصحوب بشن حرب نفسية رادعة.
5. العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، الذي تميز بشن عمليات نفسية من كلا الطرفين في وقت واحد؛ كل منهما يريد أن يفرض إرادته على الآخر. كما تميزت العمليات النفسية في هذه المعركة، بالتزامن بين العمليات العسكرية والحملات النفسية، وبما يضاعف تأثيرها.
6. العدوان الإسرائيلي على غزة 2008 - 2009. وقد كان شن العمليات النفسية من جانب إسرائيل فقط، مع بعض محاولات من الفلسطينيين كردود فعل للتأثير على الخصم. وتميزت العمليات النفسية في هذا العدوان، بتكثيف عمليات الخداع، والتعتيم على جرائم الحرب وإدعاء الضعف، من أجل جذب رأي عام عالمي مؤيد لإسرائيل.
ومن خلال تحليل تلك الأحداث، فإن الهدف الرئيسي من العمليات النفسية يجب أن يتحقق باستخدام حقائق ترمي إلى تحقيق أهداف معاكسه ينجذب الخصم إليها، وهو ما يعتمد على نشر الشائعات وقلب الحقائق نفسها، وتحليل مضمونها بأسلوب مؤثر على العدو؛ كذلك يتحقق الهدف من خلال المصداقية للوفاء بعهود فيما لو انصاع الطرف الآخر لتنفيذ الإجراءات، التي يطلب منه تنفيذها من خلال المنشورات أو الإذاعات، أو غيرها.
ومن جهة أخرى، يمكن أن تتحدد أهداف الحرب النفسية من خلال مستويات الإطار الزمني والمكاني، بمعني "العمليات النفسية الإستراتيجية، والعمليات النفسية التكتيكية".
فالعمليات النفسية الإستراتيجية تهدف إلى تحقيق الاتصال الجماهيري، والذي يوجه إلى جمهور كبير ينتشر على مساحة واسعة، وتكون العمليات النفسية في هذه الحالة غير محددة بزمان أو مكان، ويكون هدفها التأثير على الآراء ووجهات النظر والسلوك في الخارج، في سبيل مساعدة الأهداف القومية للدولة.
وقد يستخدم في العمليات النفسية الإستراتيجية أكثر من عنصر من عناصر الحرب (سياسي - عسكري - اقتصادي - ثقافي)، ويكون هدفها هو إضعاف مقاومة العدو، أو مطالبة الشعب بالتعاون مع القوات المتقدمة، والعمل على عرقلة المجهود الحربي للدولة (عسكرياً)، أو التمرد على النظام (سياسياً)، أو التخريب ونشر الفوضى (داخلياً).
وتنقسم العناصر الرئيسية المستهدفة من العمليات النفسية إلى ثلاثة عناصر أساسية، هي: الجمهور المستهدف، والرسائل، وقنوات البث:
العنصر الأول: ينقسم الجمهور المستهدف إلى ثلاثة أقسام فرعية، هي:
أ. المواطنون: وهم يمثلون الهدف الأكثر أهمية، حيث يتطلب قرار الحرب إقناع مواطني الدولة، وقواتها المسلحة بعدالة القضية، والموافقة على التضحية من أجل تحقيق النصر.
ب. العدو: الذي ستواجهه الدولة، وهو ينقسم بدوره إلى الجيش والمدنيين. ويكمن الهدف من العمليات النفسية هنا، في إقناع العدو بأن ينزع عنه الأمل في النصر، وأن هذا الهدف ضائع؛ وكلما انتهت الحرب مبكراً كان ذلك أفضل لهذا العدو، ومن أجل ذلك، يكون استعراض معطيات القوة والخبرة التاريخية، لتحقيق أهداف الحرب النفسية.
ج. الجمهور المحايد: وهو يمثل الرأي العام الإقليمي أو العالمي، والذي ليس له علاقة مباشرة بالصراع، والهدف هنا هو كسب تعاطفهم، أو - على الأقل - منعهم من مساندة العدو.
والعنصر الثاني: الرسائل: سواء الموجهة للجماهير وسكان المنطقة، أو للعدو. وإذا كانت الرسائل الموجهة للجماهير تستند إلى أساليب إقناع، فإن الرسائل الموجهة للعدو يجب أن تركز على انعدام الأمل في النصر، وغرس الخوف، والتسبب في الارتباك والتردد والرضوخ للاستسلام، أو الهروب من ميدان الحرب.
والعنصر الثالث: هو قنوات البث: وهي الطرق المستخدمة في نقل الرسائل وطرق الاتصال الجماهيري، حيث تُستخدم كل الطرق الإعلامية والوسائل الممكنة، إلى جانب العملاء والمنشورات والتي ينبغي أن تصاغ بصورة علمية سليمة وبأسلوب جذاب، ولغة واضحة ومفهومة للجماهير المخاطبة.
وعلي ذلك .. فإذا نظرنا إلى الهدف من العمل النفسي نظرة فاحصة، نجد أن كل الحروب التقليدية والأعمال السياسية والاقتصادية ما هي إلا صورة من صور العمليات النفسية، التي تهدف إلى إقناع أو إجبار الخصم وفرض الإرادة عليه.
سادساً: مجالات تحقيق أهداف العمليات النفسية
1. المجال السياسي، ويهدف إلي:
أ. تحطيم وحدة الجبهة الداخلية للدولة المعادية، وخلق التناقضات بين فئاتها.
ب. بث الشك واليأس في إمكانية العدو (الخصم) على الصمود والتصدي، وتحقيق النصر.
ج. تشكيك الجبهة المستهدفة في قياداتها السياسية والعسكرية، وزعزعة إيمانها بمبادئها وأهدافها.
د. ردع الدولة المعادية وإرغامها على التخلي عن الأعمال العسكرية، وتحطيم تحالفاتها السياسية.
هـ. دعم روح المعارضة والعناصر المقاومة والتجمعات والأحزاب المناهضة، والعمل على إيجاد مثل هذه الفئات.
و. وفي الوقت نفسه يهتم المجال السياسي في العمليات النفسية بتأكيد وحدة الصف في الجبهة الداخلية الصديقة، والتأكيد على النصر، وتعبئة الشعب نحو شرعية المعركة.
2. المجال الاجتماعي
توجه أساساً إلى الجبهة الداخلية للدولة، لضمان تحقيق أهداف محددة، يتمثل أهمها في الآتي:
أ. التشكيك في المبادئ والعقائد والأيديولوجيات من طريق إثارة الفتن والنعرات القبلية والعرقية والنزعات الطائفية في المجتمع الداخلي للدولة الهدف، وبالدرجة التي تؤدي إلى التشكيك في عدالة القضايا الوطنية.
ب. العمل على زعزعة ثقة الأفراد والجماعات في نظام الحكم، وإثارة الفرقة وافتعال الأزمات بينهما.
ج. محاولة النيل من ثقة الشعب في قواته المسلحة، والعمل على أن يفقد الشعب الثقة في نظامه الاقتصادي والاجتماعي.
د. توجيه الرأي العام إلى اتجاهات خاطئة أو سياسات فاشلة، من جهة الحكومة أو الحكام.
هـ. وفي هذا السياق، فإن العمليات النفسية تؤكد على وحدة الجبهة الداخلية الصديقة، وتدعو الجهود للمشاركة الفعالة في التعبئة لتحقيق الهدف.
3. المجال العسكري
أصبحت العمليات النفسية في المجال العسكري في الوقت الحالي، إحدى الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة في الدول المتقدمة. وأصبحت مهامها ذات تأثير قد يفوق تأثيرات الأفرع الأخرى؛ لذلك، فإن التخطيط العسكري للعمليات النفسية يواكب التخطيط العام للعملية بالكامل وينسق على أعلي المستويات، بهدف تحقيق أهدافه، سواء لدعم قدرات ومعنويات القوات، أو من أجل التأثير السلبي على قوات العدو وتشتيت جهودها، وإفقادها القدرة على القتال. وتتعدد الأهداف كالآتي:
أ. التهيئة والتعبئة النفسية للقوات المسلحة وأفراد الشعب
من أجل زيادة الاستعداد النفسي بين أفراد القوات المسلحة. وهي مرحلة تبدأ قبل بدء المرحلة التحضيرية للحرب، لزيادة الثقة ولرفع الروح المعنوية لدى أفراد الشعب، وتمتد أثناء الصراع المسلح بهدف الحفاظ على الروح المعنوية للشعب وقواته المسلحة، ودعم الثقة في تحقيق النصر.
ب. إنشاء جدار عازل تجاه ما يقوم به العدو من عمليات نفسية، والعمل على عدم وصول هذه العمليات إلى القوات، وإزالة أي آثار لها فيما لو نجح العدو في توصيلها.
ج. قهر الدوافع النفسية لأفراد القوات المسلحة
لا جدال أن الدوافع النفسية (خوف - تعب - ذعر - ملل)، والتي تكمن في أعماق المقاتلين، نتيجة لتعرضهم للظروف القاسية، ومنها الوفاة، وأنواع الحرمان النفسي، يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالإحباط ما يستلزم معه التقليل من التأثير الناتج عن تلك الدوافع الخاصة بعدالة القتال ضد العدو، ورفع الروح المعنوية بشتى الوسائل، مع التأكيد على انتظام النواحي الإدارية والطبية والترفيهية، فضلاً عن توعية الأفراد بوسائل العدو المتوقعة في الحملات النفسية.
د. شن الحرب النفسية ضد العدو
بهدف قتل الروح المعنوية لدى قوات العدو، وفقد الثقة بين قيادته وقواته على جميع المستويات، وهو ما يتطلب تدرج خطط الحرب النفسية على المستويات الإستراتيجية والتعبوية والتكتيكية. وتتحدد الأهداف في الآتي:
(1) قتل الروح المعنوية للقوات المسلحة، والشعب المستهدف.
(2) إحداث شرخ في الثقة بين القيادات والقوات.
(3) إغراء القوات المعادية بالتسليم أو الهروب أو العصيان، نظير امتيازات تتحقق لهم، وبما يؤدي إلى فقد السيطرة على قوات العدو وخلخلة دفاعاته.
(4) ترسيخ فكر الهزيمة في عقول الجانب المضاد، وعلى المستويات كافة.
4. المجال الاقتصادي
أصبح العامل الاقتصادي ذا تأثير كبير في قدرات الدولة، وتحركها خارجياً وداخلياً. ويتوقف تقييم الحالة النفسية للدولة على القدرة الاقتصادية، ومدي تلبية احتياجات الفرد وإشباعه. ومن خلال ذلك تتحدد اتجاهات العمل النفسي وأهدافه، خاصة في ظل النظام العالمي الجديد، بما يمنح القوة الاقتصادية ميزة على باقي قوى الدولة الشاملة؛ ولذلك فإن العمليات النفسية تحقق أهدافاً رئيسية فيما لو وجهت جهودها نحو اقتصاد الدولة المعادية، وإبراز قدرة التأثير على مصادر الاقتصاد، وتأثير الحصار في قدرة حصول الشعب والقوات المسلحة على قوتهم اليومي.
سابعاً: المبادئ الرئيسية للعمليات النفسية الحديثة
يُعد العمل النفسي، منهجاً علمياً يتطلب تنظيماً وإرادة ومتابعة علمية، تبني على أسس ومبادئ رئيسية تضمن لها النجاح، ومن أهمها:
1. تكامل المعلومات ودقتها، مع المعرفة العميقة بالدول المعادية
لا بد أن يحرص المخطط على تكامل معلوماته عن الهدف المخاطب، كما عليه أن يتأكد من دقة هذه المعلومات، حتى يتحقق التأثير المطلوب من استخدامها.
2. الاستغلال الأمثل للدوافع والحاجات الأساسية
وتحدد من خلالها الأولوية والأهمية الخاصة لكافة الاحتياجات الأساسية، وتوظيفها التوظيف الأمثل؛ مثل الموقف الذي قد يتعرض إليه المقاتل (الجوع - العطش - الإجهاد النفسي - المعرفة - إلخ)، ثم استغلال الدوافع الثانوية كالتقدير الجماعي والانتماء، في الضغط على الفرد والجماعة.
3. استغلال العمليات العقلية الشعورية واللاشعورية
وهي ما يطلق عليها الحيل الدفاعية بأنواعها (شعورية - لاشعورية)، وتُعد من أساليب التوافق النفسي لكل نفس بشرية مثل (التبرير - الإسقاط - التقمص - التكيف - الإبدال - التفكيك)، والتي من الضروري التعرف عليها وتحديدها كنقط ضعف، أو تعرض في الأهداف المخاطبة.
4. شمول مركزية التخطيط ولامركزية الإدارة (التنفيذ)
يتطلب التخطيط الشامل للعمليات النفسية على المستوى القومي جهد منظم، يقوم به خبراء متخصصون في كافة المجالات، ويعني بوضع خطة مركزية تلتزم كافة المستويات الإستراتيجية بتنفيذها، على أن يتاح الحجم أو القدر المناسب من اللامركزية خلال الإدارة لتحقيق السرعة والتزامن مع تطورات الأحداث.
5. التقليل من أهمية الموضوع
يستخدم هذا الأسلوب إذا لم يتمكن المخطط من استخدام الأساليب السابقة بنجاح؛ فيعتمد على التصغير من شأن الموضوع والتقليل من أهميته.
6. أسلوب الصمت والتجاهل
يُفضل ألاّ تتولى الحملات النفسية المضادة الرد على كل إدعاءات الحملات المعادية ذات الموضوعات التافهة؛ لذا فإن هذه الموضوعات تواجه بالصمت والتجاهل حتى يطويها النسيان.
7. أسلوب فرض القيود
وهو أصعب الأساليب المضادة، إلى جانب التأثير العكسي على الهدف المخاطب، ذلك أن ثمة قاعدة نفسية أساسية مضمونها أن الممنوع مرغوب. وفي هذا الأسلوب يُحظر الاستماع للإذاعات المعادية، أو تداول المنشورات، كما تفرض عقوبات شديدة على من يخالف ذلك.
العمليات النفسية كجزء من الصراعات/ الحروب الشاملة
أثبتت حروب وصراعات نهايات القرن العشرين والسنوات الأولي من القرن الحادي والعشرين، أن العمليات النفسية هي جزء لا يتجزأ من الحروب الشاملة أو الصراعات في المجالات المختلفة. كما تأكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أن العمليات النفسية، أصبحت ضرورة من ضرورات إدارة الصراع، ومن ثم فقد أُنشئت على المستويات المختلفة أفرع العمليات النفسية، التي توجه مسار العمل النفسي ليحدث تأثيره بالحجم والمطالب المناسبة لإفقاد الخصم توازنه.
وبتحليل العمليات العسكرية خلال هذه الحقبة الزمنية، فإن العمليات النفسية، عدّت أحدث أسلحة الحرب التي توجه ضد الفكر والعقيدة والشجاعة والثقة، وضد الرغبة في القتال. كما أنها جزء لايتجزأ من الحرب الشاملة، تشن قبل الحرب وفي أثنائها، وفي أعقابها، ثم إنها لا تخضع لرقابة القانون ولا لمبادئ الحرب، ولا تعرف على أساس وصف الأرض أو نظام المعركة، أو تبعاً لمعارك لها أسماء؛ فهي عملية مستمرة، كما أنها لا تتواءم مع النظريات المألوفة للحرب.
ثامناًً: رأي المعارضين للحرب النفسية
على الرغم من اتساع مصطلح "الحرب النفسية" خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وتركيز الجهود في تطوير أساليب استخدامها خلال الحرب الباردة، والتي شاع استخدام الحرب النفسية خلالها، إلاّ أنها صادفت العديد من الاعتراضات عليها - خاصة من الناحية الأخلاقية. وكان أبرز المعارضين لها توماس فانيلتر، وزير الطيران الأمريكي الأسبق، وبني وجهة نظره على "أن الحرب النفسية تتضمن الخداع في علاقاتنا مع الآخرين، وإذا كان الخداع مقبولاً في وقت الحرب، فهو ليس كذلك في وقت السلم، سواء كان موجهاً نحو شعبنا أو نحو الأصدقاء، أو نحو الذين لم يتحيزوا لجانب، أو نحو الشعوب التي استعبدتهما روسيا والصين، وأن الحرب النفسية لا تتفق مع مبادئنا، وليست من قبيل الأعمال السليمة".
إلي جانب ذلك، فإن اللجنة المنبثقة عن الكونجرس، والتي رأسها "وليم جاكسون" في الخمسينيات من القرن العشرين، أوصت الحكومة الأمريكية أن تقلع عن الحرب النفسية. وأشار التقرير إلى ضرورة إلغاء مجلس الحرب النفسية؛ لأن أساس تكوينه "كان سوء فهم للحقيقة التي تقول أن الإستراتيجية النفسية يمكن أن توجد بعيدة عن السياسات والأعمال الرسمية، ويمكن معالجتها معالجة مستقلة بواسطة خبراء في هذا المجال".
وعلى الجانب البريطاني، فإن البريطانيين يفضلون إطلاق مصطلح "الحرب السياسية"، بدلاً عن الحرب النفسية، والتي تعرف بأنها:"تطبيق الدعاية لخدمة الحرب"، وأهدافها الرئيسية هي تمهيد الطريق أمام القوات المسلحة وتسهيل مهمتها".
وهناك تعريف بريطاني آخر للحرب السياسية وهو:"أنها شكل من أشكال الصراع بين الدول، يسعى كل جانب فيه أن يفرض إرادته على خصومه بطرق غير طريقة القوات المسلحة"، وتشير إلى:"أن السلاح الرئيسي للحرب السياسية هو عملية مشتركة بين الدبلوماسية والدعاية".
ولم يقتصر تعريف "الحرب السياسية" على البريطانيين وحدهم، بل امتد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لكي يدلي المفكرون وعلماء النفس والسياسة والصحفيون بآرائهم. وأجمعوا على أن الحرب السياسية مرادفة للحرب النفسية، وأن الهدف الرئيسي للحرب السياسية، هو إضعاف العدو - وإذا أمكن - تدميره بواسطة استخدام المناورات الدبلوماسية، والضغط الاقتصادي والمعلومات الصحيحة والمضللة، والإثارة والتخويف والإرهاب، وعزل العدو عن أصدقائه ومؤيديه.
ومن خلال هذا التعريف الأخير، صاغت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي إستراتيجيتهما في الحرب الباردة، باستخدام كل الوسائل: بدءاً بحرب الأفكار، والتأثير على عقول الرجال وإرادتهم، واستخدام وسائل الدعاية بمختلف مجالاتها، والاحتواء بكافة صوره، والعدوان غير المباشر (من خلال التخريب والتحريض على الثورة، والإثارة، والتشكيك في النظام)، والتنافس المتنامي في مجال التسليح، وفي القفز للوجود بمناطق الثقل الإستراتيجية في أرجاء العالم، وانتشار القواعد العسكرية، وإلي غير ذلك من الصور التي اتسم بها الصراع في الحرب الباردة، والتي نجحت الولايات المتحدة الأمريكية، في النهاية، إلى تحقيق النصر فيها، محققة فكرة ليدل هارت في أن "أعظم انتصار، هو إرغام العدو على التخلي عن مشروعاته وخططه، دون أن يتحمل الطرف الآخر أي أذى".
تاسعاً: المصطلحات الخاصة بالعمليات النفسية
مع نشوء العمليات النفسية كسلاح مؤثر في المجالات المختلفة، حرص العديد من المفكرين على وضع أسس لهذه العمليات، لكي تصبح إحدى العلوم الإستراتيجية الحديثة. ومع تكرار التطبيق واكتساب الخبرات، أمكن استنباط العديد من المصطلحات، التي أصبحت أساساً لتخطيط وإدارة العمليات النفسية على مختلف المستويات والمجالات. وأهم هذه المصطلحات هي:
1. الاتجاهات
هي حالة من الاستعداد العقلي كونتها الخبرات المكتسبة للفرد/ المجموعة، وتؤثر إيجابياً أو سلبياً على استجابات الفرد/ المجموعة للمواقف، التي يتعرض لها. (على سبيل المثال الجنود المتمرسون لديهم مواقف/ اتجاهات سلبية تجاه الإهمال)، كما تعد العاطفة من أهم الاتجاهات المكتسبة.
2. العاطفة
هي الاستعداد للقيام بنوع معين من الاستجابات (مجموعة الانفعالات)، وفقاً للحالة الشعورية الراهنة ولطبيعة الموقف الخارجي، ومن ثم فهي بناء نفسي دائم يتكون تدريجياً من خلال تجارب وجدانية، تؤدي إلى عاطفة حب أو كراهية.
3. الانفعال
هو حالة استجابة معينة لموقف خاص، أو تجربة نفسية، أو خبرة سابقة، تحرك وتوجه سلوك الفرد أو الجماعة.
4. الأهداف النفسية
هي الأشياء التي توجه سلوكيات الفرد أو الجماعة لإشباع احتياجات الفرد/ الجماعة؛ فمثلاً ردود فعل الفرد/ الجماعة في ساحة القتال تعكس سلوكيات إرضاء/ إشباع دوافع داخلية لدى الفرد/ الجماعة، بإظهار الشجاعة أو ثبات كيانها أو كبريائها.
5. السلوك
هو رأي عمل خارجي يصدر عن الكائن الحي لتحقيق هدف ما؛ وقد يكون السلوك فردياً أو جماعياً:
فالسلوك الفردي
هو التصرف الفردي الذي يصدر عن الفرد لتلبية دوافع شخصية، يكون الغرض منها تحقيق الأهداف الشخصية بوصف الفرد وحدة مستقلة، من دون ارتباط بآخرين؛ أما:
السلوك الاجتماعي
فهو التصرف الذي يصدر عن الفرد نتيجة لدوافع اجتماعية أو طبقية، أو بغرض المحافظة على كيانه وشخصيته بوصفه عضواً من أعضاء مجتمع عام (الأسرة - المدرسة)، أو طائفة أو الوطن. ويتضح ذلك في سلوكيات المنافسة والمشاركة الوطنية، أو التقليد.
6. الدوافع
هي قوة دافعة وموجه داخلية كامنة تحرك السلوك الظاهر أو الباطن، لتحقيق هدف إيجابي أو سلبي. ويجب أن يؤخذ في الحسبان ضرورة وجود منبه يحمل الدافع ويحركه من السكون إلى النشاط. والدوافع أما أن تكون فطرية أو مكتسبة.
7. الوازع
هو الاستعداد الفطري والنفسي الذي يؤثر على سلوك الفرد/ الجماعة على الآخرين أو على المجتمع. ويتمثل في (الإدراك - الاستهواء - التقليد - المشاركة الوجدانية).
8. الدوافع المكتسبة
وهي القوة الدافعة التي يكتسبها الفرد من خلال تفاعله مع البيئة، ومن خلال تجربة ناجحة أو فاشلة ودون أرادته، مثل (العقد النفسية - الحيل العقلية).
9. الحاجة/ الرغبة
صورة من صور المنبهات تمثل حالة من النقص تقترن بنوع من (التوتر - الضيق - القلق)، تزول باستكمال هذا النقص. وقد تكون احتياجات غريزية ضرورية مثل (الجوع - العطش - الإدمان - الجنس)، أو احتياجات ثانوية تكون صحيحة بتفاعلات اجتماعية وثقافية، أو مرتبطة بالنواحي الاجتماعية.
10. الباعث
وهو الصورة الثانية من صور المنبهات تشكل موقفاً خارجياً مادياً أو معنوياً تستجيب له الدوافع، مثل (القوانين - اللوائح - الإشارات - الملصقات - المكافآت - الحوافز).
11. الرأي
هو وجهة نظر أو حكم عن موضوع خاص تكون صياغته في عقل الفرد/ الجماعة، ويتأثر بآراء وأفكار الأفراد/ الجماعات الأخرى أكثر من تأثره بالحقائق، التي قد تكون غائبة عنه.
12. الرأي العام
هو الفكرة السائدة بين مجموعة من الأفراد/ الجماعات تربطهم مصلحة مشتركة إزاء موقف أو سلوك معين، أو مشكلة من المشاكل، التي تثير اهتمامهم أو تتعلق بمصالحهم المشتركة؛ فهو محصلة الآراء والأحكام السائدة في مجتمع ما.
13. الاتصال
عملية تتضمن نقل أو إرسال إشارة، إلى رمز منطوقٍ أو مكتوبٍ أو مصورٍ (رسالة)، من مصدر معين إلى جمهور معين، من طريق وسيلة أو أكثر من وسائل الاتصال؛ وذلك بقصد التأثير في رأي واتجاهات مجموعة من الأفراد والجماعات، وتكون هذه العملية من خلال أربعة عناصر، هي: (المرسل - الرسالة - المستقبل - التغذية العكسية).
14. الإحباط
هو حالة من الحرمان والشعور بالتهديد تتولد لدى الفرد/ الجماعة، نتيجة عائق أو مجموعة من العوائق تحول دون تحقيق هدف حيوي، وتؤدي من ثم إلى اضطراب انفعالي وسلوك مرضي/ سلبي وتدهور في الشخصية، يتولد عنها الميل إلى العدوان، كاستجابة وجدانية في مواجهة الإحباط. ويتدرج العدوان من التهجم اللفظي والنقدي والتأنيب، إلى الاعتداء الفعلي على الآخرين وممتلكاتهم.
15. غسل المخ
غسل المخ (الإقناع الإجباري أو الإصلاح الفكري) عملية تُستخدم لتوجيه الفكر والسلوك الإنساني ضد رغبة الفرد وضد إرادته وعقله، حيث يتولد لدى الفرد خضوعاً لا إرادياً يجعله تحت تسلط نظام لا عقلاني، لا حيلة له فيه.
16. الهدف المخاطب
هو الفرد - مجموعة الأفراد - الجماعة أو الجماعات، التي توجه إليها الحملة أو الحملات النفسية بهدف تغيير آرائها واتجاهاتها وسلوكها، إلى ما يهدف إليه المخطط.
17. الشائعات
اصطلاح يطلق على رأي موضوعي معين، أو مقولة قابلة للتصديق؛ وهي تنقل، عادة، من شخص إلى آخر عن طريق الكلمة الشفهية، أو من خلال أي وسيلة من وسائل العمليات النفسية، دون أن يتطلب ذلك دليلاً أو برهاناً.
18. موضوع الحملة
هو فكرة (رأس موضوع - موضوع كامل) تُستخدم لتحقيق الهدف النفسي، من خلال استغلال مراكز التعرض في الهدف المخاطب. كما يمثل موضوع الحملة جسر/ كوبري لتوصيل المعلومات المتحصلة عن الهدف والسلوك، الذي يحدده مخطط الحملة ومطلوب أن يعرفه الهدف.
19. الاتصال الشخصي
أحد العناصر الرئيسية في وسائل العمليات النفسية (السمعية المرئية)، لتوجيه الأفراد والجماعات، وتكوين آرائه (خلف رأي عام) وينفذ بواسطة شخص أو أكثر يتولى نشر وإقناع الهدف/ الأهداف المخاطبة بموضوع الحملة. ويزيد من قدرات هذا النوع وجاذبية مدي قدرة وحب المتحدث من الهدف/ الأهداف.
20. قائد الرأي
هو شخص/ الأشخاص القائمون بتنفيذ وإدارة الاتصال الشخصي، وهم ليسوا بالضرورة من أصحاب المراكز أو الشخصيات الاجتماعية البارزة، أو من القادة الرؤساء؛ ولكنهم أشخاص موجودون في كل قطاعات المجتمع وتتوافر لهم القدرة على إقناع الأفراد/ المجموعات (اقتصادياً - سياسياً - اجتماعياً)، بما يغير من أفكارهم واتجاهاتهم وسلوكياتهم لخدمة المخطط.
21. الرموز
يلجأ العقل البشري إلى خلق الرموز كعملية رئيسية لتنظيم التجارب الإنسانية العديدة، والتعبير عن الأفكار والعواطف في شكل مبسط، حتى يسهل عليه تبويبها وتخزينها وتذكرها. وتتمثل الرموز في (مقولة - كلمة - نغمة موسيقية - مكان - نشيد - شخص - رسم)؛ فمثلاً يمكن أن تكون الجماعة رمزاً للسلام.
22. التبرير (خداع النفس)
نوع لاشعوري من العمليات العقلية الدفاعية، يلجأ إليها الإنسان لتبرير سلوك يسبب شعوراً بالقلق وعدم احترام الذات، وفي الوقت نفسه يجد هذا السلوك قبولاً في نظر الآخرين، مثل التظاهر بعدم وجود مشاكل لدى الفرد بينما خلاف ذلك هو الصحيح.
23. الإبدال أو التحويل
من العمليات العقلية اللاشعورية التي يلجأ إليها العقل البشري؛ أي إذا وجد العقل الحالة الفعلية عائقاً في موضوعاتها، فإنها تتحول إلى موضوع آخر، غالباً، ما يكون متشابه أو على صلة بالموضوع الأول.
24. الإسقاط
من الأساليب الدفاعية التي يلجأ إليها الفرد لإبعاد الصفات غير المرغوب فيها عن نفسه، فلا يعترف بوجودها فيه؛ بل يراها في غيره من الناس أو يلصقها بغيره. وقد تكون أحياناً لتحقيق رغبة كامنة في الفرد.
25. الإعلاء والتسامي
عملية عقلية يقوم الفرد من خلالها بالتعبير عن دافع ما مكبوت، بطريقة غير مباشرة ومقبولة اجتماعياً، مثل الدافع الجنسي حيث يجد الفرد مجال رياضي وثقافي واجتماعي لتصريف هذه الطاقة بأسلوب مقبول اجتماعياً.
26. الكبت
محاولة الفرد لإبعاد ميل لا يتمشي مع قيم المجتمع وتقاليده، مع محاولة الفرد نسيانها حتى لا يحدث تذكرها شعوراً بالأذى والألم لديه.
27. النكوص
يقصد به الارتداد والعودة إلى مرحلة سابقة؛ إما قد تعود عليها (الاعتماد على الغير) أو اكتسبها وعولج منها (السرقة - الإدمان بأنواعه - تزوير ... إلخ). وقد يمتد النكوص ليشمل جميع جوانب شخصية الفرد وميوله واتجاهاته، وقد يظل قاصراً على ناحية معينة، وغالباً ما يصاب الفرد بالنكوص عند الخوف أو تعرضه لمشكلة قوية.
28. الروح المعنوية
يقصد بها الروح أو المزاج السائد بين مجموعة من الأفراد، الذين يتميزون بالشعور بالثقة في الجماعة وبثقة الفرد في دورة الجماعة؛ كذلك الشعور بالولاء تجاهها والاستعداد للكفاح من أجل تحقيق أهداف الجماعة، أي أن الروح المعنوية لمجموع هذه الجماعة تشير إلى وجدانها وتماسكها.
29. المظاهرة/ الإضراب
هي تجمع منظم لعدد كبير من الأفراد، ينفذّ بهدف الإعلان عن اعتراضهم على قضية/ حدث/ قرار، اتخذ على مستوى (الهيئة/ المؤسسة/ الدولة). وقد تلجأ مجموعة المتظاهرين إلى استخدام العنف خلال مراحل المظاهرة.
30. المسيرة
هي تجمع منظم لعدد كبير من الأفراد، ينفذّ بهدف الإعلان عن تأييدهم ودعمهم لقضية أو حدث متخذ على مستوى الدولة. وقد تلجأ المسيرة في أحد مراحلها إلى استخدام العنف.
المبحث الثاني عشر التخطيط للعمليات النفسية الحديثة
التخطيط، بصفة عامة، هو تنظيم العمل المستقبلي بأسلوب علمي سليم، يتحدد فيه الهدف ومراحل الوصول إليه، والآليات التي تستخدم من أجل تحقيقه، والمدى الزمني لكل مرحلة. ويراعي التخطيط القدرات الحقيقية التي يمكن استخدامها، والإجراءات المضادة، التي يجب وضع الحسابات لمواجهتها.
والتخطيط في المجال العسكري، وطبقاً للإستراتيجيات الحديثة، يضع العمليات النفسية على مستوى استخدام أفرغ القوات المسلحة الأخرى نفسها؛ بل إن توقيت عمل واتخاذ إجراءات العمليات النفسية، عادة، يسبق العمليات الحربية نفسها، ثم يصاحبها، ويستمر بعد انتهائها.
وفي هذا السياق، فإن توجيه العمليات النفسية لا يقتصر فقط على القوات المسلحة للخصم، بل يمتد إلى المجالات الأخرى التي تشكل القدرة الشاملة للدولة، بما فيها المجال الاجتماعي (الشعب)، والسياسي (الحكومة ونظام الدولة)، والاقتصادي، وبما يحقق تقليص قدرة الدولة الخصم، والإسراع في فرض السيطرة عليها.
وإلى جانب التخطيط للعمليات النفسية، لابد من توجيهه، أيضاً، لرفع الروح المعنوية للقوات والشعب، وتوجيهه لبناء حوار يتصدي للعمليات النفسية، التي يشنها العدو ضد الدولة أو القوات المسلحة.
أولاً: العوامل المؤثرة على تخطيط العمليات النفسية الحديثة
يخضع التخطيط للعمليات النفسية إلى العديد من العوامل، التي تبدأ بالهدف المطلوب تحقيقه، والمدى الزمني المطلوب، وقدرة الدولة على شن العمليات النفسية، إلى جانب عدد من العوامل الأخرى، أهمها:
1. المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية المؤثرة على السياسة العامة للدولة، ومن ثم على السياسة المحددة للعمليات النفسية.
2. مصالح وأهداف الدول محل الاهتمام، وكذلك الدول العظمي والكبرى، وتأثير ذلك على السياسات التخصصية وخاصة النفسية.
3. تحديد الدول الصديقة والحليفة ومجالات التعاون معها.
4. اتجاهات تحييد الدول المعادية، وتحويل الدول الصديقة إلى حليفه.
5. دراسة العدائيات وقدرة وإمكانيات الحملات النفسية المعادية وتأثيرها.
6. الخبرات السابقة من شن العمليات النفسية، وكان أهمها طبقاً للترتيب الزمني:
أ. الكتاب الذي أرسله هولاكو (قائد التتار) إلى السلطان قطز في مصر عام 1260 يطالبه التسليم، ويستعرض قوة جيش التتار ووحشيته، ويطالبه بأن ينأي بنفسه وبمصر عن هذه الشرور. ويعد ما ورد في هذا الكتاب مثالاً للردع النفسي وأسلوب التخويف، الذي تتبعه العمليات النفسية. (أُنظر ملحق الإنذار الموجه من هولاكو قائد التتار إلى السلطان قطز حاكم مصرعام 1260)
ب. المنشور الذي أرسله نابليون بونابرت، قائد الحملة الفرنسية، إلى الشعب المصري، يشرح فيه أهداف الحملة الفرنسية، ويطالبهم بعدم التعرض للحملة التي تأتي لصالحهم. ويعد هذا المنشور نموذجاً لتحقيق أهداف الاستعمار القديم. (أُنظر ملحق منشور الحملة الفرنسية الموجه إلى شعب مصر)
ج. كان أودلف هتلر أول من استخدم العمليات النفسية بأسلوب علمي، كأحد الأسلحة الرئيسية في الحرب، وذلك بعد استيلاء النازي على السلطة في ألمانيا. فقد أنشأ وزارة الدعاية التي ترأسها "جوبلز"، وكان فحوى خطة تنظيم النازي للدعاية هو:
(1) أن تتركز السيطرة على أنشطة الدعاية، وسوف تتساوى مهمة الدعاية من حيث الأهمية مع أي مهمة حكومية أخرى، ويجب أن تتاح للقائمين على شؤون الدعاية فرصة الحصول على كل المعلومات وكل الخطط الخاصة بالهيئات الأخرى، وسوف تستغل هيئة الدعاية كل الفرص المتاحة لتنفيذ مهامها".
(2) أن يشغل وظائف الدعاية - ذات المسؤولية - أكثر الناس إخلاصاً للحركة، وأكفأهم من الناحية الفنية.
(3) أن تُحتكر السيطرة على كل أجهزة الإعلام الجماهيرية، ويشمل ذلك الفن والموسيقي والمسرح والمعمار والكتب والتجارة السياحة والأسواق والمدارس والمعارض، وغيرها.
ومن خلال تلك السيطرة على كل نواحي الإعلام، أصبح "جوزيف جوبلز" صاحب النفوذ الأول في هيئات الدعاية الألمانية. وكان مسؤولاً فقط أمام هتلر. ويعد نموذج هذه المدرسة، هو الذي يطبق في الأنظمة العالمية لإدارة الحرب النفسية حتى وقتنا هذا، على الرغم من أن الدول الكبرى في مواجهة "جوبلز" أنشأت تنظيمات للحرب النفسية، سواء في الاتحاد السوفييتي (السابق) أو الولايات المتحدة الأمريكية؛ ولكنها كانت تستفيد من تنظيمات الدعاية الألمانية.
وفي هذا المجال، فإن ستالين، زعيم الإتحاد السوفييتي إبان الحرب العالمية الثانية، عرّف الزعامة السياسية بأنها:"القدرة على إقناع الجماهير بصواب سياسة الحرب"، بمعني أن ستالين استخدم علم النفس في تحديد هوية الزعامة السياسية، وهو الشئ نفسه الذي فعله لينين، حيث قال "للدعاية أهمية قصوى للانتصار النهائي في الحرب".
د. تنظيم الولايات المتحدة الأمريكية للعمليات النفسية في حربي الخليج الثانية والثالثة، وكانت تعتمد على الآتي:
(1) تدمير الروح المعنوية للقوات العراقية من خلال الحصار والعزل، وتكثيف تكبيدها للخسائر مع توجيه رسائل نفسية متنوعة للحض على التسليم أو الهرب.
(2) إيجاد فجوة في الثقة ما بين القيادات السياسية والقيادات العسكرية، بهدف إثارة الشكوك واتخاذ القيادة السياسية إجراءات ضد القيادات العسكرية تحقق إضعاف القوات المسلحة.
(3) إثارة الشكوك ما بين نسيج الأمة، وتشجيع الأقليات على التمرد وقلب نظام الحكم.
هـ. أساليب الحرب النفسية التي استخدمتها إسرائيل في عدوانها على لبنان عام 2006، وغزه عام 2008 - 2009، وكانت تهدف إلى تمزيق أواصر نسيج الأمة، سواء في لبنان أو فلسطين، وإفقاد الشعوب ثقتها في قياداتها، والتوسع في عمليات التخويف والقهر لإثبات قدرة إسرائيل على الردع.
ثانياً: مستويات التخطيط للعمليات النفسية
لتنظيم التخطيط على المستويات المختلفة، لابد من إنشاء أفرع تخطيط للعمليات النفسية في الهيئات والقيادات طبقاً للآتي [1]:
1. الهيئة العليا للتخطيط للعمليات النفسية
وهي أعلى سلطة في هذا المجال، وتنشأ على مستوى جهاز الأمن القومي، الذي يتبع رئيس الجمهورية أو الملك أو أمير البلاد. وتكون مسؤوليتها وضع الإطار العام للعمليات النفسية في وقتي السلم والحرب، وتحديد الأسلوب والمدى الزمني والأجهزة المشاركة لتنفيذ هذا التخطيط، والإشراف عليه ومتابعته.
2. إدارة العمليات النفسية في القوات المسلحة
وهي تتبع وزارة الدفاع، ويشرف عليها القائد العام مباشرة، وهي إما أن تكون منفصلة، أو أحد أفرع إدارة الاستخبارات العسكرية. وهي مسؤولة عن التخطيط وتنفيذ العمليات النفسية في جميع الأوقات، خاصة في أوقات الصراع، وبما يحقق خفض الروح المعنوية لقوات العدو والتعجيل بهزيمتها.
3. إدارة تخطيط وتنفيذ العمليات النفسية بوزارة الإعلام
وهي تتبع وزير الإعلام مباشرة، وتنسق لدمج برامج العمليات النفسية، في البرامج العامة في وسائل الإعلام، وبما لا يشير إلى أنها عمليات نفسية، حتى يكون بثها بأسلوب بسيط يتقبله المتلقي ويتأثر به.
4. أفرع إدارات التخطيط في الوزارات والهيئات المختلفة
مثل وزارات المالية والخارجية والداخلية .. إلخ، والتي لها أهداف في تنظيم العمل النفسي، وتعمل على التنسيق الدائم مع الهيئة العليا للتخطيط للعمليات النفسية، كل في مجاله.
5. يوجد بكل جهاز طبقاً لمسؤوليته وحجمه، العناصر الآتية:
أ. فرع / قسم استخبارات لمتابعة الموقف، والتنسيق مع أجهزة المخابرات في مجال العمل النفسي.
ب. فرع/ قسم تخطيط العمليات النفسية الإيجابية الموجهة ضد العدو.
ج. فرع / قسم تخطيط العمليات النفسية المضادة (بمعني التصدي للعمليات النفسية الموجهة من العدو).
د. فرع/ قسم قياسات وتجميع توجهات الرأي العام: ومسؤوليتها قياس تأثير العمليات النفسية على الجمهور المخاطب، ووضع المقترحات من أجل تعديل بناء الخطة لزيادة حجم هذا التأثير. (أُنظر شكل تنظيم إدارة التخطيط للعمليات النفسية)
ثالثاً: مشتملات التخطيط للعمليات النفسية في الحروب الحديثة
1. التخطيط لتحقيق الأهداف السياسية للعمليات النفسية
انطلاقاً من أن الحرب هي مرحلة سياسية تدار بالمدافع، فإن هذا التخطيط يرتبط ارتباطاً وثيقاً لتحقيق الأهداف السياسية للدولة، وطبقاً للمدى الزمني المخطط لتحقيق هذه الأهداف خلاله.
ويعد تصنيف دول العالم، من وجهة نظر المصالح الأمريكية في الوقت الحالي، إلى: "دول شر"، و"دول مناوئه"، و"دول مارقه" و"دول صديقة"، و"دول حليفه"- إلى غير ذلك، عاملاً رئيسياً في تنظيم استخدام العمليات النفسية من دولة كبرى ضد الدول متوسطة القوى، لتحقيق أهداف سياسية. كما كان إعلان الرئيس بوش في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 وفي مجال شن الحرب على الإرهاب:"أنه من ليس معنا فهو مع الإرهاب" هو قمة استخدام العمليات النفسية لأهداف سياسية، تريد الولايات المتحدة تحقيقها.
وفي السياق نفسه، فإن استغلال الوسائل الإعلامية الأمريكية لنظريات العالمين هنتجتون وفوكوياما، بخصوص صدام الحضارات، ونهاية العالم، في أعقاب أحداث سبتمبر، وإشاراتها الواضحة إلى أن الإسلام يحض على الإرهاب، تعد من قبيل تسخير نظريات علمية من أجل شن حرب نفسية شرسة، على عقيدة ومجتمع يدين بإحدى الديانات السماوية الرئيسية، واستغلال مهاجمة العقيدة، لشن حرب ضارية على العرب خاصة، والمسلمين عامة. وهو ما حدث فعلاً ضد أفغانستان والعراق.
وفي المقابل، يمكن القول، إن بعض الأصوليين والمتطرفين دينياً، استخدموا أسلوب الغرب نفسه في العمليات النفسية، ومارسوا من خلاله قواعد عملياتهم الإرهابية، وأسلوب الإعلان عنها، ونشرها على العالم وإلمام الجميع بها، حتى ترسخ رسالة الإرهابيين السياسية، ويعلم بها الجميع. ومن هنا اختار الإرهابيون أهدافهم، بما يمكن نشرها، سواء من منظور المكان، أو مدى الشعور بالصدمة من عنف الحدث، وهو ما فعله أسامة بن لادن في أحداث 11 سبتمبر، وما فعله أبو مصعب الزرقاوي في العراق، وغيرهم.
كما أن محاولات الرئيس أوباما فض الاشتباك مع العالم الإسلامي، في مسألة الحرب على الإرهاب، وإقراره أن الولايات المتحدة تحارب تنظيم القاعدة ولا تحارب العقيدة الإسلامية السمحة، تُعد من مجالات العمل النفسي لصالح تحقيق أمن الولايات المتحدة الأمريكية.
2. التخطيط لتحقيق الأهداف السياسية/ العسكرية للعمليات النفسية
يكون التخطيط في هذا المجال، على مستوى جهاز الأمن القومي في الدولة وبواسطة الهيئة العليا للتخطيط للعمليات النفسية. وهذا التخطيط يمتزج، عادة، بخلط العمل النفسي في نطاق أعمال عسكرية مباشرة ضد العدو، يكون من شأنها فرض الإرادة عليه. ويمكن تحديد التخطيط للأهداف المراد تحقيقها - بصفة عامة - على النحو الآتي:
أ. ردع أي دولة معادية يحتمل أن تندمج مع دولة معادية أخرى، أو مع حلف معاد.
ب. ردع أي معتد محتمل أو فعلي، عن ارتكاب أعمال عدوانية جديدة.
ج. إضعاف أو تحطيم الوحدة بين الدول الأعضاء، في أي تحالف سياسي عسكري.
د. تشجيع الانهيار والتفكك في دولة العدو.
هـ. المساعدة في إعادة التوجيه السياسي للمناطق، التي حررت حديثاً.
و. دعم روح المقاومة، بين الشعوب المقهورة.
ز. إضعاف نظام الرقابة والسيطرة الاجتماعية والسياسية، في دولة العدو.
ح. دعم مركز الفئة المناهضة، في الدولة الهدف.
ط. تنظيم مراحل ربط العمل العسكري مع العمل النفسي، في مراحل التخطيط للحرب.
3. التخطيط لتحقيق الأهداف العسكرية
على الرغم من أن هذا النوع من التخطيط يقع كاهله على إدارة العمليات النفسية في وزارة الدفاع، إلا أنه يجب إجراء تنسيق متكامل مع الهيئة العليا للتخطيط للعمليات النفسية، والتي بدورها تعمل على التخطيط المتكامل مع العديد من الإدارات الأخرى، خاصة في المجال الإعلامي والسياسي والاقتصادي والثقافي، حتى تكون العمليات النفسية شاملة وتنال في تأثيراتها جميع قوى الدولة الشاملة، كما أنها تراقب الأعمال المضادة للعدو وتتصدى لتأثيراتها.
ويكون تنظيم خطط العمل النفسي ضد القوات المعادية، على المستوى الإستراتيجي والتعبوي (العملياتي) والتكتيكي، طبقاً للأساليب التالية:
أ. على المستوى الإستراتيجي
يتم التخطيط للعديد من الإجراءات التي تشل قدرات العدو وإمكانياته في السيطرة على القوات، أو شن حرب نفسية مضادة، وذلك من خلال:
(1) إجراءات عسكرية تخدم العمليات النفسية
(أ) تدمير آليات الإعلام على مستوى الدولة، مثل الإذاعة والتليفزيون، وكبريات الصحف وغير ذلك.
(ب) تدمير عقد الاتصالات، لعدم تمكين القيادات من تحقيق الاتصالات بالحلفاء، أو توجيه رسائل خارجية من خلالها.
(ج) تدمير عقد المواصلات والسيطرة عليها والتدخل في حركة المجموعات الإدارية وتحركات القوات، وبما يفرض عزل تام على ميدان المعركة وقيادة الدولة.
(د) التركيز على اكتشاف مراكز القيادة الرئيسية وتدميرها، والتشويش على الاتصالات اللاسلكية بهدف التركيز على الفصل ما بين القيادة العامة والقوات.
(2) إجراءات على المستوى النفسي
(أ) تكثيف الرسائل - بمختلف الوسائل - لإحداث فجوة ثقة ما بين القيادة السياسية، من جانب، والقيادات العسكرية والشعب، من جانب آخر.
(ب) اختلاق مواقف، وبث تقارير خداعية لخفض الروح المعنوية للشعب والقوات المسلحة للعدو.
(ج) تعظيم الإعلان عن القدرة العسكرية بهدف إزعاج وتخويف الطرف الآخر.
(د) بث برامج توضح مستقبل ما بعد المعركة، حين توضع الدولة الخصم تحت النفوذ.
(هـ) إحداث فجوة ثقة في مجال التحالفات، التي تتبع دولة الخصم.
ب. على المستويين التعبوي والتكتيكي
إلى جانب الوسائل السابقة، تستخدم الوسائل الميدانية والطائرات والمنشورات والإذاعة في العمليات النفسية، توجه إلى القوات في الميدان رأساً. وهي تشمل العديد من الإجراءات، منها:
(1) أسلوب الوعد والوعيد: بمعنى توجيه ضربات نيرانية شديدة للعدو، يتخللها إلقاء منشورات، أو توجيه إذاعات ميدانيه، تحض على تحقيق أمن لأي قوات تستسلم.
(2) تشديد أسلوب الحصار، وترك محور مفتوح يؤدي إلى الانسحاب أو الهروب: حتى يمكن إخلاء الموقع بعد هروب المقاتلين، ثم الاستيلاء عليه من دون قتال.
(3) تعميق الشك بين القيادات في مستوياتها المختلفة: خاصة بين القيادات التعبوية والقيادة الإستراتيجية، وبما يؤدي إلى فقدان الثقة، وكذلك اتخاذ إجراءات تنظيمية، تؤدي، بدورها، إلى خلخلة التنظيم القيادي، ما يؤدي بدوره إلى تقليص قدرة القوات على العمل العسكري. وربما كان الأسلوب الذي اتخذته القوات الأمريكية في الإعلان عن اتصالات، ومنح رشاوي لبعض القادة العراقيين، قبل أن تبدأ حرب الخليج الثالثة، دفع الرئيس صدام حسين، إلى إحالة العشرات من هذه القيادات إلى التقاعد قبل الحرب مباشرة. وقد أدى ذلك إلى زيادة التأثير على تقليص كفاءة القوات العراقية وقدراتها.
(4) التركيز على تدمير الأرتال الإدارية ومخازن التموين ومصادر المياه: على أن تبدأ بعدها أو خلالها حملة نفسية لدعوة الجنود للاستسلام، وإلقاء منشورات تمنح حاملها الأمن والحصول على الغذاء والمياه بقدر كافٍ، مع نشر صور لأنواع الأغذية التي سوف تقدم لمن يسلم نفسه، على أن تحتوي على أنواع مبهرة تغري الفرد على الاستسلام، وترك موقعه من أجل الحصول عليها. على أن تستمر الحملة بإلقاء منشورات أخرى، وإذاعة بيانات بأسماء الذين استسلموا، وإرسال رسائل بأصواتهم، يدعون زملاءهم للتسليم. إلى غير ذلك من المجالات، التي تتطلب تزويد التشكيلات الميدانية بعناصر عمليات نفسية تستخدم الإذاعات الموجهة، والمنشورات التي تطلق بواسطة المدفعية، والمنشورات التي تلقي بواسطة الطائرات، وعناصر الطابور الخامس وغيرها. (أُنظر شكل مستويات وأساليب التخطيط للعمليات النفسية)
رابعاً: الأنماط النفسية المستخدمة في التخطيط للعمليات النفسية
هي أنسب الأشكال التي تستخدم بواسطة مخططي العمليات النفسية، بعد دراسة العوامل المؤثرة على الهدف المخاطب، وهو الرأي العام، سواء كان رأياً عاماً محلياً أو إقليمياً أو دولياً. وطرق وسائل العمليات النفسية المقترح استخدامها في الحملة، هي:
1. الشائعات
تعد حملات الشائعات من أهم وأخطر طرق العمليات النفسية استخداماً وتأثيراً على الفرد/ المجتمع (الأهداف المخاطبة)، لكونها تعمل على إشباع وإرضاء جميع الاتجاهات والآراء، ومن ثم يكون لها التأثير الفعال والمدمر على عواطفها واتجاهاتها.
2. الديموجوجية
وهي استخدام تصريحات أو معلومات تبدو وكأنها تؤيد وتخدم مصالح الدولة (الجماعة) المخططة، وإظهارها على أنها تمثل الرأي العام المحلي والإقليمي.
3. عمليات التخريب النفسي
تعد السلاح الرئيسي في الأساليب النفسية المعادية، الذي يستهدف أساساً التأثير على اتجاهات وسلوكيات الأهداف، لخلق اتجاه عام لدعمها ودفعها للقيام بالاضطرابات ونشر الذعر والفوضى أو سلبية الأداء. وتشمل:
أ. أساليب الضغط النفسي: حيث تستغل حملات التخريب النفسي لتوجيه الصدمات المفاجأة، واللعب بالعواطف والانفعالات، والآراء الزائفة. وتستند في ذلك على فلسفة اللاعقلانية، التي تعتمد على أن سلوك الأفراد تحكمه دوافع غير واقعية، مثل الغرائز الوراثية والعواطف والانفعالات والمؤثرات الخارجية؛ أي أنها تسعى إلى إلغاء إمكانية التفكير المنطقي لدى الأفراد. وتستغل في هذه الأساليب شائعات الخوف والكراهية على نطاق واسع.
ب. أساليب التخويف/ الردع: وتشمل كافة المجالات (الاقتصادية - السياسية - العسكرية)، وتهدف إلى إجبار الدولة/ المجموعات المستهدفة إلى إتباع سلوك معين، يخدم هدف أو أهداف الدولة المخططة.
ج. أسلوب التقارب (الصداقة - الحب): ويستخدم هذا الأسلوب لمحاولة تحقيق التقارب مع كافة الجماعات وأفراد القوات المسلحة في الدول المستهدفة، بما يحقق لها إمكانية تحديد هؤلاء الأفراد (الأهداف) وضمان استمرارهم في استقبال الحملات النفسية، ومن ثم تغيير سلوكياتهم بما يحقق هدف المخطط.
د. أسلوب التشكيك وعدم الثقة: ويهدف هذا الأسلوب إلى بث الشك وعدم الثقة، لدى الأفراد والجماعات داخل الدولة الهدف، في قدرة وكفاءة القيادة السياسية والعسكرية في تحقيق الأهداف والغايات القومية للدولة؛ كذلك بث عدم الثقة لدى الضباط والجنود في أسلحتهم ومعداتهم العسكرية، وهنا يبرز دور كل من الشائعات ووسائل السخرية والفكاهة .. كوسائل رئيسية في تنفيذ هذا الأسلوب.
هـ. أسلوب التهكم والاستهزاء: ويهدف إلى النيل من بعض الفئات أو الشخصيات (سياسية - اقتصادية- عسكرية)، لتحطيم كبريائهم وتحفيزهم، وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية وصعوبة انتقاء الكلمات والألفاظ من الناحية الأدبية والأخلاقية، حتى لا يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية.
و. عمليات غسل المخ (الإقناع الإجباري): وتستخدم لتوجيه السلوك الإنساني ضد رغبة الفرد وإرادته وعقله، حيث تولد لدى الفرد خضوعاً لا إرادياً يجعله تحت سيطرة نظام لاعقلاني، ويُستخدم هذا الأسلوب عادة ضد أسرى الحرب.
ز. اغتيال الشخصية: وهو أحد أركان العمل النفسي، ويستخدم ضد شخصيات أو أفراد مستهدفة، إما لتوجيهها لتنفيذ على إجرامي إرهابي، أو لشل قدرتها على اتخاذ القرار، أو لتغيير صفاتها المعنوية والمادية، وتحويلها من خصائص إيجابية إلى خصائص سلبية. ويكون اغتيال الشخصية عبر عدد من الإجراءات السابق ذكرها، وأهمها:
(1) عمليات التخريب النفسي: والتي تستهدف التأثير على اتجاهات وسلوكيات الفرد أو الجماعة في مجتمع ما أو دولة، وبما يؤدي إلى نشر الذعر والفوضى والسلبية في الأداء.
(2) عمليات التخويف والردع: وتشمل كافة المجالات التي تهدد الإنسان وتجبره على اتخاذ المواقف السلبية، بدلاً من التعرض للإيذاء.
(3) عمليات الضغط النفسي: من خلال توجيه صدمات نفسية إلى المتلقي، واللعب بعواطفه، وتزويده بآراء زائفة تستند على فلسفة لاعقلانية ودوافع غير واقعية.
(4) عمليات غسل المخ: وتستخدم معظم المجالات السابقة في تفعيلها، وتهدف في النهاية إلى إلغاء إمكانية التفكير المنطقي لدى الفرد.
(5) …تشويه السمعة: من خلال إلصاق اتهامات مهينه ومخلة بالشرف بالفرد، تتعارض مع مركزه الاجتماعي والثقافي.
(6) ومما سبق، فإن عملية اغتيال الشخصية لابد أن تتحقق من خلال مجالين:
(أ) أن يكون الفرد تحت السيطرة الكاملة للأجهزة القائمة بعملية اغتيال الشخصية، مثل الأسر أو السجن أو الاعتقال، أو التجنيد .. إلخ.
(ب) أن يكون "الشعب أو الجماعة" تحت السيطرة، أيضاً، مثل الاحتلال أو الوصاية أو الاستعمار .. إلخ.
ويُستخدم في تنفيذ تلك الأساليب جميع الوسائل المتاحة، وفي مقدمتها:
1. الإعلام بوسائله المختلفة.
2. وسائل الاتصال الجماهيري، من شخصيات بارزه.
3. الطابور الخامس، وفي مقدمته تجنيد أفراد من الشعب والقوات المسلحة للخصم ذاته.
4. المنشورات التي تصل إلى المتلقي بمختلف الوسائل، سواء الطيران أو المدفعية أو العملاء ... إلخ.
ويذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية وزّعت أكثر من 40 مليون منشورٍ في كل من حربي الخليج الثانية والثالثة. وقد تنوعت تصميمات وأهداف تلك المنشورات، طبقاً لمراحل الحرب، ومطالب قوات التحالف.
خامساً: تنظيم التخطيط للعمليات النفسية المضادة
ينبغي الأخذ في الحسبان دائماً، أن الطرف الآخر المستهدف من العمليات النفسية لديه قدرات لشن العمليات النفسية المضادة على المستويات المختلفة، بهدف إفشال الخطط، وتحقيق أهدافه السياسية والعسكرية وكسب الحرب.
وعلي ذلك، فإن على مخططي العمليات النفسية أن يتأكد يقينهم بأنهم ليسوا أحراراً في تنفيذ خططهم؛ ولكن عليهم أن يواجهوا أعمال العدو المضادة، شأنهم شأن القيادات العسكرية التي تخطط للعمليات بالكامل.
إن التخطيط للعمليات النفسية المضادة، قد يُكلف به أطقم تخطيط العمليات النفسية الشاملة نفسها، وقد يكلف به فريق آخر تكون مهمته المتابعة واتخاذ الإجراءات، التي تحمي الدولة وقواتها المسلحة من العمليات النفسية المضادة، في الوقت نفسه. فقد يكون عمل الفريقين من مركز عمليات نفسية واحدة، وقد ينفصلان طبقاً لرؤية القيادة.
1. العوامل المؤثرة على تخطيط العمليات النفسية المضادة
فضلاً عن العوامل السابق ذكرها، كعوامل مؤثرة على تخطيط العمليات النفسية؛ فإن التخطيط للعمليات المضادة يزيد عنها في الآتي:
أ. التعرف على قدرة العدو في شن العمليات النفسية المضادة، من خلال تجميع المعلومات الدقيقة والمستمرة عن الآتي:
(1) القدرة التكنولوجية، ومستوى التقدم الذي وصل إليه الطرف الآخر، والذي يمكّنه من إدارة عمليات نفسية ناجحة.
(2) السوابق التاريخية التي استخدم فيها الطرف الآخر عمليات نفسية، ومستوى هذا الاستخدام، وهل جرى تطويره أم لا؟
(3) مدى ارتباط الخصم بأحلاف أو قوى كبرى، يمكن أن تعاونه في شن عمليات نفسية.
(4) الحصول على معلومات عن وسائل العدو في شن العمليات النفسية، طبقاً لعقيدته العسكرية.
(5) دراسة شخصيات القادة لدى الخصم وتحليلها، واستنباط أساليب إداراتهم للعمليات الحربية، بصفة عامة، والعمليات النفسية، بصفة خاصة.
(6) تتبع إجراءات الخصم في مراحل الصراع المختلفة، لاستنباط أساليبه والتصرف حيالها.
(7) بذل الجهد للتعرف على مراكز ثقل العدو، الذي يعتمد عليها في إدارته للعمليات العسكرية والنفسية، ووضعها كأسبقية أولي للقصف والتخلص منها، لإضعاف قدرته في استمرار الصمود وإدارة الحرب.
(8) اتخاذ الإجراءات لتحقيق عوامل المفاجأة والمبادأة في العمليات النفسية، والمحافظة على مبدأ المبادأة طوال مراحل العمليات.
ب. جهود أجهزة الاستخبارات وتحليل المعلومات
تتابع أجهزة الاستخبارات والقادة على جميع المستويات الأخبار وتحللها، وتتابع تصرفات الجنود، ومدي تأثير الدعاية المضادة عليهم، وإجراء قياسات دورية، وبناء خطط لرفع الروح المعنوية، وتفنيد الدعايات المضادة، والاستمرار في إجراءات الحشد المعنوي للقوات.
ج. جهود الأجهزة الطبية والنفسية
تتولى عزل وعلاج الأفراد المصابين بحالات نفسية من تأثيرات الحرب، أو الدعاية المضادة. ويعد العزل من أهم الإجراءات التي يجب أن يحرص القادة على تنفيذها، في جميع الأوقات.
د. جهود الأجهزة القيادية والإدارية
توفير أكبر قدر من احتياجات الجنود الإدارية، مع ثبات قدرة الجنود للاستعداد للمعركة، وقد ثبت من خبرات الحرب العالمية الثانية، أن نجاح الدفاع الألماني ضد حرب الحلفاء النفسية اعتمد على عاملَين مهمَين:
الأول: جودة الأغذية، وتأمين التموين والمواصلات والإمداد بالأسلحة والذخائر في جميع الأوقات، على أساس أنه لا يمكن توجيه حرب نفسية ضد جندي يحصل على غذاء متكامل نظيف، وتُلبى احتياجاته في كل وقت.
الثاني: تعظيم دور الخدمات المعنوية لمقاومة الحرب النفسية، من خلال تنظيم متدرج ومتناسق وتتوافر له كل الإمكانيات، خاصة بتعيين قيادات لها قدرة عالية على إدارة أعمال القوات.
هـ. جهود الشؤون المعنوية في القوات المسلحة
تلعب دوراً رئيسياً في الحرب النفسية المضادة، ولدى الجيوش الحديثة. كما تؤدي دوراً رئيسياً في بناء المقاتل، وتأكيد الولاء والانتماء، وتحصينه ضد العمليات النفسية المضادة، ثم يأتي بعد ذلك الحشد المعنوي لإقناعه بعدالة القضية، التي يحارب من أجلها، وأن وجوده في القوات المسلحة هو بمثابة شرف عظيم له ولمستقبله في الحياة، إلى جانب دفع عجلة العمل النفسي لدى المقاتل في الأوقات المختلفة، من خلال وسائل الترفيه، والتنمية الفكرية، ووسائل التثقيف والتوعية السياسية والاجتماعية.
فضلاً عن أكثر المهام الرئيسية للشؤون المعنوية أهمية في إدارة الصراع، هي استمرار التوعية والحشد المعنوي وتأكيد الولاء والانتماء، وتأكيد الإيمان وهو ما يحقق ثبات للجنود في المعارك، ويقوي عزيمتهم في التصدي لأعمال العدو المضادة.
2. أساليب العمليات النفسية المستخدمة في تخطيط العمليات النفسية المضادة
تدرس أجهزة العمليات النفسية على كافة مستوياتها في الدولة، والحملات النفسية المعادية وتحللها، لتحديد أهدافها ونتائجها ومدى تأثيرها على الأفراد والجماعات، ثم تخطط في ضوء هذه الدراسة لشن الحملات النفسية المضادة، متتبعة أحد الأساليب التالية:
أ. أسلوب التكييف / التشريط
ويعد من أقوي الأساليب المضادة تأثيراً، وأصعبها تخطيطاً وتنفيذاً، حيث يتطلب وقتاً طويلاً وإمكانيات كبيرة، للاعتماد أساساً على نشر التعليم والثقافة والوعي والتعريف بأساليب الحملات النفسية المعادية بين جميع أفراد المجتمع، على كافة المستويات العلمية والثقافية من خلال المراحل الأولي للتعليم.
ب. السبق/ الإحباط
من خلال القيام الإعلان والتحليل المسبق، لأحد الموضوعات التي تستغلها الأجهزة المعادية أو المعارضة، كموضوع لحملاتها المعادية.
ج. التفنيد المباشر وغير المباشر
ويكون التفنيد المباشر من خلال الدراسة والتحليل والرد المباشر على الحملات المعادية أولاً بأول، مع استخدام نقاط الضعف في الحملة المعادية، ومراعاة أن يكون هذا الأسلوب كاملاً ومؤثراً وموقوتاً حتى لا يؤدى إلى نتائج عكسية.
أما التفنيد غير المباشر، فيكون من خلال عرض الموضوعات المناسبة، بهدف تكذيب الحملات المعادية بطريقة التخمين والتصحيح، لإظهار وجه الحقيقة بطريقة غير مباشرة.
د. الأسلوب التحويلي
ويعني جذب انتباه المخاطب لتحويله إلى موضوعات فرعية بعيداً عن الموضوع الأصلي للحملة النفسية المعادية، وذلك باستحداث موضوعات جديدة، أو تركيز الجهود على موضوعات أخرى تبث تأثيرها وأهميتها للهدف المخاطب.
على أن يتاح الحجم أو القدر المناسب من اللامركزية خلال الإدارة، لتحقيق السرعة والتزامن مع تطورات الأحداث.
هـ. توافر الكوادر الفنية المؤهلة
في المجالات (الاجتماعية - الإعلامية - النفسية)، كما يجب إعداد الكوادر، التي تخدم إعداد الوسائل بالمستوى المطلوب.
و. المصداقية والقبول
علي الرغم من أن الصدق يعد من المبادئ الرئيسية للعمليات النفسية - حيث تمثل الحقائق الأساس القوي والذي يترك أثره في الهدف المخاطب- إلا أن الصدق وحده لا يصنع دائماً الحملات الناجحة؛ لأن الحقائق لا يشترط أن تقابل دائماً بالتصديق، ومن هنا يظل استخدام الحقائق أمراً نسبياً يخضع لاعتبارات عديدة، كظروف العمليات النفسية والهدف المخاطب وتطورات الموقف الراهن.
ز. المرونة والاستمرار
وذلك من خلال قدرة المخطط على تغيير اتجاهات الحملة النفسية، طبقاً لما يرد إليه من معلومات تحدد مدى نجاح حملته. كما تعني استمرار العمل النفسي قبل وأثناء وبعد المعركة، مع استغلال كافة الوسائل والأساليب المتوافرة.
سادساً: نماذج من الخبرات في تطبيق العمليات النفسية في الحروب الحديثة
على الرغم من كون العمليات النفسية قديمة وطبقت في العديد من الحروب، إلا أن الفضل يعود للولايات المتحدة الأمريكية في التطوير الجذري للعمليات النفسية وتطبيقاتها، بدءاً من حرب الخليج الثانية، ثم التطوير فيما بعد، والذي استفادت منه معظم دول العالم وطبقته في صراعاتها، أو وضعت أسسه في صميم العقيدة العسكرية لها. ومن أهم الخبرات المكتسبة من تطبيقات العمليات النفسية:
1. تنظيم مراكز العمليات النفسية على مستوى الدولة
أ. ويعد من أهم الخبرات المكتسبة، ذلك أن تنظيم هذه المراكز أدى إلى زيادة الاهتمام بالعمليات النفسية إيجاباً وسلباً، وبناء الكوادر القادرة على إدارة العمل، وتفهم واجباتها، سواء في السلم أو الصراعات أو الأزمات. ويكون تنظيم المراكز على عدة مستويات، طبقاً لقدرات الدولة واهتماماتها، على أن تكون القيادة لمركز العمليات الخاصة بالقوات المسلحة في أوقات الصراع. أما في أوقات السلم، فتكون القيادة لوحدة العمليات النفسية التابعة لمركز دعم القرار على مستوى رئاسة الدولة. (أُنظر شكل مقترح لشبكة مراكز العمليات النفسية)
ب. وفي هذا السياق، فإن مركز العمليات النفسية على أي مستوى لابد أن تتوافر له الإمكانيات والقدرات الكاملة، حتى يكون قادراً على تحقيق المهام، ومن ثَم، فإن مركز العمليات النفسية يتقارب تشكيله مع مراكز إدارة العمليات الحربية، ويضم أقسام تخطيط، وعمليات نفسية إيجابية وسلبية، وأقسام تنسيق واستطلاعات رأي وقياسات، إلى جانب الأقسام الفنية والإدارية. (أُنظر شكل مقترح لتنظيم مركز عمليات نفسية).
2. وضع أسس لأهداف العمليات النفسية في صميم العقيدة العسكرية للدولة
تحدد أهم هذه الأسس في الآتي:
أ. الاعتماد على العمليات النفسية في إدارة الصراعات، على مستوى الاعتماد نفسه على جهود الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة.
ب. أن تدار العمليات النفسية في مراحل الصراع المختلفة، ولا تتوقف أبداً، حتى بعد الوصول إلى مرحلة السلام، حيث تستغل هذه المرحلة في دعم قدرات الدولة نفسياً والتأثير على الطرف الآخر، حتى يستمر تأثير نتائج المعارك عالقاً في الأذهان.
ج. وضع حدود لمدى تأثير العمليات النفسية على العدو في المراحل الأولي للصراع، وقبل دفع القوات الرئيسية لتولي مهامها. وقد تحددت نسبة التأثير على العدو، بنسبة 100% قتل للروح المعنوية، على أن تتحقق بواسطة الأعمال القتالية بتوازٍ كاملٍ مع عمليات نفسية مدروسة.
د. تمزيق النسيج الداخلي للمجتمع في الدولة، والعمل على بث الذعر والإحباط فيه، من خلال عمليات حربية/ نفسية مدروسة، تنبع من جعل أراضي الدولة بالكامل مسرحاً للعمليات، وأهدافها الحيوية بالكامل أهدافاً عسكرية يجرى تدميرها، لتقليص قدرة الدولة على الاستمرار في الصمود.
هـ. تدمير الثقة على مستوى القيادات المختلفة من خلال بث أخبار أو اختلاق مواقف تؤدي إلى ذلك (وقد كان إعلان اتصال قيادات عراقية بالإستخبارات الأمريكية دون ذكر أسمائها سبباً في إحالة عشرات القادة إلى التقاعد، قبل شن غزو العراق عام 2003، وبما أدى إلى خلخلة في قدرات القيادات على تنفيذ مهامها.
و. بث الطابور الخامس، داخل القيادات السياسية، بهدف تضليل هذه القيادات. وقد طُبق هذا الأسلوب في الحروب الحديثة، وأثمرت عن نتائج خطيرة.
3. تطبيقات إسرائيل للعمليات النفسية في عدوانها الأخير على لبنان (2006)، وغزة (2008 - 2009)
استفادت إسرائيل من تطبيقات الولايات المتحدة الأمريكية للعمليات النفسية في حروب التسعينيات، والحرب على الإرهاب، بل وزادت عليها الكثير كالآتي:
أ. استخدمت إسرائيل أقصي درجات العنف في حروبها، دون التمييز بين أهداف حيوية، ومدنيين عزل في مساكن بسيطة. وهي في هذا المجال تطبيق مبدأ هولاكو في عهد التتار، بعدم الإبقاء على الأخضر أو اليابس، وقتل كل من يقف في طريقه من دون رحمة.
ب. لم تتوانَ إسرائيل في تدمير الدروع البشرية من المدنين العزل، الذين حاول قادة حزب الله، وحماس، استخدامهم في التخفي من القصف الإسرائيلي، وبما أدى إلى خسائر بشعة، سواء في لبنان أو غزة.
ج. حرصت إسرائيل على تكوين رأي عام عالمي قبل أي عدوان، بإدعاء تهديد أمن مواطنيها من جراء القصف العشوائي للصواريخ (ضعيفة التأثير)، أو تهديد حدودها الشمالية مع لبنان. وهي تعمل باستمرار على تضخيم الأعمال المضادة لها، لكي تجد مبرراً للقيام بعدوانها غير الإنساني.
د. تسمح إسرائيل لقادة حزب الله وحماس بالتفاخر بأن نيرانهم أصابت العمق الإسرائيلي، وتبني على تلك التصريحات قصصاً ضخمة تطالب فيها بالحماية من تلك النيران، وهي عادة تجد أذناً صاغية من العالم الغربي المؤيد لها، والذي يتهم حماس وحزب الله بالإرهاب.
هـ. تحرص إسرائيل - خاصة بعد العدوان على لبنان عام 2006 - أن تكون قواتها - خاصة القوات الجوية - جاهزة للرد الفوري وبقسوة على أي إجراءات تقوم بها فصائل المقاومة الفلسطينية، بهدف الردع المباشر، وتنفيذ سياسة الإحباط في القدرة على المقاومة.
و. ألغت إسرائيل مفهوم - اليوم السابع - أو الأعياد الدينية في التوقف عن العدوان، بل حولت تلك الأيام إلى وسائل لتحقيق المفاجأة على الطرف الآخر، وذلك على نمط ما حدث في العدوان على غزة يوم 27 ديسمبر 2008، وهو يوم سبت.
4. استخدام السّبل غير الإنسانية في الحروب الحديثة، كإحدى آليات العمليات النفسية
على الرغم من التقدم التكنولوجي الذي يسود العالم، ونشاط منظمات حقوق الإنسان ومعاهدات جنيف، ونصوص القانون الدولي، التي تنص على احترام حقوق الإنسان، إلا أن القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي، وإسرائيل، وإيران، وصربيا، وغيرها ... ارتكبوا جرائم بشعة في حق المدنيين وأسري الحرب في الحروب الحديثة ذلك أن الشعب العراقي والشعب الأفغاني والشعب الفلسطيني، وشعوب دول يوغوسلافيا السابقة ارتكبت في حقهم جرائم حرب بشعة، أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين العزل ولم تُحاسب الدول التي ارتكبت تلك المذابح حتى الآن.
وتعد المعتقلات الأمريكية التي انتشرت في العديد من الدول لحجز المتهمين من تنظيم القاعدة في سجن جوانتانامو، وحجز العراقيين في سجن أبو غريب، إلى جانب العديد من السجون التي لم يعلن عن مكانها، وكذلك المعتقلات والسجون التي تحوي آلاف الفلسطينيين في إسرائيل، تعد كلها من وسائل العمليات النفسية التي تخالف القانون الإنساني، وتتمسك بها تلك الدول من أجل تخويف الشعوب.
وسوف تؤدي تلك الأساليب إلى أن تنتشر، خاصة في الدول الأقل تقدماً أو الدول التي تعاني من عدم الاستقرار داخل حدودها، وبما يؤدي إلى ارتكاب جرائم حرب، ينبغي إعلانها كلها أمام محكمة جرائم الحرب الدولية.
[1] هذا التنظيم مبني على أساس قراءات تنظيم العمليات النفسية خلال الحرب العالمية الثانية، وخلال حربي الخليج الثانية والثالثة- وهو يمثل تنظيماً مقترحاً وليس ثابتاً
المبحث الثالث عشر وظائف الإعلام في خدمة العمليات النفسية
يقوم المجتمع الإنساني على الاتصال البشري؛ فالاتصال أو الإعلام، هو حجر الزاوية لقيام هذا المجتمع، الذي يقدم للمجتمع خدمة جليلة تؤدي إلى توافقه وتجانسه ووحدته وتكتله؛ علماً بأن الإعلام الذي يتزايد تداوله، هو الذي يُحدث التغيير في المجتمع، ويهيئ المناخ لوحدة الأمة؛ فيجعل كل إقليم يلم بشؤون الأقاليم الأخرى.
إن الإعلام الحديث أصبح ذا تأثير هائل على الشعوب، لما يتميز به من خصائص، أهمها:
1. أنه إعلام عابر للحدود، وبذلك يعمل على تلاشي أو انهيار الحدود السياسية والجغرافية بين الدول والمجتمعات، ومن ثَم أصبح الإعلام جزءاً من المؤثرات الوطنية.
2. يتميز بتعدده وتنوعه، وبما يشبع رغبة الجماهير. ومن خلال هذا التنوع يمكن بث رسائل العمليات النفسية بسهولة.
3. أصبح الإعلام عاملاً أساسياً في نشر الأفكار العصرية، ونقل المعلومات الحديثة. كما أصبح عاملاً رئيسياً في بناء شخصية المتلقي، وتوجيهه إلى وجهة محددة.
أولاً: أثر وظائف الإعلام في إدارة العمليات النفسية
يعد الإعلام والعمليات النفسية وجهان لعملة واحدة، يرتبطان برباط مشترك وكل منهما يكمل الآخر؛ فالإعلام يمثل أحد الأدوات الرئيسية في توصيل رسائل العمليات النفسية إلى المتلقي في أي مكان وعلى أي مستوى. كما أن العمليات النفسية هي الوسيلة التي تتحدد من خلالها أهداف الرسائل الإعلامية، وتوجيه الجماهير إلى تحقيق هدف محدد، في توقيت محدد، يخدم مصالح الدولة صاحبة الرسالة.
وفي هذا السياق، فإن الإعلام في معظم مراحل السلام، يمكن أن يبث مواده خالية من رسائل العمليات النفسية، بهدف تحقيق المصداقية، وبناء الثقة بينه وبين المتلقي؛ ومن ثَم يمكن استغلال هذه الثقة عند بث رسائل العمليات النفسية، والتي سوف تلاقي تقبلاً من المتلقي.
وبوجه عام، فلا بد أن تكون للإعلام خططه وآلياته، التي يخصص مساحة منها لآليات العمليات النفسية؛ كذلك ينبغي أن تكون للعمليات النفسية أهدافها ووسائلها، التي تصاغ بأسلوب علمي سليم لا يجعل المتلقي يتشكك فيها، بأي حال من الأحوال.
ويؤثر الإعلام الحديث ويتأثر بأربعة عوامل تمس ثقافة البشر، وتنعكس على مدى توجه الإعلام وآلياته ووسائله وخططه تجاه المتلقي، والتي يمكن من خلالها بث مضمون العمليات النفسية. وتتمثل هذه العوامل في الآتي:
1. ثورة المعلومات والإلكترونيات والهندسة الوراثية، التي أدت إلى إحداث تغيرات حادة في حياة البشر، والتركيبة الاجتماعية في الدول المختلفة، التي جعلت الأفراد حريصين على الارتباط بالإعلام بوسائله المختلفة.
2. التغير في تركيبة القوى الدولية، وظهور القطب الواحد، الذي يمتلك قدرات إعلامية ضخمة يمكنه التأثير بها على سائر أركان العالم، ويحاول من خلالها "أمركة" الثقافة العالمية، ويستخدمها في بث رسائل خطيرة، خاصة إلى دول العالم الثالث للتحول إلى العلمانية، وتغيير القيمة الموروثة، بذريعة أن القيم الدينية الإسلامية انحرفت عن مسارها لدى بعضهم، وتسببت في ظهور السلفية التي تحولت إلى الإرهاب. ونشر أساليب العلمانية من خلال وسائل الإعلام؛ هي في حد ذاتها إحدى وسائل العمليات النفسية الخطيرة.
3. التغير الحاد في الاهتمامات العالمية؛ ففي مرحلة الحرب الباردة، كانت تطغي قضايا سباق التسلح والصراعات الإقليمية والتنافس بين القوي الكبرى، إلا أن تلك الاهتمامات تحولت في العقدين الأخيرين إلى تطبيقات العلوم، والمشاكل الاقتصادية، وحقوق الإنسان، والتطبيق الديمقراطي، وهيمنة القوة على المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية على مستوى العالم. وقد أدير هذا التحول- خاصة من الدول الكبرى- بأساليب وآليات نفسية عديدة، وتحول معها الإعلام جذرياً ليواكب تلك الاهتمامات.
4. أصبحت العمليات النفسية جزءاً لا يتجزأ في الصراعات الحديثة على كل المستويات والأهداف، وذلك من خلال شن أحد الأطراف حملة نفسية على الطرف الأخر، أو تبادل الطرفين لهذه الحملة، وبما أدى إلى تغير حاد في النمط الإعلامي، تختلط فيه المواد الإعلامية بالعمليات النفسية، وتُشن من خلاله عمليات الدعاية التي تؤثر على الخصم، إلى جانب الحملات المضادة، التي تهدف إلى إحباط الحملة النفسية التي يشنها الخصم.
للوقوف على مدى ارتباط الإعلام بأهداف العمليات النفسية، من خلال حساب التكاليف الاقتصادية، ثمة دراسة بحثية إسرائيلية باستخدام نماذج توازن القوي، ونماذج الاندماج، لبحث توجه إسرائيل في إدارة الصراع والعلاقة بين الإنفاق العسكري، بالمقارنة مع الإنفاق على تطوير البنية الأساسية لوسائل الاتصال والإعلام، خلال الفترة من عام 1975 وحتى 1988، وهي الفترة ما بين انتهاء حرب أكتوبر وتحقيق فض الاشتباك الثاني، إلى أن صدر قرار التحكيم الخاص بطابا، والتي تعد هي مرحلة التوجه إلى السلام. وقد انتهت الدراسة إلى النتائج الآتية، التي توضح العلاقة الثلاثية بين الإعلام والعمليات النفسية، والإنفاق العسكري:
1. أن تصاعد الأنفاق العسكري مع قلة الإنفاق على وسائل الاتصال، يعبر عن الاتجاه لاستخدام القوة، وخلافه هو الصحيح؛ بمعنى أن انخفاض الإنفاق العسكري تدريجياً وزيادته على وسائل الاتصال، يعبر عن الاتجاه السلمي، (وربما تتعارض هذه الرؤية عند تطبيق ذلك على حربي الخليج الثانية والثالثة، حيث توازن الإنفاق العسكري مع الإنفاق على وسائل الاتصال؛ ولكن ذلك لا يحدث إلا مع دولة عظمى لديها قدرات غير محدودة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية).
2. أن مراحل تصاعد الصراع تعكس آثارها على ارتفاع معدلات مطالب وسائل الإعلام والعمليات النفسية، من أجل التأثير على الجماهير المتلقية.
3. أن التطور التكنولوجي لعب دوراً مهماً في اختيار المتلقي لوسائل الإعلام التي يرتبط بها، حيث زاد الإقبال على التليفزيون، ثم الراديو، مع ثبات معدلات توزيع الصحف، وهو ما يعد مؤشراً لاختيار وسائل الاتصال لبث رسائل العمليات النفسية. (والملاحظ أن هذه الدراسة لم تتعرض لوسائل الاتصال الأحدث، مثل الانترنت والصحف الإلكترونية، وغيرها؛ نظراً لعدم انتشارها في الحقبة الزمنية الخاصة بالبحث. ولكن يجب مراعاة هذا التطور في خطط العمليات النفسية المستقبلية).
ثانياً: أثر الأفكار المستحدثة على الإعلام والعمليات النفسية
تُعد الأفكار المستحدثة هي جوهر الاتصال، الذي يستهدف تطوير فكر أفراد المجتمع وتكوين الاتجاهات الإيجابية، نحو برامج التنمية، للوصول إلى سلوكيات على مستوى المجتمع. والتعريف الموضوعي للفكرة المستحدثة هو أنها:" أية أفكار أو سلوك أو شئ جديد، يختلف كيفاً ونوعاً، عن الأفكار أو السلوك أو الأشياء الموجودة فعلاً".
ومن هذا المنطلق "فالفكرة المستحدثة، هي فكرة أو ممارسة أو موضوع يدركه الفرد بوصفه جديداً". كما أن تبني هذه الفكرة هو أحد مظاهر أسلوب الحياة المتغير، وهو متغير سلوكي أكثر منه متغير اتجاهي أو إدراكي. كما أن تبني الأفكار المستحدثة هو الاختيار الحقيقي لمعرفة ما إذا كان الفرد يقبل أسلوباً للحياة أكثر تعقيداً ومتقدماً تكنولوجياً وسريع التغيير، أو لا يقبله. وهو ما يصبح وسيلة فعاله لبث رسائل العمليات النفسية.
وانتشار الأفكار المستحدثة، يعني: "انتقال الأفكار والتكنولوجيا والممارسات الجديدة من مصادر ابتكارها إلى الناس". فالانتشار مرتبط بالتجديدات والابتكارات، إلى جانب أن الانتشار: "هو عملية ينتقل من خلالها التجديد أو ينتشر فيها بين المستخدمين أو بين الناس"، ويتمثل أساس عملية الانتشار في التفاعل الإنساني، الذي يترتب عليه انتقال فكرة جديدة من شخص إلى آخر.
وهناك أربعة عناصر أساسية ترتبط بموضوع انتشار وتبني الأفكار المستحدثة، وهي:
1. التجديد أو الابتكار أو تطبيق التكنولوجيا الجديدة (بمعني الفكرة المستحدثة نفسها).
2. قنوات الاتصال.
3. التركيب الاجتماعي للبيئة أو النسق الاجتماعي.
4. الفترة الزمنية الضرورية للانتقال، أو ما يطلق عليه "عنصر الزمن".
وعلى الرغم من تصاعد تأثير الأفكار المستحدثة، إلا أن بعض قادة الرأي يشيرون إلى أننا نعيش حالياً مرحلة ما بعد الحداثة، وهي مرحلة متقدمة تأثرت بالعلوم التكنولوجية والانفتاح الذي يسود العالم، نتيجة العولمة وثورة المعلومات والاتصالات. وقد يلغى عصر ما بعد الحداثة الكثير من النظريات الاجتماعية والثقافية والإعلامية السائدة، ويبدلها أفكاراً جديدة تحتاج إلى وقت لاستيعابها وتقنينها، ومن ثَم فإن الأفكار السائدة في العمليات النفسية ستحتاج، أيضاً، إلى تطوير وتغيرات حادة.
ثالثاً: أنماط الاتصال التي تحقق الأهداف المخططة للإعلام، والعمليات النفسية في نقل الأفكار المستحدثة
تتنوع أنماط الاتصال، والوسائل التي تحققها، طبقاً لاختلاف وظيفتها والهدف منها وتأثيرها على الجمهور المخاطب. فهناك وسيلة الاتصال المقروءة والمطبوعة مثل الصحافة، والوسائل التي تعتمد على الصوت والحس والتي تمثلها الإذاعة، وكذلك الوسيلة الأكثر انتشاراً والتي تعتمد على الصوت والصورة مثل التليفزيون. كما توجد وسائل الاتصال الإلكترونية الأخرى وأهمها الإنترنت.
وعلى الرغم من تعدد وسائل الاتصال، إلا أن الاتصال الشخصي بأركانه المختلفة يبقي عاملاً مؤثراً في أنماط الاتصال، والتي تتحدد في:
1. قنوات الاتصال: وهي التي يمكن أن تنتشر المواد الإعلامية والعمليات النفسية من خلالها بالسرعات المطلوبة. ويعمل الاتصال - باستمرار - على إحداث التفاعل الإنساني، الذي تنتقل الأفكار الجديدة بمقتضاه من شخص لآخر. وقد أسفرت البحوث التي أجريت عن الاتصال عن عدة وظائف أساسية لوسائل الإعلام في عملية انتشار الأفكار المستحدثة، أهمها:
أ. وظيفة التحّفيز: " Motivation": وهي تعتمد على البرامج المصممة لإثارة الاهتمام والتنبيه، والحث بصفة عامة على تبني الأفكار المستحدثة.
ب. وظيفة التقييم: " Evaluation": والتي تعتمد على البرامج المصممة لتقديم المعلومات للمهتمين بموضوع معين، ويبحثون عن مواد إضافية لكي تسهم في تقييم ما يبحثون عنه.
ج. وظيفة الإخبار" Information": وتعتمد على الرسائل القصيرة، التي يقصد بها تقديم الفقرات الإخبارية البسيطة.
د. وظيفة التعزيز " Reinforcement": ويعتمد على الدّعم أو الاهتمام بموضوع للمحافظة على قيمة أو موضوع محدد.
هـ. الوظيفة المهنية " Professionals": وتعتمد على البرامج المتخصصة التي تتعلق بالموضوعات المهنية المختلفة.
2. الاتصال الشخصي كوسيلة رئيسية للاتصال ولنشر الأفكار المستحدثة: ويكون من خلال العديد من قنوات الاتصال أو التأثير الشخصي أو المواجهة، وبما يؤدي إلى تفاعل مستمر ومباشر بين القائم بالاتصال والمجموعات المستهدفة، ويتم من خلالها تبادل المعلومات والآراء، والاتجاهات بين طرفي الاتصال، مع بث رسائل عمليات نفسية مخططة، بما يؤدي في النهاية إلى التأثير على المستقبل لتحقيق هدف ما.
ويتميز الاتصال الشخصي بتوافر درجة عالية من المرونة، التي يتاح بمقتضاها للمرسل تغيير الأسلوب أو اتجاه المناقشة، خاصة حينما يواجه مقاومة من جانب الجمهور المستهدف، إلى جانب أن الاتصال الشخصي يتميز، أيضاً، بأن رجع الصدى فيه عاجل وفوري ومباشر ومحسوس، بحيث يساعد هذا التأثير المرتد على تحقيق التناغم والتوافق، بين المرسل والمستقبل، خلال الموقف الاتصالي.
ويشمل الاتصال الشخصي العديد من الوسائل والأساليب، وهي:
أ. الاتصال الذاتي: من أجل إقناع شخص بأفكار محدده تحمل مضمون عمليات نفسية، ويكون توجيه هذا النمط من الاتصال إلى القادة المسؤولين في الدولة المخاطبة.
ب. الاتصال الجمعي: من خلال نشر الأفكار في مجموعات من الجماهير عن طريق اللقاءات والخطابة وإلقاء المحاضرات، وهو ما يتطلب الاتصال بجماعات المعارضة، أو العملاء، لتنفيذ مثل هذا الاتصال.
ج. الاتصال الجماهيري: ويكون من خلال الأفراد أو وسائل الإعلام المختلفة للتأثير على الجماهير، وإدخال مضمون معين لقضية محددة من خلال عمليات نفسية مدروسة جيداً.
3. الاستعانة بقادة الرأي: وهم يعدون ركيزة أساسية في نقل المعلومات للجمهور عن طريق الاتصال الشخصي، لما يتميزون به من تأثير على المتلقي وثقة بهم، وربما يكون تأثيرهم - خاصة في وقت الأزمات- أكبر من تأثير قادة رسميين، بوصف أن "قيادة الرأي هي الدرجة التي يكون عندها الفرد قادراً على التأثير بصورة غير رسمية، في اتجاهات الأفراد أو في سلوكهم الظاهر بطريقة مطلوبة ومتكررة.
ويمكن…الاستفادة بقادة الرأي، أيضاً، في نشر الأفكار المستحدثة، من خلال الاستعانة بهم في مختلف أوجه أنشطة الاتصال الشخصي، ومن خلال الآتي:
أ. تمهيد الطريق وتهيئة عقول الأفراد المستهدفين لتقبل الأفكار الجديدة، ورسائل العمليات النفسية التي تنتشر عن طريق وسائل الإعلام، وغيرها من وسائل الاتصال الجماهيرية.
ب. القيام بدور المنشطين والمشجعين في تقبل الجماهير للأفكار، بحكم مكانتهم في المجتمع، وثقة أعضاء الجماعة في آرائهم.
ج. تقديم الاستشارات المختلفة، بهدف حل المشكلات الطارئة.
وهذا السياق، فإن الأفكار المستحدثة تعتمد في مجالاتها المختلفة، على علوم الاتصال الحديثة، التي يتحقق من خلالها وحدة الفكر، وتحديد المفاهيم في الخطاب الإعلامي والنفسي. وهناك العديد من وسائل الاتصال التي تستخدم في هذا المجال، وأهمها:
1. الاتصال اللفظي:" Verbal Communication"
وهو الاتصال الذي يعتمد على وسائل تتكون أساساً من كلمات مكتوبة أو غير مكتوبة، في توصيل الفكرة أو المعني، مثل النشرات والتقارير والخطابات والمحادثات التليفزيونية والمؤتمرات، والأحاديث التليفزيونية والإذاعية.
2. الاتصال غير اللفظي" Non verbal Communication"
وهو الاتصال الذي يعتمد أساساً على الصور والرسوم التوضيحية والبيانية، والخرائط (ويستخدم في المنشورات والدعاية النفسية على وجه الخصوص).
3. الاتصال عن بعد " Telecommunication"
أي الاتصال عبر مسافات شاسعة، عن طريق الأقمار الصناعية وشبكات الميكروويف والألياف الضوئية، وربما كانت الفضائيات المنتشرة حالياً، هي النموذج العملي للاتصال عن بعد، وهي التي ساعدت على انتشار العولمة الإعلامية والثقافية، وأدت إلى تحقيق التوجه الجديد لأهداف "الإعلام النفسي"، وهو تفتيت الجمهور " Demassification"، من خلال إتاحة بث عدد هائل من الرسائل الاتصالية، تهدف كل منها إلى استقطاب فئة بعينها، طبقاً لمستواهم الثقافي وتوجهاتهم الاجتماعية، ومدي ولائهم للنظام.
4. الاتصال عن طريق شبكة المعلومات الدولية "الانترنت"
وتعد أحدث وأهم مجالات الاتصال ونشر المعلومات على مستوى العالم، وهي التي حلت محل العديد من وسائل الاتصال مثل الفيديوتكس، والتليتيكست وغيرها. وتتميز بإمكانياتها الضخمة في الحصول على المعلومات، والاتصال الفوري، وبث الرسائل، التي يمكن إطلاع أعداد كبيرة عليها في وقت واحد. وتكمن خطورة أو أهمية الانترنت، أن مستخدميها يتمتعون بدرجة عاليه من الوعي والثقافة، بما يسِّهل سرعة إيصال الرسائل إليهم، واستيعابها في زمن قصير.
يتطلب التطبيق العملي للأفكار المستحدثة، قياسات دائمة لتأثيراته على المتلقي، وهي وظيفة رئيسية للعمليات النفسية، لكي يتأكد من خلالها مدى نجاح الإعلام والعمليات النفسية في تحقيق الأهداف المخططة، وإجراء أي تعديلات في الخطط الإعلامية والنفسية، من أجل تأكيد التأثير أو تصويب السلبيات، أو التصدي للعمليات النفسية المضادة، التي استهدفت الخطة الإعلامية/ النفسية.
رابعاً: نماذج من الأفكار المستحدثة في العمليات النفسية
لعبت "الدعاية" الصهيونية، دوراً رئيسياً في منظومة الإعلام والعمليات النفسية، وقاتلت بشراسة في ميادين شتي لتمارس دوراً ديماجوجيا لتعبئة رأي عام، وتبرير احتلال الأرض، وغزو فلسطين والأراضي العربية. وكانت التجربة الصهيونية في دعايتها السياسية والأدبية، هي الأولي من نوعها في التاريخ الحديث، حيث يستخدم فن الدعاية بجميع أشكالها ومستوياتها للقيام بأكبر وأوسع عملية تضليل وتزوير، تؤدي إلى نتائج غاية في الخطورة على النظام العربي، ومستقبل منطقة الشرق الأوسط.
وهذا يشير إلى أن المشروع الصهيوني، هو مشروع هيمنة على العالم برمته. وتتجلي هذه الهيمنة في سيطرة الصهيونية ونفوذها على وسائل الإعلام الدولية، بل وتمكنت من إيصال مفهوم لبعض مصطلحات إعلامية تناولتها وسائل الإعلام العربية نفسها. وهذا ما يعكس في النهاية ضعف القدرات العربية وتخلفها على المستوى العالمي، وبما يعد من قبيل العمليات النفسية التي يشنها العدو ونعاونه نحن في ذلك. ومن أمثلة هذه المصطلحات:
1. دول الجنوب: والتي يقصد بها الدول الأقل تقدماً عن مثيلاتها من دول الشمال، وقد صنفت جميع الدول العربية على أنها "جنوبية".
2. دول العالم الثالث، أو الدول النامية: والمعني الذي يضع حدا فاصلاً بين الدول المتقدمة، والدول الأقل تقدماً، ومنها الدول العربية؛ علماً بأن مصطلح العالم الثالث كان يستخدم للإشارة إلى دول عدم الانحياز إبان الحرب الباردة.
3. استغلال ما تردده وسائل الإعلام العربية من عبارات "الكيان الصهيوني"، أو العدو الإسرائيلي، للإيحاء بأن دولة إسرائيل توجد بين بحر من دول معادية، وأنها تطلب دعم أمنها من القوي الكبرى، وبذلك تتمكن من التغطية على جرائمها، خاصة في حق الفلسطينيين.
خامساً: الإعلام النفسي وأثره على المجتمعات في مستوياتها المختلفة
الإعلام النفسي هو الإعلام الذي يحمل رسائل نفسية تصيغها الجهات المسؤولة عن العمليات النفسية، من خلال قوالب إعلامية تتناسب مع ثقافة الهدف المخاطب ومطالبه، بهدف التأثير فيه وتحقيق مهام العمليات النفسية، باستخدام وسائل الإعلام المتاحة. وهو أحد إفرازات التسويق الاجتماعي Social Marketing، الذي ظهر في عام 1971 ليصف استخدام مبادئ التسويق وأساليبه من أجل تقديم قضية اجتماعية أو فكرة أو سلوك. ويهتم التسويق الاجتماعي - لدى بعض الناس - بتغيير ردود فعل الأفراد تجاه فكرة معينة، أو هدف، أو سلوك محدد، لصالح المجموع والمجتمع. وقد عرّفه آخرون بأنه يحتوي على عناصر رئيسية لترويج وتبني الأفكار والسلوكيات المنشودة اجتماعياً، حيث يستخدم مبادئ ومهارات لتوفير وترويج أفكار أو سلوكيات مفيدة للمجتمع. كما حدد آخرون أهدافه بترويج الأفكار ذات الطابع الاجتماعي، حيث يقدم التسويق الاجتماعي معلومة جديدة، أو يصلح معلومة خاطئة رسخت في الأذهان.
أن أبرز أدوار الإعلام والعمليات النفسية على المستوى الدولي، هو نقل الثقافات والأفكار والأخبار، طبقاً لمنهج معين ولتحقيق أهداف محددة وبصورة لم تكن محققه في السابق، إلى جانب تمكين عناصر الفكر في الإدلاء بآرائها بحرية كاملة نحو القضايا الرئيسية في العالم؛ ومن ثَم، فإن مستقبل العالم أصبح مفتوحاً، ويمكن للشخص العادي أن يستشفه، وأن يحدد مكانه ومكان دولته ومدي تأثيرها في مجالها الحيوي، على المستوى الإقليمي والعالمي.
كما فتح الإعلام مجالات واسعة للاقتصاد والعلوم بشتى مجالاتها، للانتشار والتوسع من خلال الإعلام المتخصص، والذي أصبحت مجالاته تعمل على ربط أبناء المهنة الواحدة في شتي أنحاء العالم.
وعلى ذلك، فإن العمليات النفسية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الإعلام، ومن أجل التأثير لتحقيق أهداف محددة.
والإعلام بصورته الحديثة، التي تختلط بالعمليات النفسية، هو الذي نقل إلينا العديد من الأفكار التي تتعلق بثقافتنا وهويتنا ورؤية الغرب لها، وهو ما أثار جدلاً شديداً في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، حيث حاول صمويل هنتجتون تأكيد نظريته في صراع الحضارات، وعودة المنافسة التقليدية بين الدول القومية، أو أفول الدولة القومية بسبب وقوعها بين قوى متنافرة، مثل القبلية والكونية وغيرها. وأشار إلى أن المصدر الرئيسي للصراع في هذا الكون لن يكون أيديولوجيا أو اقتصادياً بالأساس، ولكن سيكون ثقافياً؛ فالصدام بين الحضارات سيهيمن على السياسة الكونية، وستكون القضايا الخلافية بين الحضارات منطلقاً للصراعات المستقبلية.
ولم ينسَ هنتجتون في مجال عرضه للمشكلة أن يشن حرباً نفسية على المسلمين أنفسهم، ويعطي إحصائيات توضح أن معظم الصراعات تقع بين المسلمين أنفسهم. وفي هذا المجال، أيضاً، حذر هنتجتون مما قد يحمله المستقبل؛ فالصدام يقع بين الحضارات لخمسة أسباب تلعب فيها العمليات النفسية دوراً أساسياً، هي:
1. تعميق الاختلاف بين الحضارات، والتي يلعب فيها الإعلام النفسي والثقافة، بمستوياتها المختلفة، دوراً رئيسياً.
2. أن أطراف العالم أصبحت أكثر تقارباً من ذي قبل نتيجة تطور وسائل الاتصال والإعلام، مع اتساع التبادل بين الشعوب، ما يؤكد الوعي بالاختلاف بين الحضارات وبما يشعل حروباً نفسية.
3. سيطرة سلطة الدولة على العولمة، الأمر الذي يعني تزايد أهمية الدين والقيم الثقافية في تفعيل دور الشعوب، بما يمثل العمليات النفسية الإيجابية.
4. زيادة سيطرة دول الغرب وضغوطها، وبما يؤدي إلى رفض الآخر، وتأجج الصدام، إلى جانب قدرتها على شن الحرب النفسية.
5. أن الشعوب لا تتغير بسهولة، لذلك، فإن مسألة الهوية ستظل شاغلاً رئيسياً يؤكد الخلافات بين عناصر المجتمع الدولي.
ومن خلال طرح هنتجتون لما قد يحمله المستقبل، فهو يتفق أو يختلف مع آراء العديد من المفكرين العالميين، وفي مقدمتهم فوكوياما صاحب نظرية "نهاية التاريخ"، وانتصار الرأسمالية في نهاية الصراع، وجوزيف ناي صاحب نظرية صعود الأمم وسقوطها، وبول كيندي صاحب أطروحة "أفول الولايات المتحدة الأمريكية".
إلى جانب ذلك، يمكن القول، إن الإعلام بصورته الحديثة، هو الذي أدى إلى صعود الولايات المتحدة الأمريكية لتحتل مكانتها على قمة النظام العالمي، من خلال استعراض القوة المفرطة والتي شاهدها العالم أجمع من خلال النقل التليفزيوني المباشر، لأحداث حربي الخليج الثانية والثالثة، وأحداث 11 سبتمبر، والحرب في أفغانستان، وكلها بمثابة حرب نفسية شرسة ليس على العراق فقط، بل على كل دولة مناوئة للولايات المتحدة الأمريكية.
وقد حققت الولايات المتحدة الأمريكية من خلالها نظريات "الحرب الإستباقية"، وعسكرة السياسة الأمريكية، كما استعرضت الإمكانيات غير المحدودة التي تمتلكها ويفتقر إليها العالم، ومن ثَم القدرة على تحقيق التفوق على كل قوى العالم، وفرض إراداتها وهيمنتها على مراكز الثقل الإستراتيجية، وأهمها منطقة الشرق الأوسط.
وكان هذا النوع من الإعلام يمثل نموذجاً فذاً لدمج العمليات النفسية في قالب واحد مع الإعلام الموجه، والذي أدى إلى هزيمة الخصم قبل أن تبدأ العمليات البرية نفسها، ومهد مسرح الصراع لكي تحقق الولايات المتحدة نصراً عظيماً في كلا الحربين. واستخدم الإعلام الأمريكي نظرية "الردع الإعلامي والنفسي" من خلال استعراض القوة، الذي تنقله وسائل الإعلام، ويحقق التأثير النفسي الذي خطط بأسلوب علمي، ويُبَث من خلال برامج مختلفة لإيصال رسالة معينة تهدف الولايات المتحدة من ورائها إلى نشر أحداث ذات تأثير معين، في الرأي العام الإقليمي أو العالمي.
وعلى سبيل المثال، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعمدت، قبل شن عملية "عاصفة الصحراء"- خلال حرب الخليج الثانية - وخلال الإعداد للعملية، بث صور لأسلحة متقدمة، وتدريبات لقوات كبيرة، ومواصفات لأسلحة يمكنها تدمير أهدافها من مسافات بعيدة ومن أول قذيفة تطلق ضد أي هدف، إلى جانب تكثيف تصريحات للسياسيين والعسكريين عن مدى إمكانية تحقيق النصر. وما فعلته في حرب الخليج الثانية، تكرار على نطاق أوسع إبان الاستعداد لشن حرب الخليج الثالثة. وكان للإعلام في كلتا الحالتين الدور الرئيسي في إيصال الرسائل المختلفة.
ومما سبق يمكن القول إن دور وتأثير العمليات النفسية الموجهة من خلال الإعلام على المستوى الدولي، أفرز العديد من العوامل والمبادئ، أهمها:
1. تقليل المسافات ما بين الأحداث المهمة، بما أدى إلى انعكاس تأثير أي حدث في مكان ما على باقي دول العالم، طبقاً للبعد المكاني، والارتباط السياسي، والعلاقات الاقتصادية؛ ولذلك حول الإعلام الكوني الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة، بل إلى غرفة اجتماعات مغلقة يتناقل فيها الأطراف الأخبار في وقت وقوعها نفسه، وتؤثر فيهم، ويؤثرون عليها.
2. بناء رأي عام عالمي تجاه القضايا التي تهم العالم، وفي مقدمتها قضايا الأمن والسلام، والاقتصاد، وحول الرأي العام الوطني أو الإقليمي إلى جزء لا يتجزأ من الرأي العام العالمي، ومن ثَم أحكم التواصل بين شعوب العالم، وعمق الإحساس بالمسؤولية تجاه القضايا المختلفة.
3. غيرَّ من مفهوم مبادئ الحرب، خاصة في مجالات المفاجأة والمبادأة والحشد، حيث أصبحت كل الشواهد مباحة في مجال تطور الصراع وتصاعد الأزمة وتحليل التوقعات، وبما أدى بدوره إلى توجه القوى الكبرى في الانخراط نحو امتلاك القوة، لكي يُحقق من خلالها التفوق والانتصار.
4. غيرَّ من مفهوم تطبيقات الإستراتيجيات الحديثة، التي أضحت تعتمد على توصيل رسائل الحرب النفسية إلى شعوب الدول "الضد"، حيث أصبحت هذه الإستراتيجيات تعتمد على ثلاث مراحل رئيسية لتحقيق أهدافها:
أ. الأول: ردع الخصم، وإنذاره بتنفيذ إرادة القوة الأخرى، والانصياع للنظام العالمي.
ب. الثاني: في حالة عدم الالتزام تُشن ضربة عسكرية لتدمير البنية الأساسية، وتدمير النظام نفسه، واحتلال الدولة.
ج. الثالث: تصعيد نظام بديل يتعاون مع قوات الاحتلال، لتحقيق أهدافها في السيطرة على الدولة.
5. إلى جانب ذلك، فإن الإعلام على المستوى الدولي، أدى - بطريق مباشر أو غير مباشر- إلى نقل رسائل الإرهابيين النفسية إلى أنحاء العالم. وبذلك ساعد على انتشار الإرهاب في المناطق المختلفة، وقد نقلت رسائل الإرهابيين من خلال الآتي:
أ. نقل مباشر من خلال استخدام شبكة الإنترنت، وهناك آلاف المواقع على الانترنت تحض على الإرهاب، أو تنقل رسائل محددة، أو تشرح أسلوب تصنيع القنابل والعبوات المتفجرة، وأساليب استخدامها، وغير ذلك.
ب. نقل رسائل بواسطة شبكات تليفزيونية ذات تأثير، على نمط ما تنقله بعض الفضائيات لرسائل يرسلها قادة تنظيم القاعدة، وترى الشبكة الفضائية أنها حصلت على السبق في نقلها.
ج. النقل عن طريق جميع وسائل الإعلام من خلال عمليات إرهابية مؤثرة، يصاحبها تصريحات أو بيانات أو رسائل تذيعها وسائل الإعلام، ومن ثَم تنقل أهداف الإرهاب وتنشرها على العالم أجمع. ومن خلال هذا النقل، يجد الإرهابيون ذاتهم ويحققون أهدافهم المخططة.
العلاقة بين نظريتَي الاستعمار الإلكتروني والنظام العالمي
ثمة علاقة ورابط جوهري بين نظرتي الاستعمار الإلكتروني والنظام العالمي؛ فنظرية الاستعمار الإلكتروني " Electronic Colonialism"، تؤكد أن وسائل الإعلام تنقل عدداً متنوعاً من القيم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي بعض الأحيان تنقل قيماً سياسية ودينية. وتذهب نظرية النظام العالمي إلى أبعد من ذلك، وتتوسع في أطروحاتها عن نظرية الاستعمار الإلكتروني، عندما تقسم دول العالم إلى ثلاث فئات هي: الدول المركزية، والدول شبه الهامشية، والدول الهامشية.
وتهتم بعض الدول المركزية بآثار الاستعمار الإلكتروني، بل إن بعض الدول المركزية مثل فرنسا وبريطانيا وكندا وإستراليا، في قلق مستمر من "أمركة" صناعاتها الثقافية. أما الدول الهامشية وشبه الهامشية فلديها العديد من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية، حتى تخفف أكثر من آثار الاستعمار الإلكتروني.
والاستعمار الإلكتروني بوسائله الحديثة يستخدم كل أساليب العمليات النفسية للتأثير على الهدف المخاطب، وبما يزيد من آثار هذا الاستعمار بصورته الحديثة.
سادساً: دور الإعلام والعمليات النفسية في إدارة الصراع
تتحدد المحصلة النهائية للصراع في ضوء عناصر القوة المتوافرة، لدى طرفي الصراع بالمعني الواسع لهذا المفهوم. ويمكن القول إن عناصر القوة لأي طرف منهم تتضمن القوي العسكرية والاقتصادية والسياسية والمعنوية والبشرية والتكنولوجية، إلى جانب القدرة على توجيه العمليات النفسية. ويمكن استخدام المناهج المتطورة كالرياضيات والحاسبات الإلكترونية في تحديد عناصر تلك القوي.
إلا أن هذا التحديد يظل غير دقيق، نظراً لوجود عناصر قوى من الصعب قياسها، كالقوة المعنوية وغير ذلك من المسائل التي تؤدي إلى التنبؤ بأبعاد الصراع. ويؤخذ في الاعتبار توافر المعلومات التي على أساسها تتخذ القرارات وخصائص القادة المتخذين لهذه القرارات، ومدي الاستفادة منها. وهنا يأتي دور العمليات النفسية، التي توجه أساساً إلى الروح المعنوية للشعب والقوات المسلحة المضادة.
ويبني القرار عادة في عملية إدارة الصراع، على عناصر ملموسة وعناصر أخرى غير ملموسة. ومن العوامل غير الملموسة الخصائص النفسية لصانع القرار والحالة النفسية لقوى الصراع. وتعد قرارات إدارة الصراع في أغلب الأحيان قرارات مصيرية، فقد يترتب على فشلها تحقيق دمار شامل وهلاك آلاف الأرواح.
وهذا ما يوضح الأهمية القصوى لعملية صناعة القرار، وفي الوقت نفسه تقتضي معالجة وإدارة الصراع، الاعتماد على العقلانية واستبعاد العواطف والانفعالات والشعارات، التي تتسم بقصر النظر؛ فمعالجة الصراع لاتتسم بالتمني وليست حلماً يحلم به صانع القرار بإحراز الانتصار النهائي وانتهاء الأمر؛ ولكنها عملية متعددة وشاقة ونابعة من عناصر القوى، التي يتسم بها طرفي الصراع.
وهنا تبرز أهمية رسالة الإعلام الممزوجة بالعمليات النفسية، والتي تنقلها الفضائيات بصورة خاصة، ذلك أن التقنية الإعلامية أسهمت - وما تزال - في تقصير زمن الحروب، حيث تؤثر الآلة الإعلامية الحديثة، والخبرة المهنية في التعامل مع الحدث، في توجيه الرأي العام.
وأصبحت القدرات الإعلامية والسياسات الإعلامية (النفسية) قادرة على إسقاط الحكومات والأنظمة التي لا تتجاوب مع الرأي العام، نتيجة المعرفة الوقتية للأحداث بصورها المختلفة، وهو ما لم يكن متوافراً في الحروب الماضية في القرن العشرين، حيث سقط عشرات الملايين من القتلى، وأمكن للحكومات إخفاء الأمر وعدم الإعلان عن الحقائق في وقتها.
وللإعلام النفسي دور مهم في إدارة الصراع، حيث يستطيع أن يستخدم آلية الدعاية والحرب النفسية في ردع الجانب الآخر. ويستطيع أن ينقل إلى المستوى العالمي عناصر القوة التي يتمتع بها طرف ضد طرف آخر في إدارة الصراع، ويصيغها في منطق إعلامي ملائم، بحيث يتردد هذا المنطق في الوسائل الإعلامية المختلفة.
ومع الأخذ في الحسبان خصائص المستقبل للرسالة الإعلامية، فبداهة كلما كان لطرف إمكانيات وعناصر قوة، فإن ذلك يساعد الإعلام على تأدية دوره بنجاح؛ فدور الإعلام يركز على الدور الدعائي والعمل النفسي، كما حدث في حرب الخليج الثالثة. وبالضرورة يجب أن يتوافر لوسائل الإعلام الآليات والقدرة على الإقناع؛ لأن الردع في هذا الإطار لن يتحقق إلا إذا اقتنع به الطرف الآخر.
ويبرز في هذا المجال دور الإعلام العسكري على المستويات المختلفة، للتوعية بمصادر التهديد والتوعية بالدعاية النفسية المعادية، والتي لابد أن تتأسس على نهج علمي سليم، وباستخدام كافة الإمكانيات؛ ذلك أن إدارة الصراع، وبمقدار ما يتحقق من توجيه حملات نفسية ضد الخصم، معظمها يأتي عن طريق الإعلام، إلاَّ أن الخصم له أيضاً آلياته في مجال الصراع نفسه لتوجيه رسائل مضادة، قد تصيب بأضرار ويجب الوقاية منها عن طريق اتخاذ العديد من الإجراءات المضادة، ومن أهمها:
1. إقامة حزام إعلامي أمني حول المواطن من أجل التصدي للفكر السياسي الدعائي المعادي، الذي يحاول اختراق الأمن النفسي، والتأثير على معنويات الشعب والقوات المسلحة، وذلك من خلال بث الدعاية النفسية غير المباشرة، التي توجه في الخفاء أو العلن، ويكون من أهدافها:
أ. تضليل المواطنين بدعاوي ظاهرها السماحة والبراءة والدعوة إلى القيم النبيلة؛ ولكنها في الواقع تضم في باطنها سموم الخداع والتضليل من أجل تفتيت وحدة الأمة.
ب. تنفيذ عمليات الدعاية (عامة ومتخصصة) التي تشنها وسائل الإعلام المعادية، بهدف النيل من الروح المعنوية للشعب وقواته المسلحة، وإضعاف مقاومته، وذلك من خلال نشر وإذاعة الدعايات المليئة بالأكاذيب وإطلاق الشائعات.
ج. محاولة الحصول على المعلومات بالسعي نحو استدراج بعض العناصر الوطنية، من خلال إشراكها في برامج تُبث عبر التليفزيون أو الإذاعة، والحصول منها على معلومات من خلال استخدام وسائل الإثارة، أو تشجيع المتحدث على الإدلاء بمعلومات سرية.
2. المتابعة المستمرة لوسائل الإعلام المعادية الموجهة ضد الدولة، لتحليل وعرض ما جاء بها على الرأي العام الوطني، وتعريفه بالحقائق، ونقد المعلومات التي يبثها العدو بصورة علمية.
3. إذاعة حقائق الموقف، من خلال وسائل الإعلام الوطنية، بحيث يثق الشعب في صدقيتها، ويرتبط بها، وينبذ القنوات الأخرى التي يستشعر أنها موجهة للتأثير عليه سلباً.
4. العمل على تنمية الوعي الأمني لدى المواطنين لمواجهة طرق العملاء وأساليبهم، مع عدم الخوض كثيراً في نشر الأنشطة العسكرية، أو التبرع بالإدلاء بمعلومات سرية تكون لدى المسؤولين من مواقع الوظائف التي يزاولونها.
5. تنفيذ خطة خداع إستراتيجي متكاملة على مستوى الدولة، وباشتراك الوزارات والهيئات المعنية، وبما يحقق تأثيراً وإرباكاً لخطط العدو في الإعلام النفسي.
6. إجراء قياسات دورية لكافة المستويات لتبيان مدى التأثير النفسي لحملات العدو المعنوية، ومدى ارتباط الشعب بوسائل إعلامه، وما الصورة التي رسخت في وجدان المتلقين (مدنيين وعسكريين)، والعمل على تطوير الخطط الإعلامية النفسية (السالبة والموجبة)، وبما يحقق تلاحم الجماهير والنظام والقوات المسلحة.
ولاشك أن ثورة الاتصالات والمعلومات، التي أصبحت تخترق الجدران وتبحث عن الحقائق وتنقل الأحداث بوقائعها المجردة، وتصل آثارها إلى ملايين المواطنين، وخاصة الأجيال الجديدة، ستحدث تغييرات هائلة في خلق وعي جديد. ويظل الصراع الحقيقي هو صراع الأفكار والقيم الإنسانية العادلة، والفائز فيه - عبر وسائل الإعلام الحديثة - هو الفائز في عدة ميادين أخرى؛ فنوع الوعي، ونوع الفكر الذي يسود أمة من الأمم بأبعاد إيجابية وشاملة، هو الذي يصنع التحول الأساسي نحو النهضة.
وتُحدث الحروب، عادة، تغييرات كبيرة في المجتمعات التي تمر بها؛ وبقدر ما فيها من آلام، بقدر ما تكون حافزاً للأحياء من أجل الاستعداد لدورة جديدة من التحدي والعمل البناء. وتبقى القدرات الإعلامية من أهم القوي المؤهلة لتقصير مدة الحرب، والتقليل من آثارها المدمرة، كما تبقى كذلك قادرة على ملاحقة المسؤولين عن قرار الحرب، وما أدى إليه من كوارث.
المبحث الرابع عشر مستويات الإعلام النفسي ووظائفه
تتعدد مستويات الإعلام النفسي ووظائفه كأحد الفروع الرئيسية لوسائل الاتصال والعمليات النفسية، وبما يتطلب اتساع رؤية التخطيط لإنجاح المهام المكلف بها هذا الإعلام، ووضعه في نطاق التخطيط للعمليات أو الإستراتيجيات المختلفة على مستوى الدولة، سواء في المجال الدولي أو الداخلي أو الاقتصادي أو غيرها.
أولاً: دور الإعلام النفسي على المستوى السياسي
يعد الإعلام، بفلسفته الواسعة وبوسائله الحديثة، أقوى أدوات الاتصال العصرية؛ بل إن الإعلام في هذا العصر وفي ظل ثورة الاتصالات والمعلومات، حمل معه ثورة جديدة، أدت إلى إحداث تطور ضخم في تكنولوجيا الاتصال. وقد تعددت مجالات الإعلام وتنوعت، وارتبطت ـ في الوقت نفسه ـ بعلوم السياسة والاجتماع وعلم النفس والاقتصاد والجغرافيا وغيرها.
وأصبح الإعلام النفسي وسيلة من أدوات السياسة الخارجية للدولة، تؤثر وتتأثر بالوسائل الأخر. وعندما تنشب الأزمات، فإن أهمية السياسة الخارجية للدولة تبرز في المقدمة، ويزداد الاهتمام بالوسائل المختلفة للسياسة الخارجية ومنها وسائل الإعلام. ومن هنا تتفاعل إمكانيات الدولة العسكرية والاقتصادية والسياسية والخصائص السيكولوجية للرأي العام، مع الوسيلة الدعائية، فتؤثر وتتأثر بها.
والإعلام النفسي هو إحدى الركائز الإعلامية في مجال السياسة الخارجية للدولة، حيث توجه رسائل معينة في المجال السياسي لتحقيق أهداف محددة، أو إجبار الخصم على الانصياع لتنفيذ توجه معين وفق إرادة الدولة. والأمثلة عديدة في هذا المجال، مثالها الضغوط التي حدثت على ليبيا في قضية لوكيربي، ثم تنازلها عن برنامجها النووي عام 2003؛ أو الضغوط الهائلة التي تحاصر النظام السوري، من أجل توجيهه لتنفيذ إرادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وكذلك قضية الملف النووي الإيراني، التي تديرها الولايات المتحدة بمشاركة من الإتحاد الأوربي، والأمم المتحدة، والعديد من القوي الأخرى، تمثل نموذجاً لتطبيق العمل النفسي الإعلامي وأسلوب المزج بين الإعلام والعمليات النفسية، كوحدة تعامل واحدة في مخاطبة خصم عنيد.
وفي هذا السياق، فإن الجانب السياسي للعمليات الإرهابية وجد مكاناً مهماً لدى وسائل الإعلام الفضائية الخاصة، حيث يتمكن من تسريب آرائه وأفكاره عبر شرائط أو بيانات، وهو ما يهدف إليه الإرهابيون، وما يؤثر بالسلب على الروح المعنوية للجماهير، ويربك خطط الحكومات المختلفة، ويشغل جزءاً من تفكيرها في الرد على رموز الإرهاب.
ثانياً: وظائف الإعلام "النفسي"، على المستوى الدولي
1. الاتصال بالجماعات المؤثرة
يتولي الإعلام النفسي، الاتصال بالجماعات المؤثرة في النظم السياسية المختلفة، كالأحزاب وجماعات الضغط والجماعات المصلحية، وأعضاء المجالس التشريعية، ومختلف المؤسسات المؤثرة في صناعة القرار السياسي. ويؤخذ في الحسبان طبيعة النظم السياسة السائدة، وطرق اتخاذ القرار ومدى ديموقراطيته، وكيفية التأثير عليه.
ويعد الاتصال بالجماعات المؤثرة ذا أهمية خاصة، نظراً لسيطرتها على عمليات صناعة القرارات، إضافة إلى أن أعضاء هذه الجماعات يعدون النخبة التي تؤثر على الجماهير. وهكذا يتحقق الاتصال بالجماهير من خلال النخبة، ويستلزم ذلك المعرفة التامة بالجوانب الاجتماعية والثقافية والحضارية للدول، إلى جانب الإعداد المسبق للرسائل النفسية المراد إيصالها.
2. وظائف تمثيلية على مستوى المنظمات الدولية
يؤدي الإعلام النفسي على المستوى الدولي، وظائف تمثيلية، بل ويُعد وظيفة من وظائف المنظمات الدولية. وتختلف هذه الوظيفة باختلاف طبيعة المنظمات وأنشطتها ووظائفها. وعلى سبيل المثال، فإن الأمم المتحدة اهتمت بمشاكل الاتصال الدولي وتنمية الانتشار الحر للإعلام، وتحقيق التعاون السلمي بين الدول. وأسهمت الأمم المتحدة بعدد من المبادرات في هذا المجال، فعقدت عدة مؤتمرات، وأصدرت العديد من الدراسات والتقارير، ونشرت العديد من الوثائق الدولية.
كما بحثت الأمم المتحدة في المشاكل الأساسية للاتصال الدولي، ومنها ما يتعلق بحرية الإعلام " Freedom of Information"، بل إن الجمعية العامة وافقت على العديد من الاتفاقيات الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية، ومنها حرية التعبير. كما سعت الأمم المتحدة نحو تحقيق التعاون الدولي في مجال الإعلام، وأنشأت مكاتب إعلامية لها في العديد من الدول الأعضاء. وقد استغلت القوى الكبرى تلك المؤتمرات في تنظيم سبل إعلامها النفسي، للتأثير على مناطق المصالح الخاصة بها.
ثالثاً: دور الإعلام النفسي على المستوى الدولي، في المجال الاقتصادي
إذا كانت للعولمة مظاهرها الاقتصادية المتمثلة في إزالة العوائق الاقتصادية، ونشر التكنولوجيا، وتحرير الأسواق، وزيادة أنشطة الشركات متعددة الجنسيات، وما يصاحب ذلك من تحديات؛ فإن للعولمة، أيضاً، مظاهرها الإعلامية المتمثلة في ثورة الاتصالات والمعلومات، والقدرة على نقل الأخبار والأحداث لحظة وقوعها في أي بلد من العالم، وفضلاً عن تحقيق العولمة الاقتصادية، التي تتطلب خطاباً إعلامياً نفسياً يتمشي مع تلك العولمة.
ومن أجل دعم التنمية الاقتصادية في ظل العولمة، استُخدم الإعلام النفسي، وكذا إمكانيات ثورة الاتصالات، في التوعية بأهمية التصدير بالجودة المناسبة، وما سيحققه ذلك من عوائد اقتصادية لدوله وإبراز تجارب الدول التي نجحت في تحقيق معدلات نمو عالية عن طريق زيادة صادراتها؛ إضافة إلى نشر الوعي بين الجماهير حول أهمية زيادة الاستثمار ودور الخصخصة، والتوعية بضرورة توافر المناخ المناسب لجذب الاستثمارات من طريق إقامة المشروعات المشتركة، وكذلك أهمية المحافظة على البيئة الأساسية من أجل جذب هذه الاستثمارات، مع أهمية التوعية بالمحافظة على البيئة والربط بين مفاهيم الاستقرار والسلام والتنمية الاقتصادية. ومن خلال هذا الإعلام النفسي يمكن بث الرسائل النفسية التي تدعم قدرات الدولة، وتقلل من قدرات الخصوم، ومن ثَم تربك سياساتها الاقتصادية.
رابعاً: الإعلام النفسي في المجال الاجتماعي
إذا كانت التنمية الاجتماعية، تعني تغيير الخصائص أو الأوضاع الاجتماعية إلى الأفضل، بجانب إشباع المطالب والحاجات الاجتماعية (صحية - وتعليمية - وتنمية بشرية)، فإن الإعلام النفسي الذي يستغل ثورة المعلومات في عصر العولمة، أصبح يشكل سلاحاً ذا حدَين في عصر العولمة؛ سلاح له إيجابياته وأيضاً سلبياته، على الناحية الاجتماعية. وقد تجمعت الدعاية الدولية من خلال الفضائيات والانترنت في إثارة الشعور بالانبهار تجاه الغرب، والإعجاب بما يمتلك. وفي دول العالم الثالث، فمن المؤكد أن الشباب هو الفئة المستهدفة بالدرجة الأولي من هذا التيار.
أما على المستوى الدولي، فقد أمكن توجيه الإمكانات الهائلة لثورة الاتصالات والمعلومات من أجل تحقيق التطور الاجتماعي في عصر العولمة، والتي من خلالها يمكن بث رسائل نفسية لتحقيق أهداف محددة، ترتقي بالمواطن وتؤكد ولاءه وانتمائه لوطنه، الذي يعد أحد أهداف العمليات النفسية، وهو ما نرجو تطبيقه على مجتمعاتنا، وذلك من خلال:
1. إتاحة مساحات زمنية كافية لبث البرامج التعليمية بصورة شيقة، ونقصد هنا التعليم بمعناه الشامل؛ فهناك البرامج والموضوعات الصحفية المعروضة في العالم باسم (How to do)، والتي توضح كيف تتعلم أشياء ومهارات مهمة في حياتنا، مثل الحرف الفنية وغيرها.
2. الاهتمام بالإعلام العالمي على مستوى البرامج المتخصصة كافة، بما يعمل على إشاعة طرق التفكير العلمي بين طبقات المجتمع.
3. الاهتمام بخدمات فئات المجتمع المختلفة، وعمل برامج المرأة والطفولة والشباب، بوصفها المراحل العمرية المهمة في حياة المجتمع، في حاضره ومستقبله.
4. العمل على دعم الوحدة الوطنية والقومية، بوصف أن الاستقرار والسلام الاجتماعي يدعمان عملية التنمية الاجتماعية وتطورها.
5. إزكاء روح التعاون والجد بين أفراد المجتمع وبث الروح الجماعية، من خلال البرامج والتحقيقات والأخبار التي تعكس إيجابية هذه التصرفات.
6. توجيه البرامج الإعلامية نحو إظهار خطورة الجريمة المنظمة، خاصة ما يتعلق منها بجانب المخدرات، وكذلك القصور الإداري ومظاهره الاجتماعية، كالتسيب والبيروقراطية والسلبية والفساد والاختلاس والرشوة وغيرها.
7. الاهتمام بالتغطية الإعلامية للأحداث الرياضية، والدعوة إلى نشر الروح الرياضية، وتشجيع الشباب على الانخراط في أنواع الرياضة المختلفة معا، وهو ما يؤدي إلى تطلع الشباب نحو الانتماء والبعد عن الانحراف والتطرف.
خامساً: الإعلام النفسي في المجال الثقافي
اختلف الباحثون حول التأثير الإعلامي للعولمة على الناحية الثقافية؛ فمنهم من يرى جوانب إيجابية فيه بوصفه فرصة للتحول من الولاء لثقافة ضيقة ومتعصبة، إلى ثقافة عالمية واحده يتساوي فيها الناس والأمم جميعاً، والاتجاه نحو الانفتاح على مختلف الأفكار من دون أي تعصب، والتحرر من كل صور اللاعقلانية الناتجة عن التحيز لأمة، أو دين، أو أيديولوجية بعينها، وتبني عقلانية العلم وحياد الثقافة. ويذهب فريق آخر من الباحثين إلى أن عولمة الثقافة لا تُلغي الخصوصية، بل تؤكدها، لأن الثقافة هي وسيلة التعبير الأصيلة عن الخصوصية التاريخية للشعوب؛ ومن ثَم فلابد من وجود ثقافات متعددة ومتنوعة تعمل كل منها بصورة تلقائية، أو بتدخل إرادي من أهلها للمحافظة على كيانها ومقوماتها الخصوصية.
وقد دلت الإحصاءات العالمية التي أجريت على مستوى منظمة اليونسكو، أن الوظيفة الجديدة للإعلام والمتمثلة في الهيمنة الثقافية، تحقق للدول المتقدمة انتشار فكرها وثقافتها بأسلوب مهذب ومحبب إلى النفوس؛ ومن ثم فلم تعد هناك حاجة لاستخدام القوة العسكرية؛ بل يكفي إتباع طرق أكثر عقلانية وفاعلية من خلال (القوة الناعمة)، وذلك لتوظيف المادة الثقافية لنقل الأفكار والأنماط الاستهلاكية والسلوكية السائدة في الغرب، إلى بلدان العالم الثالث عن طريق إعادة تشكيل أحاسيسهم وأذواقهم ومفاهيمهم الجمالية، بحيث تتماشي مع مقتضيات السياسات العالمية. وهنا يبرز دور الإعلام النفسي الذي يحمل من الرسائل ما يحقق أهداف الدولة تجاه شعوبها، وأهداف الدولة ضد الخصوم، أو في مناطق المصالح الحيوية.
ويمكن القول إن الإعلام النفسي في ظل العولمة، استطاع أن يوجه إمكاناته الهائلة نحو نشر وتأكيد الجوانب المختلفة للشخصية الثقافية الوطنية. فقد نجحت في الوصول إلى قطاعات عريضة من الشعوب، خاصة في الدول النامية، بل اتجهت العديد من الدول إلى إجراءات حمائية من خلال إنتاج البرامج والمواد الإعلامية، التي تحصن المجتمع ضد أفكار التطرف والقيم الضارة؛ برامج تحض على السلوكيات المعتدلة التي تبرز حقيقة وأهمية تعدد الفكر في حياتنا، إضافة إلى الاتجاه نحو تفعيل دور الثقافة الجماهيرية، من خلال استخدام وسائل الإعلام الحديثة.
وكذلك الاهتمام باللغات الأجنبية وضرورة تعليمها للمواطنين، بوصفها وسيلة مهمة للتعرف على الثقافات العالمية. وفي الوقت نفسه، فمن المهم تعريف المواطنين بإستراتيجية الدولة وظروفها الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وشرح أضرار الدعاية الإعلامية المضادة التي تصدرها بعض الشائعات في إطار من الدعاية النفسية، لأن التنمية الثقافية تمثل في أحد جوانبها الاهتمام بالجوانب الوجدانية من حياة المواطنين، ورفع درجة وعيهم السياسي.
سادساً" دور الإعلام النفسي على المستوى الإقليمي
إذا كان هناك استقراراً في مفهوم العولمة الإعلامية، فإن دور الإعلام الإقليمي يصبح جزءاً لا يتجزأ من الإعلام على المستوى الكوني، ويحتل مكانه طبقاً لقدرته على تحقيق الذات والتأثير، سواء في مجاله الإقليمي أو الدولي. لذلك فإن الإعلام النفسي في هذا المجال يجب أن يكون منظماً ومنسقاً لتحقيق أهدافه ويتصف بمصداقية عالية، يؤثر في مجاله الإقليمي، وإلاّ تحولت الجماهير عنه إلى إعلام ذي مصداقية أعلى. ويعني ذلك أن الإعلام النفسي على المستوى الإقليمي يدخل في مجال منافسة شرسة مع الإعلام الدولي، الذي قد تتوافر له إمكانيات أكبر.
المهام الرئيسية للإعلام النفسي على المستوى الإقليمي
مع التأكيد على أن الإعلام الإقليمي لابد أن يندرج في مساره وأهدافه مع الإعلام على المستوى العالمي، ويحتل مكانه على خريطة العالم الإعلامية، إلا أن للإعلام الإقليمي قضايا رئيسية ترتبط بمشاكل المجتمع ومتطلباته، لابد أن تأخذ مكانها على الخريطة الإعلامية. وتتصف عادة هذه القضايا بالمحلية أو الإقليمية، لأن رسائلها تستهدف واقعاً تحاول النظم أو إرادة الشعوب تغييره. وعلى ذلك، فإن الإعلام النفسي على المستوى الإقليمي يحقق مهمتين في آن واحد؛ المهمة الأولي تساير مهام الإعلام على المستوى الدولي، والأخرى تستهدف واقع المجتمع نفسه.
وعلي هذا فإن الخطة الإعلامية النفسية لابد أن تتضمن هدفين إستراتيجيين من أجل بناء الثقة، وتأكيد الولاء والانتماء، والارتقاء بالحالة النفسية للشعب. كما تهتم بتحقيق التنمية الشاملة للمجتمع. والمعالجة الموضوعية للقضايا المجتمعية والقومية، تتمثل في هدفَين:
1. الهدف الأول: من أجل حشد الطاقات لتحقيق أهداف الخطة الإعلامية: من خلال التوعية المستمرة لمتطلبات التنمية ودور المواطنين حيالها، والإعلام المستمر عن جهود الدولة في هذا المجال، وحث الشعب على المشاركة فيها، إلى جانب التركيز على عرض الحقائق المتعلقة بالواقع التنموي، وفتح الحوارات المستمرة بين المسؤولين والجمهور المخاطب.
2. الهدف الثاني: من خلال المعالجة الموضوعية للقضايا المجتمعية والقومية، بما يحفز كل الطاقات للمساهمة في إيجاد الحلول الكفيلة بحل هذه القضايا، وذلك من خلال خلق الفرص الكافية لعرض الآراء ووجهات النظر، والتوعية المستمرة بحجم وخطورة القضايا والمشاكل التي تواجه المجتمع، ودور كل مواطن في التصدي لها، وإبراز وتشجيع الدور المهم الذي تقوم به الجمعيات الأهلية والنقابات بمختلف أنواعها، لمواجهة هذه المشاكل.
وتتعدد التوجهات والمهام الرئيسية للإعلام النفسي على المستوىين الإقليمي والمحلي كالآتي:
أ. التوجه نحو التغيير الاجتماعي: وهي تختص بالعديد من القضايا الاجتماعية، وتستهدف، إما التغيير المعرفي " Cognitive Change"، أو التغيير في الفعل " Change in Action" أو التغيير السلوكي " Behavioral Change"، أو التغيير في القيم " Change in values". وتعتمد هذه الحملات على الاستخدام المكثف لوسائل الاتصال الجماهيرية. وهناك مدرستان لتحديد أسباب نجاحها:
(1) المدرسة الأولي: تندرج تحت رؤية لازرزفيلد " Lazarsfeld"، ومرتون " Merton"، وتعتمد في أسباب نجاحها على الآتي:
(أ) الاحتكار " Monopolization": بمعني أن تحتكر الحملة الإعلامية في الجانب النفسي منها جميع وسائل الاتصال الجماهيرية، بحيث لايبث من خلال هذه الوسائل أو بعضها ما يتناقض مع أهداف الحملة.
(ب) السير في القناة نفسها " Canalization": بمعني اعتماد الحملة على قاعدة معلومات تتفق مع ميول الجماهير المستهدفة واتجاهاتها.
(ج) التكامل " Supplementation": بمعنى أن تتكامل رسائل الحملة التي تبث من خلال وسائل الاتصال، مع الاتصال الشخصي بالجماهير ومناقشتهم.
(2) المدرسة الثانية: تندرج تحت رؤية ويب" Wiebe"، وحدد من خلالها خمسة عوامل لنجاح الحملة الإعلامية في المجال النفسي، وهي:
(أ) القوة " Force": وتعني قوة وكثافة الحافز لدى الفرد نحو تحقيق الهدف نتيجة لميوله السابقة، وقبل استقبال أية رسائل جديدة.
(ب) التوجيه " Direction": بمعني إعطاء معلومات عن كيف وأين يمكن للجمهور المستهدف أن يستجيب لأهداف الحملة.
(ج) آليات العمل " Mechanism": بمعني ترجمة الحافز لدى الفرد إلى عمل حقيقي.
(د) الملائمة والانسجام " Adequacy and compatibility".
(هـ) المسافة " Distance": بمعني تقدير الفرد للجهد والتكاليف المطلوبين لتغيير الاتجاه أو السلوك، وعلاقة ذلك بالجزاء المتوقع.
وقد طبقت العديد من حملات التغيير الاجتماعي على مستوى العالم، مثل حملة بيع السندات الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية، وحملة تغيير مرور السيارات في السويد في النصف الثاني من القرن العشرين؛ كذلك طبقت في مصر حملة استخدام حزام الأمان في السيارات، وحملة مكافحة مرض الجفاف، إلى جانب حملة تنظيم الأسرة، والحملات في مواجهة الإرهاب.
3. الهدف الثالث: من أجل حشد الرأي العام تجاه قضايا الوطن/ المنطقة: يعد حشد الرأي العام من أهم وظائف الإعلام النفسي على المستوى الإقليمي، وذلك من خلال تنمية الوعي السياسي ودعم الانتماء للوطن، وإعلام المواطن بكافة الأحداث على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، وانعكاسات هذه الأحداث على أمن الوطن والمواطن، إلى جانب تغطية الاحتفالات القومية والمناسبات الدينية. وتكمن أهمية الرأي العام في مدى اقتناع الشعوب بعدالة قضيتها، وثقتها في قيادتها، إذ من خلال تلك الثقة تلتف الشعوب حول قيادتها من أجل مجابهة الأخطار، ويشعر كل مواطن بالولاء والانتماء للوطن في وقت الشدة.
سابعاً: الإعلام النفسي في مواجهة الإرهاب
أصبح الإرهاب أحد صور الحروب الحديثة، التي يمكن أن تشنها أعداد قليلة من الأفراد أو الجماعات أو تنظيم معين ضد دولة أو عدة دول، وينتج عنها خسائر ضخمة، قد تتجاوز حجم الخسائر الناجمة عن حروب شرسة بين دول قد تطول مدتها الزمنية إلى أسابيع أو سنوات.
وعلي سبيل المثال، فإن حجم الخسائر التي تكبدتها الولايات المتحدة أثر أحداث 11 سبتمبر 2001، تزيد بنسبة الثلث عن الخسائر التي تكبدتها القوات الأمريكية في معركة "بيرل هاربر" الشهيرة.
إن الإرهاب " Terrorism"، بمعناه العام، هو اللجوء إلى العنف بقصد إخافة الجمهور عامة في منطقة أو دولة أو أكثر، وإجبار الهيئات أو السلطات أو الأحزاب أو الأشخاص ذوي الشأن في تأييد أو تنفيذ المطالب أو تحقيق الأغراض، التي من أجلها شُنت أعمال الإرهاب. ومن هنا فإن الجريمة الإرهابية- لكي تحدث أثراً نفسياً وإعلامياً تشعر به الجماهير، لابد أن يتحقق لها شرطان أساسيان:
الأول: أن تقع بصورة بشعة لإحداث أكبر تأثير على الجمهور، وينتج عنها ردود فعل عنيفة في المجتمع/ المجتمعات الموجه لها الإرهاب (وهو الشق النفسي في الجريمة الإرهابية).
الثاني: أن ينتشر مضمون الجريمة الإرهابية في أوسع نطاق ممكن، حتى تصل الرسالة في أن الإرهابيين جادون في تنفيذ تهديداتهم، ولابد من تحقيق مطالبهم (وهو ما يمثل الشق الإعلامي في توجهات الإرهابيين).
إن وسائل الإرهاب والإرهابيين تطورت كثيراً عن ذي قبل، وبما يحقق إتساع حجم الخسائر، ورجع الصدي الذي تحدثه الجريمة الإرهابية وفي الوقت نفسه أصبح للإرهاب تنظيماته المنتشرة عبر العالم؛ فمثلاً تنظيم القاعدة أصبحت له أقسامه: مثل تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، أو الشمال الإفريقي، أو شبه الجزيرة، وهكذا.
كذلك أصبح للإرهاب إستراتيجياته التي ينفذ من خلالها جرائمه. وعلى سبيل المثال فإن تنظيم القاعدة حدد إستراتيجيته في تدمير المصالح الأمريكية في المنطقة العربية، والتصدي للتعاون بين الولايات المتحدة والدول العربية، واستهداف الأنظمة العربية التي تتعاون مع إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي السياق نفسه، أصبح للإرهاب إعلامه المتنوع؛ فهو يحرصَ على امتلاك وسائل ذاتية، كما يحرصَ على استغلال الإعلام الوطني لمختلف الدول من خلال معرفته بمحاولات السبق للشبكات الإخبارية في الحصول على الخبر، أو بشاعة الحدث الإرهابي، والذي يجرى نقل آثاره على الهواء مباشرة؛ بمعني أن الإعلام أصبح وسيلة مكفولة للإرهاب لبث رسائله النفسية في أي وقت يشاء.
ونشير هنا إلى أن الغرب، حتى الآن، وعلى الرغم من جهود الرئيس أوباما في تحسين العلاقة الأمريكية مع الدول الإسلامية، يحاول لصق جرائم الإرهاب بمعتقدات الدين الإسلامي، وأن معظم الإرهابيين من المسلمين، والحقيقة تحالف ذلك، لأن الإرهاب أصبح ظاهرة دولية تشارك فيها عصابات تعتنق كل الأديان أو بلا دين أصلاً.
علماً بأن الإرهاب لايقتصر على جرائم الأفراد، ذلك أن إرهاب الدولة يتخطي في أساليبه وجرائمه تلك الجرائم، وعلينا أن نحلل الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في حق الفلسطينيين، والجرائم التي ارتكبتها قوات حلف شمال الأطلسي في حق الأفغان والعراقيين، كذلك التنظيمات الإرهابية المنتشرة في الغرب من جنسيات أوروبية أو أمريكية.
وعلي ذلك، فإن الإعلام النفسي تتعدد مهامه في التصدي لعدة ظواهر في آن واحد، وهي الإرهاب بمفهومه العام إلى جانب الإعلام النفسي الغربي، الذي يركز على اتهام الإسلام بالإرهاب، مع التصدي لإرهاب الدولة بكل أنماطه وسلوكه، خاصة الذي يوجه لدول عربية.
1. أهداف الإرهابيين الإعلامية والنفسية
أ. الإعلان عن قضيتهم وأهدافهم (يتسم هذا الإعلان عادة بالخداع، وتلوينه بصورة تؤثر نفسياً على الجمهور المتلقي).
ب. تشويه صورة المؤسسة التي يعمل ضدها الإرهاب (وذلك من خلال نشر أكاذيب في صورة حقائق دعتهم إلى ارتكاب جريمتهم، وهو ما يمثل قمة الحرب النفسية).
ج. إشاعة الخوف في قلوب الجماهير (من خلال الإعلان عن تكرار مثل هذه الأعمال الإرهابية، فيما لو إستمرت المؤسسة/ السلطة في البقاء أو تنفيذ إجراءاتها المضادة للإرهابيين).
2. وسائل الإعلام التي يبث الإرهابيين رسائلهم من خلالها، تنقسم إلى قسمين رئيسيين:
أ. الأول: استخدام شبكات خاصة بهم، من خلال التوسع في استخدام الانترنت أو محطات البث الإذاعي باستخدام أجهزة لاسلكي عالية القدرة، أو عن طريق الصحافة الإلكترونية، أو بث رسائل عبر الهاتف المحمول.
ب. الثاني: استخدام القنوات الرسمية والفضائية في نشر رسائلهم من خلال الجرائم التي يرتكبونها، وتتسارع وسائل الإعلام على تغطيتها إعلامياً. ويستفيد الإرهابيون من تلك التغطية في التأثير النفسي على الجمهور المتلقي، إلى جانب الرسائل الدورية التي يرسلها قادة الإرهاب إلى بعض القنوات الفضائية، وهي تبثها بوصفها سبقاً إعلامياً، مثل رسائل قادة تنظيم القاعدة.
ومن خلال التعرف على أسباب ووسائل الإرهاب، يمكن استنباط دور الإعلام والعمليات النفسية والتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة .. ويأتي في مقدمة هذا الدور الإجراءات الآتية:
1. تصدي الإعلام النفسي للأسباب التي قد تؤدي إلى نشوء ظاهرة الإرهاب، أو البيئة التي يمكن من خلالها توجه الشباب إلى الاندماج في منظمة إرهابية، أو إمكانية تجنيده لهذا الغرض.
والبيئة، عموماً، ترتبط بالمؤثرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ومن ثم فإن الإعلام لا بد أن يكون له الدور الأساسي في تثقيف وطرح آراء الجماهير، والإعلان عن المناطق التي تحتاج إلى تنمية اقتصادية، والتعرض لمشاكل المجتمع، من البطالة والفقر وانتشار الأوبئة أو تلوث البيئة وخلافه. وهذه هي العناصر التي يمكن أن يستغلها قادة الإرهاب في تجنيد الشباب المحيط في تلك المناطق، إلى جانب أن العمليات النفسية يكون لها دور رئيسي في إجراء استطلاعات الرأي، وتجميع الأفكار الناشئة في تلك البيئة، ووضع الخطط للتصدي لها، سواء من خلال الإعلام، أو من خلال أجهزة الدولة.
2. تنظيم خطة إعلامية نفسية مكثفة للتصدي لظاهرة الإرهاب، تشارك فيها نخبة من المثقفين والسياسيين وعلماء الدين، وتعتمد على أسلوب المناقشة والتلاحم مع الجماهير وتشمل الآتي:
أ. التوعية الدينية والتصدي للأفكار الأصولية التي يعتمد عليها الإرهابيون، ويفسرون الإسلام بمفهومهم الضيق، أو بما يتلاءم مع توجهاتهم الإرهابية، إلى جانب شرح أصول الدين، والتعبير عن سماحته، ومناقشة الإرهابيين المقبوض عليهم أو مناقشة الشباب المتطرف، وكشف أهدافه وتوجيهه إلى اعتناق الدين الصحيح، والعودة إلى الطريق القويم بعيداً عن التطرف.
ب. التوعية السياسية للجماهير من أجل التعاون والتنسيق مع الجهات الأمنية، ومؤسسات الدولة، وبما يحقق التصدي لظاهرة الإرهاب.
ج. التوعية الاجتماعية للأسر، والتي تهدف إلى اكتشاف ميول أو توجه أبنائهم إلى المشاركة في المنظمات التي تعتنق أفكاراً هدامة، والأسلوب الصحيح لإقناعهم وإبعادهم عن هذا الطريق.
د. التعمد إلى تشويه صورة الإرهابيين وأهدافهم، وبما يؤدي إلى فجوة عميقة بين الشعب وهؤلاء الإرهابيين، ويساعد على وقوف الجماهير في وجه الإرهاب.
3. الامتناع عن مساعدة الإرهابيين في نشر رسائلهم من خلال الإعلام القومي، أو الإعلان عن أهدافهم من خلال البيانات التي يصدرونها بعد الحادث الإرهابي؛ بل يوجه الإعلام إلى إبراز الحدث كجريمة منظمة اقترفها مجرمون وسافكو دماء.
ثامناً: نماذج من الحملات الناجحة في الإعلام النفسي للتصدي للإرهاب
يمكن استنباط الدروس المستفادة من حملتين في هذا المجال, أحدهما في مصر والآخر في المملكة العربية السعودية:
1. في مصر: أديرت حملة إعلامية نفسية في أعقاب حادث الأقصر عام 1997, والذي راح ضحيته عشرات من السياح الأجانب. وشاركت في الحملة كل مؤسسات الدولة السياسية والأمنية والدينية والاجتماعية. وقد نجحت هذه الحملة تماما في تقليص حجم جرائم الإرهاب وعودة الشباب المنضم لجماعات إرهابية إلى رشدهم, بل وتوبة أعداد كبيرة من الإرهابيين، وذلك من خلال الآتي:
أ. حملة إعلامية نفسية ضخمة تكشف أهداف الإرهاب, وتصور الإرهابيين بأعداء للمجتمع وتوجه النصائح للشعب بالأساليب الصحيحة للإبلاغ عن المشتبه فيهم, وأساليب مقاومة الإرهاب والتصدي للإرهابيين عند المواجهة.
ب. حملة توعية دينية وثقافية لشرح صحيح الدين, ومكانة مرتكب الجرائم الإرهابية في الدين الحنيف، واستعراض لكل مظاهر سماحة الدين والبعد عن التشدد.
ج. الاتصال المباشر بأسر المشتبه في انضمامهم لمنظمات إرهابية، وحل مشاكلهم، وتشجعيهم على نصيحة أبنائهم بالبعد عن تلك المنظمات.
د. اقتحام أوكار الإرهابيين أو الأفراد الذين لديهم استعداد في الانضمام لمنظمات إرهابية وتعريفهم بصحيح الدين، وبوضعه في المجتمع، ونظرة المجتمع إليه، إلى جانب حل مشاكلهم، وتشجعيهم على الاندماج في المجتمع. وقد شملت تلك الحملة، السجون، وأماكن حجز الأفراد المنتظرين لعرضهم على القضاء، إلى جانب المساجد التي يتجمع فيها الشباب المقبل على الانضمام، وغير ذلك.
هـ. تنظيم خطط اقتصادية واجتماعيه لاحتواء المناطق الفقيرة التي تعد مجالاً لبناء الشباب المحبط الذي قد ينضم إلى منظمات إرهابية، ومنها إزالة أو تطوير العشوائيات وإمدادها باحتياجاتها من الماء والكهرباء، وغير ذلك.
و. الضرب بشدة تجاه أي محاولات لبناء تنظيمات إرهابية، أو القيام بأي أعمال إرهابية.
2. في المملكة العربية السعودية: عندما تصاعدت أحداث الإرهاب الموجهة من الخارج، جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عام 2007، بالعفو عن الأفراد المنضمين لتنظيمات إرهابية، محدداً مهلة زمنية قبل القيام بحملة ضد تلك التنظيمات. وقد نجحت هذه الحملة تماماً.
ومن كل ما سبق، فإن مهام الإعلام النفسي تجاه العمليات الإرهابية أو التنظيمات الإرهابية، قد تعادل المهام في إدارة الصراع العسكري، بل تزيد عنها، ذلك أن الصراع العسكري محدد بهدف ومدى زمني، بينما الإرهاب ليس له وطن أو زمن محدد.
الملاحق
·…الإنذار الموجه من هولاكو قائد التتار، إلى السلطان قطز حاكم مصر عام 1260
·…منشور الحملة الفرنسية الموجه إلى شعب مصر
الجداول
· محاضرة الحرب النفسية، للفريق محمد عيد الروقي بكلية القيادة والأركان
الأشكال
· استخدام الحرب النفسية في العمليات العسكرية
· بطاقة مرور أمن
·…بطاقة دعوة
· مخطط تنظيم فريق العمليات النفسية
· شعار القوات المشتركة
· كاريكاتير نفسي 1
· كاريكاتير نفسي 2
· قصف الفرقة السادسة عشر مشاة
· منشور يوضح طريق الانضمام إلى القوات السعودية
· تطور الدعاية الصهيونية
· عملية التعامل النفسي في تقاليد الحركة الصهيونية
· عملية التعامل النفسي في المجتمع المعاصر المسالك والأدوات
· تنظيم سرية عمليات نفسية
· تنظيم كتيبة عمليات نفسية
· سلم ماسلو للحاجات
· تنظيم إدارة التخطيط للعمليات النفسية
· مستويات وأساليب التخطيط للعمليات النفسية في الحرب الشاملة
· مقترح لشبكة مراكز العمليات النفسية على مستوى الدولة
· مقترح لتنظيم مركز عمليات نفسية
الخرائط
· مناطق إسقاط وتوزيع المنشورات باستخدام البالون
· مواقع القوات العراقية
· مناطق إسقاط وتوزيع المنشورات باستخدام الطائرة س 130
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق