علم المنطق وعلم الفلسفة
أولاً/علم المنطق
العلم
الدلالة
أنواع اللفظ
أنواع المعنى
النسب الأربع
الكليات الخمسة
التعريف
التقسيم والتصنيف
القضايا
أقسام الحملية
أقسام الشرطية
الاستدلال
الاستدلال غير المباشر
التناقض
العكس المستوي
عكس النقيض
النوع الرابع من أنواع التلازم
الاستدلال المباشر
القياس
الاقتراني الحملي
الأشكال الأربعة
الاستقراء
التمثيل
التحليل والتركيب
مناهج البحث العلمي
علم المنطق
تعريفه:
علم المنطق هو علم يبحث عن القواعد العامة للتفكير الصحيح.
موضوعه:
موضوع المنطق: التعريف والاستدلال ومناهج البحث.
توضيح:
يهيئ لنا علم المنطق قواعد التعريف وقواعد الاستدلال وقواعد المنهجة أو طريقة البحث العلمي.
(1) فيعلمنا كيف نعرِّف الأشياء تعريفاً يبين حقيقتها أو يوضح معناها.
(2) ويعلمنا كيف نستدل على صحة الفكرة أو خطئها.
(3) ويعلمنا كيف نبحث المعلومات بحثا منظماً يبعد البحث عن العقم أو الوقوع في الخطأ.
فائدته:
1 - من الواضح أن جميع العلوم هي نتاج التفكير الإنساني ومن الواضح أيضا أن الإنسان حينما يفكر قد يهتدي إلى نتائج صحيحة ومقبولة، وقد ينتهي إلى نتائج خاطئة وغير مقبولة.
فالتفكير الإنساني - إذن - معرض بطبيعته للخطأ والصواب ولأجل أن يكون التفكير سليما، وتكون نتائجه صحيحة، أصبح الإنسان بحاجة إلى قواعد عامة تهيئ له مجال التفكير الصحيح متى سار على ضوئها.
والعلم الذي يتكفل بوضع وإعطاء القواعد العامة للتفكير الصحيح هو علم المنطق. فإذن حاجتنا إلى دراسة علم المنطق شيء ضروري لابد منه وذلك لأجل أن يكون تفكيرنا العلمي صحيحا وذا نتائج مقبولة.
ومن هنا عدّ علم المنطق: الأساس الوحيد والمنطلق الأول لجميع المعارف البشرية.
2 - يضاف إليه: أننا بتعلّمنا قواعد المنطق نستطيع أن ننقد الأفكار والنظريات العلمية فنتبيّن أنواع الخطأ الواقع فيها وأن نتعرف على أسبابها.
3 - وبمعرفتنا لقواعد المنطق نستطيع أيضا أن نميز بين المناهج العلمية السليمة والتي تؤدي إلى نتائج صحيحة وبين المناهج العلمية غير السليمة والتي تؤدي إلى نتائج غير صحيحة.
4 - ونستطيع كذلك على ضوء فهمنا لقواعد المنطق أن نفرق بين قوانين العلوم المختلفة، وأن نقارن بينها ببيان مواطن الالتقاء والشبه بينها ومواطن الاختلاف والافتراق.
والخلاصة:
أن القيمة الدراسية لعلم المنطق هي بتوفره على تكوين قدرة التفكير السليم في البحث والنقد وتقييم الآراء والأفكار وتقدير الأدلة والبراهين في مختلف مجالات الفكر الإنساني.
تمرينات
1 - بيّن لماذا ندرس علم المنطق؟ على ضوء معرفتك لموضوعه.
2 - ناقش ما يلي:
أ - المنطق هو المنطلق الأول لجميع المعارف البشرية.
ب - المنطق يصحح التفكير الإنساني.
ج - نستفيد من قواعد المنطق في معرفة مدى صواب التعريف أو خطأه.
3 - التعريف والاستدلال ومنهج البحث، موضوع المنطق أوضح ذلك؟
العلم
تعريفه:
العلم: هو انطباع صورة الشيء في الذهن.
تقسيمه:
ينقسم العلم إلى قسمين هما: التصور والتصديق.
1 ـ التّصور
تعريفه: التصور هو إدراك الشيء.
إيضاح التعريف:
إذا نظرت إلى خارطة العراق المعلقة أمامك تنطبع صورتها في ذهنك. إن صورتها المنطبعة في ذهنك هي إدراكك للخارطة وهو التصور.
وإذا حاولت أن تتعرف على موقع بغداد ومقدار المسافة بينها وبين مراكز الألوية (المحافظات) الأخرى، تحدث في ذهنك صور متعددة لنسب المسافات بين بغداد ومراكز الألوية الأخرى. تلك الصور هي إدراكك لها وتصوّرك إياها.
وإذا رجعت إلى جدول المقاييس وتعرفت وفق تعليماته على مقادير المسافات بين بغداد ومراكز الألوية تحدث في ذهنك أيضا صور المسافات التي تعرفت عليها.
تلك الصور هي علمك بها أو إدراكك لها وهو تصور لها.
والخلاصة: أن التصور يساوي الإدراك.
2 ـ التصديق
تعريفه: التصديق هو الاعتقاد بالشيء.
إيضاح التعريف:
إذا قمت بمحاولة البرهنة على مقادير المسافات بين بغداد ومراكز الألوية في مثالنا السابق وانتهيت بعد إقامة البرهان إلى صحة ما تصورته عن المقادير وفق تعليمات جدول المقاييس وآمنت بها واعتقدت.
إن اعتقادك بها هو التصديق.
وإذا قيل لك – مثلاً – أن في الصف خمسين طالبا وقمت بنفسك بعدّهم ورأيتهم خمسين كما قيل لك، واعتقدت بذلك: إن اعتقادك هذا هو التصديق.
والخلاصة: إن التصديق يساوي الاعتقاد.
مجال التصديق:
للتصديق مجال واحد فقط، هو النسبة في الجملة الخبرية. ومعناه: أن التصديق اعتقاد يتعلق بالحكم بين شيئين.
فمثلا: حينما نقول (المناخ حار) نجد أمامنا جملة خبرية مؤلفة من مسند إليه وهو (المناخ) ومسند وهو (حار) ونسبة بين المسند إليه والمسند وهي (الحكم) على المناخ بأنه حار.
اعتقادنا بصحة هذا الحكم أو عدم صحته هو التصديق.
فمجال التصديق: إذن هو الحكم بوجود شيء أو الحكم بعدم وجوده.
مجال التصور:
أما التصور فيتعلق بكل شيء سواء كان حكماً أو غير حكم، مفرداً أو جملة.
تقسيم التصور والتصديق:
ينقسم كل من التصور والتصديق إلى قسمين هما: الضروري والنظري.
1 - الضروري: وهو إدراك البديهي الذي لا يتطلب تفكيرا.
2 - النظري: هو الإدراك غير البديهي والذي يتطلب تفكيرا.
أمثلة:
أ ـ التصور الضروري: كتصورنا معنى الشيء وتصورنا معنى الوجود.
ب ـ التصور النظري: كتصورنا حقيقة الكهرباء [وحقيقة الروح].
ج ـ التصديق الضروري: كتصديقنا بأن الواحد نصف الاثنين [والكل أعظم من الجزء].
د ـ التصديق النظري: كتصديقنا بأن الأرض متحركة، وتصديقنا بأن زوايا المثلث تساوي زاويتين قائمتين.
الخلاصة:
تمرينات
1 - هل تستطيع أن توجد تصديقا بلا تصور، أو توجد تصورا بلا تصديق؟
2 - ميّز التصور من التصديق فيما يلي:
أ - زاوية حادة لمثلث درجتها (20) أقمت عليها البرهان.
ب - استماعك إلى المذياع وهو يعطي إحصائيات ضحايا الزلزال في اليابان لخمس سنوات.
ج - ملاحظتك إلى عداد المسافة في السيارة من بغداد إلى النجف.
د - قراءتك العبارة التالية (الأمازون أعظم نهر في العالم).
3 - فرّق بين مجال التصور والتصديق في الجملة الآتية (المناخ حار)؟
4 - عيّن الضروري والنظري ونوعهما فيما يأتي:
أ - العلم بحرارة النار.
ب - العلم بأن النار محرقة.
ج - العلم بأن مساوي المساوي مساوٍ.
د - العلم بحقيقة القمر.
هـ - العلم بأن العدد إما زوج أو فرد.
5 - كيف تفرّق بين التصور الضروري والتصديق النظري على ضوء تعريف كل واحد من الأقسام الأربعة؟
الدلالة
تعريفها:
الدلالة هي ما يوجب إدراك شيء بسبب إدراك شيء ملازم له.
إيضاح التعريف:
إذا سمعت جرس الباب يُدَق ينتقل ذهنك إلى وجود شخص بالباب قد ضغط على الزر، وهذا الانتقال يوجبه عادة ملازمة صوت الجرس للضغط على الزر.
هذا الإيجاب نفسه هو الدلالة.
فهنا ثلاثة أمور:
الدال: وهو صوت الجرس.
المدلول عليه: وهو وجود الشخص بالباب.
الدلالة: وهي إيجاب إدراكك وجود الشخص بالباب لإدراكك صوت الجرس.
أقسامها:
تنقسم الدلالة إلى الأقسام التالية:
1 - الدلالة العقلية اللفظية، مثل: دلالة سماع الصوت خارج الدار على وجود متكلم.
2 - الدلالة العقلية غير اللفظية، مثل: دلالة رؤية الدخان على وجود النار.
3 - الدلالة الطبعية اللفظية، مثل: دلالة لفظ (آخ) على التألم.
4 - الدلالة الطبعية غير اللفظية، مثل: دلالة سرعة حركة النبض على وجود الحمى.
5 - الدلالة الوضعية اللفظية، مثل: دلالة الألفاظ على معانيها، كدلالة لفظ قلم على معناه.
أقسام الدلالة الوضعية اللفظية:
تنقسم الدلالة الوضعية اللفظية إلى ثلاثة أقسام هي:
1 - الدلالة المطابقية: وهي دلالة اللفظ على تمام المعنى الذي وضع له، كدلالة لفظ (الدار) على جميع مرافقها.
2 - الدلالة التضمنية: وهي دلالة اللفظ على جزء المعنى الذي وضع له، كدلالة لفظ (الصف) على الطلاب فقط.
3 - الدلالة الالتزامية: وهي دلالة اللفظ على معنى ملازم للمعنى الذي وضع له كدلالة لفظ (حاتم) هنا (حاتم الطائي) وإنما يراد وصف خالد بالكرم الملازم لحاتم الطائي.
فكلمة (حاتم) هنا استعملت في المعنى الملازم (وهو الكرم) للمعنى الذي وضع له اللفظ (وهو حاتم الطائي).
شرط الدلالة الالتزامية:
يشترط في استعمال الألفاظ للدلالة الالتزامية أن يكون السامع عالماً بالملازمة بين المعنى الذي وضع له اللفظ وبين المعنى الملازم له الذي استعمل فيه اللفظ.
الخلاصة:
تمرينات
1 - كم هي أطراف الدلالة؟ أذكرها موضحا إياها بالأمثلة؟
2 - عيّن أنواع الدلالات الست في الأمثلة التالية:
أ - دلالة ضوء الصباح على قرب شروق الشمس.
ب - دلالة إشارات عبور الطرق على مواضع العبور.
ج - دلالة احمرار الوجه على الخجل.
د - دلالة جملة (التلميذ نشيط) على معناها - متلفظا بها -.
هـ - دلالة جملة (التلميذ نشيط) على معناها – مكتوبة على اللوحة.
و - دلالة أثر عجلات السيارة على مرورها بالطريق.
3 - استعمل كلمة (كتاب) دالة دلالة مطابقية مرّة ودلالة تضمنية أخرى.
4 - بيّن نوع دلالة كلمة (عنترة) فيما يأتي:
أ - من أبطال العرب عنترة العبسي.
ب - هذا عنترة (مشيرا إلى صديقك)
5 - ما هو شرط الدلالة الالتزامية؟ اذكره ووضحه بالأمثلة؟
أنواع اللفظ
ينقسم اللفظ باعتبار المعنى الموضوع له أو المستعمل فيه إلى مختص ومشترك ومنقول ومرتجل وحقيقة ومجاز.
1 - المختص: وهو اللفظ الذي له معنى واحد، مثل: حديد، حيوان.
2 - مشترك: وهو اللفظ الذي له عدة معاني، مثل: عين (ولفظة عين لها عدة معاني منها: العين الباصرة، وعين الماء وغيرها)، وجون (لفظ جون يعني: الأسود والأبيض).
3 - المنقول: وهو اللفظ الذي وضع لمعنى ثم استعمل في معنى آخر لوجود مناسبة بين المعنيين، وهجر استعماله في المعنى الأول الذي وضع له، مثل: صلاة، مذياع.
4 - المرتجل: وهو اللفظ الذي وضع لمعنى ثم استعمل في معنى آخر مع عدم المناسبة بينهما، مثل: حارث، أسد (من الأسماء الأعلام)
5 - الحقيقة: وهي اللفظ المستعمل في معناه الذي وضع له، مثل: لفظ أسد حينما يستعمل في الحيوان الخاص.
6 - المجاز: وهو اللفظ المستعمل في غير معناه الذي وضع له لوجود علاقة بين المعنيين، مثل: لفظ أسد حينما يستعمل في الرجل الشجاع.
الخلاصة:
المفرد والمركب:
وينقسم اللفظ باعتبار دلالته على معناه إلى مفرد ومركب.
1 - المفرد
تعريفه:
المفرد: هو اللفظ الذي لا يدل جزؤه على جزء معناه، مثل: محمّد، علي [عبد الله إذا كان اسما لشخص فهو مفرد عند المناطقة، وإن كان مركبا عند النحويين].
إيضاح التعريف:
إذا لاحظنا لفظ "محمد" نراه كلمة مؤلفة من الأجزاء التالية "م. ح.م. د" وإذا لاحظنا معنى محمد (وهو شخص محمد الذي يدل عليه لفظ محمد) نجده مؤلفا من أعضائه الجسمية المختلفة.
ومتى لاحظنا دلالة اللفظ – هنا – على المعنى، نرى أن كل واحد من حروف لفظ محمد التي هي أجزاؤه لا يدل على أي عضو من أعضاء جسم محمد التي هي أجزاء معناه.
أقسامه:
ينقسم المفرد إلى ما يلي:
أ ـ الاسم، مثل: قلم، مدرسة، محمد (وهو الاسم في علم النحو).
ب ـ الكلمة، مثل: ذهب، يأكل، أكتب (وهي الفعل في علم النحو).
ج ـ الأداة، مثل: هل، لم، في (وهي الحرف في علم النحو).
2 – المركب
تعريفه:
المركب: هو اللفظ الذي يدّل جزؤه على جزء معناه، مثل: محمد نبي.
إيضاح التعريف:
إذا لاحظنا لفظ (محمد نبي) نراه جملة مؤلفة من الجزأين التاليين، كلمة (محمد) وكلمة (نبي).
وإذا لاحظنا معناها نجده مؤلفا من جزأين أيضا، هما: (ذات محمد ص) و (النبوة).
ومتى لاحظنا الدلالة، نرى أن كلمة (محمد) التي هي جزء اللفظ تدّل على (ذات محمد ص) التي هي جزء المعنى.
وأن كلمة (نبي) التي هي جزء اللفظ أيضا تدل على (النبوة) التي هي جزء المعنى.
أقسامه:
ينقسم المركب إلى ما يأتي:
أ - التام: وهو الجملة التامة [وهي التي يحسن السكوت عليها] مثل: عليّ إمام، أعتقد بإمامة علي.
ب - الناقص: وهو الجملة الناقصة [وهي التي لا يحسن السكوت عليها] مثل: قيمة كل امرئ ... إذا جاء علي ...
أقسام التام:
وينقسم المركب التام إلى قسمين أيضا هما:
(1) الخبر: وهو الجملة التامة التي تحتمل الصدق والكذب، مثل: خالد ناجح (فإن كان الإخبار بالنجاح مطابقا للواقع فالخبر صادق وإلا فالخبر كاذب).
(2) الإنشاء: وهو الجملة التامة التي لا تحتمل الصدق والكذب، مثل: ليت خالدا ناجح (لا يقال هنا صادق ولا كاذب، وأفراد الإنشاء كثيرة منها الأمر والنهي والتمني والترجي والنداء و غيرها).
الخلاصة:
تمرينات
1 - عيّن نوع اللفظ في الأمثلة التالية:
جون، حديد، رأيت (أسداً) في حديقة الحيوانات، المذياع، عين.
2 - ما هو الفرق بين المنقول والمرتجل والمجاز؟ وضحه ومثل له؟
3 - ميّز المفرد من المركب في التعبيرين التاليين؟
أ - هذا عبد الله، (مشيراً إلى رجل اسمه محمد).
ب - هذا عبد الله (مشيراً إلى رجل اسمه عبد الله).
4 - ما هو الفرق بين الكلمة عند النحاة والكلمة عند المناطقة؟
5 - ميّز بين نوعي المركب في الجملتين التاليتين:
أ - الشمس طالعة.
ب - إن الشمس طالعة.
أنواع المعنى
ينقسم المعنى باعتبار وجوده إلى قسمين هما: المفهوم والمصداق.
1 - المفهوم:
وهو المعنى الموجود في الذهن.
2 - المصداق:
وهو المعنى الموجود ي الخارج.
توضيح:
لأجل أن نستوضح معنى المفهوم والمصداق نأخذ مثالا (الإنسان).
إن أفراد الإنسان الموجودين في الخارج، مثل: محمد، خالد، زكي، فاطمة، سعاد كل واحد هو مصداق.
و المعنى الموجود في أذهاننا والذي نحمله للإنسان ونعرّفه به هو مفهوم.
العلاقة بين المفهوم و المصداق:
إن العلاقة بين المفهوم والمصداق هي علاقة انطباق المفهوم على مصداقه، فمثلا: (الإنسان حيوان ناطق) مفهوم.
(محمد، خالد، زكي، فاطمة، سعاد) الذين ينطبق على كل واحد منهم أنه حيوان ناطق مصاديقه.
أنواع المفهوم:
ينقسم المفهوم إلى قسمين هما الجزئي والكلي.
1 - الجزئي:
تعريفه:
الجزئي هو المفهوم الذي يمتنع انطباقه على أكثر من مصداق واحد مثل: جعفر، موسى، بغداد (وأسماء الإشارة والضمائر كلها جزئية).
أقسامه:
ينقسم الجزئي إلى قسمين أيضا، هما: الحقيقي والإضافي.
أ - الجزئي الحقيقي: وهو الجزئي المتقدم الذي ينطبق عليه التعريف المذكور في أعلاه.
ب - الجزئي الإضافي: وهو المفهوم المندرج تحت مفهوم أوسع منه، مثل: قحطان، إنسان.
تنبيه:
الجزئي الإضافي قد يكون جزئيا حقيقياً، مثل: (قحطان) فباعتبار انطباق تعريف الجزئي الحقيقي عليه هو جزئي حقيقي. وباعتبار اندراجه تحت مفهوم (إنسان) الذي هو أوسع منه هو جزئي إضافي.
وقد يكون كلياً، مثل (إنسان) لاندراجه تحت مفهوم (حيوان) الذي هو أوسع منه.
2 - الكلي:
تعريفه:
الكلي هو المفهوم الذي لا يمتنع انطباقه على أكثر من مصداق واحد، مثل: إنسان, كتاب، مدرسة.
تقسيمه:
ينقسم الكلي إلى قسمين أيضا، هما: المتواطئ والمشكك.
أ - المتواطئ: وهو الكلي الذي ينطبق على مصاديقه بالتساوي مثل: الإنسان، الذهب.
ب - المشكك: (المتفاوتة أفراده، فمفهوم البياض تتفاوت أفراده إذ أن بياض الثلج أشد من بياض القرطاس وكل منهما بياض) وهو الكلي الذي ينطبق على مصاديقه بالتفاوت، مثل: الوجود، البياض.
[فوجود الخالق أولى من وجود المخلوق، ووجود العلة متقدم على وجود المعلول وكل منه وجود].
الخلاصة:
تمرينات
1 - قد يعرف الإنسان بأنه حيوان ناطق، وقد يعرف بالإشارة إلى بعض أفراده الموجودين في الخارج فيقال الإنسان مثل: خالد وحسين. وضح الفرق بينهما؟ وبيّن بماذا يسمى كل منهما؟ ولماذا؟
2 - بيّن العلاقة بين المفهوم والمصداق، ممثلا لذلك؟
3 – (عدنان) جزئي حقيقي وجزئي إضافي، وضح ذلك وبيّن سببه؟
4 - مثّل لكل من المتواطئ والمشكك بأربعة أمثلة موضحا الفرق بينهما؟
5 - عيّن الكلي والجزئي في الأمثلة الآتية:
أ - عبد الله (اسم علم)
ب - عبد الله (صفة)
ج - المدينة (مدينة الرسول (ص))
د - المدينة
هـ - جميل.
و - الشارع.
ز - محمود.
النسب الأربع
ويراد بها النسبة بين الكليين في مجال انطباق كل واحد منهما على مصاديق الآخر.
مثلاً: النسبة بين الطائر والحيوان، هي: أن الحيوان ينطبق على كل مصاديق الطائر، والطائر ينطبق على بعض مصاديق الحيوان (وهي مصاديق الطائر نفسه).
والنسب بين الكليين أربع هي:
1 - التساوي: وتقع هذه النسبة بين الكليين اللذين ينطبق على كل واحد منهما على جميع مصاديق الآخر.
مثل: الإنسان والناطق.
فإن مفهوم الإنسان ينطبق على كل مصاديق الناطق. وكذلك مفهوم الناطق ينطبق على كل مصاديق الإنسان، فيقال:
كل إنسان ناطق.
و كل ناطق إنسان.
2 - التباين: وتقع هذه النسبة بين الكليين اللذين لا ينطبق كل واحد منهما على شيء من مصاديق الآخر.
مثل: الحيوان والجماد.
فإن مفهوم الحيوان لا ينطبق على شيء من مصاديق الجماد. وكذلك مفهوم الجماد لا ينطبق على شيء من مصاديق الحيوان، فيقال:
لاشيء من الحيوان بجماد.
ولاشيء من الجماد بحيوان.
3 – العموم والخصوص مطلقا: وتقع هذه النسبة بين الكليين اللذين يصدق أحدهما على جميع ما يصدق عليه الآخر وعلى غيره ويقال للأول الأعم مطلقا وللثاني الأخص مطلقا.
مثل: الحيوان والإنسان، والمعدن والفضة.
فكل ما صدق عليه الإنسان يصدق عليه الحيوان ولا عكس، فإنه يصدق الحيوان بدون الإنسان وكذا الفضة والمعدن.
4 - العموم والخصوص من وجه: وتقع هذه النسبة بين الكليين اللذين ينطبق كل واحد منهما على بعض مصاديق الآخر، ويفترق كل منهما في الانطباق على مصاديق أخرى.
مثل: الحيوان والأبيض.
فإن مفهوم الحيوان ينطبق على بعض مصاديق الأبيض (وهي الحيوانات البيضاء).
ويفترق عن مفهوم الأبيض في انطباقه على الحيوانات غير البيضاء. ومفهوم الأبيض ينطبق على بعض مصاديق الحيوان (وهي الحيوانات البيضاء).
ويفترق عن مفهوم الحيوان في انطباقه على الأشياء البيضاء غير الحيوان.
فنقطة الالتقاء بين مفهومي الأبيض والحيوان هي: الحيوانات البيضاء.
ونقطة افتراق الحيوان عن الأبيض هي: في الحيوانات غير البيضاء. ونقطة افتراق الأبيض عن الحيوان هي: في الأشياء البيضاء غير الحيوان، فيقال:
بعض الحيوان أبيض.
وبعض الحيوان ليس بأبيض.
وبعض الأبيض حيوان.
وبعض الأبيض ليس بحيوان.
الخلاصة:
تمرينات
1 - ما هي النسبة بين الكلمات التالية:
أ - الإنسان والبشر.
ب - الحجر والشجر.
ج - الحديد والمعدن.
د - الذهب والصفرة.
هـ - الورق والبياض.
و - الناطق والإنسان.
ز - النبات والحيوان.
2 - فرّق بين نسبتي العموم والخصوص مطلقاً والخصوص من وجه، موضحا ذلك بالأمثلة؟
الكليات الخمسة
تنقسم الكليات الخمسة إلى قسمين هما: الذاتي والعرضي.
1 - الذاتي
تعريفه:
الذاتي هو الكلي الذي يعدّ حقيقة مستقلة، أو جزء حقيقة، مثل: (الإنسان) الذي يعد حقيقة مستقلة، والحيوان الذي يعد جزء حقيقة الإنسان المؤلفة من الحيوان والناطق و (الناطق) الذي يعد جزء حقيقة الإنسان أيضا.
تقسيمه:
ينقسم الذاتي إلى ما يلي:
أ - النوع (أفراده متفقة في الحقيقة، متكثرة بالعدد): وهو الكلي المنطبق على جزئيات ذات حقيقة واحدة، مثل (الإنسان) المنطبق على خالد وعلي وأحمد وما ماثلها من الجزئيات المتفقة في حقيقة الإنسانية.
ب – الجنس (أفراده متكثر في الحقيقة و العدد): وهو الكلي المنطبق على أنواع مختلفة، مثل (الحيوان) المنطبق على الإنسان والطير والسمك.
ج - الفصل: وهو الكلي المميز للنوع عن الأنواع المشاركة له في الجنس، مثل: (الناطق) المميز لنوع (الإنسان) عن الأنواع المشاركة في جنس (الحيوان) كنوع الأسد ونوع الطير ونوع الفيل ونوع السمك.
2 - العرضي
تعريفه:
العرضي هو الكلي الذي يعدّ وصفا للحقيقة مثل: (الضاحك) الذي يعد وصفا للإنسان، مثل: (الماشي) الذي يعد وصفا للإنسان والفرس.
تقسيمه:
ينقسم إلى ما يلي:
أ - الخاصة: وهي الكلي المختص وصفا لنوع واحد، مثل (الضاحك) المختص صفة للإنسان.
ب - العرض العام: وهو الكلي العام وصفا لأنواع مختلفة (الماشي) العام صفة للإنسان والفرس والأسد والفيل.
نتائج:
ويستنتج على ضوء ما تقدم النتائج التالية:
أ - النوع: يتألف من الجنس والفصل.
ب - الجنس: هو الجزء العام لحقيقة النوع.
ج - الفصل: هو الجزء الخاص لحقيقة النوع.
الخلاصة:
تقسيم الجنس:
ينقسم الجنس إلى ما يلي:
1 - الجنس القريب: وهو أقرب جنس إلى نوعه، مثل (الحيوان) بالإضافة إلى الإنسان.
2 - الجنس البعيد: وهو ما يقع بعد الجنس القريب مثل: (الجسم الحي) بالإضافة إلى الإنسان، فإنه يقع بعد الحيوان.
تقسيم الفصل:
وينقسم الفصل إلى ما يلي:
1 - الفصل القريب: وهو أقرب فصل إلى نوعه، مثل: (الناطق) بالإضافة إلى الإنسان.
2 - الفصل البعيد: وهو ما يقع بعد الفصل القريب، مثل: (الحساس المتحرك بالإرادة) - الذي هو فصل لنوع الحيوان - بالإضافة إلى الإنسان.
تمرينات
1 - هل تستطيع أن تفسر لماذا يسمى الذاتي ذاتيا والعرض عرضيا؟
2 - ما هو الفرق بين الجنس والعرض العام، وبين الفصل والخاصة؟
3 - هل تستطيع أن تفرق بين نسبة الماشي إلى الإنسان ونسبته إلى الحيوان؟
4 - ممّ يتألف النوع؟
5 - ما هو الفرق بين الجنسين القريب والبعيد؟
التعريف
تعريفه:
التعريف هو بيان حقيقة الشيء أو إيضاح معناه.
أقسامه:
ينقسم التعريف إلى الآتي:
1 - الحد التام: وهو التعريف بالجنس والفصل القريبين، مثل:
2 - الحد الناقص: وهو التعريف بالجنس البعيد والفصل القريب أو بالفصل وحده.
مثل:
3 - الرسم التام: وهو التعريف بالجنس والخاصة.
مثل:
ملحق (1)
ومن الرسم التام: التعريف بالمثال.
والتعريف بالمثال: وهو التعريف بذكر مصداق من مصاديق الشيء المعرّف.
كقولنا: الإنسان مثل: محمد وخالد وعبد الله.
4 - الرسم الناقص: وهو التعريف بالخاصة وحدها. مثل: الإنسان ضاحك.
ملحق (2)
ومن الرسم الناقص: التعريف بالتشبيه.
والتعريف بالتشبيه: هو التعريف بذكر ما يشبه الشيء المعرّف.
مثل: الكلّيان المتباينان: كالخطين المتوازيين.
ملحق (3)
ومن الرسم الناقص أيضا: التعريف بالقسمة.
والتعريف بالقسمة: هو التعريف بذكر أقسام الشيء المعرف.
مثل: الكلمة: اسم و فعل و حرف.
الخلاصة:
شروط التعريف
يشترط في التعريف ما يلي:
1 - أن يكون التعريف مساوياً للشيء المعرّف في الانطباق على مصاديقه. فمثلا حينما نعرف الإنسان بأنه (حيوان ناطق) يشترط في تعريفه هذا أن يصح انطباقه على كل مصاديق الإنسان وعدم انطباقه على غيرها أو على بعضها فقط.
وعلى ضوئه: لا يجوز التعريف بما يأتي:
أ - التعريف بما هو أعم من الشيء المعرّف، مثل (الإنسان حيوان يمشي على رجلين) لأن هذا التعريف ينطبق على الإنسان وعلى غيره من الحيوانات التي تمشي على رجلين.
ب - التعريف بما هو أخص من الشيء المعرف، مثل: (الإنسان جماد). لأن المتباينين - كما تقدم في موضوع النسب الأربع - لا ينطبق كل واحد منهما على شيء من مصاديق الآخر.
2 - أن يكون التعريف بما هو أوضح وأجلى من الشيء المعرف لدى المخاطب.
وعلى ضوئه: لا يجوز التعريف بما يأتي:
أ - التعريف بما يساوي الشيء المعرف بالوضوح، مثل: تعريف الأب بأنه والد الابن وتعريف الابن بأنه ولد الأب. لأن الابن والأب متساويان في الوضوح، وليس أحدهما أوضح من الآخر حتى يعرف به.
ب - التعريف بما هو أخفى من الشيء المعرف، مثل: (النور: قوة تشبه الوجود). لأن الشيء المعرف - هنا - وهو النور - أوضح من التعريف لدى المخاطب، فلا يتحقق المطلوب من التعريف وهو بيان الحقيقة أو إيضاح المعنى.
3 - أن يكون التعريف بألفاظ تغاير الشيء المعرف في مفهومه، مثل: (الإنسان: حيوان ناطق).
فإن مفهومي الحيوان والناطق مغايران لمفهوم الإنسان.
وفي ضوئه:
لا يجوز التعريف بألفاظ هي نفس الشيء المعرف في المفهوم مثل: (الإنسان: بشر).
فإن مفهوم (الإنسان) ومفهوم (بشر) شيء واحد.
4 - أن يكون التعريف بما لا يتوقف معرفته على معرفة نفس الشيء المعرف، مثل: (الإنسان: حيوان ناطق).
فإن معرفة (الحيوان) ومعرفة (الناطق) لا تتوقفان على معرفة (الإنسان).
وفي ضوئه:
لا يجوز التعريف بما تتوقف معرفته على معرفة نفس الشيء المعرف مثل: (الشمس كوكب يرى في النهار).
في حين أن معرفتنا للنهار تتوقف على معرفتنا للشمس لأن النهار هو زمان رؤية الشمس.
5 - أن يكون التعريف بألفاظ واضحة المعاني غير مبهمة أو غامضة.
تمرينات
1 - ما هو التعريف ولأية غاية يستخدم؟
2 - مثّل لكل من التعاريف التالية:
أ - الحد التام.
ب - التعريف بالمثال.
ج - التعريف بالتشبيه.
د - التعريف بالقسمة.
3 - هل يجوز التعريف بما يأتي ولماذا؟
أ - التعريف بالمباين.
ب - التعريف بالمساوي في الانطباق.
4 - بيّن خطأ التعاريف التالية:
أ - الإنسان: حيوان يمشي على رجلين.
ب - النور: قوة تشبه الوجود.
ج - الشمس: كوكب يرى في النهار.
د – الإنسان: حيوان متعلم.
التقسيم والتصنيف
التقسيم
تعريفه:
التقسيم أو القسمة: هو تجزئة الشيء إلى أنواعه أو تحليله إلى عناصر.
شرح التعريف:
إذا قلنا (الكلمة تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي: الاسم والفعل والحرف) فإننا بهذا نكون قد جزأنا الكلمة إلى أنواعها الثلاثة المذكورة.
وإذا قلنا (الماء ينحل إلى عنصرين هما: الأوكسجين والهيدروجين) نكون قد حللنا الماء إلى عنصريه اللذين تركب منهما تلك التجزئة وهذا التحليل هو القسمة أو التقسيم.
أساسه:
لأجل أن يكون التقسيم ذا فائدة لابد من أساس يقوم عليه.
والأساس: هو الغاية التي يهدف إليها المقسّم والصفة التي يلاحظها أثناء التقسيم ويتخذ منها مقياسا عاما في تقسيمه. فمثلاّ: إذا قسمنا الحيوانات إلى آكلة اللحوم وآكلة النبات كان أساس التقسيم نوع الغذاء التي يأكله الحيوان.
وإذا قسمنا المثلث إلى متساوي الأضلاع ومتساوي الساقين ومختلف الأضلاع كان أساس القسمة هو نوع الأضلاع التي يتألف منها المثلث.
تنبيه:
قد يقسم الجنس الواحد بتقسيمات مختلفة إلى أنواع مختلفة وذلك لاختلاف الأسس التي يراعيها المقسم عند التقسيم.
فقد يقسم الإنسان على أساس اللون إلى أسود وأبيض.
وقد يقسم على أساس الشعب إلى عربي وفارسي وهندي.
وقد يقسم على أساس المجتمع الذي يعيش فيه بدائي وحضري ... وهكذا.
أنواعه:
تتنوع القسمة إلى نوعين هما: القسمة الطبيعية والقسمة المنطقية.
1 - القسمة الطبيعية:
هي تحليل الشيء إلى أجزائه التي يتألف منها.
مثل: تقسيم الماء إلى عنصري الأوكسجين والهيدروجين.
وقسمة الزجاج إلى عنصري الرمل و ثاني أوكسيد السيلكون، وهكذا.
2 - القسمة المنطقية:
هي تحليل الشيء إلى أنواعه التي ينطبق عليها.
مثل: تقسيم الكلمة إلى الاسم والفعل والحرف.
وقسمة الزاوية إلى الحادة والقائمة والمنفرجة.
شروط القسمة المنطقية:
يشتر في القسمة المنطقية ما يلي:
1 - فرض أساس واحد للتقسيم.
فلا تصح قسمة الشيء الواحد على أكثر من أساس في آن واحد.
2 - مساواة مصاديق الأقسام إلى مصاديق المقسم.
فمثلا: لفظة (المدرسة) وهي مصداق الاسم الذي هو قسم من الكلمة ينطبق عليها الاسم فيقال (المدرسة اسم) وتنطبق عليها الكلمة التي هي المقسم للاسم فيقال (المدرسة كلمة) وهكذا.
3 - عدم تداخل الأنواع.
فمثلا لا يصح تقسيم الحيوان ذي العمود الفقري إلى ماله رئة وماله ثدي، لأن الثدييات من ذوات الرئة.
4 - اتصال حلقات السلسلة.
فلا يصح قطع سلسلة القسمة في بعض حلقاتها تقسيم الكلمة إلى أقسامها الثلاثة (الاسم والفعل والحرف) وتقسيم الفعل إلى المرفوع والمنصوب والمجزوم، وترك تقسيمه إلى الماضي والمضارع والأمر لأن المرفوع والمنصوب والمجزوم أنواع للفعل المعرب وهو المضارع فقط.
الفرق بين القسمتين:
يتلخص الفرق بين القسمة الطبيعية والقسمة المنطقية بما يلي:
1 - يصح حمل القسم على المقسم وحمل المقسم على القسم في القسمة المنطقية فيصح أن يقال (الاسم كلمة) و (هذه الكلمة اسم).
ولا يصح ذلك في القسمة الطبيعية فلا يصح أن يقال "الأوكسجين ماء" و "هذا الماء أوكسجين".
2 - القسمة المنطقية عملية تنازلية يبدأ فيها من الجنس إلى أنواعه، ومن النوع إلى أصنافه، ومن الصنف إلى أفراده.
[مثل تقسيم الكلمة إلى اسم وفعل وحرف. والاسم إلى معرب ومبني. والفعل إلى: ماضي وأمر ومضارع. والمضارع إلى معرب و مبني].
أساليب التقسيم:
(أساليب التقسيم تشمل القسمة المنطقية والطبيعية ولكن الكلام هنا في القسمة المنطقية فقط):
لأجل أن تكون القسمة صحيحة وجامعة لجميع الأقسام، هناك طريقتان تسميان بأسلوبي التقسيم هما: الطريقة الثنائية والطريقة التفصيلية.
(1) طريقة القسمة الثنائية:
وهي طريقة الترديد بين النفي والإثبات.
ويعني بها: تقسيم الشيء تقسيما دائراً بين إثبات القسم ونفيه، مثل: تقسيم الحيوان إلى الناطق وغير الناطق والناطق إلى الرجل وغير الرجل، والرجل إلى العالم وغير العالم، والعالم إلى العربي وغير العربي وهكذا.
ويرجع إلى هذه الطريقة – عادة – في القسمة المطولة لأجل الاختصار.
(2) طريقة القسمة التفصيلية:
وهي قسمة الشيء إلى جميع أقسامه تفصيلاً. مثل: تقسيم الكلمة إلى اسم وفعل وحرف، والاسم إلى: معرب و مبني .. الخ.
أهمية التقسيم:
لا أظن أن هناك من لا يدرك أهمية القسمة وفائدتها لأننا لولا القسمة لا نستطيع أن نفهم تسلسل الأشياء ومبادئها.
فمثلا: بالتقسيم الطبيعي المعروف في علم الحيوان نستطيع أن نعرف أن فصيلة الأسد من طائفة الضواري، وأن طائفة الضواري من صنف اللبائن، وأن صنف اللبائن من الشعبة الفقرية.
ومثله في علم النبات، فمثلا لولا القسمة لا نستطيع أن تعرف أن البكتريا من الفطريات الانشطارية، وأن الفطريات الانشطارية من الفطريات غير الحقيقية.
التصنيف
تعريفه:
التصنيف هو وضع الأفراد في مجموعات متميزة على أساس خاص.
شرح التعريف:
إذا قمنا بتنظيم مكتبة المدرسة - مثلا - فجعلنا مجلدات الكتب مجموعات متميزة على ضوء موضوعاتها العلمية، فوضعنا كتب الاجتماعيات في مجموعة وكتب الطبيعيات في مجموعة وكتب الرياضيات في مجموعة وكتب اللغات في مجموعة. فإننا نكون قد صنفنا المكتبة وهكذا حينما يقوم عالم الحيوان بتفريق الطيور إلى مجموعتين الطيور القديمة والطيور الحديثة، ويفرق مجموعة الطيور الحديثة إلى ثلاث مجاميع: الطيور المسنة البائدة والطيور الرمثية والطيور الجؤجؤية.
فإنه بهذه العملية من التفريق يكون قد قام بتصنيف الطيور.
أساسه:
ولا يختلف التصنيف عن التقسيم في وجوب قيامه على أساس موحّد معين لنفس الأسباب التي ذكرت هناك.
تقسيمه:
وينقسم التصنيف إلى قسمين هما:
1 - التصنيف العلمي:
وهو الذي يقصد منه وضع الأشياء في نظام واحد يميز بعضها عن بعض ويوضح نقاط الالتقاء بين أنواعها ونقاط الافتراق.
[كتصنيف كتب المكتبة على أساس موضوعاتها].
2 - التصنيف غير العلمي:
هو ما يعتمد فيه على ملاحظة الصفات الخارجية للأشياء كالشكل والحجم ولا يراعى فيه - عادة - غاية علمية خاصة.
[كتصنيف الكتب على أساس الحجم، كأن يضع ذات الحجم الكبير في مكان، وذات الحجم الصغير في مكان آخر]
أهمية التصنيف:
إن نظرة واحدة تلقى على علمي الحيوان والنبات فقط، وإلى التصنيفات الموجودة فيها كافية في بيان فائدة التصنيف وأهمية في حياتنا العلمية.
الفرق بين التصنيف والتقسيم:
الفرق بين التصنيف والتقسيم هو أن التقسيم يبدأ فيه - كما تقدم - بالجنس إلى الأنواع ثم من الأنواع إلى الأصناف ثم من الصنف إلى الفرد.
[مثل كلمة: اسم وفعل وحرف. والاسم: معرب ومبني. والمبني: على الكسر وعلى الفتح وعلى الضم وعلى السكون .. وهكذا.]
والتصنيف بعكسه تماما يبدأ فيه بالأفراد إلى الصنف، و من الأصناف إلى النوع ومن الأنواع إلى الجنس [كما في تصنيف المكتبة تبدأ بالكتاب وتنتهي بالمجموعة].
فالعملية في التقسيم متنازلة من الأعلى إلى الأسفل، وفي التصنيف متصاعدة من الأسفل إلى الأعلى.
تمرينات
1 - ما هو أساس التقسيم؟ ولماذا يفتقر التقسيم إلى أساس؟
2 - ما هي شروط القسمة المنطقية؟
3 - ما هو الفرق بين القسمة المنطقية والقسمة الطبيعية؟
4 - فرّق بين أسلوبي التقسيم موضحا ذلك بالأمثلة؟
5 - ما هو الفرق بين نوعي التصنيف؟
6 - ما هو الفرق بين التقسيم والتصنيف؟
القضايا
لابد من دراسة القضايا قبل دراسة طرق الاستدلال، لأن القضايا هي مواد الاستدلال وعناصره التي يتألف منها.
تعريفها:
القضية هي الخبر (راجع تعريف الخبر ص 8).
تقسيمها (1)
تنقسم القضية إلى قسمين هما: الحملية والشرطية.
1 - الحملية
تعريفها:
الحملية هي ما حكم فيها بثبوت شيء لشيء أو نفي شيء عن شيء.
مثل: خالد حاضر، طالب ليس بغائب.
تتألف القضية الحملية من ثلاثة أركان هي:
1 - المحكوم عليه، ويسمى (الموضوع).
2 - المحكوم به، ويسمى (المحمول).
3 - الحكم، ويسمى (النسبة).
ففي المثالين المتقدمين:
الموضوع: خالد، طالب.
المحمول: حاضر، غائب.
النسبة: في المثال الأول: ثبوت الحضور لخالد.
في المثال الثاني: نفي الغياب عن طالب.
2 - الشرطية
تعريفها:
الشرطية هي ما حكم فيها بوجود نسبة بين قضية وأخرى، أو عدم وجود نسبة بينهما.
مثل: إذا أشرقت الشمس فالنهار موجود.
ليس كلما دق الجرس فقد حان وقت الدرس.
تأليفها:
تتألف القضية الشرطية من ثلاثة أركان هي:
1 – المقدم، وهو في المثال الأول: أشرقت الشمس. في المثال الثاني: دق الجرس.
2 – التالي، وهو في المثال الثاني: قد حان وقت الدرس.
3 – الرابطة، وهي أدوات الربط: كإذا والفاء في المثال الأول، وكلما والفاء في المثال الثاني.
تقسيم القضية (2)
وتنقسم القضية - حملية كانت أو شرطية - إلى قسمين هما: الموجبة والسالبة.
1 - الموجبة: هي القضية المثبتة.
مثل: المدرسة كبيرة.
إذا أشرقت الشمس فالنهار موجود.
2 - السالبة: هي القضية المنفية.
مثل: خالد ليس بغائب.
ليس كلما دق الجرس فقد حان وقت الدرس.
تمرينات
1 - ما هي أركان القضية الحملية؟ عددها ووضحها بالأمثلة.
2 - عيّن أركان القضية الشرطية في المثال التالي (إذا أشرقت الشمس فالنهار موجود).
أقسام الحملية (1)
وتنقسم القضية الحملية - موجبة كانت أو سالبة - باعتبار موضوعها إلى:
شخصية وطبيعية ومهملة ومحصورة.
1 - الشخصية: وهي ما كان موضوعها جزئيا.
مثل: البصرة ميناء العراق. أنت كاتب
محمود ليس بمجتهد. هو ليس بشاعر
2 - الطبيعية: وهي ما كان موضوعها كليا ووجهنا الحكم فيها عليه بصفته كليا.
مثل: الإنسان نوع.
الضاحك ليس بجنس.
3 - المهملة: وهي ما كان موضوعها كليا ووجهنا الحكم فيها على مصاديقه مع إهمال بيان كمية المصاديق المحكوم عليها.
مثل: الإنسان في خسر، المؤمن لا يكذب
الطالب المجد لا يرسب.
4 - المحصورة (يسمى اللفظ الدال على كمية أفراد الموضوع (سور القضية) وسميت هذه القضايا (محصورة) و (مسورة) والمحصورات هي القضايا التي يبحثها علم المنطق دون غيرها من القضايا الأخرى): وهي ما كان موضوعها كليا ووجهنا الحكم فيها على مصاديقه مع حصر كمية المصاديق المحكوم عليها كلاً أو بعضا.
مثل: كل نبي مبعوث من قبل الله.
بعض الطلاب فقراء.
تقسيم المحصورة:
تنقسم القضية المحصورة إلى قسمين هما: الكلية والجزئية.
1 - الكلية: وهي ما حكم فيها على جميع المصاديق، مثل:
كل نفس ذائقة الموت.
لا شيء من الكسل بنافع.
2 - الجزئية: وهي ما حكم فيها على بعض المصاديق، مثل:
بعض المدارس دينية.
بعض الطلاب ليسوا بمجتهدين.
الخلاصة:
أقسام الحملية (2)
وتنقسم الحملية الموجبة فقط على اعتبار مواقع وجود موضوعها إلى ثلاثة أقسام هي:
1 - الذهنية: وهي ما كان موقع موضوعها الذهن.
مثل: شريك الخالق مستحيل. فإن مفهوم شريك الخالق لا موقع له إلا الذهن لأنه ليس له مصداق في الواقع الخارجي.
2 - الخارجية: وهي ما كان موضوعها الخارج. ومعناه: أن الحكم فيها يوجه إلى مصاديق الموضوع الموجودة في الخارج.
مثل: كل طالب يحضّر درسه غداً.
فإن المقصود بكل طالب - هنا - الطلاب الموجودون حالياً.
3 - الحقيقية: وهي ما كان موقع موضوعها الخارج الحاضر والمستقبل. ومعناه: أن الحكم فيها يوجه إلى مصاديق الموضوع الموجودة في الخارج الحاضر والتي ستوجد في المستقبل.
مثل: (كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو مسلم)، فإن المقصود بذلك كل من قال كلمة الشهادة من الناس الموجودين في الخارج الحاضر والذين سيوجدون في المستقبل.
الخلاصة:
تمرينات
1 - عيّن الكليات والجزئيات والموجبات والسوالب في الأمثلة التالية:
أ - كل نفس ذائقة الموت.
ب - بعض المدارس ليست بدينية.
ج - لا شيء من الكسل بنافع.
د - بعض الطلاب شعراء.
2 - عيّن نوع القضية الحملية في الأمثلة الآتية:
أ - بغداد عاصمة العراق.
ب - الماشي عرض عام.
ج - المدرسة معهد تعليم.
د - كل من عليها فان.
هـ - شريك الباري ممتنع.
و - كل طالب يحضر غدا قبل الجرس بخمس دقائق.
ز - كل من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم.
أقسام الشرطية
تنقسم الشرطية إلى: متصلة ومنفصلة.
1 - المتصلة:
تعريفها:
المتصلة: هي ما حكم فيها بالاتصال بين قضيتين أو بنفي الاتصال بينهما.
مثالها:
إذا أشرقت الشمس فالنهار موجود.
ليس كلما دق الجرس فقد حان وقت الدرس.
تقسيمها:
تنقسم المتصلة إلى ما يلي:
أ - اللزومية: وهي التي بين مقدّمها وتاليها اتصال حقيقي، مثل:
إذا سخن الماء فإنه يتمدد.
ب - الاتفاقية: وهي التي ليس بين مقدّمها وتاليها اتصال حقيقي، مثل:
كلما دق الجرس تأخر زكي قليلا عن الدخول إلى الصف (إذا اتفق ذلك دائما).
2 - المنفصلة
تعريفها:
المنفصلة: هي ما حكم فيها بالانفصال بين قضيتين أو بنفي الانفصال بينهما.
مثالها:
العدد إما أن يكون فردا أو زوجا.
ليس الإنسان إما أن يكون كاتبا أو شاعرا.
تقسيمها (1):
تنقسم المنفصلة إلى ما يلي:
أ - العنادية: وهي التي بين مقدّمها وتاليها تناف وعناد حقيقي، مثل:
العدد الصحيح إما أن يكون زوجا أو فردا.
ب - الاتفاقية: وهي التي بين مقدّمها وتاليها تناف اتفاقي وغير حقيقي، مثل:
إما أن يكون المدرس الذي في الصف الأول عليا أو أحمد (إذا اتفق أن غيرهما من المدرسين لا يأتون إلى الصف الأول).
الخلاصة:
تقسيم المنفصلة (2)
وتنقسم المنفصلة على أساس من استحالة اجتماع طرفيها (المقدم والتالي) واستحالة ارتفاعهما وإمكان اجتماعهما وإمكان ارتفاعهما إلى ما يلي:
1 - الحقيقية: وهي ذات فرعين هما:
أ - الحقيقية الموجبة: هي ما حكم فيها باستحالة اجتماع طرفيها واستحالة ارتفاعهما، مثل:
العدد الصحيح إما أن يكون زوجا أو فردا.
فالزوج والفرد لا يجتمعان في عدد فيكون زوجا وفردا ولا يرتفعان عنه فيكون لا زوجا ولا فردا.
ب - الحقيقية السالبة: وهي ما حكم فيها بإمكان اجتماع طرفيها وإمكان ارتفاعهما، مثل:
ليس الحيوان إما أن يكون ناطقا وإما أن يكون قابلا للتعليم، يجتمعان في الإنسان لأنه ناطق وقابل للتعليم، ويرتفعان في غيره من الحيوانات فإنها ليست بناطقة وغير قابلة للتعليم.
2 - مانعة الجمع: وهي ذات فرعين أيضا وهما:
أ - مانعة الجمع الموجبة: وهي ما حكم فيها باستحالة اجتماع طرفيها وإمكان ارتفاعهما، مثل:
إما أن يكون الجسم أبيض أو أسود.
فالأبيض والأسود لا يمكن اجتماعهما في جسم واحد ولكنه يمكن ارتفاعهما في الجسم الأحمر.
ب – مانعة الجمع السالبة: وهي ما حكم فيها بإمكان اجتماع طرفيها واستحالة ارتفاعهما، مثل:
إما أن يكون الجسم غير أبيض أو غير أسود.
فإن غير الأبيض وغير الأسود يجتمعان في الجسم الأخضر ولا يرتفعان معا عن الجسم الواحد لأنه إما أن يكون غير أبيض وهو فيما إذا كان أسود أو ذا لون من الألوان الأخرى غير الأبيض، وإما أن يكون غير أسود وهو فيما إذا كان أبيض أو ذا لون من الألوان الأخرى غير الأسود.
3 - مانعة الخلو: وهي ذات فرعين أيضا هما:
أ - مانعة الخلو الموجبة: وهي ما حكم فيها بإمكان اجتماع طرفيها واستحالة ارتفاعهما، مثل:
الجسم إما أن يكون غير أبيض أو غير أسود.
فيمكن أن يجتمع فيه غير الأبيض وغير الأسود وهو فيما إذا كان أخضر أو أحمر، ويستحيل ارتفاعهما عنه معا فيكون غير أبيض وغير أسود - كما تقدم - لأنه إما غير أبيض وهو فيما إذا كان متصفا بلون من الألوان غير الأبيض وإما غير أسود وهو فيما إذا كان متصفا بلون من الألوان غير الأسود، وإما غير أسود وغير أبيض وهو فيما إذا كان متصفا بلون من الألوان غير الأبيض والأسود الأخضر والأزرق والأحمر وما شاكل.
أما إذا ارتفع عنه غير الأبيض وغير الأسود، فمعناه أنه لا لون له وهو أمر مستحيل لأن كل جسم لابد له من لون.
ب - مانعة الخلو السالبة: وهو ما حكم فيها باستحالة اجتماع طرفيها، وإمكان ارتفاعهما، مثل:
ليس إما أن يكون الجسم أبيض وإما أن يكون أسود لأنه قد يكون لا أبيض وقد يكون لا أسود، إلا أن الأسود والأبيض لا يجتمعان فيه.
الخلاصة:
تمرينات
1 - ما هو الفرق بين الاتفاقية المتصلة والاتفاقية المنفصلة؟
الاستدلال
تعريفه:
الاستدلال إقامة الدليل لإثبات المطلوب.
تقسيمه:
ينقسم الاستدلال إلى قسمين هما:
1 - الاستدلال غير المباشر:
وله ثلاث طرائق هي: التناقض، العكس المستوي، عكس النقيض.
2 - الاستدلال المباشر:
وله ثلاث طرائق أيضا هي: القياس، الاستقراء، التمثيل.
الخلاصة:
الاستدلال غير المباشر
تعريفه:
الاستدلال غير المباشر: هو إقامة الدليل على لازمه المطلوب لإثباته.
مجال استعماله:
يستعمل الاستدلال غير المباشر في القضايا التي يصعب أو يمتنع الاستدلال المباشر عليها.
كيفيته:
هي أن يعمد المستدل إلى قضية أخرى لازمة للقضية المطلوب البرهان عليها، فيستدل بالاستدلال المباشر على الأولى.
ثم ينتقل إلى القضية الثانية فيثبت المطلوب على أساس من الملازمة بين القضيتين.
فيكون قد استدل عليها عن طريق غير مباشر.
مثاله:
المطلوب: إثبات القضية التالية (الروح موجودة).
ولما كانت هذه القضية لا يقتدر على إثباتها عن إحدى طرائق الاستدلال المباشر، لابد وأن نلتجئ - هنا- إلى لازمتها وهي (الروح غير موجودة) فنبرهن على صدقها أو كذبها لننتهي منها إلى إثبات المطلوب.
وحيث قد قام البرهان فلسفيا على كذب القضية الثانية، إذن لابد من صدق القضية الأولى (القضية الأولى هي "الروح موجودة") لأن القضية الثانية (القضية الثانية هي "الروح غير موجودة") نقيض القضية الأولى، وكذب أحد النقيضين يستلزم صدق الآخر لأن النقيضين لا يصدقان معا ولا يكذبان معا.
وهكذا – كما سيأتي.
التلازم بين القضيتين
إن أنواع التلازم بين القضيتين التي يقوم الاستدلال غير المباشر على أساس منها هي ما يلي:
1 - لزوم صدق القضية الثانية (المطلوب)، لكذب القضية الأولى (المبرهن عليها).
2 - لزوم كذب القضية الثانية (المطلوب)، لصدق القضية الأولى (المبرهن عليها).
3 - لزوم صدق القضية الثانية (المطلوب)، لصدق القضية الأولى (المبرهن عليها).
4 - لزوم كذب القضية الثانية (المطلوب)، لكذب القضية الأولى (المبرهن عليها).
طرائق الاستدلال غير المباشر
للاستدلال غير المباشر - كما تقدم - ثلاث طرائق هي:
(1) التناقض.
(2) العكس المستوي.
(3) عكس النقيض.
تمرينات
1 - ما هو مجال استعمال الاستدلال غير المباشر؟
2 - بيّن كيفية الاستدلال غير المباشر؟
3 - ما هي أنواع التلازم بين القضيتين؟
التناقض
تعريفه:
التناقض: هو تلازم بين قضيتين يوجب صدق إحداهما وكذب الأخرى.
مجال استعماله:
يستعمل التناقض في القضايا من النوعين: الأول والثاني من أنواع التلازم بين القضيتين وهما:
أ - لزوم صدق القضية الثانية (المطلوب)، لكذب القضية الأولى (المبرهن عليها).
ب - لزوم كذب القضية الثانية (المطلوب)، لصدق القضية الأولى (المبرهن عليها).
شروطه:
يشترط في التناقض أن يكون بين القضيتين اتحاد في أمور واختلاف في أخرى وهي ما يلي:
أ - شروط الاتحاد، وتسمى (الوحدات الثمان).
1 - الاتحاد في الموضوع.
فلو اختلفت القضيتان في الموضوع لم تتناقضا، مثل: علي تلميذ – أحمد ليس بتلميذ.
2 - الاتحاد في المحمول.
فلو اختلفت القضيتان في المحمول لم تتناقضا، مثل:
زكي تلميذ - زكي ليس بمعلم.
3 - الاتحاد في الزمان.
فلو اختلفت القضيتان في الزمان لم تتناقضا، مثل:
الشمس مشرقة في النهار - الشمس ليست بمشرقة في الليل.
4 - الاتحاد في المكان.
فلو اختلفت القضيتان في المكان لم تتناقضا، مثل:
الأرض مخصبة في الريف - الأرض ليست بمخصبة في البادية.
5 - الإتحاد في القوة والفعل
(القوة يراد بها القابلية، فمثلا: حينما يقال لطفل رضيع "هذا طبيب" إنما هو لتوفره على القوة والقابلية لأن يكون في المستقبل طبيباً. والفعل يراد به "الزمن الحاضر" فمثلا: حينما يقال: "سمير طبيب" يعني الآن هو طبيب)
فلو اختلفت القضيتان في القوة والفعل لم تتناقضا، مثل:
محمد ميّت بالقوة - محمد ليس بميت بالفعل.
6 - الاتحاد في الكل والجزء.
فلو اختلفت القضيتان في الكل والجزء لم تتناقضا، مثل:
العراق مخصب بعضه - العراق ليس بمخصب كله.
7 - الاتحاد في الشرط.
فلو اختلفت القضيتان في الشرط لم تتناقضا، مثل:
الطالب ناجح إن اجتهد – الطالب غير ناجح إن لم يجتهد.
8 - الاتحاد في الإضافة.
فلو اختلفت القضيتان في الإضافة لم تتناقضا، مثل:
الأربعة نصف بالإضافة إلى الثمانية - الأربعة ليست بنصف بالإضافة إلى العشرة.
ب - شروط الاختلاف:
1 - الاختلاف بالكم (الكلية والجزئية).
فلو اتفقت القضيتان في الكلية أو الجزئية لم تتناقضا، مثل:
بعض المعدن حديد - بعض المعدن ليس بحديد - فإن كلتا القضيتين صادقتان.
وكل حيوان إنسان – ولا شيء من الحيوان بإنسان - فإن كلتا القضيتين كاذبتان.
2 - الاختلاف في الكيف (الإيجاب والسلب).
فلو اتفقت القضيتان في الإيجاب أو السلب لم تتناقضا، مثل:
كل إنسان ناطق - بعض الإنسان ناطق - لأن كلتا القضيتين صادقتان.
وبعض الإنسان ليس بحيوان - وكل إنسان ليس بحيوان – لأن كلتا القضيتين كاذبتان.
(هناك شرط ثالث هو: (الاختلاف في الجهة) فيما إذا كانت القضيتان موجهتين, وحيث لم استعرض القضايا الموجهات اختصاراً ولقلة جدواها أعرضت عن ذكر هذا الشرط أيضا لنفس السبب).
نتائج الاختلاف:
وفي ضوئه تكون نتائج الاختلاف كالآتي:
الموجبة الكلية…نقيض…السالبة الجزئية.
الموجبة الجزئية نقيض…السالبة الكلية.
النتيجة العامة:
متى توفرت هذه الشروط المذكورة بأجمعها في قضيتين لابد وأن تتناقضا، مثل:
كل إنسان حيوان - بعض الإنسان ليس بحيوان.
بعض الطلاب ناجحون – لا شيء من الطلاب بناجح. مع ملاحظة أن الشروط جميعها متوفرة في كل من القضيتين.
كيفية الاستدلال بالتناقض:
هي أن يعمد المستدل إلى نقيض القضية (المطلوب البرهان عليها). فيبرهن على صدقها أو كذبها.
فإذا ثبت صدق القضية (النقيض) بالبرهان، يطبق عليها قاعدة النقيضين وهي: (النقيضان لا يصدقان معا ولا يكذبان معا) فينتج كذب القضية المطلوب.
وإذا ثبت كذب القضية (النقيض) ينتج بعد تطبيق قاعدة النقيضين. صدق القضية المطلوب.
مثال:
(لا شيء من الأرواح بموجود)
المطلوب: إثبات صدق هذه القضية أو كذبها.
والمفروض أن استعمال طرائق الاستدلال المباشر لإثبات المطلوب صعب. فينتقل المستدل – هنا – إلى طريقة من طرائق الاستدلال غير المباشر، وهي طريقة (التناقض) فيقول:
المطلوب: لا شيء من الأرواح بموجود.
النقيض: الأرواح موجودة.
الاستدلال: وقد ثبت بالبرهان – في محله – صدق النقيض وهو (بعض الأرواح موجودة) فلابد وأن يكذب المطلوب وهو (لا شيء من الأرواح بموجود) لأن النقيضين لا يصدقان معا ولا يكذبان معا، فإذا صدق أحدهما كذب الآخر، وقد صدق النقيض فلابد وأن يكذب المطلوب.
النتيجة: كذب (لا شيء من الأرواح بموجود).
الخلاصة:
الخطوات التي تتبع في الاستدلال بالتناقض هي ما يلي:
1 - تعيين المطلوب.
2 - تعيين النقيض.
3 - الاستدلال على صدق النقيض أو كذبه.
4 - تطبيق قاعدة النقيضين.
5 - النتيجة.
تمرينات
1 - ما هو مجال استعمال التناقض؟
2 - ما هي الوحدات الثمان؟ عددها ومثل لها.
3 - هل يوجد تناقض بين القضايا التالية:
أ - الإنسان حيوان - الإنسان ليس بحيوان.
ب - بعض الحيوان أسد – بعض الحيوان ليس بأسد.
ج - بعض الطلاب ناجحون – لا شيء من الطلاب بناجح.
4 - ما هي خطوات الاستدلال بالتناقض؟ عددها وطبقها على مثال واحد فقط.
العكس المستوي
تعريفه:
العكس المستوي: هو تبديل طرفي القضية مع بقاء الكيف والصدق.
شرح التعريف:
المراد بالتبديل – هنا – هو: تحويل موضوع القضية (المحكوم بصدقها) إلى محمول، وتحويل محمولها إلى موضوع أو تحويل المقدم تاليا والتالي مقدما، مع المحافظة على بقاء الصدق وبقاء الكيف (الإيجاب والسلب).
وتسمى القضية الأولى بـ (الأصل).
وتسمى القضية الثانية بـ (عكس المستوي).
مجال استعماله:
يستعمل العكس المستوي في القضايا من النوع الثالث (راجع ص 29 رقم (3)) من أنواع التلازم بين القضيتين وهو:
لزوم صدق القضية الثانية (المطلوب) لصدق القضية الأولى (المبرهن عليها).
شروطه:
يشترط في العكس المستوي ما يلي:
1 - تبديل الطرفين: أي تحويل الموضوع محمولاً، والمحمول موضوعا، أو تحويل المقدم تاليا والتالي مقدما.
2 - بقاء الكيف: أي إن كانت القضية الأولى موجبة يجب أن تكون القضية الثانية موجبة أيضا، وإن كانت القضية الأولى سالبة يجب أن تكون القضية الثانية سالبة أيضا.
3 - بقاء الصدق: أي يلاحظ أن لا يكون تبديل الطرفين موجبا لكذب القضية الثانية.
نتائجه:
ومع توفّر الشروط المتقدمة تكون نتائج العكس المستوي هي ما يلي:
1 - الموجبة الكلية تنعكس موجبة جزئية.
كل ماء سائل…يصدق…بعض السائل ماء.
كل إنسان ناطق…يصدق…بعض الناطق إنسان.
2 - الموجبة الجزئية تنعكس موجبة جزئية.
بعض السائل ماء…يصدق…بعض الماء سائل.
بعض الماء سائل…يصدق…بعض السائل ماء.
بعض الطير أبيض…يصدق…بعض الأبيض طير.
بعض الإنسان ناطق يصدق…بعض الناطق إنسان.
3 - السالبة الجزئية لا عكس لها، وذلك لتخلّف إنتاج الاستدلال في بعض صورها وهي: فيما إذا كان موضوع القضية السالبة الجزئية أعم من محمولها مثل (بعض الحيوان ليس بإنسان).
فإنه لا يصح أن يقال (لا شيء من الإنسان بحيوان) أو (بعض الإنسان ليس بحيوان) لأنهما كاذبتان، وتقدم أن من شروط العكس المستوي بقاء الصدق.
4 - السالبة الكلية تنعكس سالبة كلية.
لا شيء من الحيوان بشجر يصدق لا شيء من الشجر بحيوان.
لا شيء من الإنسان بحجر يصدق لا شيء من الحجر بإنسان.
كيفية الاستدلال بالعكس المستوي:
هي أن يعمد المستدل إلى القضية المطلوب البرهان عليها فيعكسها. ويبرهن على صدق القضية الثانية. ثم بعد أن يثبت صدقها يطبق قاعدة العكس المستوي وهي (إذا صدق الأصل صدق عكسه).
فينتج صدق القضية المطلوب الاستدلال عليها لصدق أصلها.
مثال:
(بعض السائل ماء)
المطلوب: إثبات صدق هذه القضية.
والمفروض: أن استعمال طرائق الاستدلال المباشر لإثبات المطلوب – هنا – صعب. فينتقل المستدل – هنا – إلى طريقة من طرائق الاستدلال غير المباشر، وهي طريقة (العكس المستوي) فيقول:
المطلوب: (بعض السائل ماء).
الأصل: (كل ماء سائل).…
الاستدلال: وقد ثبت بالبرهان – في محله – صدق الأصل وهو (كل ماء سائل) فلابد من صدق العكس وهو (بعض السائل ماء) لأنه إذا صدق الأصل صدق عكسه، وقد صدق الأصل وهو (كل ماء سائل) فلابد وأن يصدق عكسه وهو (بعض السائل ماء).
الخلاصة:
الخطوات التي تتبع في الاستدلال بالعكس المستوي هي ما يلي:
1 - تعيين المطلوب.
2 - تعيين الأصل.
3 - الاستدلال على صدق الأصل.
4 - تطبيق قاعدة العكس المستوي.
5 - النتيجة.
ملاحظة:
لا يلزم من كذب الأصل كذب العكس. فمثلا لو كانت نتيجة البرهان هي كذب الأصل لا يلزم منه كذب العكس، لأنه قد يكذب الأصل ولا يكذب العكس.
تمرينات
1 - ما هي شروط العكس المستوي؟
2 - كيف تستدل بالعكس المستوى على القضية التالية: (بعض السائل ماء).
عكس النقيض
تعريفه:
عكس النقيض: هو تحويل القضية إلى قضية أخرى موضوعها نقيض محمول القضية الأولى، ومحمولها نقيض موضوع القضية الأولى، مع بقاء الكيف والصدق.
مثاله:
كل كاتب إنسان، تنعكس: كل لا إنسان هو لا كاتب.
مجال استعماله:
يستعمل عكس النقيض في نفس المجال الذي يستعمل فيه العكس المستوي وهو النوع الثالث (راجع ص 29، رقم (3)) من أنواع التلازم وهو:
لزوم صدق القضية الثانية (المطلوب) لصدق القضية الأولى (المبرهن عليها).
شروطه:
1 - تبديل طرفي القضية مع قلب الطرف إلى نقيضه: أي تحويل نقيض محمول القضية الأولى موضوعا للقضية الثانية ونقيض موضوع القضية الأولى محمولا للقضية الثانية.
2 - بقاء الكيف: أي القضية الموجبة تبقى موجبة بعد التبديل، والسالبة تبقى سالبة كذلك.
3 - بقاء الصدق: أي يراعى أن لا يكون تبديل الطرفين موجبا لكذب القضية الثانية.
نتائجه:
مع توفر الشروط المذكورة تكون نتائج عكس النقيض كما يلي:
1 - السالبة الكلية تنعكس سالبة جزئية.
لا شيء من الإنسان بجماد…يصدق…بعض اللاجماد ليس لا إنسان.
2 - السالبة الجزئية تنعكس سالبة جزئية.
بعض المعدن ليس بحديد…يصدق…بعض اللاحديد ليس لا معدن.
3 - الموجبة الكلية تنعكس موجبة كلية.
كل كاتب إنسان…يصدق…كل لا إنسان لا كاتب.
4 - الموجبة الجزئية، لا تنعكس.
وذلك لتخلف إنتاج الاستدلال فيها، فمثلا: قضية (بعض اللاحديد معدن) لا تنعكس إلى (بعض اللامعدن حديد) ولا إلى (كل لا معدن حديد) لأنهما كاذبتان، وتقدم أن من شروط عكس النقيض بقاء الصدق.
ملاحظة:
كيفية الاستدلال – هنا – هي نفس كيفية الاستدلال في العكس المستوي مع مراعاة الفروق بينهما.
تمرينات
1 - ما هو عكس النقيض؟
2 - ما هي نتائج عكس النقيض؟
3 - أية طريقة من طرائق الاستدلال غير المباشر تستخدم في النوع الرابع من أنواع التلازم بين القضيتين؟
النوع الرابع من أنواع التلازم
وفي النوع الرابع من أنواع التلازم (راجع ص 29 رقم (4)) وهو:
لزوم كذب القضية الثانية (المطلوب) لكذب القضية الأولى (المبرهن عليها) يستعمل من طرائق الاستدلال غير المباشر، طريقة العكس المستوي وطريقة عكس النقيض أيضا.
ولكن مع جعل العكس موضوع الاستدلال، ثم تطبيق قاعدة العكس عليه وهي (إذا كذب العكس كذب الأصل).
ملاحظة (1)
الخطوات التي يجب أن تتبع في الاستدلال – هنا – هي نفس الخطوات السابقة في العكس المستوي وعكس النقيض، مع مراعاة الفارق المذكور.
ملاحظة (2)
لا يلزم من صدق العكس صدق الأصل.
فمثلا لو كانت نتيجة البرهان هي صدق العكس لا يلزم منه صدق الأصل، لأنه قد يصدق العكس ولا يصدق الأصل.
الاستدلال المباشر
تعريفه:
الاستدلال المباشر: هو إقامة الدليل على المطلوب لإثباته.
مجال استعماله:
يستعمل الاستدلال المباشر في القضايا التي لا يمنع من استعماله فيها أي مانع. و بتعبير أوضح: يستعمل الاستدلال المباشر في كل مجال لا يلتجأ فيه إلى استعمال الاستدلال غير المباشر.
كيفيته:
هي أن يعمد المستدل إلى المطلوب فيقيم البرهان عليه مباشرة متبعا خطواته التي ستذكر فيما يأتي.
طرائقه:
للاستدلال المباشر ثلاث طرائق – كما تقدم – وهي:
القياس، الاستقراء، التمثيل.
القياس
تعريفه:
القياس: هو تطبيق القاعدة الكلية على جزئياتها لمعرفة حكم الجزئيات.
مثاله:
كتطبيق قاعدة (كل من يشرب الخمر فاسق) على (خالد) لأنه يشرب الخمر، لمعرفة الحكم الذي يترتب عليه وهو (الفسق) فيقال: خالد يشرب الخمر – وكل من يشرب الخمر فاسق فخالد فاسق.
وكتطبيق قاعدة (كل ما يتمدد بالحرارة معدن) على (الحديد) لأنه يتمدد بالحرارة، لمعرفة الحكم الذي يترتب عليه وهو (المعدنية) فيقال:
الحديد يتمدد بالحرارة - وكل ما يتمدد بالحرارة معدن فالحديد معدن.
فالقاعدة الكلية في المثال الأول: كل من يشرب الخمر فاسق.
وفي المثال الثاني: كل ما يتمدد بالحرارة معدن.
والجزئي: في المثال الأول: خالد. وفي المثال الثاني: الحديد.
والحكم الذي استفيد من تطبيق القاعدة: في المثال الأول فسق خالد. وفي المثال الثاني: معدنية الحديد.
مصطلحاته:
للقياس مصطلحات خاصة به هي:
1 - صورة القياس:
وهي شكل تأليفه وتركيبه. والقياس يتألف من مقدمتين - كما سيأتي - مثل:
الحديد معدن - وكل معدن عنصر بسيط.
فالمجموع بهذا الوضع الخاص من الترتيب، والذي سيتضح فيما بعد يسمى صورة القياس.
2 - المقدمة:
و تسمى (مادة القياس) أيضا:
وهي كل قضية تتألف منها صورة القياس. فقضية (الحديد معدن) في المثال المتقدم مقدمة وكذلك قضية (كل معدن عنصر بسيط) مقدمة.
وتقسم المقدمة إلى قسمين هما: الصغرى والكبرى.
3 - الصغرى:
وهي المقدمة التي تشتمل على الجزئي الذي يطلب معرفة حكمه عن طريق الاستدلال بالقياس وتقع المقدمة الأولى للقياس، كالمقدمة (الحديد معدن) في المثال.
4 - الكبرى:
وهي المقدمة التي تؤلف القاعدة الكلية التي يعمد إلى تطبيقها على الجزئي لمعرفة حكمه عن طريق الاستدلال بالقياس. وتقع المقدمة الثانية للقياس، كالمقدمة (وكل معدن عنصر بسيط) في المثال.
5 - الحدود:
وهي مفردات المقدمتين: الموضوع والمحمول أو المقدم والتالي.
مثل: (الحديد - معدن - معدن - عنصر بسيط) في المثال.
6 - النتيجة:
وهي القضية التي ينتهي إليها بعد تطبيق الكبرى على الصغرى، مثل:
(الحديد عنصر بسيط) في المثال.
7 - المطلوب:
وهو النتيجة قبل مزاولة تطبيق الكبرى على الصغرى.
أقسامه:
ينقسم القياس إلى قسمين هما: الاستثنائي والاقتراني.
1 - القياس الاستثنائي: وهو ما صرّح في مقدمتيه بالنتيجة أو بنقيضها.
مثاله:
أ - إن كان محمد عالماً فواجب احترامه - لكنه عالم.
فمحمد واجب احترامه.
ب - إن كان خالد عادلاً فهو لا يعصي الله – ولكنه قد عصى الله.
ما كان خالد عادلاً.
2 - القياس الاقتراني: وهو ما لم يصرّح في مقدمتيه بالنتيجة ولا بنقيضها.
مثاله:
العالم متغيّر - وكل متغير حادث.
فالعالم حادث.
أقسام الاقتراني:
وينقسم القياس الاقتراني إلى قسمين أيضا هما: الحملي والشرطي.
1 - الاقتراني الحملي: وهو المؤلف من قضايا حملية فقط.
مثاله:
الحمامة طائر – وكل طائر حيوان.
فالحمامة حيوان.
2 - الاقتراني الشرطي: وهو المؤلف من قضايا شرطية فقط أو قضايا حملية وشرطية.
مثاله:
أ - الاسم كلمة - والكلمة إما مبنية أو معربة.
فالاسم إما مبني أو معرب.
ب - كلّما كان الماء جاريا كان معتصما - وكلما كان معتصما كان لا ينجس بملاقاة النجاسة.
كلما كان الماء جاريا كان لا ينجس بملاقاة النجاسة.
الخلاصة:
تمرينات
1 - ما هي مصطلحات القياس؟ طبقها على المثال التالي:
الحديد معدن – وكل معدن عنصر بسيط
…فالحديد عنصر بسيط.
2 - عيّن نوع القياس في الأمثلة التالية:
أ - العالم متغير - وكل حادث متغير
…فالعالم حادث.
ب - إن كان محمد عالما فواجب احترامه- لكنه عالم
…فمحمد واجب احترامه.
ج - الاسم كلمة – والكلمة إما مبنية أو معربة.
…فالاسم إما مبني أو معرب.
د - كلما كان الماء جاريا كان معتصما- وكلما كان معتصما كان لا ينجس بملاقاة النجاسة.
…كلما كان الماء جاريا كان لا ينجس بملاقاة النجاسة.
الاقتراني الحملي
حدوده:
تنقسم حدود الاقتراني الحملي إلى ثلاثة أقسام هي:
1 - الأوسط: وهو الحدّ المتكرر في المقدمتين.
2 - الأصغر: وهو الحدّ المذكور في الصغرى فقط.
3 - الأكبر: وهو الحدّ المذكور في الكبرى فقط.
القواعد العامة له:
لأجل أن يكون القياس الاقتراني منتجا يجب أن يتوفر على ما يلي:
1 - تكرر الحد الأوسط.
2 - ألا يتألف من سالبتين.
3 - ألا يتألف من جزئيتين.
4 - ألا يتألف من صغرى سالبة وكبرى جزئية.
5 - أن تكون نتيجته تابعة لأضعف المقدمتين.
ومعناه: إذا كانت إحدى مقدمتيه سالبة يجب أن تكون النتيجة سالبة لأن السالبة أضعف من الموجبة، وإذا كانت إحدى مقدمتيه جزئية يجب أن تكون النتيجة جزئية لأن الجزئية أضعف من الكلية.
كيفية الاستدلال به:
هي أن يعمد المستدل إلى تأليف قضية أحد عنصريها هو الجزئي ويضعها صغرى للقياس.
ثم يعمد إلى التماس القاعدة الكلية التي تنطبق على الجزئي بعد التأكد من أنها قد برهن على صدقها في محلها.
مثلا: لو كانت القاعدة من القواعد العامة في الرياضيات أو الفيزياء أو الجغرافية الطبيعية، فقبل أن يدرجها المستدل كبرى للقياس، عليه أن يتأكد من صحتها وصدقها في محلها من الرياضيات أو الفيزياء أو الجغرافية الطبيعية.
وبعد التماس القاعدة الكلية والتأكد من صدقها يدرجها كبرى للقياس.
ثم يعمد إلى استخراج النتيجة، وذلك بأن يؤلفها من الأصغر والأكبر، بوضع الأصغر موضوعا والأكبر محمولاً.
فلاستخراج النتيجة من المثال الآتي:
الحديد معدن - وكل معدن عنصر بسيط.
نأخذ الأصغر وهو (الحديد) موضوعا، ونأخذ الأكبر وهو (عنصر بسيط) محمولا، ونؤلف منهما قضية النتيجة، فنقول (الحديد عنصر بسيط).
الخلاصة:
والخطوات التي تتبع في الاستدلال بالقياس هي ما يلي:
(1) تعيين المطلوب.
(2) تأليف صغرى أحد عنصريها الجزئي (المطلوب معرفة حكمه).
(3) تأليف كبرى من القاعدة الكلية التي تنطبق على الجزئي بعد التأكد من صدقها.
(4) استخراج النتيجة بتأليفها من الأصغر موضوعا والأكبر محمولا.
تنبيه:
نتيجة القياس دائما تتبع أضعف المقدمتين في الكم والكيف - ما سبقت الإشارة إليه - فإذا كانت إحدى المقدمتين جزئية لابد وأن تأتي النتيجة جزئية، وإذا كانت إحدى المقدمتين سالبة لابد وأن تأتي النتيجة سالبة.
تمرينات
1 - ما هي القواعد العامة للاقتراني الحملي؟
الأشكال الأربعة
ينقسم الاقتراني باعتبار كيفية وضع الحد الأوسط في مقدمتيه إلى أربعة أقسام تسمى بـ (الأشكال الأربعة) وهي:
الشكل الأول
تعريفه:
الشكل الأول: هو ما كان الأوسط فيه محمولا في الصغرى، موضوعا في الكبرى.
شروطه:
لأجل أن يكون الشكل الأول منتجا يشترط فيه بالإضافة إلى الشروط العامة المتقدمة ما يلي:
1 - أن تكون صغراه موجبة.
2 - أن تكون كبراه كلية.
أقسامه:
إذا توفر الشكل الأول على شروط الإنتاج العامة والخاصة به تكون أقسامه المنتجة أربعة وهي:
الأول: وتتألف صغراه من موجبة كلية، وكبراه من موجبة كلية أيضا.
وينتج: موجبة كلية.
مثال: كل خمر مسكر – وكل مسكر حرام.
كل خمر حرام.
الثاني: وتتألف صغراه من موجبة كلية وكبراه من سالبة كلية.
وينتج: سالبة كلية.
مثاله: كل خمر مسكر – ولا شيء من المسكر بنافع.
لا شيء من الخمر بنافع.
الثالث: وتتألف صغراه من موجبة جزئية وكبراه من موجبة كلية.
وينتج: موجبة جزئية.
مثاله: بعض المعدن حديد – وكل حديد يتمدد بالحرارة.
بعض المعدن يتمدد بالحرارة.
الرابع: وتتألف صغراه من موجبة جزئية وكبراه من سالبة كلية.
وينتج: سالبة جزئية.
مثاله: بعض الطيور له أذنان – ولا شيء مما له أذنان يبيض.
بعض الطيور لا يبيض.
[خلاصة أقسام الشكل الأول:
القسم الأول: موجبة كلية…- موجبة كلية…= موجبة كلية.
القسم الثاني: موجبة كلية…- سالبة كلية…= سالبة كلية.
القسم الثالث: موجبة جزئية - موجبة كلية…= موجبة جزئية.
القسم الرابع: موجبة جزئية…- سالبة كلية…= سالبة جزئية.]
الشكل الثاني
تعريفه:
الشكل الثاني: هو ما كان الأوسط فيه محمولا في المقدمتين معا.
شروطه:
لأجل أن يكون الشكل الثاني منتجا يشترط فيه بالإضافة إلى الشروط العامة ما يلي:
1 - أن تختلف مقدمتاه بالكيف – أي تكون إحداهما موجبة والأخرى سالبة.
2 - أن تكون كبراه كلية.
أقسامه:
إذا توفر الشكل الثاني على شروط الإنتاج العامة والخاصة به تكون أقسامه المنتجة هي ما يلي:
الأول: وتتألف صغراه من موجبة كلية وكبراه من سالبة كلية.
وينتج: سالبة كلية.
مثاله: كل مجتر ذو ظلف - ولا شيء من الطائر بذي ظلف.
لا شيء من المجتر بطائر.
الثاني: وتتألف صغراه من سالبة كلية وكبراه من موجبة كلية.
وينتج: سالبة كلية.
مثاله: لا طالب من الكسالى بناجح – وكل مجد ناجح.
لا طالب من الكسالى بمجد.
الثالث: وتتألف صغراه من موجبة جزئية وكبراه من سالبة كلية.
وينتج: سالبة جزئية.
مثاله: بعض المعدن ذهب – ولا شي من الفضة بذهب.
بعض المعدن ليس بفضة.
الرابع: وتتألف صغراه من سالبة جزئية وكبراه من موجبة كلية.
وينتج: سالبة جزئية.
مثاله: بعض الجسم ليس بمعدن - وكل ذهب معدن.
بعض الجسم ليس بذهب.
[خلاصة أقسام الشكل الثاني:
القسم الأول: موجبة كلية…- سالبة كلية…= سالبة كلية.
القسم الثاني: سالبة كلية…- موجبة كلية…= سالبة كلية.
القسم الثالث: موجبة جزئية - سالبة كلية…= سالبة جزئية.
القسم الرابع: سالبة جزئية…- موجبة كلية…= سالبة جزئية.]
الشكل الثالث
تعريفه:
الشكل الثالث: هو ما كان الأوسط فيه موضوعا في المقدمتين معا.
شروطه:
لأجل أن يكون الشكل الثالث منتجا يشترط فيه بالإضافة إلى الشروط العامة ما يلي:
1 - أن تكون صغراه موجبة.
2 - أن تكون إحدى مقدمتيه كلية.
أقسامه:
إذا توفر الشكل الثالث على شروط الإنتاج العامة والخاصة تكون أقسامه المنتجة هي ما يلي:
الأول: وتتألف صغراه من موجبة كلية وكبراه من موجبة كلية أيضا.
وينتج: موجبة جزئية.
مثاله: كل ذهب معدن - وكل ذهب غالي الثمن.
بعض المعدن غالي الثمن.
الثاني: وتتألف صغراه من موجبة كلية وكبراه من سالبة كلية.
وينتج: سالبة جزئية.
مثاله: كل ذهب معدن – ولا شيء من الذهب بفضة.
بعض المعدن ليس بفضة.
الثالث: وتتألف صغراه من موجبة جزئية وكبراه من موجبة كلية.
وينتج: موجبة جزئية.
مثاله: بعض الطائر أبيض – وكل طائر حيوان.
بعض الأبيض حيوان.
الرابع: وتتألف صغراه من موجبة كلية وكبراه من موجبة جزئية.
وينتج: موجبة جزئية.
مثاله: كل طائر حيوان – وبعض الطائر أبيض
بعض الحيوان أبيض.
الخامس: وتتألف صغراه من موجبة كلية وكبراه من سالبة جزئية.
وينتج: سالبة جزئية.
مثاله: كل حيوان حسّاس – وبعض الحيوان ليس بإنسان.
بعض الحساس ليس بإنسان.
السادس: وتتألف صغراه من موجبة جزئية وكبراه من سالبة كلية.
وينتج: سالبة جزئية.
مثاله: بعض الذهب معدن – ولا شيء من الذهب بحديد.
بعض المعدن ليس بحديد.
[خلاصة أقسام الشكل الثالث:
القسم الأول: موجبة كلية…- موجبة كلية…= موجبة جزئية.
القسم الثاني: موجبة كلية…- سالبة كلية…= سالبة جزئية.
القسم الثالث: موجبة جزئية - موجبة كلية…= موجبة جزئية.
القسم الرابع: موجبة كلية…- موجبة جزئية…= موجبة جزئية.
القسم الخامس: موجبة كلية - سالبة جزئية…= سالبة جزئية.
القسم السادس: موجبة جزئية - سالبة كلية…= سالبة جزئية.]
الشكل الرابع
تعريفه:
الشكل الرابع: هو ما كان الأوسط فيه موضوعا في الصغرى ومحمولا في الكبرى.
شروطه:
لأجل أن يكون الشكل الرابع منتجا يشترط فيه بالإضافة إلى الشروط العامة ما يلي:
1 - أن لا تكون إحدى مقدمتيه سالبة جزئية.
2 - أن تكون صغراه كلية إذا كانت مقدمتاه موجبتين.
أقسامه:
إذا توفر الشكل الرابع على شروط الإنتاج العامة والخاصة به تكون أقسامه المنتجة هي ما يلي:
الأول: وتتألف صغراه من موجبة كلية وكبراه من موجبة كلية أيضا.
وينتج: موجبة جزئية.
مثاله: كل إنسان حيوان – وكل ناطق إنسان.
بعض الحيوان ناطق.
الثاني: وتتألف صغراه من موجبة كلية وكبراه من موجبة جزئية.
وينتج: موجبة جزئية.
مثاله: كل إنسان حيوان- وبعض الولود إنسان.
بعض الحيوان ولود.
الثالث: وتتألف صغراه من سالبة كلية وكبراه من موجبة كلية.
وينتج: سالبة كلية.
مثاله: لا شيء من الإنسان بجماد – وكل ناطق إنسان.
لا شيء من الجماد بناطق.
الرابع: وتتألف صغراه من موجبة كلية وكبراه من سالبة كلية.
وينتج: سالبة جزئية.
مثاله: كل سائل يتبخر – لا شيء من الحديد بسائل.
بعض ما يتبخر ليس بحديد.
الخامس: وتتألف صغراه من موجبة جزئية وكبراه من سالبة كلية.
وينتج: سالبة جزئية.
مثاله: بعض السائل يتبخر – لا شيء من الحديد بسائل.
بعض ما يتبخر ليس بحديد.
ملاحظة:
أما الأنواع الأخرى للقياس فقد أعرضت عن استعراضها اختصاراً، واكتفاءاً بذكر أمثلتها في أول الموضوع.
أهمية القياس:
مما تقدم نستطيع أن ندرك الأهمية العظمى للقياس حيث يعرفنا كيفية التطبيقات العلمية للحصول على النتائج المطلوبة.
وفي ضوئه نستطيع أن ندرك أن القياس يشمل كل المجالات التي تتوفر على قواعد عامة تطبيقية علمية كانت أو غير علمية.
[خلاصة أقسام الشكل الرابع:
القسم الأول: موجبة كلية…- موجبة كلية…= موجبة جزئية.
القسم الثاني: موجبة كلية…- موجبة جزئية…= موجبة جزئية.
القسم الثالث: سالبة كلية…- موجبة كلية…= سالبة كلية.
القسم الرابع: موجبة كلية…- سالبة كلية…= سالبة جزئية.
القسم الخامس: موجبة جزئية…- سالبة كلية…= سالبة جزئية.]
تمرينات
1 - عيّن نوع الشكل في الأمثلة الآتية:
أ - بعض المعدن حديد - وكل حديد يتمدد بالحرارة
…بعض المعدن يتمدد بالحرارة.
ب - كل ذهب معدن - ولا شيء من الذهب بفضة
…بعض المعدن ليس بفضة.
ج - بعض المعدن ذهب - ولا شيء من الفضة بذهب.
…بعض المعدن ليس بفضة.
د - كل سائل يتبخر - ولا شيء من الحديد بسائل
…بعض ما يتبخر ليس بحديد.
الاستقراء
تعريفه:
الاستقراء: هو تتبع الجزئيات للحصول على حكم كلي (قاعدة عامة).
شرح التعريف:
نعني بذلك هو أن نتتبع جزئيات نوع معين لأجل أن نعرف الحكم الكلي الذي ينطبق عليها، فنؤلف منه قاعدة عامة.
مثل: أن نستقري ونتتبع استعمال (الفاعل) في مختلف الجمل في اللغة العربية لنعرف حكمه الإعرابي، فنرى أن الكلمة التي تقع فاعلا في مختلف الجمل التي استقرأناها تكون مرفوعة، ننتهي إلى النتيجة التالية: وهي: أن الفاعل في لغة العرب مرفوع، فنؤلف من هذه النتيجة قاعدة عامة وهي: (كل فاعل مرفوع).
أقسامه:
ينقسم الاستقراء إلى قسمين هما: الاستقراء التام والاستقراء الناقص.
1 - الاستقراء التام:
هو تتبع جميع جزئيات الكلي المطلوب معرفة حكمه. كما لو أردنا أن نعرف: هل أن من بين الطلبة الدينيين في النجف الأشرف طلاباً أفريقيين. فإننا نستقري كل طالب موجود في النجف استقراءً كاملا حتى ننتهي إلى نتيجة. هذا النوع من الاستقراء الكامل الشامل لجميع جزئيات الكلي والانتهاء إلى النتيجة منه يسمى بـ (الاستقراء التام)
2 - الاستقراء الناقص:
وهو تتبع بعض جزئيات الكلي المطلوب معرفة حكمه. كما لو أراد العالم الكيميائي معرفة مدى تأثير الضغط على الغازات، فإنه يجري التجربة على بعض الغازات، وعندما يرى أنه كلما زاد الضغط على هذه الجزئيات (موضوع التجربة) قلّ حجمها وكلما نقص الضغط زاد حجمها بنسبة معينة تحت درجة حرارة معينة، يتخذ من هذه الظاهرة الطبيعية التي لاحظها أثناء التجربة حكما عاما لجميع الغازات، فيضع – على ضوئه – قاعدته العامة: (كل غاز إذا زاد الضغط عليه قلّ حجمه وإذا نقص الضغط عنه زاد حجمه بنسبة معينة تحت درجة حرارة معينة).
وهكذا العالم الرياضي متى أراد معرفة: هل أن درجة زاويتي القاعدة في المثلث متساوي الساقين متساويتان أو لا؟
فإنه يقيم البرهان على مثال واحد أو مثالين، ومنه يعّمم الحكم إلى جميع جزئيات المثلث متساوي الساقين، فيضع القاعدة العامة التالية: (كل مثلث متساوي الساقين، زاويتا القاعدة فيه متساويتان).
أقسام الاستقراء الناقص:
وينقسم الاستقراء الناقص إلى قسمين أيضا هما: الاستقراء المعلل والاستقراء غير المعلل.
1 - الاستقراء المعلل:
هو ما يعّمم فيه الحكم على أساس من الإيمان بوجود علّة الحكم في كلّ جزئياته.
كما في مثالي الغاز والمثلث المتقدمين، فإن العالم الكيميائي إنما عمم الحكم إلى جميع جزئيات الغاز التي شاهدها أثناء التجربة هي نوع من أنواع التغيرات الطبيعية، ويؤمن أيضا بأن كلّ تغيير طبيعي لابد وأن يستند إلى علة، وبملاحظة تكرار التجربة على أنواع مختلفة من الغازات انتهى إلى أن زيادة الضغط هي علة قلّة الحجم، و بما أنه يؤمن أيضا بأن الغازات على اختلاف أنواعها ذات طبيعة واحدة من حيث هي غازات، وضع قاعدته العامة.
فعلى أساس من إيمانه بوحدة العلة وبوحدة الطبيعة في جميع الغازات، وضع قاعدته العامة المذكورة في أعلاه.
وهكذا العالم الرياضي، ومثلهما غيرهما من العلماء في مختلف حقول العلوم الرياضية والطبيعية والاجتماعية وغيرها.
2 - الاستقراء غير المعلل:
وهو الذي لا يعتمد في تعميم أحكامه على التعليل. كما هو الأمر في أغلب الإحصائيات والتصنيفات العلمية، مثاله: (الحكم على كل من تختم بخاتم عقيق بالإيمان).
الخلاصة:
كيفية الاستدلال بالاستقراء:
للاستقراء مراحل يمر بها المستقري عند قيامه بعملية الاستدلال الاستقرائي تسمى بـ (مراحل الاستقراء) وتتلخص فيما يلي:
1 - مرحلة الملاحظة والتجربة.
2 - مرحلة الفرض.
3 - مرحلة القانون.
أولا - مرحلة الملاحظة والتجربة
وهي مرحلة توجيه المستقري فكره نحو المطلوب لمعرفة حقيقته أو تبيان معناه.
والملاحظة: هي مشاهدة المطلوب في الطبيعة على ما هو عليه.
والتجربة: هي مشاهدة المطلوب في ظروف يهيئها المستقري حسبما يريد.
خطوات العملية:
وخطوات العملية العقلية التي يتبعها المستقري في هذه المرحلة تتخلص بالآتي:
1 - تركيز الانتباه حول المطلوب وحصره به فقط.
2 - فهم معنى الأثر الذي تنقله الحواس إلى العقل بسبب عملية تركيز الانتباه وتفسيره على ضوء خبرات العقل المخزونة فيه.
3 - استحصال النتائج في ضوء عملية الفهم والتفسير وما انتهى إليه.
الفروق بين الملاحظة والتجربة:
تفترق التجربة عن الملاحظة بمزايا أهمها ما يلي:
(1) أن التجربة تدور في نطاق المطلوب فقط بسبب الظروف التي يهيئها المستقري لذلك بعكس الملاحظة فإنها قد لا يتأتى فيها ذلك.
فمثلا: إذا كان الشيء المشاهد مما يقتدر على عزله عمّا سواه إنما يعزل بالتجربة لا بالملاحظة وذلك كتجربة معرفة تأثير الجاذبية الأرضية على الأجسام الساقطة داخل نواقيس مفرغة من الهواء.
(2) بالتجربة يستطيع العلماء أن يوجدوا ظواهر طبيعية ومركبات مادية قد لا توجد في الطبيعة أو لا يمكن مشاهدتها عن طريق الملاحظة، كالمركبات الكيميائية المستخدمة في الطب والصباغة وأدوات الحرب.
(3) أن التجربة أسرع في الوصول إلى النتيجة من الملاحظة.
(4) في التجربة يستطيع العلماء تقدير العوامل التي تساعد على وجود الظواهر الطبيعية تقديراً كميا دقيقا فيزيدون فيها أو ينقصون حسبما تتطلبه الوضعية.
مجال الملاحظة:
يرجع إلى الملاحظة في المجالات التالية:
1 - فيما يستحيل إجراء التجربة عليه، كحركة الفلك والمد والجزر، وإعادة الحياة إلى الجسم الميت.
2 - فيما يحدث ضرراً بليغا على الإنسان كمحاولة معرفة تأثير الغازات السامة على الإنسان، أو معرفة ما ينجم عن إتلاف بعض خلايا مخ الإنسان.
3 - فيما يتطلب نفقات كبيرة تصرف على التجربة لا تتناسب وفائدتها العلمية.
شروط المرحلة:
يشترط في القيام بالملاحظة أو إجراء التجربة ما يلي:
(1) تركيز الانتباه وحصر الملاحظة أو التجربة في المطلوب دون ما عداه.
(2) الدقة والضبط.
(3) تسجيل الظاهرة المشاهدة.
(4) تكرار العملية إلى القدر الذي ينتهي إلى الاطمئنان بنجاحها.
ثانيا - مرحلة الفرض
بعد أن ينتهي المستقري من مرحلة الملاحظة والتجربة، وذلك عندما تتوفر لديه الأمثلة الكافية حول المطلوب، ينتقل إلى المرحلة الثانية من الاستدلال بالاستقراء وهي مرحلة الفرض.
والفرض: هو الرأي الذي يضعه المستقري لتفسير أسباب الظاهرة المشاهدة أو آثارها على سبيل التخمين والظن.
فالفرض – في واقعه – تفسير مؤقت يفترضه المستقري بغية التوصل عن طريق التأكد من صحته إلى القانون أو القاعدة العامة المطلوبة.
شروط المرحلة:
لا يعتبر الفرض فرضاً علمياً إلا إذا توفر على الشروط التالية:
1 - ألا يتعارض الفرض والقوانين العلمية الثابتة.
2 - أن يكون الفرض قضية قابلة للبرهنة على صحتها أو فسادها.
3 - أن يكون الفرض قضية قابلة للتطبيق على جميع الجزئيات المشاهدة.…
إثبات الفرض:
لاختبار صحة الفرض العلمي والتأكد منها وضعت قواعد عملية وهي:
الطريقة القياسية والطرق الخمس التي وضعها (جون ستيورات مل)، والتي تسمى بـ (طرق الاستقراء) أو (قوانين الاستقراء) وهي:
1 - الطريقة القياسية:
وهي أن يفترض المستقري وجود (علاقة علية) بين الأشياء موضوعة البحث، ثم يستنتج من ذلك الافتراض نتائج، ويبحث عما يؤيد صحة هذه النتائج فإن عثر على ذلك تيقن صحة فرضه، وإن لم يعثر على ما يؤيد تلك النتائج عدل عن فرضه إلى فرض آخر.
ويمكن أن نستخدم هذه الطريقة لإثبات مختلف الفروض العلمية وخاصة في العلوم الاجتماعية والعلوم التاريخية وعلم طبقات الأرض وعلم الفلك.
وباستخدام هذه الطريقة توصل علماء الفلك إلى معرفة حركة الأفلاك وحركة الأرض حول الشمس وكروية الأرض وحركة المدّ والجزر.
وبهذه الطريقة أيضا يعلل علماء طبقات الأرض الأسباب التي أدت إلى حدوث التغيرات في القشرة الأرضية.
وهكذا بالنسبة إلى الكثير من الحوادث التاريخية والتغيرات الاجتماعية.
2 - الطرق الخمس:
أ - طريقة التلازم في الوقوع:
وتقوم على الإيمان بتلازم العلة والمعلول واتفاقهما في الوجود والوقوع، بمعنى أنه متى وجدت العلة وجد المعلول.
فالمستقري - هنا - يدرس أكثر من حالة من الحالات التي تقع فيها الظاهرة، ثم يقوم بتحليل ظروف كل حالة مستقلة عن الحالات الأخرى، متى ما لاحظ اشتراك جميع الحالات في أمر واحد، استنتج أن من الراجح أن يكون ذلك الأمر المشترك بين جميع الحالات هو علة حدوث الظاهرة.
كإيمان عالم النبات بأن مادة "الكلوروفيل" هي علة خضرة أوراق البرسيم لوجود الكلوروفيل في جميع الأوراق التي فحصها.
ب - طريقة التلازم في التخلف:
وتقوم على الإيمان بتلازم العلة والمعلول في العدم، بمعنى أنه متى عدمت العلة عدم المعلول.
والمستقري - هنا - يدرس حالتين تقع الظاهرة في إحداهما ولا تقع في الأخرى، ويحلل جميع ظروف الحالتين، فإن انتهى إلى أن الحالتين متفقتان في كل شيء سوى أمر واحد، ورأى أن هذا الأمر الواحد كان موجودا في الحالة التي وقعت فيها الظاهرة وغير موجود في الأخرى، استنتج أن من الراجح أن يكون هذا الأمر الموجود في حالة والمفقود في أخرى هو علة وجود الظاهرة.
وبهذه الطريقة يستنتج – مثلا – أن الأوكسجين علة في الاحتراق لأن عدم وجوده يسبب امتناع الاحتراق، وأن الهواء علة في سماع الأصوات لأن عدم وجوده يستحيل سماع الأصوات.
ج - طريقة التلازم في الوقوع والتخلف:
وتقوم على الإيمان بأن العلة إذا وجدت وجد المعلول، وإذا عدمت عدم المعلول.
و المستقري – هنا – يهتدي إلى علة الظاهرة بوجود الظاهرة عند وجود عنصر معّين مشترك بين حالتين، وبعدم وجود الظاهرة عند عدم وجود ذلك العنصر المشترك، فإنه يستنتج أن من الراجح أن يكون هذا العنصر المشترك هو علة وجود الظاهرة، كما لو لوحظ أن ظاهرة (ضعف التكوين العلمي) منتشرة في مدارس متعددة تشترك في نظام تعليمي خاص، وغير منتشرة في مدارس أخرى متعددة مشتركة في عدم أخذها بذلك النظام الخاص.
فإن المستقري – هنا – يستنتج أن من الراجح أن تكون على ضعف التكوين العلمي هو النظام التعليمي الخاص.
د - طريقة التلازم في التغير:
وتقوم على الإيمان بأن أي تغير يحدث في العلة لابد وأن يحدث في المعلول.
وبهذه الطريقة انتهى إلى معرفة حركة المد والجزر معلولة لجذب الشمس والقمر إلى الأرض، وذلك لأن تغير المد والجزر يتبع بانتظام حركة الشمس والقمر طول السنة.
وانتهى بسببها أيضا إلى معرفة أن حجم الغاز والضغط الواقع عليه يتناسبان تناسبا عكسيا، وإلى معرفة تحديد العلاقة بين العرض والطلب في الأسواق التجارية.
هـ - طريقة البواقي:
وتقوم على الإيمان بأن علة الشيء لا تكون علة لشيء آخر يختلف عنه.
والمستقري – هنا – يلاحظ فيما إذا رأى علتين لمعلولين مختلفين، وعلم بأن علة معينة من العلتين هي علة لمعلول معين من المعلولين، استنتج أن من الراجح أن تكون العلة الباقية هي علة المعلول الباقي.
وبهذه الطريقة اهتدى (ليفرييه) إلى اكتشاف الكوكب (نبتون) وذلك حينما وجد انحرافا في مدار الكوكب (يورانوس) ونسب ذلك الانحراف إلى وجود كوكب آخر قريب منه، لأن الظواهر الفلكية الأخرى المتصلة بالكوكب (يورانوس) معروفة لديه سوى الظاهرة الباقية وهي ظاهرة انحراف مدار (يورانوس) فإذن من الراجح أن تكون علتها هي وجود كوكب آخر قريب منه.
ثالثا - مرحلة القانون
وهي المرحلة الأخيرة التي ينتهي إليها المستقري ذلك بعد أن تثبت لديه صحة الفرض الذي افترضه، وينتقل إلى وضع القاعدة العامة الثابتة والتي تسمى بـ (القانون).
الخلاصة:
والخطوات التي تتبع في طريقة الاستدلال بالاستقراء هي:
1 - تعيين المطلوب.
2 - دراسة الجزئيات.
3 - استخراج النتيجة.
4 - وضع القاعدة العامة.
تنبيه:
قد تطلق كلمة (نظرية) في العلوم على (الفرض) كما يقال (نظرية التطور) و (نظرية الجاذبية).
وقد تطلق على (القانون) كما يقال (نظرية العرض والطلب) و (نظرية أرخميدس في الأجسام الطافية).
إلا أنه غالباً ما تستعمل كلمة (نظرية) ويراد منها (القانون).
أهمية الاستقراء:
للاستقراء أهمية كبرى في مناهج البحوث العلمية حيث يتوقف عليه تأليف القواعد العلمية العامة، والتوصل إليها. فعالم الفيزياء لا يستطيع أن يتوصل إلى قواعد علم الفيزياء حول الظاهرة الطبيعية ما لم يدرس مختلف جزئيات كل ظاهرة من تلك الظواهر التي يحاول إعطاء قواعد عامة حولها. وكذلك عالم اللغة العربية لا يستطيع أن يعطي قواعد عامة في اللغة العربية ما لم يستقري، ويدرس مختلف المفردات والجمل في شتى استعمالات العرب اللفظية.
وهكذا في كل علم من العلوم الأخرى.
فالاستقراء هو الذي يزودنا بالقواعد العامة التي نستعملها في التطبيقات العلمية عن طريق القياس لمعرفة أحكام الجزئيات.
وفي ضوئه: نعرف أيضا مدى علاقة الاستقراء بالقياس.
تمرينات
1 - ما هي خطوات مرحلة الملاحظة والتجربة؟
2 - ما هي الفروق بين الملاحظة والتجربة؟
3 - ماذا نعني بمرحلة الفرض؟
4 - ما هي الطرق الخمسة التي وضعها (جون ستيورات مل) وأين تستخدم؟
5 - ما هي الخطوات التي تتبع في الاستدلال بالاستقراء؟
6 - ما علاقة الاستقراء بالقياس؟
التمثيل
تعريفه:
التمثيل: هو إثبات حكم لجزئي لثبوته في جزئي آخر مشابه له.
مثاله: كإثبات حكم حرمة الخمر للنبيذ لأنه يشبه الخمر في الإسكار.
أركانه:
للتمثيل أركان لا يتم الاستدلال به إلا عند توافرها وهي:
1 - الأصل: وهو الجزئي المعلوم ثبوت الحكم له كالخمر في المثال المذكور.
2 - الفرع: وهو الجزئي المطلوب إثبات الحكم له كالنبيذ في المثال المذكور.
3 - الجامع: وهو جهة المشابهة بين الأصل والفرع كالإسكار في المثال المذكور.
4 - الحكم: وهو الحكم المعلوم ثبوته للأصل والذي يحاول إثباته للفرع، كالحرمة في المثال المذكور.
كيفية الاستدلال به:
هي أن يعمد المستدل إلى معرفة جزئي يشابه الجزئي الذي يطلب إثبات حكمه، ثم يقوم بمحاولة حصر علة الحكم في النقطة أو الوصف الذي يشترك الجزئيان فيه والذي يصلح لأن يكون سببا للحكم، ثم يثبت الحكم.
مثل: أن يعمد المستدل وهو يريد معرفة (حكم شرب النبيذ) إلى معرفة ما يشابهه في بعض أوصافه التي تصلح لأن تكون سببا للحكم وهو (الخمر) - هنا - ثم يقوم بمحاولة حصر سبب حرمة شرب الخمر بـ (الإسكار) من بين الاوصاف المشتركة بين الخمر والنبيذ، لأن الإسكار يصلح لأن يكون سببا للحرمة.
ثم ينتهي بعدها إلى أن الإسكار الذي هو سبب لحرمة شرب الخمر موجود في النبيذ - أيضا -.
فيترتب عليه: أن حكم شرب النبيذ هو الحرمة أيضا لأنه مسكر كالخمر.
[توضيح المثال:
الخلاصة:
والخطوات التي تتبع في الاستدلال بالتمثيل هي ما يلي:
1 - تعيين المطلوب.
2 - تعيين الأصل.
3 - محاولة حصر سبب الحكم في نقطة مشتركة بين الأصل والفرع تصلح لأن تكون سبباً للحكم.
4 - النتيجة.
أهمية التمثيل:
تقدّم وأن رأينا في موضوع (إثبات الفرض) من الاستقراء كيف أن التمثيل يتّخذ أساسا لكثير من الفروض العلمية في مختلف العلوم. فعن طريق التمثيل توصل (دارون) إلى وضع (نظرية تنازع البقاء) بين الأحياء، لأنه لاحظ وجه شبه بين الحياة الاجتماعية في قيامها على أساس من التنافس والتصارع وبين الحياة الطبيعية.
وعن طريق التمثيل أيضا توصل (نيوتن) إلى وضع (نظرية الجاذبية) لأنه لاحظ وجه شبه بين سقوط الأجسام نحو الأرض وحركة القمر حول الأرض وحركة الكواكب جميعها حول الشمس.
والتمثيل هو (القياس الشرعي) الذي يعد في رأي بعض المذاهب الفقهية الإسلامية مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي (وهو القياس الذي نهى عنه الأئمة عليهم السلام واعتبروا العمل به في الأحكام الشرعية محقاً للدين).
بهذا وأمثاله نستطيع أن ندرك أهمية التمثيل في العلوم.
تمرينات
1 - ما هي أركان التمثيل؟
2 - كيف تستدل بالتمثيل؟
3 - بيّن أهمية التمثيل في العلوم؟
التحليل والتركيب
التحليل
تعريفه:
التحليل: هو تقسيم الشيء إلى أجزائه من عناصر أو صفات أو خصائص، أو عزل بعضها عن بعض، ثم دراستها واحداً واحداً للوصول إلى معرفة العلاقة القائمة بينها وبين غيرها.
تقسيمه:
ينقسم التحليل إلى قسمين هما: التحليل المادي (الطبيعي) والتحليل العقلي (المنطقي).
1 - التحليل المادي:
هو تقسيم الشيء إلى أجزائه أو عزل عناصره بعضها عن بعض في الواقع الخارجي.
مثاله:
كتحليل الماء - كيميائيا - إلى عنصر الأوكسجين وعنصر الهيدروجين بنسبة (8) من الأوكسجين إلى (1) من الهيدروجين (وزناً).
وتحليل حامض الكاربونيك إلى (61) جزءاً من الأوكسجين و (6) أجزاء من الكربون (وزناً).
2 - التحليل العقلي:
هو عزل أجزاء الشيء أو صفاته أو خصائصه بعضها عن بعض في الذهن.
مثاله:
كتحليل العالم الكيميائي الذي يبحث في الفضة وخواصها، عندما يحللها إلى صفة اللون (البياض) ويعزل هذه الصفة في ذهنه ويتأكد من وجودها في أفراد أخرى من الفضة، ثم يحللها إلى خاصية (قبول الفضة للطرق) ويعزلها كذلك ويتأكد من وجودها أيضا في أفراد أخرى من الفضة، ثم يحللها إلى خاصية (سرعة توصيل الفضة للحرارة والبرودة والكهرباء) ويعزلها ويتأكد منها كما فعل سابقاً، وهكذا يعمل في بقية الصفات والخواص حتّى ينتهي إلى مجموعة من الصفات والخصائص تعطي صورة كاملة للفضة.
التركيب
تعريفه:
التركيب: هو جمع أجزاء الشيء أو ربط صفاته وخواصه بعضها ببعض للوصول إلى قوانين عامة.
تقسيمه:
ينقسم التركيب إلى قسمين أيضا: هما التركيب المادي والتركيب العقلي.
1 - التركيب المادي:
هو جمع أجزاء الشيء مترابطة ترابطاً تظهره مؤلفا تأليفا كاملا في الواقع الخارجي.
مثاله:
كتركيب الكيميائي للماء الصناعي من عنصريه المذكورين سابقاً تركيباً يشابه الماء الطبيعي بصفاته وخواصه.
2 - التركيب العقلي:
هو ربط صفات الشيء أو خواصه بعضها ببعض في الذهن.
مثاله:
كتركيب العالم الهندسي للمثلث من ثلاثة خطوط مستقيمة متقاطعة، وللمربع من أربعة خطوط مستقيمة متساوية متعامدة.
مجال استعمال التحليل والتركيب.
يشمل استخدام هاتين الطريقتين جميع العلوم.
وتستعملان – غالبا – معاً.
إلا أن طريقة التحليل يكثر استعمالها في علوم الطبيعة والكيمياء وعلم النفس خاصة.…
وطريقة التركيب يكثر استعمالها في العلوم الرياضية خاصة.
تمرينات
1 - مثّل لكل من نوعي التحليل المادي والعقلي.
2 - مثّل لكل من نوعي التركيب المادي والعقلي.
3 - ما هو مجال استعمال التحليل والتركيب؟
مناهج البحث العلمي
تعريف المنهج:
المنهج العلمي: هو الطريقة التي يتبعها العلماء في وضع قواعد العلم وفي استنتاج معارفه على ضوء تلك القواعد.
شرح التعريف:
نعني بالعلم – هنا- كل مجموعة منظمة من المعارف الإنسانية تدور حول موضوع خاص.
وفي ضوئه: يكون المنهج العلمي بمعناه العام: هو الطريقة التي ينتهجها الباحثون في دراسة أي موضوع من أي علم من العلوم للوصول إلى القواعد العامة، واستنتاج المعارف على ضوء تلك القواعد.
تقسيمه:
تتنوع مناهج البحث العلمي إلى نوعين هما: المناهج المنطقية (المناهج العامة) والمناهج الفنية (المناهج الخاصة).
المناهج العامة
تعريفها:
المناهج العامة (المناهج المنطقية): هي الطرق العامة للبحث العلمي التي تشمل كل علم.
شمولها:
تشمل هذه المناهج جميع العلوم بأسرها وذلك لأنها تضع بين يدي العلماء والباحثين القواعد العامة لوضع العلم في هيكله العام وتنظيم عناصر بحثه تنظيما يربط بعضها ببعض وتأليف أجزائه تأليفا متناسقا حتى تأتي متكاملة ومطابقة لقوانين التفكير الصحيح التي تبعد البحث عن العقم وتبعد الفكر عن الوقوع في الخطأ.
وقد رأينا فيما درسناه من موضوعات التعريف والاستدلال وما إليها من التقسيم والتصنيف والتحليل والتركيب، كيف أن جميع العلوم تشترك في استخدام هذه القوانين في وضع القواعد العامة وفي استنتاج المعارف العلمية على ضوئها.
قواعدها:
وأهم القواعد العامة لمناهج البحث العامة التي وضعها علماء المنطق هي:
1 - يجب الشك في كل قضية حتى يثبت صدقها، فإن كانت من القضايا البديهية لابد من التأكد من بداهتها، وإن كانت من غير البديهية لابد من الرجوع إلى الدليل الناهض بإثبات صدقها.
2 - يجب استخدام طريقة التحليل فيجزأ الموضوع إلى أكبر عدد من الأقسام.
3 - يجب أن تكون خطوات البحث منظمة ومترابطة يبدأ الباحث بالجزء الأصغر، فالأكبر منه، وهكذا حتى ينتهي إلى المركب.
4 - يجب أن تكون الدراسة مستوعبة لكل أطراف الموضوع والأمثلة مستوفية لكل شؤونه.
5 - يجب أن تكون غاية البحث واضحة.
6 - يجب ألا تتناقض أجزاء البحث بعضها مع بعض.
7 - يجب أن يلم البحث كل مسائله وتبعد عنه غير مسائله.
المناهج الخاصة
تعريفها:
المناهج الخاصة (المناهج الفنية):
هي الطرق الخاصة للبحث العلمي التي تختص بعلم معين. والمناهج الفنية متعددة بتعدد العلوم ومتنوعة بتنوعها فلكل علم طريقة، بل لكل فرع من فروع العلم الواحد طريقة.
خصوصيتها:
ومنشأ خصوصية واختلاف هذه الطرق هو أن كل علم – بطبيعته وبالإضافة إلى حاجته لاستخدام الطرق العامة - يتطلب أسلوبا معينا في البحث ووسائل معينة تستخدم في البحث بمقدار ما يختلف ويتميز به عن العلوم الأخرى. وتستخدم الطرق الخاصة في جمع مادة العلم وإعدادها وتصنيفها واستعمال وسائل البحث وما إليها.
أنواعها:
نظراً لتنوع هذه المناهج بتنوع العلوم وتعددها بتعددها - كما تقدم - لا تستوعبها إحصائية كاملة أو مدونة وافية وإنما تستعرض في مواضع ومجالات مختلفة. والذي يستعرض منها في المنطق – عادة - الشيء القليل ومنها:
منهج العلوم الرياضية
العلوم الرياضية:
نعني بالعلوم الرياضية – هنا – الحساب والهندسة.
موضوعها:
موضوع العلوم الرياضية - بصورة عامة- هو (الكم) وموضوع الحساب - بصورة خاصة – هو (العدد). وموضوع الهندسة - بصورة خاصة - هو (الشكل). ويدور كل واحد من الحساب والهندسة حول خواص كل من العدد والشكل.
منهجها:
تعتمد البحوث العلمية الرياضية في منهجها على الأمور التالية:
الأوليات والتعاريف والقياس.
1 - الأوليات: وهي القضايا البديهية التي يصدق بها العقل بمجرد تصور مفرداتها.
ويشترط فيها:
أ - ألا تكون مستنتجة من غيرها.
ب - ألا تكون تعريفا.
ومن القضايا الأولية في الهندسة:
أ - الأشياء المساوية لشيء واحد متساوية.
ب - أجزاء الأشياء المتساوية متساوية.
2 - التعاريف: وهي القضايا التي تحدد أو توضح معاني المصلحات الرياضية، مثل:
أ - الاثنان هي: (1+1).
ب - المثلث: هو الشكل المؤلف من ثلاثة خطوط مستقيمة ومتقاطعة.
3 - القياس: وهو القياس المنطقي.
خطوات العملية:
أما خطوات العملية فهي:
(1) يبدأ العالم الرياضي بالمفاهيم الأولية البسيطة.
(2) عن طريق الأوليات يصل إلى تعاريف لمفاهيم أكثر تعقيدا.
(3) يبرهن بطريقة القياس المنطقي على خواص الأعداد أو الأشكال فيصل إلى بعض النظريات الرياضية.
(4) عن طريق النظريات التي أفادها يبرهن بطريقة القياس فيصل إلى نظريات أخرى أكثر تعقيدا، وهكذا.
منهج العلوم التاريخية
تبحث العلوم التاريخية في الإنسان من حيث حياته الفردية والاجتماعية وما نتج عنها من حضارة أو مدنية.
مصادرها:
والمصادر العامة للعلوم التاريخية هي:
1 - الوثائق المكتوبة.
2 - الآثار الباقية.
منهجها:
أما منهج البحوث التاريخية فيتلخص بالخطوات التالية:
1 - جمع المصادر.
2 - تحقيق المصادر.
ولتحقيق المصادر يقوم المؤرخ بعمليات كثيرة منها:
أ - تحقيقات لمعرفة تاريخ المصدر ونسبته إلى مؤلفه.
ب - تحقيقات لتصحيح متون الوثائق بمقابلتها مع الأصول المختلفة لها.
ج - فحص مادة الوثائق بتحليل حقائقها وترتيب موضوعاتها وتصنيف حوادثها أو شخصياتها تصنيفا زمانياً أو مكانيا لتتضح قيمتها من بين الوثائق الأخرى وتظهر منزلة مؤلفها بين المؤلفين.
3 - التعليل: وهو تفسير الحقائق التاريخية للوصول إلى النتائج المطلوبة وهو الخطوة الأخيرة.
تمرينات
1 - ما هو المنهج العلمي؟
2 - لماذا تشمل المناهج العامة جميع العلوم؟
3 - ما هي قواعد المناهج العامة؟
4 - تحدّث بتفصيل عن منهج العلوم الرياضية؟
5 - ما هي المصادر العامة للعلوم التاريخية؟
6 - بيّن بتفصيل خطوات منهج البحوث التاريخية؟
7 - هل تستطيع أن تذكر عملية أخرى لتحقيق المصادر؟
والحمد لله رب العالمين
ثانياً/ الفلسفة
كلمة المكتب
المقدمة
الدرس الأول: نبذة تاريخية فلسفية
الدرس الثاني: الفلسفة
الدرس الثالث: الوجود والماهية
الدرس الرابع: تقسيمات الوجود (1)
الدرس الخامس: تقسيمات الوجود (2)
الدرس السادس: الواجب والممكن والممتنع
الدرس السابع: الجوهر والعرض (1)
الدرس الثامن: الجوهر والعرض (2)
الدرس التاسع: العليّة (العلّة والمعلول) (1)
الدرس العاشر: العليّة (العلّة والمعلول) (2)
الدرس الحادي عشر: العليّة (العلّة والمعلول) (3)
الدرس الثاني عشر: العليّة (العلّة والمعلول) (4)
الدرس الثالث عشر: الدور والتسلسل
الدرس الرابع عشر: الثابت والمتغير (1)
الدرس الخامس عشر: الثابت والمتغير (2)
الدرس السادس عشر: السبق واللحوق (التقدم والتأخر)
الدرس السابع عشر: المعقولات الأولى والثانية
الدرس الثامن عشر: العلم الحضوري والحصولي
الدرس التاسع عشر: الإدراك
الدرس العشرون: خالق الكون على ضوء ما سبق
مصادر البحث
كلمة المكتب
الحمد لله والصلاة والسلام على أنبياء الله، لا سيما رسوله الخاتم وآله الطيبين الطاهرين المعصومين.
أما بعد، لا شك أن إصلاح المناهج الدراسية المتداولة في الحوزات العلمية والمعاهد الدراسية في العصر الحاضر ـ الذي عُرف بعصر ثورة المعلومات ـ بات حاجة ملحّة يقتضيها تطور العلوم وتكاملها عبر الزمان، وظهور مناهج تعليمية وتربوية حديثة، تتوافق مع الطموحات والحاجات الإنسانية المتجددة.
وهذه الحقيقة لم تعد خافية على القائمين على هذه المراكز، فوضعوا نصب أعينهم إصلاح النظام التعليمي في قائمة الأولويات بعد أن باتت فاعليته رهن إجراء تغييرات جذرية على هيكلية هذا النظام.
ويبدو من خلال هذه الرؤية أن إصلاح النظام الحوزوي ليس أمراً بعيد المنال، إلا أنه من دون إحداث تغيير في المناهج الحوزوية ستبوء كافة الدعوات الإصلاحية بالفشل الذريع وستموت في مهدها.
والمركز العالمي للدّراسات الإسلامية ـ الذي يتولّى مهمّة إعداد المئات من الطلاب الوافدين من مختلف بقاع الأرض للاغتراف من نمير علوم أهل البيت ـ عليهم السلام ـ شرع في الخطوات اللازمة لإجراء تغييرات جذرية على
(5)
--------------------------------------------------------------------------------
المناهج الدراسية المتبعة وفق الأساليب العلمية الحديثة بهدف عرض المواد التعليمية بنحو أفضل، الأمر الذي لا تلبّيه الكتب الحوزوية السائدة؛ ذلك أنها لم تؤلف لهدف التدريس، وإنما ألفت لتعبر عن أفكار مؤلفيها حيال موضوعات مرّ عليها حقبة طويلة من الزمن وأصبحت جزءاً من الماضي.
وفضلا عن ذلك فإنها تفتقد مزايا الكتب الدراسية التي يراعى فيها مستوى الطالب ومؤهلاته الفكرية والعلمية، وتسلسل الأفكار المودعة فيها وأداؤها، واستعراض الآراء والنظريات الحديثة التي تعبر عن المدى الذي وصلت إليه من عمق بلغة عصرية يتوخى فيها السهولة والتيسير وتذليل صعب المسائل مع احتفاظها بدقة العبارات وعمق الأفكار بعيداً عن التعقيد الذي يقتل الطالب فيه وقته الثمين دون جدوى.
وانطلاقا من توجيهات كبار العلماء والمصلحين وعلى رأسهم سماحة الإمام الراحل ـ قدس سره ـ، وتلبية لنداء قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الخامنئي ـ مد ظله الوارف ـ قام هذا المركز بتخويل «مكتب مطالعة وتدوين المناهج الدراسية» مهمة تجديد الكتب الدراسية السائدة في الحوزات العلمية، أن يضع له خطة عمل لإعداد كتب دراسية تتوفر فيها المزايا السالفة الذكر.
وقد بدت أمام المكتب المذكور ـ ولأول وهلة ـ عدة خيارات:
1 ـ اختصار الكتب الدراسية المتداولة من خلال انتقاء الموضوعات التي لها مساس بالواقع العملي.
2 ـ إيجازها وشحنها بآراء ونظريات حديثة.
3 ـ تحديثها من رأس بلغة عصرية وإيداعها أفكار جديدة إلا أن العقبة الكأداء التي ظلت تواجه هذا الخيار وقوع القطيعة التامة بين الماضي والحاضر، بحيث تبدو الأفكار المطروحة في الكتب الحديثة وكأنها تعيش في غربة عن التراث و
(6)
--------------------------------------------------------------------------------
للحيلولة دون ذلك، لمعت فكرة جمع الخيارات المذكورة في قالب واحد تمثّل في المحافظة على الكتب الدراسية القديمة كمتون وشرحها بأسلوب عصري يجمع بين القديم الغابر والجديد المحدث.
وبناء على ذلك راح المكتب يشمّر عن ساعد الجدّ ويستعين بمجموعة من الأساتذة المتخصصين لوضع كتب وكراسات في المواد الدراسية المختلفة، من فقه وأصول وتفسير وكلام وفلسفة ورجال وحديث وأدب وغيرها.
وتطلع المكتب في حقل الفلسفة إلى تبسيط المباحث المطروحة فيها قدر المستطاع وعرضها للمبتدئين بأسلوب خال من التعقيد والإطناب، فوجد بغيته في كتاب «نافذة على الفلسفة» للأستاذ صادق الساعدي الذي ألفه نزولا عند رغبة المكتب.
فجاء الكتاب بمستوى الطموحات ـ خاصةً وإنه أعد للطالب تمارين تساعده على فهم كثير مما جاء في المتن ـ بعد أن طوى مراحل مختلفة من النقد والتمحيص على يد مجموعة من أساتذة الفلسفة ممن لهم باع طويل في هذا الحقل وفي طليعتهم سماحة الأستاذ الألمعي الكبير حجة الإسلام والمسلمين الشيخ الفياضي ـ دامت إفاضاته ـ حيث أبدوا فيه آراءهم السديدة ونظراتهم الثاقبة.
وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بخالص الشكر إلى الأستاذ صادق الساعدي على ما تحمله من جهد وعناء في تأليف هذا الكتاب وإلى جميع من أسدوا خدمة في سبيل إنجازه.
المركز العالمي للدراسات الإسلامية
مكتب مطالعة وتدوين المناهج الدراسية
(8)
--------------------------------------------------------------------------------
المقدمة
تُعدّ الفلسفة ركيزة مهمة ومنطلقاً أساسياً لصياغة فهم ورؤية كونية واضحة عن الكون والحياة، وهي بذلك تضع لكل شيء حدَّهُ وتحدّد موقعه وترسم له الخطى ما بين مبدئه ومنتهاه.
ولا شك في عمق الفلسفة ودقة بحوثها بما تتضمنه من مسائل جُعل العقل أداة وحيدة لحلها وبيان مداخلها ومخارجها، مما يتطلب همّة عالية وجهداً وافراً لاستيعاب مطالبها وحل غوامضها وألغازها، الأمر الذي بعث على استيحاش روّاد الحقيقة من الخوض في غمارها والدخول في تفاصيلها.
ومما زاد في الطين بلّةً أن علماء الفلسفة لم يطرحوا أفكارهم بلغة سهلة سلسة يسهل على الغير قراءتها والتجوال في حقولها، فبعث على أن تكون الفلسفة طلاسم لا يفكر أكثرُ الناس في الاقتراب منها لأنها مجموعة رموز وأسرار لا يتمكن من معرفتها إلا ذوو الاختصاص ممن قضى عمره في خوض لججها وبذل مهجته للوصول إلى عمقها وقعرها!
وقد حاولنا من خلال نافذتنا الفلسفية الصغيرة التي بين يديك أن نوقفك على ألف باء الفلسفة وذلك بطرح أهم ما ورد فيها من مسائل، بأسلوب مدرسي مبسّط يميط اللثام ويرفع عنها الإبهام، ليكون ما طرحناه مقدمة للدخول إلى مباحث الفلسفة وتفاصيلها في كتبها المطوّلة، آملين أن نوفّق في المستقبل لتسليط الضوء عليها بلغة عصرية واضحة تجعلها في متناول روّادها، فمنه تعالى نستمد العون والتوفيق لأداء ما يجب علينا بدفع عجلة العلم والمعرفة إلى أمام، إنه خير ناصر ومعين.
صادق الساعدي
(10)
--------------------------------------------------------------------------------
الدرس الأول
نبذة تاريخية فلسفية
* ولادة الفكر البشري
* ولادة الفكر الفلسفي
* تيارات الشك والسفسطة
* القرون الوسطى
* الفجر الجديد
* المدرسة المشائية والإشراقيّة والحكمة المتعالية
* فكِّر و أجب
(12)
--------------------------------------------------------------------------------
نبذة تاريخية فلسفية
ولادة الفكر البشري:
لازم التفكير وجود الإنسان منذ نعومة أظفاره إلى يومنا هذا، وترك آثاراً مهمّة في حياته حيث خلق انعطافات وتحولات مهمّة في مسار حركته، وطوَّر أسلوب تعامله مع محيطه على مختلف الميادين والصُعد.
وبهذا اختلفت حياة الإنسان المتطورة عن حياة الحيوان بقوالبها الجاهزة والجامدة، فكم تجد الفارق واضحا بين بيوت الإنسان التي كانت في حدود الكهوف والمغارات والتي تطورت إلى عمارات ناطحات للسحاب، وبين بيوت النحل السداسية ذات الأشكال الجامدة التي لم يكتب لها تغيير منذ أن وجد هذا الحيوان ولحد الآن.
ولادة الفكر الفلسفي:
والفكر الفلسفي الذي أثارته وأفرزته تساؤلات الإنسان عن الكون والحياة، والمبدأ والمعاد، كان أحد المحاور الفكرية التي استقطب اهتمام البشر من لدن آدم ولحدِّ الآن، ودفعه صوب التأمل والنظر، ومن ثم نحو الإبداع والابتكار في هذا المجال، وقد كان لحكماء الفرس واليونان قصب السبق في ذلك على بقية الأمم وكان ذلك قبل الميلاد بعدة قرون حيث طفحت على سطح مناظراتهم و
(13)
--------------------------------------------------------------------------------
تأملاتهم الفلسفية العديد من الآراء والنظريات، التي كان يسودها الاتزان تارة والتهافت والتضارب تارة أخرى، وفي ذات الوقت النمو والثراء بفعل التلاقح الفكري الحر الذي وفّرَ أجواء خصبة لذلك.
تيارات الشك والسفسطة:
وفي ظل هذه الظروف برزت تيارات الشك والسفسطة واحتلّت مساحة واسعة من التفكير الفلسفي، بعد أن احتل أربابها وهم السوفسطائيون، منابر التعليم والخطابة والمحاماة، وأنكروا حقائق الأشياء ووجودها الخارجي، فانعكس ذلك على أذهان الناس وخلق عندهم بلبلة ذهنية وشكاً بكل حقيقة مهما كان طابعها، وكان ذلك في القرن الخامس قبل الميلاد.
ولم يستمر الوضع على هذا الحال حيث تصدى سقراط لعلاج الموقف بقوة، وتبعه على ذلك أفلاطون، وتلاهما أرسطو طاليس الذي أسّس قواعد الاستدلال والتفكير الصحيح في علم المنطق، حيث كشف عن زيف السفسطة ومغالطتها ومنزلقاتها التي أودت بالتفكير الإنساني إلى الهاوية. وبذلك تربع اليقين على عرشه، وعادت مياه الحقيقة إلى مجاريها وتلاشت تيارات الشك والإنكار، وعلى هذا المنوال استمر الحال حتى بعد رحيل العمالقة الثلاثة؛ سقراط وأفلاطون وأرسطو، حيث استمر تلامذتهم في ترويج أفكارهم، فدفعوا عجلة اليقين إلى أمام.
إلا أن مكانة هؤلاء أخذت بالتهاوي بين الناس بمرور الزمان، فتقلص دورهم وقلّت أهميتهم، فشدّوا رحالهم إلى الإسكندرية، لتكون محطة جديدة لنشر
(14)
--------------------------------------------------------------------------------
أفكارهم وتداول معارفهم واستمروا على هذا المنوال حتى القرن الرابع بعد الميلاد.
القرون الوسطى:
وفي هذه الفترة اعتنق إمبراطورُ الروم المسيحيةَ، وتبنّى أفكارها باعتبارها آراء الدولة الرسمية، إلا أنه في ذات الوقت فتح أمام العلماء أبواب النقد لطرح آراءهم ووجهات نظرهم، وعلى أثر ذلك تدهورت الأوضاع وتفاقمت الأمور بفعل التعارض والتضارب في وجهات النظر بين الكنيسة والعلماء مما دفع الإمبراطور (جستنيان) إلى إصدار أوامره بغلق المراكز العلمية والجامعات والمعاهد الفكرية، وتعطيل المدارس في أثينا والإسكندرية، ففر العلماء خوفا من البطش والتصفية الجسدية، وحينها انطفأ مشعل العلم وانتكست راية المعرفة، ومنها دخلت أوربا في عصورها المظلمة، والتي تسمى أيضا بالقرون الوسطى، حيث استغرقت ألف عام من الزمان، وعلى نحو التحديد من أوائل القرن السادس بعد الميلاد وانتهاءً بالقرن الخامس عشر بعد الميلاد وامتازت هذه الفترة باستيلاء الكنيسة على المراكز العلمية استيلاءً تاماً؛ فكانت المباحث العلمية والفلسفية تفرضها الكنيسة على أنها تعاليم دينية لا تقبل النقاش.
(15)
--------------------------------------------------------------------------------
الفجر الجديد:
وفي هذه الفترة بالذات ازدهرت الحركة العلمية في شبه الجزيرة العربية بفضل نور الإسلام، الذي ولد هناك في تلك الفترة وقد أضاء كل شيء، وبدت حينها حركة علمية تنشط وتتفاعل وتتلاقح وتنمو بفضل ما حث عليه الدين الإسلامي من طلب العلم من المهد إلى اللحد، حتى ولو كلف ذلك خوض اللجج وسفك المهج، وحتى ولو كان في الصين، وبالفعل فقد برع المسلمون في جميع حقول العلم والمعرفة، ومن جملتها الحقل الفلسفي، فترجموا كتب اليونانيين والرومانيين والإيرانيين إلى اللغة العربية، وانهمك آخرون كالفارابي (1) في تبيان وشرح أفكار أفلاطون (2) وأرسطو (3)، وتبعه على ذلك ابن سينا (4) حيثُ سلط
--------------------------------------------------------------------------------
1. الفارابي: (أبو نصر محمد) (ت 950 م) فيلسوف لامع. ولد في فاراب «تركستان» ودرس في بغداد وحران وأقام في حلب في بلاط سيف الدولة الحمداني وتوفي في دمشق، لقب بالمعلم الثاني، من مؤلفاته كتاب «الموسيقى الكبير»، «السياسة المدنية»، «رسالة فصوص الحكم».
2. أفلاطون «plato» ـ (347 ـ 428 ق. م) فيلسوف يوناني يُعَدّ من مشاهير فلاسفة العالم، ولد في أثينا من أسرة عريقة في المجد، بدأ أول دراسته بالرسم، ثم نظم الشعر، تتلمذ في سن العشرين على يد سقراط الذي كان له الدور الأكبر في نشأته الفلسفية.
3. أرسطو «Aostotet» ـ (322 ـ 384 ق. م) مربي الإسكندر ومن كبار فلاسفة اليونان، مؤسس فلسفة المشائين، من مؤلفاته: «المقولات»، «الجدل»، «الخطابة»، «السياسة»، «كتاب ما بعد الطبيعة»، أثر في الفكر العربي ومن أول من ترجم مؤلفاتهِ، إسحاق ابن حنين.
4. أبو علي بن سينا: «384 ـ 427 ه» ولد في أقشنة قرب بخارى وتوفي في همدان، عُرِف بالشيخ الرئيس وكان عالماً لامعاً وعملاقاً كبيراً حيث ضرب في كل فن بسهم وتجلى فيه نبوغه، ففي مضمار الفلسفة فيلسوف مبدع، بلغت الفسلفة المشائية على يده القمة، وفي مضمار الطب طبيب ماهر وحاذق، ألّف كتاب «القانون» الذي لم يزل يُدَّرس في الجامعات العلمية عبر قرون، كما وإنه عرف أستاذاً لامعاً في الرياضيات والهيئة.
(16)
--------------------------------------------------------------------------------
الضوء على فلسفة ومنطق أرسطو وبذلك ظهرت المدرسة المشائية في بلادنا الإسلامية.
وفي أواسط القرن السادس الهجري، شرح الشيخ شهاب الدين السهروردي (1) أفكار أفلاطون بعد أن هواها ودافع عنها، وبذلك أسس الفلسفة الإشراقية في بلادنا الإسلامية ونقد الفلسفة المشائيّة.
وفي مطلع القرن الحادي عشر الهجري، ظهر صدر المتألهين الشيرازي (2) بآراء وأفكار فلسفية جديدة على ضوء القرآن وكلمات الرسول (صلى الله عليه و آله) وأهل البيت الطاهرين (عليهم السلام)، وأسماها بالحكمة المتعالية. (3)
المدرسة المشائية والإشراقية والحكمة المتعالية:
المدرسة المشائيّة تتمثل بفلسفة أرسطو طاليس حيث كان يعتمد في أبحاثه على الأسلوب الاستدلالي وسميّت فلسفته بهذا الاسم، لأنه كان يسير من
--------------------------------------------------------------------------------
1. شهاب الدين السهروردي: «550 ـ 587 ه» صاحب مدرسة الإشراق في بلادنا الإسلامية وقد عرض آراءه بالنثر والشعر باللغتين العربية والفارسية، وله مصنفات منها: التلويحات اللوحية والعرشية، والألواح العمادية وهياكل النور.
نشر أفكاره في حلب مما ألب الناس عليه واتهموه بالكفر مما دعى صلاح الدين الأيوبي أن يأمر ابنه الملك الظاهر بقتله فاستُشْهِد على يده في قلعة حلب وفي شهر رجب.
2. صدر المتألهين الشيرازي: «979 ـ 1050 ه» وهو محمد بن إبراهيم المعروف بصدر المتألهين، ولد في مدينة شيراز، وهو عالم شيعي كبير، تعرف فلسفته بالحكمة المتعالية، من أشهر كتبه «الأسفار الأربعة». وَعُرف أيضاً باسم الملاّ صدرا.
3. يراجع من أجل الإلمام بتفاصيل هذا الدرس: كتاب المنهج الجديد لتعليم الفلسفة للأستاذ مصباح اليزدي، وكتاب فلسفتنا للشهيد السعيد محمد باقر الصدر، وكتاب تاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم.
(17)
--------------------------------------------------------------------------------
المقدمات إلى النتيجة وكان من الأولى تسمية فلسفته بالفلسفة الاستدلالية في مقابل الفلسفة الإشراقية التي نادى بها أفلاطون، الذي كان يرى بأنّ المعارف بالخصوص الإلهية منها، لا تتأتى عن طريق الاستدلال العقلي فحسب، بل لابد وأن يوجد إلى جانب ذلك سير وسلوك وتهذيب أخلاقي يبعث إشراقات وإفاضات للمعارف الإلهية على القلب. وقد تشعب الفلاسفة المسلمون على غرار ذلك إلى فلاسفة مشائين يتقدّمهم أبو علي ابن سينا، وفلاسفة إشراقيين يتزعمهم شهاب الدين السهروردي. وأما الحكمة المتعالية فهي اسم اختاره صدر المتألهين الشيرازي لفلسفته التي حاول من خلالها التقريب بين الفلسفة المشائية الاستدلالية وَبين المدرسة الإشراقية وبين ما جاء في الكتاب والسنة الشريفة من أحاديث وروايات.
(18)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ متى بدأ التفكير الإنساني؟ وبماذا يختلف الإنسان عن الحيوان في تغيير وتطوير محيطه الذي يعيش فيه؟
2 ـ ما هو الباعث من وراء نشوء الفكر الفلسفي؟ ومن كان من بين الحكماء له قصب السبق في ذلك؟ ومتى؟
3 ـ ما هي الظروف التي أنجبت تيارات الشك والسفسطة؟ ومن هم أربابها؟ ومتى تسنى لها الظهور؟
4 ـ اذكر عمالقة الفكر الفلسفي الذين تصدوا لمواجهة اتجاه الشك وأحلوا اليقين محله؟ وكيف استمر اتجاه اليقين بعد مماتهم؟ وإلى أي مصير انتهى أمر أتباعهم؟
5 ـ ما هي الظروف التي أودت بأوربا إلى فترة القرون الوسطى؟
6 ـ ماذا جرى في شبه الجزيرة العربية إبان فترة القرون الوسطى؟
7 ـ اشرح ما يلي:
أ ـ المدرسة المشائية
ب ـ المدرسة الإشراقية
ج ـ مدرسة الحكمة المتعالية
(20)
--------------------------------------------------------------------------------
الدرس الثاني
الفلسفة
* تعريف الفلسفة
* موضوع الفلسفة
* أهمية وفائدة الفلسفة
* أساليب التحقيق العلمي
* فكِّر و أجب
(22)
--------------------------------------------------------------------------------
تعريف الفلسفة:
جاءت كلمة الفلسفة من عبارة «فيلاسوفوس» أَي محبّ الحكمة، وهو اسم اختاره سقراط (1) لنفسه؛ وقد نقل مورّخو الفلسفة أن السبب في اختيار هذا الاسم شيئان: أحدهما: تواضع سقراط حيث كان يعترف دائماً بجهله، والثاني: تعريضه بالسوفسطائيين الذين كانوا يعدُّون أنفسهم حكماء (2)؛ أي إنه باختيار هذا اللقب أراد أن يوحي لهم، بأنكم لستم أهلاً لهذا الاسم «الحكيم»؛ لأنكم تستخدمون التعليم والتعلم لأهداف مادية وسياسية، وحتى أنا الذي استطعت ردَّ تخيلاتكم بأدلة محكمة، لا أرى نفسي أهلاً لهذا اللقب، وإنما أطلق على نفسي اِسم «محبّ الحكمة» (3).
وفي العهد الإغريقي القديم ومنذ أن سَمّى سقراط نفسه بهذا الاسم، صارت الفلسفة قديماً تستعمل في مقابل السفسطة المنكرة بأساليب مغالطاتها لحقائق الأشياء، كما إنها صارت شاملة لجميع العلوم الحقيقية كالفيزياء، والكيمياء، والطب، والهيئة، والرياضيات والإلهيات؛ وأما العلوم الاعتبارية كالنحو و
--------------------------------------------------------------------------------
1. سقراط: «399 ـ 470 ق. م» فيلسوف يوناني، ولد في أثينا، عُرِفَ بأنه كان أستاذاً ذائع الصيت بالفلسفة والحكمة وعرف بـ «سقراط الحكيم». وينقل أن هتافاً كان يراود سقراط يرشده إلى الطريق الصحيح. و قد بلغ من العلم مرتبه فريدة.
2. حيث كان يطلق على كل منهم اسم «سوفيست» وهي كلمة يونانية تعني الحكيم.
3. المنهج الجديد في تعليم الفلسفة: 1/ 14 ـ 15، الأستاذ محمد تقي مصباح اليزدي.
(23)
--------------------------------------------------------------------------------
الصرف فهي خارجة عن حيز الفلسفة (1).
وبناءً على ما تقدم فإن الفلسفة قديماً كانت اسماً عاماً وشاملاً لقسمين رئيسيين من العلوم، النظرية والعملية، وبذلك فإن الفلسفة تنقسم إلى فلسفة نظرية، وتشمل تحت عنوانها ما ينبغي أن يعلم من المعارف كالرياضيات والطبيعيات والإلهيات. وإلى فلسفة عملية، وتشمل تحت عنوانها ما ينبغي أن يُعمل به من المعارف كالأخلاق وتدبير المنزل والسياسة.
وإليك مخططاً بيانياً للفلسفة وأقسامها المتفرعة عنها:
--------------------------------------------------------------------------------
1. تختلف العلوم الاعتبارية عن العلوم الحقيقية في أن العلوم الاعتبارية لا واقع لها سوى ما اتفق عليه المتفقون واعتبره المعتبرون، كما لو اتفق النحاة في لغة العرب أن يكون الفاعل مرفوعاً والمفعول به منصوباً. فلا وجود لأمثال هذه الأحكام في الواقع غير ما اتفق عليه المتفقون واعتبره المعتبرون وعلى خلاف ذلك، حال العلوم الحقيقية، فإنها تكشف عن حقائق ثابتة سواء علم الإنسان بها أم لم يعلم؛ فالجاذبية كانت موجودة ولها واقع ثابت ولم يكن لنيوتن من دور، سوى الكشف عنها.
(24)
--------------------------------------------------------------------------------
بَيْدَ أن الفيلسوف لم يتمكن من مواكبة تطور العلوم واتساع رقعتها واستيعاب مسائلها وفروعها، فبعث ذلك على انحسار دوره وتقلص نشاطه في حدود بحث الإلهيات بالمعنى الأعم والأخص وتسمى بالعلم الكلي والفلسفة الأولى (1)؛ والأعم منها يبحث عن أحكام الموجودات بشكل عام ولا يختص بموجود دون آخر بينما تتناول الإلهيات بالمعنى الأخص إثبات وجود الله الأقدس وصفاته جل وعلا.
موضوع الفلسفة:
وبذلك يتضح أن موضوع علم الفلسفة هو: «الموجود بما هو موجود»، أي أنها تتناول دراسة الموجود بشكل عام، لتحدد أحكامه بغض النظر عن خصوصياته. فمثلاً: إن البحث عن العلّة والمعلول لا يختص بموجود دون غيره، بل هو شامل لكل موجود؛ بينما البحث عن تركيب الماء ودرجة انجماده وغليانه وبقية خواصه، بحث عن الموجود بما هو ماء، له وجوده الخاص. وأما الإلهيات بالمعنى الأخص فإنها تبحث عن وجود الله تعالى وصفاته وتختص به ولا تبحث عما سواها.
ودراسة الموجود بشكل عام التي تتناول الموجودات مجردها وماديها، يُطلق عليها اسم «الميتافيزيقا» وقد تصور البعض خطأ، أنها تختص بالموجودات المجردة غير المادية، إلا أن الصحيح شمولها للموجودات المادية والمجردة على
--------------------------------------------------------------------------------
1. والوجه في تسميتها بهذا الاسم، هو أنها تُعدّ في مقدمة كل العلوم؛ إذ أنها تبحث عن وجود الله الأقدس وصفاته الحسنى، كما أنها تقوم بإثبات موضوعات العلوم، فما لم يثبت في الفلسفة الوجود المادي الخارج عن حدود الذهن لا يتسنى للفيزيائي أن يبحث عن خواص الأجسام، ولا للكيمياوي أن يبحث عن طبيعة تفاعلات العناصر وهكذا. بل إن جميع العلوم مدينة إلى الفلسفة في مبادئها التصديقية، كمبدأ عدم التناقض وأصل العلية وقاعدة الانسجام، وهي من مباحث ومسائل الفلسفة، ومن أجل ما تقدم يكون للفلسفة، شرف التقدم على بقية العلوم، ولا نبالغ إن قلنا أنها أم العلوم.
(25)
--------------------------------------------------------------------------------
حد سواء. فالبحث عن العلة والمعلول، والوجوب والإمكان، والحادث والقديم، والقوة والفعل وما شابهها لا يختص بالموجودات المجردة غير المادية بل يشملهما معاً.
ومن الجدير ذكره أن الميتافيزيقا مأخوذة من أصل يوناني هو متاتافوسيكا أي ما بعد الطبيعة وحوِّرت بالعربية إلى (ميتافيزيقا) وحسبما يعتقده مؤرخو الفلسفة، فإن هذه الكلمة استعملت لأول مرة في قسم من فلسفة أرسطو المتناولة لأحكام الوجود بشكل عام، وحيث أن هذا القسم من بحث الفلسفة قد كتبه أرسطو حسب ترتيبه بعد بحث الطبيعيات، لذلك فقد أطلق عليه اسم ميتافيزيقا، أي ما بعد الطبيعة.
أهمية وفائدة الفلسفة:
تراود الإنسان أحياناً وقد تلاحقه تساؤلات حول الوجود ومعناه؛ وهل هو متناه محدود أو مطلق لا محدود؟ وكيف وجد وهل هو في غنى عن علةٍ توجده أو مفتقر إليها؟ وهل لله خالق أو هو في غنى عن كل خالق؟ ولماذا لا يُرى الله جهرة؟!
ومن جهة أخرى فإن الإنسان، هذا الموجود العملاق الذى حَلَّق في آفاق السماء ونفذ إلى أعماق الأرض وقعر المحيطات وفلق الذرة وابتكر العجيب والغريب، تراه حائراً يعيش الضياع والسأم؛ إذ لا هدفَ حقيقي يصبو إليه ولا رؤية كونية واضحة يمتلكها إزاء الوجود ولا شمولية ولا انسجاماً يلمسه بين مفردات الكون وفصوله، ومن أجل ذلك فإنه لا يعرف لماذا وضع قدميه في هذا العالم؟ و
(26)
--------------------------------------------------------------------------------
لماذا يُفرض عليه الخروج منه مرة أخرى؟ ولماذا تكون الحياة جميلة إبان الطفولة والشباب، ثم تغدو رذيلة منغصة عند الشيخوخة وأرذل العمر؟!
ومن هنا فنحن بحاجة إلى ما يخفف قلقنا وينزع سأمنا ويبدل ضياعنا وضلالنا إلى هدى ونور ورَوْح وراحة، والفلسفة تؤدي هذا الدور؛ لأنها تعطي لكل ما تقدم من تساؤلات، إجابات مُبيَّنة وذلك بتحديد رؤية كونية واضحة عن الكون والوجود والحياة، لتتحدد لنا معالم المبدأ والمنتهى والسبيل بينهما. وبعبارة أخرى: إن الفلسفة تميط اللثام عن التوحيد والمعاد، والنبوة التي تُعد سَبيلاً للوصول إلى شاطئ المعاد بأمان بما تتضمنه من شرائع ومناهج وأحكام، فلا يغدو وجود الإنسان عبثاً ولا يُمسي كريشةٍ في مَهب الريح، بل يعرف نفسه ويعرف أنه من أين وفي أين وإلى أين.
وإذا كان دور الفلسفة الكشف عن المجاهيل، وانتشال الإنسان من حالات الإبهام والضياع بحل شبهاته في ما يرتبط بأصل الوجود ومآله وحقيقته، فلا نبالغ إن أطلقنا اسم العلم عليها؛ لأن العلم يقوم بتسليط أضوائهِ الكاشفة على ظلمات المجاهيل ليُسفر عن هويتها وحقيقتها، وهذا بالضبط ماتؤديه الفلسفة لقرّائها ودارسيها.
نعم، إن أُريد من العلم حَصيلة الأفكار والنتائج التجريبية التي يتوصل إليها الإنسان في مختبره أو في مجال الطبيعة، فلا يصح حينئذٍ إطلاق اسم العلم على الفلسفة بهذا المعنى، بل وكذلك لا تصح تسمية كهذِهِ على التأريخ والجغرافيا، والفقه وبقية العلوم الإنسانية غير التجريبية.
(27)
--------------------------------------------------------------------------------
أساليب التحقيق العلمي:
تختلف أساليب التحقيق العلمي باختلاف ميادينها ومجالاتها، وذلك لأنك على سبيل المثال تجد فرقا واضحا بين البحوث التالية:
أ ـ البحث فى تاريخ نشوب الثورة ضد الإنجليز فى العراق.
ب ـ البحث فى أنواع الألوان.
ج ـ البحث في صياغة قانون عام فيما يرتبط بتمدّد الحديد بالحرارة.
فالبحث الأول يتناوله الأسلوب النقلي التاريخي بالدرس والتحقيق، ولا دور للأساليب العقلية والتجريبية في ذلك؛ إذ إن الإنسان الذي لم يعاصر حدث الثورة ضد الإنجليز في العراق مهما حاول بعقله وتجربته معرفة ذلك، فسوف يعجز عنه ولا يتوصّل إلى ما يريد. وأما البحث الثاني فإنه من مختصات الأسلوب التجريبي الحسي ولا دور للعقل والنقل فيه، فإذا حُرِم الإنسان باصرته فإنه لن يحظى بمعرفة اللون الأحمر أو غيره من الألوان مهما وصفها الواصفون بنقلهم ومهما استدل أهل البرهان عليها بعقولهم؛ وهكذا الحال بالنسبة إلى البحث الثالث فإنه وقْفٌ على الأسلوب العقلي، ولا نصيب للأسلوب التجريبي والنقلي فيه مهما جرّب المجرّبون ونقل الناقلون ذلك، إذ أن كل ما يجرّبونه وما ينقلونه لا يستوعب كل ما هو موجود أو مفترض من قطع الحديد المحكوم عليها بالتمدّد.
ومباحث الفلسفة تعتمد على الأسلوب العقلي في تحقيقاتها ودراساتها لمسائلها الفلسفية، إلا أنها قد تعتمد أحياناً على ظاهرة تجريبية لتجعلها منطلقاً لدراساتها العقلية والتأملية. (1)
--------------------------------------------------------------------------------
1. ومن هذا القبيل النظر إلى بديع صنع الكون وعظمته ثم الانتقال بالتأمل والاستنتاج إلى وجود مبدع ومنظّم ومهندس من ورائه وهو الله الخالق المصوّر، وهو ذات الأسلوب الذي اعتمده الأعرابي لإثبات وجود الله جلّ اسمه حيث قال: البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام يدل على المسير؛ أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، لا يدلان على اللطيف الخبير؟!
(28)
--------------------------------------------------------------------------------
ثم إن عملية الكشف عن مجهول بواسطة معلوم آخر تتم عبر طرق ثلاثة من الاستدلال:
1 ـ القياس:
وهو قولٌ مؤلفٌ من قضايا متى سُلِّمت لزم عنه لذاته قولٌ آخر، كما لو نقلت حكم الموت الثابت للإنسان إلى سقراط الذي هو فرد من أفراد الإنسان. فتقول:
سقراط إنسان.
و كل إنسان فان.
فسقراط فان.
ومثل هذه الحركة الفكرية يطلق عليها فى المنطق اسم «القياس» وهو مفيد لليقين في ظل شروط معينة وهي فيما إذا كانت مقدمات القياس يقينية، وقد تم تنظيم القياس بشكل صحيح. وقد خصص المنطقيون جانباً مهمّاً من المنطق الكلاسيكي لبيان شروط مادة وصورة القياس اليقيني وهو (البرهان). (1)
2 ـ الاستقراء:
وهو الانتقال من حكم جزئيات إلى حكم كليّتها، وهو على نحوين: استقراء تام واستقراء ناقص؛
أما الاستقراء التام: فهو من قبيل الحكم بالجد والمثابرة على كل من هو موجود
--------------------------------------------------------------------------------
1. المنهج الجديد في تعليم الفلسفة؛ الأستاذ محمد تقي مصباح اليزدي، دار التعارف للمطبوعات ـ 1418 ه ـ 1998 م: 1/ 100.
(29)
--------------------------------------------------------------------------------
في المدرسة بعد إجراء اختبار لجميع من كان فيها من الطلاب.
وأما الاستقراء الناقص: فهو من قبيل الحكم على جميع أهل البلد بالاستقامة وحسن السيرة من خلال معاشرة عدد منهم.
3 ـ التمثيل:
وهو الانتقال من حكمِ جزئيٍ إلى حكمِ جزئيٍ آخر لاشتراكهما في معنى جامع بينهما، بحسب الظن أو الوهم، كما لو منع الوالد ولده عن معاشرة صديق من أصدقائه، إلا أنَّ الولد لم يُعرِض عن معاشرة هذا الصديق فحسب، بل إنه أعرض عن صديق آخر له ظناً منه أن العلّة في المنع هي عنوان الصداقة، فانتقل من حكم الأول إلى الثاني لمشابهتهما في عنوان الصداقة.
وقد صرَّح أهل المعقول أن القياس البرهاني بكل أشكاله المنتجة يُفيدُ اليقين والقطع، كما أن الاستقراء التام يفيد ذلك أيضاً، وأما الاستقراء الناقص والتمثيل فلا يفيدان سوى الظن؛ ومن الواضح أن المفيد في الاستدلال هو اليقين لا الظن، لأن الظن لا يغني عن الحق شيئاً.
(30)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ ما هو وجه تسمية الفلسفة بهذا الاسم؟
2 ـ يقال: أنَّ الفلسفة شملت في العهد الإغريقي القديم جميع العلوم الحقيقية، وضّح هذه العلوم بمخطط بياني.
3 ـ لماذا لم يتمكن الفيلسوف في مقطع من الزمان استيعاب جميع العلوم؟ وفي أي حدود انحصر بعد ذلك دوره ونشاطه الفلسفي؟
4 ـ ماذا يُقصد من الإلهيات بالمعنى الأعم والإلهيات بالمعنى الأخص؟
5 ـ ما هو موضوع علم الفلسفة؟
6 ـ ما هو وجه تسمية البحث عن الإلهيات بالميتافيزيقا؟ وما هو ردّك على توهّم البعض في أن البحث الفلسفي مختص بالموجودات المجردة دون الموجودات المادية، بدعوى أنّها لا تمتُ إلى البحوث الميتافيزيقية بصلة؟
7 ـ ماذا يُراود الإنسان أحيانا أو يلاحقه من تساؤلات حول مبدأه ووجوده ومصيره ... ؟ ولماذا يشعر بالسأم والضياع في حياته؟
8 ـ ما هو دور الفلسفة في إضفاء الروح والراحة والاطمئنان على حياة الإنسان؟
9 ـ هل الفلسفة علم من العلوم؟ ولماذا؟ و ما هي حجة من رفض إطلاق اسم العلم عليها؟
10 ـ اذكر مع المثال أساليب وطرق التحقيق في المعرفة الإنسانية؛ وبيِّن الأسلوب المعتمد في تحقيق المسائل الفلسفية.
11 ـ إن للاستدلال طرقا ثلاثة، اذكرها مع أمثلتها ثم بيِّن المفيد منها للقطع.
الدرس الثالث
الوجود و الماهية
* بداهة مفهوم الوجود
* مفهوم الماهية
* أصالة الوجود واعتبارية الماهية
* تشكك الوجود وتعدّد الماهية
* فكِّر و أجب
(34)
--------------------------------------------------------------------------------
بداهة مفهوم الوجود
تقدم في الدرس الثاني أن موضوع الفلسفة هو: الموجود بما هو موجود. والموجود هو الشيء الذي ثبت له الوجود، سواء كان ذلك الشيء نفس الوجود أو شيئاً آخر متصفا به، وأما الوجود فمفهومه بديهي مستغنٍ عن التعريف، وما قد يُقال في تعريفه: «أنه الثابت العين» أو «الذي يمكن أن يُخبر عنه» فهي تعاريف لفظية، (1) تُستخدم للتنبيه والإشارة إلى ما في الذهن من المفهوم البديهي وليست بتعاريف حقيقية، إذ ليست بأعرف من الوجود بل لا شيء أجلى من الوجود.
معنى الماهية
وأما الماهية فقد قيل في تعريفها بأنها: الواقعة في جواب ما هي أو ما هو؛ فإذا قلت: ما هو زيدٌ؟ وجاءك الجواب بأنه إنسان، أو قلت: ما هو الإنسان؟ وجاءك الجواب بأنه حيوان ناطق، كان الجواب على هذا السؤال بذاته ماهية الإنسان. وبعبارة أخرى: أن الماهية بيان لحقيقة الشيء وذاته التي تميزه عمّا سواه.
--------------------------------------------------------------------------------
1. والتعريف اللفظي ليس تعريفاً حقيقياً؛ لأن المعنى الدال عليه اللفظ واضح، ولم يؤدِ اللفظ المُعرِّف من دورٍ سوى دور الإيضاح للفظ آخر استعمل في ذلك المعنى، كما لو قيل: الغضنفر ما هو؟ فيقال: أسد، فمعنى الأسد لا يحتاج السامع إلى تعريفه، بل يحتاج إلى معرفة لفظ الغضنفر الذي دل على معنى الأسد، فالتعريف اللفظي تبديل لفظ مكان آخر.
(35)
--------------------------------------------------------------------------------
وأنت حينَ تواجه موجوداً ما كجبل أبي قبيس، فتقول: «جبل أبي قبيس موجود»، فقد أشرت بالموضوع «جبل أبي قبيس» إلى ماهيةِ الشيء الذي واجهته، كما أنك أشرت بالمحمول «موجود» إلى وجوده. وهكذا بقية الأشياء التي تواجهنا، فإن لها ماهية كما أن لها وجوداً.
أصالة الوجود واعتبارية الماهية
وبما تقدّم يظهر أنّ الماهية تختلف عن الوجود مفهوماً، أي أنّ ما يفهم من معنى الوجود غير ما يفهم من معنى الماهية، فكل منهما يختلف عن الآخر في الذهن وأما في الخارج، أي خارج حدود الذهن فلا يوجد اختلاف، فهما متحدان في شيءٍ خارجي واحد، فنستطيع أن نشير إلى زيد الخارجي بالقول: هذا إنسان وموجود.
ولنا أن نسأل عن الشيء المتحقق في الخارج والذي سميّناه زيداً، هل هو مصداق لمفهوم الوجود أو إنه مصداق لمفهوم الماهية؟ وبعبارة أخرى: هل إن الوجود أصيل في الخارج أم الماهية؟ فلو كان لكل منهما مصداق، لكان في الخارج مصداقان اثنان لا مصداق واحد، وبما أن الواقع الخارجي لا يوجد فيه إلا مصداق واحد، فلابدّ أن يكون هذا المصداق لأحدهما دون الآخر وإن انطبقا عليه، إلا أن أحدهما واقعي أصيل والآخر اعتباري، أي أن المصداق الخارجي المتمثل بزيد، يكون لأحدهما بالذات ومصداقاً للآخر بالعرض، وبعبارة أخرى: إنه مصداق للوجود دون الماهية، وإليك مثالاً يوضح المراد:
لو كان عندك ورقة بيضاء وشرعت بتلوين مساحة منها بلون أخضر، فإن
(36)
--------------------------------------------------------------------------------
حاصل هذا التلوين سوف يكون شكلاً معيناً ولنفرضه شكلاً مربعاً، فإنك وبعد النظر إلى ذلك سينعكس في ذهنك مفهومان: أحدهما اللون الأخضر والآخر عبارة عن الشكل المربع الذي يُعدّ حداً للّون الأخضر، فمفهوم اللون الأخضر له مصداق حقيقي وهو اللون الذي ارتسم على اللوحة، وأما مفهوم الشكل المربع فليس له مصداق حقيقي في الخارج. نعم اللون الأخضر حيث ينتهي عند حدود خاصة فلابد وأن يكون له شكل معين وقد اتخذ هنا شكلاً مربعاً، وهو ليس إلا حداً فاصلاً يفصل وجود اللون الأخضر عن اللون الأبيض للّوحة، وأما الشكل المربع فلا عينية له في الخارج؛ بمعنى إنه لا يوجد في الخارج إلا اللون الأخضر؛ لأن الحدّ نهاية الشيء التي تميّزه عن غيره ونهاية الشيء لا تمثل شيئاً، وأما الشكل فلا مصداق له يمثله، بل إنَّ الذهن قد اِنتزعه من الوجود الخارجي للّون الأخضر.
وهكذا يتضح حال الوجود والماهية، فإن الواقع الخارجي للأشياء ليس سوى مصاديق لمفهوم الوجود، إلا أنّ ذهن الإنسان يرسم لهذا الوجود حدّاً يميّزه عن غيره من المصاديق العينية الخارجية التي تشترك معه في الوجود، فالإنسان مثلاً من أجل تشخيصه عن غيره من المصاديق الخارجية التي تشترك معه في الحيوانية يوضع له مائز يميّزه عنها وذلك المائز هو كونه ناطقاً، فيقال بأنه: «حيوان ناطق» أي أن هذا الإنسان يمتاز عن غيره من الحيوانات بأن له قدرة على التفكير وإدراك الكليات.
حصيلة ما تقدم هي: إن العينية الخارجية ليس فيها سوى الوجود ولا سهم للماهية فيه سوى أنها تنطبق عليه ويُنسب إليها اعتباراً، وهو ما يعبّر عنه بأصالة
(37)
--------------------------------------------------------------------------------
الوجود واعتبارية الماهية.
وإلى ما تقدم أشار المرحوم الملاّ هادي السبزواري (1) في منظومته الفلسفية:
إن الوجود عندنا أصيل ** دليل من خالفنا عليل
وعلى خلاف هذا الرأي، ذهب آخرون إلى أصالة الماهية واعتبارية الوجود وأُنشِدَ لهم:
إن الأصيل عندنا ماهية ** دليل من خالفنا واهية
ولا نجد لزاماً بعد توضيح الفرق بين الماهية والوجود، لذكر الأدلّة على أصالةِ الوجود واعتبارية الماهية، ومن هنا ذهب البعض إلى بداهة المسألة وعدم الحاجة إلى إقامةِ البرهان عليها. (2)
وإذا اتضح ما تقدم، يظهر بجلاء إن الذي له تحقق خارج حدود الذهن ليس إلا الوجود، وأما الماهية فلا تحقق خارجي لها في ذلك. وبعبارة أخرى: إن منشأ الآثار للإنسانِ ـ مثلاً ـ هو الوجود لا الماهية، فالإنسان حينما يأكل ويشرب ويتحرك ويفكر ... فإنما يقوم بكل ذلك بوجوده الخارجي لا بماهيتهِ.
تجدر الإشارة إلى أن الفلاسفة المشّائين ذهبوا إلى أصالة الوجود واعتبارية الماهية وفي طليعتهم «أبو علي ابن سينا» وقد تبلور رأيهم وتعزّزت أركانه بقوة في عهد الملاّ صدرا حيث أقام عليه حججه الساطعة وبراهينه القاطعة. وعلى
--------------------------------------------------------------------------------
1. الملاّ هادي السبزواري «1212 ـ 1289 ه» وهو الشيخ هادي بن المهدي السبزواري، حكيم وفيلسوف عارف، وفقيه ورع، شاعر بالعربية والفارسية، له كتب كثيرة، عدّها البعض (29) كتاباً، منها كتابه المعروف بـ «المنظومة» الذي تناول فيه بيان الفلسفة وأدلتها وردودها بأسلوب شعري بارع وجميل.
2. من أجل مزيد توضيح راجع الكتب المفصّلة كالبداية والنهاية للعلاّمة الطباطبائي حيث استعرض فيهما آراء الفريقين وأدلتهما وردودهما.
(38)
--------------------------------------------------------------------------------
خلافهم ذهب الإشراقيّون إلى القول بأصالةِ الماهية واعتبارية الوجود، وكان في طليعة هؤلاء شيخ الإشراق «شهاب الدين السهرَوَرْدي».
تشكك الوجود وتعدد الماهية
إنّ إحدى الفروق التي يمكن الوقوف عليها في مجال تمييز الماهية عن الوجود هو: أن الماهية تختلف وتتعدّد باختلاف الأشياء، فماهية الإنسان تختلف عن ماهية الشجر، وهما يختلفان عن ماهية الحجر ... ، بينما الوجود في كل الأشياء واحد مهما تكاثرت وتعدّدت، إلا إنه قد يختلف شدّةً وضعفاً من موجود إلى آخر، فنور الشمعة أضعف من نور المصباح ونور المصباح أضعف من نور الشمسِ وهكذا؛ فإن الوجود يبدأ بأضعف موجود وينتهي بأكمل موجود وهو الله ـ جل اسمه وعلا مكانه ـ إلا أن الوجود واحد.
وبما أسلفنا يظهر أن الماهية تحدّد حقائق الأشياء وتميّز بعضها عن البعض الآخر بعد اتحادها في الوجود، فلولا الماهية لم يتحقق التحديد والتشخيص في الموجودات ولم تتضح حقائقها. ومن أجل معرفة الفارق بين الوجود والماهية تصوّرْ أن الوجود عجينة وضعناها في قوالب مختلفة، فإنها تتشخص بحسب القوالب التي صُبّت فيها، فتكون اسطوانية أو مكعبة أو مخروطية ... ، فالعجينة بمثابة الوجود المتحد في الجميع، والقوالب بمثابة الماهيات المختلفة فيما بينها بحسب اختلاف مواردها ومشخصاتها.
(39)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ ما هو تعريف الوجود والموجود والماهية؟ مَثّل لكل من الماهيةِ والوجود بمثال؟ ثم بيّن لماذا اعترض البعض على تعريف الوجود والموجود؟
2 ـ وضّح ما يلي: «إن الماهية تحدّد حقائق الأشياء وتميّز بعضها عن البعض الآخر بعد اتحادها فى الوجود» واشفع توضيحك بمثال مقرّب للمطلوب.
3 ـ ما هو المقصود من أصالة الوجود واعتبارية الماهية؟ عزّز جوابك بأمثلة بيانية؟
4 ـ من هم القائلون بأصالة الوجود واعتبارية الماهية؟ ومن هم القائلون بأصالة الماهية واعتبارية الوجود؟
(40)
--------------------------------------------------------------------------------
الدرس الرابع
تقسيمات الوجود (1)
* الوجود الذهني والخارجي
* نظرية المعرفة
* فكّر و أجب
(42)
--------------------------------------------------------------------------------
الوجود الذهني والخارجي:
إنَّ للأشياء وجودين حقيقييّن: أحدهما، الوجود الخارجي، والآخر الوجود الذهني، ويتمثّل الأوّل بوجود الأشياء خارج حدود الذهن، كأفراد الإنسان والحجر والشجر، بينما يتمثل الثاني بعلمنا المتعلق بصور تلك الأشياء.
ولا شك في أن انطباع صور الأشياء في الذهن ليس على شاكلة ارتسام صور الأشياء على لوحة أو ورقة، إذ أن الورقة لا تدرك ما يرتسم عليها من الصور، بخلاف ارتسامها في الذهن، لأنه مدرك لها، عالم بها، محيط بها.
والمشكلة التي أثارت الفلاسفة والعلماء منذ أبعد الآماد ولحدّ الآن؛ هي مدى مطابقة الوجود الذهني للوجود الخارجي، وقد عبّروا عن المطابقة بالصواب وعن عدمها بالخطأ.
نظرية المعرفة:
ومن هنا اهتمّ الفلاسفة بالمعرفة الإنسانية ومصدرها وقيمتها، حيث جعلوها في طليعة المعارف الفلسفية وأهمها.
ولسنا الآن في صدد البحث عن نظرية المعرفة بتفاصيلها وخطوطها ومسائلها، إلا إنه يمكن وبصورة مجملة القول:
(43)
--------------------------------------------------------------------------------
إن الفلاسفة وبعد أن اختلفوا في تحديد مصادر أفكارنا التصورية والتصديقية في أنّها حسِّية أو عقلية أو كلاهما معاً، أو شيء آخر، اختلفوا في قيمتها ومطابقتها للواقع الخارجي، ومن أجله ذهب جماعة منهم إلى إنكار الواقع الخارجي بكل تفاصيله منكرين أنفسهم، ومن هؤلاء «غورغياس» السوفسطي ومن المنكرين «جورج باركلي» (1) الذي لم يؤمن بوجود شيء ما سوى الأنا المدْرِكة والصورة المدْرَكة، ويُسمى باركلي وأنصاره بالمثاليين «ايده اليست Idealists»، بينما ذهب «أرسطو» ومدرسته وتلامذته ومن سار على خطاه، إلى الإيمان بالواقع مطلقاً العيني الخارجي منه وغيره ويُسمى هؤلاء بالواقعيين «رئاليست Realists».
وجنح جَمع آخر إلى الإيمان بالواقع الخارجي إيماناً نسبياً، فالصورة المدركة عندهم مزيجٌ من مادة الإدراك الخارجي والقوالب والمقولات الجاهزة في الذهن، فلا تمثل الصورة المدركة الخارجَ بصورة مستقلة ولا الذهن بصورة مستقلة، بل للخارج نسبة ونصيب من هذِهِ الصورة، وللذهن نصيب ونسبة منها أيضاً وهو ما ذهب إليه «عمانوئيل كانت» (2) في نظريته النسبية.
--------------------------------------------------------------------------------
1. «جورج باركلي George Barckley» «1685 ـ 1753 م» فيلسوف إنجليزي مثالي مبكر النضوج، شاعر في طفولته، التحق بمدرسة «كلكني» فدرس فيها الرياضيات ثم التحقق بكلية «الثالوث Tinity» فأبدى فيها من الحماسة والخيال ما جعل الآخرين يعتبرونه أكبر عبقري أو أكبر مخبول، اشتغل مدرّساً للغة اليونانية عام 1712 م وكان قسيساً، و قد تأثّر باركلي في دراسته بـ «ديكارت» و «لوك».
2. «عمانوئيل كانت Emanuel Kant» «1724 ـ 1804 م» فيلسوف ألماني ولد في كينجسبرج، كان والده سرّاجاً مجتهداً في عمله صدوقاً، وكانت أمه متدينة، حريصة على سماع مواعظ (فرانس شولتس مدير معهد «فريدريك») ومن هنا ألحقت الأم ابنها بهذا المعهد ليدرس فيه، وبعدها التحق بجامعة كينجسبرج فدرس الرياضيات والفلسفة وأصول الدين. عُرف «كانت» بدقته الفائقة في تنظيم مواعيد عمله اليومي كالساعة في تحديد الوقت، من أشهر كتبه «نقد العقل العملي»، «نقد العقل النظري»، «نقد الحكم العقلي».
(44)
--------------------------------------------------------------------------------
ومال آخرون إلى الشك بوجود واقع خارج حدود الذهن البشري، فلم يحكموا بثبوته ولا بنفيه ومن هؤلاء «دافيد هيوم» (1) و «جون لوك» (2) وهكذا اختلفت آراء المفكرين في تقييم إدراكاتنا عن الواقع الخارجي باختلاف مذاهبهم ومشاربهم الفلسفية. (3)
ولا يمنعنا سعة البحث من الإشارة السريعة إلى المذهب الصحيح والرأي الحق فى المسألة آنفة الذكر، فنقول:
--------------------------------------------------------------------------------
1. «دافيد هيوم David Hume» «1711 ـ 1779 م» فيلسوف ومؤرخ إنجليزي ولد في مدينة أدنبره الواقعة في اسكتلندا شمالي بريطانيا، درس في ثانوية أدنبره والتي تحولت بعد ذلك إلى جامعة أدنبره، فدرس فيها الفيزياء الطبيعية وكانت له رغبة ملحة في دراسة كتب الفلسفة والأدب. أخفق هيوم في التأليف بدو الأمر لِما كان يعتمده من أسلوب جاف في عرض أفكاره، إلا إنه التفت إلى ذلك بَعدها فألف كتاباً تحت عنوان «مقالات أخلاقية وسياسية» لاقى فيه إعجاب الكثيرين مما أعاد له الثقة بنفسه، وقد كتب هيوم في التاريخ كتاباً تحت عنوان «تاريخ إنجلترا». ومن أشهر كتبه كتاب «بحث في الطبيعة الإنسانية» عرض فيه أفكاره الحسية، وأرجع مبدأ العلّية إلى عادة تداعي المعاني.
2. «جون لوك John Locke» «1632 ـ 1704 م» فيلسوف إنجليزي ومن المؤمنين بأصالة التجربة، درس في كلية «كنيسة السيد المسيح» في إكسفورد، إلا إنه لم ينخرط في مسلك رجال الدين، مارس الطب التجريبي حتى عُرِف في تلك الفترة بالدكتور لوك، إلا إنه حصل بعد ذلك على شهادة البكلوريوس في الطب. لوحظ في فلسفة لوك تناقض بين رأيه في المصدر الأساسي للمعرفة وبين رأيه في قيمة المعرفة، ولذا فإن ما حازه لوك من شهرة كان أكبر من حجمه.
3. من أراد التفصيل فعليه بمراجعة كتاب «فلسفتنا» للشهيد السعيد آية الله السيد محمد باقر الصدر. وكتاب «الإيدولوجية المقارنة» للأستاذ الشيخ مصباح اليزدي.
(45)
--------------------------------------------------------------------------------
إن الإيمان بوجود واقع خارجي قضية مسلّمة لا يختلف فيها اثنان ولو في حدود الأنا المُدْرِكة، إذ لو لم تكن «الأنا» موجودة فكيف أنكر المنكر أو شكك المشكك بوجود الواقع الخارجي، وحتى (باركلي) حينما أنكر الواقع الخارجي لم ينكر ذاته المدرِكة والصور المدْرَكه، والسرُ هو أن ذلك معلوم عنده بالعلم الحضوري، ومن أجله فقد ادّعى أنه ليس منكراً ولا شكاكاً بالواقع الموضوعي الخارجي، إلا إنه يؤمن بواقع الأنا المدرِكة والصورة المُدْرَكَةِ وينكر الوجود المادي للأشياء، فوضع لمذهبه قاعدة معروفة: «أن يُوجد هو أن يُدرِك أو أن يُدْرَك» ومن الواضح أن ما سوى الأنا المدرِكة والمَدرَكات المرتبطة بها غير معلوم لنا بالبداهة أو بالعلم الحُضوري، بل هو بحاجة إلى برهان ودليل، والعقل هو الحاكم بوجودها انطلاقاً من مبدأ العليّة العقلي الذي لا يشك فيه حتى المنكرون والشكاكون، لأنهم حينما رفضوا الإيمان بوجود واقع موضوعي خارج حدود الذهن البشري، فإنما استندوا إلى دليلٍ لإثبات مدّعاهم وهذا الدليل في واقعه علّة وسبب لإثبات منحاهم الفلسفي في إنكار الواقع أو الشك فيه.
ومبدأ العلّية يقرّر أن لكل حادثة سبباً انبثقت منه، فهناك كثير من الظواهر التي نتحسسها ونبحث عن سببها، فلو كانت نابعة من صميم ذاتنا، لكانت معلومة لنا بالعلم الحضوري، وحيث إنّا لا نجد علّة تلك الحادثة في صميم وجودنا فلابد وأن يكون مصدرها شيئاً خارجَ حدود ذواتنا، وليس ذلك إلا الشيء الخارجي، كما لو أمسكت شوكاً بيدك وشعرت بألم الوخز الذي يصيبها حين إمساكك له، فإنك ستبحث عن سببه وحينما تراجع نفسك لا تجد فيها سبباً وعلّة لذلك الألم، إذ لو كان لبان لك بالعلم الحضوري وجودهُ في نفسك، هذا من ناحية.
(46)
--------------------------------------------------------------------------------
ومن ناحية أخرى فإن بعض الظواهر يشعر بها الإنسان على خلاف رغبته كما في المثال المتقدم، فكيف توُجِد النفسُ ما يبعث على انزعاجها وألمها؟! فلابد وأن يوجد سبب آخر خارج حدودها، كان باعثاً على ذلك الألم.
وفي الختام نقول:
إن الإنسان لا يجد في نفسه مبرراً يدفعه للبحث في أي حقل من حقول المعرفة الإنسانية التجريبية وغيرها ما لم تكن معرفته ذات قيمة تكشف عن الواقع الذي انبثقت منه، فلو كانت أفكارنا محض خيالٍ وصورٍ تتوالى في عالم الذهن ولم يكن لها علاقة من قريب أو بعيد بواقعها الخارجي، كما ادعى المنكرون والشكاكون والسوفسطائيون! لما أصبح للبحث والتحقيق والجد والسعي والمثابرة والخوف والرجاء ... معنى، إذ كل محاولة من هذا القبيل تغدو جزافاً وعبثاً.
(47)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ ما هو المقصود من الوجود الذهني والخارجي؟ وبماذا يمتاز الوجود الذهني عن وجود الصورة المنطبعة على اللوحة؟
2 ـ اشرح ما يلي: «تُعَدُّ نظرية المعرفة حجر الزاوية ومنطلقا لكل بحث علمي مهما كان لونه».
3 ـ وضّح بإجمال الآراء الفلسفية على صعيد قيمة المعرفة.
4 ـ لماذا لم ينكر «باركلي» نفسه المُدْرِكة والصور المُدْرَكة؟
5 ـ علّل ما يلي: «لا يمكن إنكار مبدأ العلية حتى للسوفسطي وغيره من المنكرين لواقع الأشياء ووجودها»؟
(48)
--------------------------------------------------------------------------------
الدرس الخامس
تقسيمات الوجود (2)
* الوجود المادّي والمجرّد
* المدارس المادية والوجود المجرّد
* الفرق بين المادي والمجرّد
* فكِّر و أجب
(50)
--------------------------------------------------------------------------------
المادّي والمجرّد
إن إحدى تقسيمات الوجود هي:
الموجود المادي والموجود المجرد.
والمقصود من الموجود المجرد ما يقابل الموجود المادي ومن هنا يُسمّى الموجود المجرد بـ «غير المادي».
وتستعمل كلمة المادي في الفلسفة بمعنى الجسماني، فيكون المجرد بمعنى غير الجسماني، فلا يصدق عليه أنّه جسم ولا تُنسب إليه خصائص الأجسام، كوجود الله الأقدس؛ فإنه ليس بجسم ولا يخضع لخصائص الأجسام. وعلى هذا فالوجود شامل لنوعين من الموجودات: المادية والمجردة.
المدارس المادّية والوجود المجرّد
إلا إن بعض المدارس المادية كالمدرسة الوضعية وفي طليعتها «اوغست كونت» (1) والمدرسة الماركسية وفي مقدّمتها كارل ماركس (2)، ذهبوا إلى إنكار
--------------------------------------------------------------------------------
1. «اوغست كونت Ougust Conte» «1798 ـ 1857 م» عالم فرنسي مؤسس للمذهب الوضعي الفلسفي، كما وإنه مؤسس لعلم الاجتماع الحديث، كان يعاني من الفقر والضنك الاقتصادي، ألّف كتاب «محاضرات في الفلسفة الوضعية».
2. «كارل ماركس Cal Max» «1818 ـ 1883 م» مفكر اقتصادي وسياسي ألماني، ولد في مدينة ترير من أسرة يهودية، اعتنق وأسرته المسيحية على المذهب البروتستانتي، اهتم بفلسفة (هيجل) ودرس التاريخ والفلسفة، فنال شهادة الدكتوراة في الفلسفة واختص بدراسته الاقتصاد. عمل محرراً لجريدة «الراين» وكتب كتاب «رأس المال». عانى في حياته من الفقر المدقع فشكل عقدة في حياته، انعكست و بصورة مفرطة على آراءه وأفكاره وكتاباته.
(51)
--------------------------------------------------------------------------------
كل ما لا يمتّ إلى العالم المادي المحسوس بصلة ورفعوا شعار «أثبت لي شيئاً بالحس أقبله منك وإلا فلا» وتغافل هؤلاء عن أنَّ الموجودات منها ما هي مجردة غير مادية، لا يمكن التعرف عليها إلا من خلال العقل واستنتاجاته وتأملاته كوجود الله تعالى، لأن الحواس الخمس قاصرة عن إدراكها والتحسس بها، ومنها ما هي مادية غير مجردة، وهي بدورها قد تعجز حواس الإنسان الخمس عن إدراك بعض مفرداتها ومواردها، لوجود مانع حال دون ذلك، أو لقصور في وسائل التجربة، فالإلكترون والأشعة تحت الحمراء أو فوق البنفسجية والجاذبية الأرضية وغيرها من المفردات أكّد عليها العلم وآمنا نحن ببعضها إيماناً قاطعاً على الرغم من أنها لم تخضع بصورة مباشرة لإحدى حواسنا الخمس، بل توصّلنا إلى وجودها من خلال آثارها الدالّة عليها بحكم العقل القاطع بأن لكل أثر مؤثراً ولكل معلول علّة.
فإذا أمكن إثبات الجاذبية من خلال سقوط الأجسام باتجاه الأرض بعد رميها إلى أعلى، وإذا أمكن إثبات وجود التيار الكهربائي من خلال توهج المصباح أو حركة المروحة، أمكن أيضاً إثبات وجود الله من خلال آثار صنعه وبديع خلقه. فكما أثبتنا وجود الجاذبية والتيار الكهربائي وغيرها من الظواهر المادية بطريقة عقلية استدلالية مع أنها لم تخضع بصورة مباشرة لحواسنا، كذلك الحال بالنسبة إلى
(52)
--------------------------------------------------------------------------------
الله جَل جَلاله، إذ يجوز لنا إثبات وجوده الأقدس بطريقة عقلية استدلالية على الرغم من إنه تعالى لم يخضع بصورة مباشرة لحواسنا.
فإن رضوا لأنفسهم ذلك ولم يرضوه لنا، كان كيلهم بمكيالين! وعلى طريقة «باؤهم تجر وباؤنا لا تجر»!
الفرق بين المادي والمجرّد
إن بإمكاننا التفريق بين الموجود المادي وبين الموجود المجرد في أن الأول يمكن الإشارة إلى جهة وجوده دون الثاني، فلا جهة له حتى تصح الإشارة إليه.
كما أن الموجود المادي فيه استعداد وقوة على التغيُّر والتبدل بالامتداد والحركة من حالة إلى حالة أخرى، ولذا فإن الحركة ملازمة له، فالحبة تتحول بفعل استعدادها للتغيُّر إلى نبتة، والنبتة إلى شجرة، والشجرة تحمل ثمراً وهكذا، فإن الموجود المادي في حالة تغيُّر وحركة دائبين، بينما لا تجد هذه الحالة في الموجود المجرد على ما ذهب إليه جمهور الحكماء.
(53)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ بيّن كلاًّ من الموجود المادي والمجرد؟
2 ـ وضّح موقف المدارس المادية من الموجودات المجردة؟ وما هو الرد المناسب لها؟
3 ـ اذكر الشواخص التي يميّز على أساسها الموجود المادي عن المجرد؟
(54)
--------------------------------------------------------------------------------
الدرس السادس
الواجب والممكن والممتنع
* الواجب والممكن والممتنع
* الواجب والممتنع؛ بالذات وبالغير
* الإمكان وأقسامه
* فكِّر و أجب
(56)
--------------------------------------------------------------------------------
الواجب والممكن والممتنع:
إن نسبة أيّ محمول إلى أيّ موضوع إما أن تكون ضرورية لا يصح فيها الانفكاك كنسبة الزوجية إلى الأربعة في قولنا: «الأربعة زوج»؛ وإما أن لا تكون ضرورية كنسبة الاحتراق إلى الورقة، في قولنا: «الورقة محترقة»، أو أن تكون ضرورية السلب كما في قولنا: «الثلاثة زوجٌ». ففي المثال الأول يعبّر عن النسبة بالوجوب، أي وجوب نسبة المحمول إلى الموضوع، كما ويعبّر عن النسبة في المثال الثاني بالإمكان، أي إمكان نسبة المحمول إلى الموضوع وإمكان عدمه، وأما النسبة في المثال الثالث فيُعبّر عنها بالامتناع، أي امتناع نسبة المحمول إلى الموضوع. والنسب الثلاث هذِهِ يُعبّر عنها في علم المنطق بمادة القضية. (1)
وعلى غرار ما تقدّم من أنماط نسبة المحمول إلى الموضوع، ذكر الفلاسفة أن الوجود حينما يحمل على موضوع من الموضوعات فإنّ نسبته إليه قد تكون واجبة كنسبة الوجود إلى الله في قولنا: «الله موجود». حيث ثبت في برهان الإمكان، كما سيأتي الحديث عنه، (2) أن الوجود بالنسبة لذات الحق تعالى واجب
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ راجع بحث الموجهات ـ مادة القضية ـ في كتاب المنطق للعلامة محمد رضا المظفر، ص 146، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، 1980 م.
2 ـ في الدرس العشرين.
(57)
--------------------------------------------------------------------------------
ويُسمى هذا الموضوع بواجب الوجود.
وقد تكون نسبة الوجود إلى الموضوع ممتنعة فيسمى الموضوع بممتنع الوجود، كما لو قيل بأن شريك الباري موجود، فإن النسبة هنا ممتنعة إذ لا يمكن أن يُنسب الوجود إلى الشريك المفترض لله جَلّ وَعلا كما هو ثابت في أدلة التوحيد.
وقد لا تكون نسبة الوجود إلى موضوع واجبة ولا ممتنعة، فيسمّى بالممكن، كالإنسان مثلاً، حينما يُقال إنه موجود، فإن الوجود بالنسبة إليه غير ضروري الإيجاب ولا ضروري السلب، بل ممكن.
الواجب والممتنع؛ بالذات وبالغير
والواجب قد يكون واجباً بالذات كوجود الله جَلّ وَعلا فإنه واجب الوجود بالذات، بخلاف المعلول الذي يجب وجوده لوجود علته، فهو واجب بغيره، إذ إن المعلول يجب وجوده حين وجود علته، فالإنسان مثلاً إنما يجب وجوده بوجود علته، ومن هنا قيل: «الشيء ما لم يجب لم يوجد». والممتنع أيضاً قد يكون ممتنعاً بذاته كشريك الباري، وقد يكون ممتنعاً بغيره، كالمعلول الذي يمتنع تحققه بسبب عدم وجود علته، فالزجاج يمتنع انكساره بسبب عدم وجود علة لانكساره.
الإمكان وأقسامه
ذكر الفلاسفة أقساما للإمكان، نجمل ذكر بعضها بما يلي:
1 ـ الإمكان الخاص (الذاتي):
وهو سلب الضرورتين؛ ضرورة الوجود وضرورة العدم من موضوعٍ ما،
(58)
--------------------------------------------------------------------------------
فحينما نقول: «الإنسان ممكن»؛ نعني به سلب ضرورة الوجود وضرورة العدم منه، وبعبارة أخرى أنه بحد ذاته مجرداً عن أي شيء، فلا يقتضي الوجود ولا العدم ولا التقدم ولا التأخر ولا البياض ولا السواد ... .
وإنما سمِّيَ هذا الإمكان بالخاص؛ لأنه أخص من الإمكان العام الذي هو المعنى اللغوي للإمكان والدارج بين الناس.
2 ـ الإمكان العام:
وهو سلب الضرورة عن الطرف المقابل مع السكوت عن الطرف الموافق، فقد يكون مسلوب الضرورة أيضا وقد لا يكون كذلك.
بيان ذلك: إن الإمكان العام على نحوين: فقد يكون سلباً لضرورة السلب كما في قولنا: «الإنسان ممكن الوجود»، و «الله ممكن الوجود»، ففي المثال الأول والثاني سلبت ضرورة العدم، أي أن العدم غير ضروري بالنسبة للإنسان وبالنسبة لله جلّ وعلا. وأما الطرف الموافق وهو الوجود فقد يكون مسلوب الضرورة أيضا، كما في المثال الأول، إذ إن الوجود بالنسبة للإنسان غير ضروري كما أن العدم بالنسبة إليه ليس ضروريا. وأما بالنسبة للطرف الموافق في المثال الثاني، فإن ضرورة الوجود غير مسلوبة عنه، إذ إن الوجود بالنسبة لله تعالى ذاتى لا ينفك عنه.
وقد يكون سلبا لضرورة الوجوب كما في قولنا: «الإنسان ممكن العدم»، و «شريك الباري ممكن العدم»، فإن ضرورة الإيجاب مسلوبة في المثالين، بمعنى أن الوجود غير ضروري بالنسبة إلى الإنسان وشريك الباري، وأما الطرف الموافق فمسكوت عنه، فقد يكون مسلوب الضرورة أيضا كما في المثال الأول،
(59)
--------------------------------------------------------------------------------
فإنه مسلوب لضرورة الوجود والعدم معاً؛ فلا الوجود ولا العدم ضروريان بالنسبة إليه. وقد لا يكون مسلوبا للطرف الموافق كما في المثال الثاني، فإن ضرورة العدم غير مسلوبة عن شريك الباري، بمعنى أن العدم ضروري بالنسبة إليه، وهو مقتضى أدلّة التوحيد النافية لوجود آلهة غير الله: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا» (1)
تجدر الإشارة إلى أن وجه تسمية هذا الإمكان بالإمكان العام يعود إلى أن هذا المعنى للإمكان هو المعنى الأعم له، كما يُسمى عاميا لأن الإمكان بهذا المعنى هو الدارج حين الاستعمال عند عوام الناس.
3 ـ الإمكان الوقوعي:
ويعني إمكان وقوع وتحقق شيءٍ من الأشياء، فلا يلزم من فرض وجوده محال، كإمكان وجود إنسان له رأسان، وكإمكان اصطدام القمر بالأرض. وإنما يمتنع وقوع الشيء إما لكونه محالاً في ذاته كاجتماع النقيضين وارتفاعهما في شيءٍ واحد، أو لكونه محالاً لغيره، كاستحالة وجود المعلول لعدم علته. فالمعلول في حد ذاته ممكن إلا أنه استحال تحققه لعدم تحقق علته المفيضة له، إذ من الواضح أن المعلول عدم عند عدم علته.
4 ـ الإمكان الاستعدادي:
وهو قابلية مكنونة في شيءٍ تؤهّله لأن يكون شيئاً آخر كقابلية النطفة أن تكون إنسانا، وهذا الاستعداد ينحصر وجوده في الموجودات المادية، إذ إنها في حركة ونمو دائبين، فالنطفة تتحول إلى علقة والعلقة تتحول إلى مضغة، إلى أن تكون
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ الأنبياء / 22.
(60)
--------------------------------------------------------------------------------
إنسانا، والإنسان يتطور ويتغير من مرحلة إلى أخرى ... وهكذا.
ويختلف الإمكان الاستعدادي عن الإمكان الوقوعي في أن الأول مختص بالماديات ولا يشمل المجردات؛ لأن المجردات توجد وهي كاملة فلا تغيّر ولا تطوّر فيها، وأما الماديات فإنها في حالة تطور وتغيُّر، بخلاف الإمكان الوقوعي، فإنه شامل للماديات والمجردات على حد سواء.
(61)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ عرِّف ما يلي:
أ ـ الواجب. ب ـ الممكن. ج ـ الممتنع.
2 ـ اذكر مثالاً لكلٍ من الواجب بالذات وبالغير، والممتنع بالذات وبالغير.
3 ـ اشرح العبارة التالية:
«الشيء ما لم يجب لم يوجد»
4 ـ ما هو الإمكان الخاص؟ وضّح جوابك بمثال، وما هو وجه التسمية فيه؟
5 ـ ما هو الإمكان العام؟ وضّح جوابك بمثال، وما هو وجه التسمية فيه؟
6 ـ بيّن معنى الإمكان الوقوعي.
7 ـ ما هو المقصود من الإمكان الاستعدادي؟ وما هو الفرق بينه وبين الإمكان الوقوعي من حيث الشمول أو عدمه للموجودات المادية والمجردة؟
(62)
--------------------------------------------------------------------------------
الدرس السابع
الجوهر والعرض (1)
* الجوهر والعرض
* الجوهر وأقسامه
* الجوهر العقلاني
* الجوهر النفساني
* الجوهر الجسماني
* الجوهر المادي أو الهيولى
* الجوهر الصوري
* فكِّر و أجب
(64)
--------------------------------------------------------------------------------
الجوهر والعرض
إنَّ عدَّك للأشياء الموجودة في مدرستك قد يَكون عدّاً فردياً بأن تحصي عدد الطلاب والكراسي والصفوف والأشجار والأقلام والدفاتر .... بكل أفرادها وجزئياتها، وقد يكون عدَّك لها عدّاً نوعياً فلا يعنيك أعدادها الفردية بل المطلوب عندك معرفة عناوينها الكلية بأن تقول:
إن مجاميع من الطلاب والكراسي والأشجار والأقلام والدفاتر .... توجد في مدرستنا.
وعلى غرار الطريقة الثانية في عدِّ الأشياء، قام الفلاسفة في عدِّ أنواع الموجودات وأجناسها العامة بعد استقرائها وتسمّى عندهم بالأجناس العالية أو المقولات. (1)
وقد وقع الخلاف في تحديد عددها إلا أنَّ المعروف عنها أنها عشر مقولات على ما اختاره زعيم المشّائين «أرسطوطاليس» واحدٌ منها يُطلق عليه اسم «الجوهر» بأقسامه، والتسع الباقية منها تسمّى بـ «الأعراض».
وقد عَرَّف الفلاسفة الجوهر بأنه الموجود لا في موضوع، وبعبارة أخرى إنه ماهيةٌ إذا وُجِدتْ وجدت لا في موضوع، كالجسم فإنه في وجوده لا يحتاج إلى
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ جمع مقولة، وهي ما يُقالُ في جواب ما هو، فهي ماهيات الأشياء وحقائقها.
(65)
--------------------------------------------------------------------------------
موضوع كي يتقوّم ويتحقق به على خلاف العرض، فقد عرَّفوه بأنه ماهية إِذا وجُدتْ وجُدتْ في موضوع، كاللون مثلاً فإنه لا يوجد بصورة مستقلة عن غيره بل لابد له من موضوع كي يتقوّمَ به، فاللون لا يتحقق إلا في جسم، فيكون الجسم موضوعاً لتحقق اللون ووجوده.
الجوهر وأقسامه
والفلاسفة بعد استقرائهم للجوهر وأنواعه وجدوا أنه لا يتعدّى خمسة أقسام؛ فإليك بيانها بصورة مجملة مع ذكر تسمياتها:
1 ـ الجوهر العقلاني:
ويسمّى عندهم بالعقل، وهو موجود مجرّد، ولا تعلق له بالمادّة والمادّيات، كالملائكة فإنّ وجودها مجرد ولا تحتاج إلى شيء مادي في نشاطها وفعلها.
و «العقل» مشترك لفظي بين معنيين:
الأول: بمعنى القوّة التي تُدرِك الكليّات وهذا المعنى هو الذي تنصرف إليه كلمة العقل في العرف العام حين استعمالها.
الثاني: بمعنى المجرد التام كالملائكة وهو ما يقصده الفلاسفة من استعمال كلمة العقل حين إطلاقها.
2 ـ الجوهر النفساني:
وهو الموجود المجرد في ذاته ووجوده إلا إنه مرتبط بالمادة، كروح الإنسان، فإن وجودها مجرد إلا إنها متعلقة بالبدن في نشأتها وفعلها؛ حيث إنها تنشأ مع
(66)
--------------------------------------------------------------------------------
نشوء البدن، كما أوضح ذلك صدر المتألهين استناداً إلى فكرة الحركة الجوهرية. (1) كما إنها تحتاج إلى البدن في فعلها ونشاطها، فهي التي تدرك وترى وتسمع وتلمس ... كل ذلك بواسطة البدن، وفي آخر الأمر يُتاح لها أن تستقل عن البدن بعد موته.
3 ـ الجوهر الجسماني:
وهو الموجود الذي له أبعاد ثلاثة وله زمان ومكان وقابل للأشكال المتعددة والألوان المختلفة، ويتحقق لنا إثباته عن طريق العقل لا عن طريق الحس، وذلك لأن ما ندركه من الأجسام ليس سوى أعراض تعرض على الأجسام ومن خلالها نستنتج أبعادها الثلاثة.
والجوهر الجسماني مركب من جوهرين آخرين أحدهما الجوهر المادي والآخر الجوهر الصوّري، وسيأتي توضيحهما بعد قليل.
4 ـ الجوهر المادي أو الهيولى: (2)
وهو مُبْهم لا تشخص فيه سوى قابليته واستعداده للتشخص ـ أي قبوله لصورة الأنواع المختلفة ـ وهو موجود في جميع الأجسام وَيكون متشخصاً بسبب الصور النوعية التي تظهر فيه، ولكنه في الجميع واحد مشترك، فالتراب حين يكون نباتاً والنبات حين يكون حيواناً، والحيوان حين يكون معدناً ... فإن الجوهر المادي أو ما يسمّى بالهيولى فيها واحد لا يختلف، وإنما الذي اختلف صور الأشياء التي توالتْ عليه، فالصورة الترابية هي التي تغيّرت إلى صورة
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ سوف يأتي في الدرس الرابع عشر بيان لفكرة الحركة الجوهرية.
2 ـ الهيولى كلمة يونانية تعني الأصل، وهي واحدة في جميع الأشياء في الجماد والنبات والحيوان .. وإنما تتباين الكائنات في الصور فقط.
(67)
--------------------------------------------------------------------------------
حيوانية، والأخيرة بدورها تغيرت إلى صورة معدنية .... وهكذا، فالجوهر المادي أشبه ما يكون بالطين الذي يتخذ أشكالاً مختلفة حين استخدامه في البناء، فإنه واحد لم يتغيّر وإنما صوره الطارئة عليه تتغير.
5 ـ الجوهر الصوري:
وهو منشأ آثار أنواع الموجودات المادية الجسمانية وله أنواع مختلفة، فمن جملتها الصورة الجسمية التي تلازم الهيولى ولا تنفك عنها؛ لأن الهيولى ـ وكما تقدّم ـ لا فعليّة ولا تشخص فيها سوى استعدادها لتقبل الصور النوعية المختلفة، فلابدّ من صورة تتلبس بها وتحقق عن طريقها فعليتها، وهذِهِ الصورة هي الصورة الجسمية. وحيث إنه لا يوجد في دنيا الوجود صورة جسمية مطلقة تُظهِرُ الهيولى، كان المظهر لها صور الأشياء المادية المختلفة، كالصورة الترابية والنباتية والحيوانية والمعدنية.
وهكذا فإن صور الأنواع المادية الأخرى تتوالى على الهيولى كالصورة الحديدية والخشبية والزئبقية، والأوكسجينية مع بقاء الهيولى ثابتة على حالها بلا تغيير، فالمتغير والمتبدِّل هنا الصور النوعية للمادة دون مادتها المشتركة المسماة بالهيولى.
ولا يخفى أن كل صورة من الصور النوعية المتوالية على الهيولى تصلح أن تكون مادة لما بعدها، فالحيوان مادة للصورة النوعية النباتية، والنبات مادة للصورة النوعية الحيوانية والحيوان مادة للصورة النوعية الإنسانية ... ، وتسمى هذه المواد بالمادة الثانية تميزاً لها عن المادة الأولى والهيولى المتقدم ذكرها (1).
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ ويظهر مما تقدم أن كل مادة ما خلا المادة الأولى تسمى بالمادة الثانية، فلا توجد من بينها مادة ثالثة أَو رابعة أو خامسة ....
(68)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ ما هي طريقة الفلاسفة في عدِّهم للأشياء؟
2 ـ ما هو تعريف كلٍ من الجوهر والعرض؟
3 ـ ماذا تعني كلمة العقل؟ وما هو مقصود الفلاسفة منها؟
4 ـ ماذا يقصد من الجوهر النفساني؟ وكيف تكون نشأة النفس ونشاطها وفعلها؟
5 ـ ما هو الجوهر الجسماني؟ ومن أي شيء يتركب؟ وكيف يتم إدراك أبعاده الثلاثة؟
6 ـ عرِّف كلاً من الجوهر المادي والجوهر الصوري. ثم وضح وجه الارتباط بين الجوهر الجسماني والمادي والصوري.
7 ـ ماذا تعني المادة الأولى وماذا تعني المادة الثانية؟ أوضح جوابك بمثال لكلٍ منهما.
الدرس الثامن
الجوهر والعرض (2)
* الأعراض
* الكم
* الكيف
* الأين
* المتى
* الوضع
* الملك
* الفعل
* الانفعال
* الإضافة
* فكِّر و أجب
(72)
--------------------------------------------------------------------------------
الأعراض:
تقدم الكلام في الدرس الماضي عن الجوهر وأقسامه، وبقي الحديث عن الأعراض، والأعراض كما أشرنا قبل قليل تسعُ مقولات، وإليك ذكرها مجملة مع ذكر مثال واحد لكل مقولة منها:
1 ـ الكمّ:
وهو إما كمٌّ متصل كالخط والسطح والحجم، وإما كمّ منفصل كالعدد. كما إن المتصل إما أن يكون قارّاً ـ مستقراً ثابتا ـ كالخط والسطح والحجم. وإما أن يكون غير قار ـ غير مستقر وغير ثابت ـ كالزمان، إذ لا قرار ولا ثبات في الزمان، فكل مقطع منه ينتهي ليأتي مقطع آخر، بدلاً عنه.
2 ـ الكيف:
و هو على أنحاء مختلفة:
فقد يكون كيفاً نفسانياً كالعلم والإرادة والحب والبغض والألم ... .
وقد يكون كيفاً كمّيّاً كالزوجية والفردية للأعداد، والاستقامة والانحناء للخطوط والسطوح، والأشكال للسطوح والأحجام.
وقد يكون كيفاً استعدادياً، كاستعداد الطفل أن يكون رجلاً، واستعداد البذرة أن تكون شجرة، بينما لا يوجد في الحجر استعداد لذلك.
(73)
--------------------------------------------------------------------------------
وقد يكون كيفاً محسوساً كإدراك المرئيات من الألوان، والمذوقات كالحلاوة والمرارة، والمشمومات كالروائح الطيبة والكريهة، والمسموعات كالأصوات الجميلة والمنكرة، والملموسات كالخشن والناعم.
3 ـ الأين:
وهو نسبة شيء مادي إلى مكانه كقولك: جابر بن حيان الكوفي، (1) الحسن البصري، (2) روح الله الموسوي الخميني قدس سره (3)؛ فإنك نسبت الأول إلى مكان اسمه «الكوفة» ونسبت الثاني إلى مكان اسمه «البصرة»، ونسبت الثالث إلى مكان اسمه «خمين».
4 ـ المتى:
وهو نسبة بين الشيء وبين زمانه، كاليوم والأمس، وهذا العام الماضي والعام القادم وهذا الأسبوع ... كما في قولك:
«انبثق نور الثورة الإسلامية الإيرانية في اليوم الحادي عشر من شهر شباط في
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ جابر بن حيان الكوفي (117 ـ 200 ه ق) من علماء الكيمياء العرب المشهورين، عاش في الكوفة، له مؤلفات كثيرة منها: «أسرار الكيمياء»، «علم الهيئة»، «أصول الكيمياء» و «الرحمة»؛ ترجمت مؤلفاته إلى اللاتينية.
2 ـ الحسن البصري: «أبو سعيد» (21 ـ 110 ه ق): تابعيٌّ ولد في المدينة، وأقام في البصرة وفيها توفي. لقي عثمان بن عفان وعبد الله بن العباس. كان شاخصاً في معرفة الأحكام الشرعية والتدريس وعنه اعتزل واصل بن عطاء الذي غدا رأس المعتزلة.
3 ـ الخميني (1320 ـ 1410 ه ق) روح الله الموسوي الخميني. ولد في مدينة خمين التابعة لمحافظة آراك الإيرانية. يُعتبر فقيهاً وفيلسوفاً ومرجعاً من الطراز الأول، وقد عُرِفَ بالزهد والورع والانقطاع إلى الله، وفي ذات الوقت امتاز بالشجاعة والصلابة مضافا إلى إحاطته ووعيه لكل ما يدور حوله من شؤون سياسية واجتماعية ... مما أهله أن يكون قائداً عظيما قل نظيره. نهض ضد حكومة الشاه محمد رضا منذ عام 1963 م وبعدها واصل نضاله في منفاه حتى عاد منتصراً بإقامة حكومة إسلامية، وذلك في 11 شباط من عام 1979 م.
(74)
--------------------------------------------------------------------------------
عام 1979 م.»
5 ـ الوضع:
وهو نسبة أجزاء الشيء بعضها مع البعض الآخر والمجموع إلى الخارج، كالقيام فإنه يحدد موضع الرأس إلى أعلى وموضع البطن في الوسط وموضع الرجلين إلى أسفل وبصورة عمودية، على خلاف ما لو كان البدن مستلقياً فإنّ وضع أجزاء البدن سوف تكون في حالة أفقية.
6 ـ الملك:
وتسمى بالجِدة، وهي نسبة شيءٍ إلى شيءٍ آخر يحيط به بلون من ألوان الإحاطة، كالتعمّم، والتقمّص، فإن العمامة تحيط بالرأس والقميص يحيط بالصدر والبطن واليدين.
7 ـ الفعل:
وهو يحكي عن تأثير شيء مادي يُسمى بالفاعل، في شيءٍ مادي آخر ويسمى بالمنفعل. كقوله تعالى: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (1) وكقولك: «علّمتُ الطالبَ».
8 ـ الانفعال:
وهو ما يحكي عن تأثّر شيءٍ ماديّ بشيءٍ مادي آخر، كتأثر الزجاجة بالحجر المرمي عليها، بانكسارها به، وكسخونة الماء عند وضع النار تحته.
9 ـ الإضافة:
وهي نسبة شيءٍ إلى شيءٍ بالقياس إلى نسبةِ أخرى كالأبوة والبنوة، فإذا
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ الأنفال: 60.
(75)
--------------------------------------------------------------------------------
نسبت الابن للأب فقد نسبت أيضاً الأب للابن.
«وقد نظَّم بعضهم بيتين من الشعر، ذكر فيهما المقولات العشر ليسهل حفظها على الطالب، فقال:
زيد الطويل الأزرق ابن مالك ** فى بيتهِ بالأمس كان متكي
في يدهِ سيف لواه فالتوى ** فهذه عشر مقولات سوا
فزيد مثال للجوهر، والطويل للكمّ والأزرق للكيف، والابن للإضافة، وفي بيتهِ للأين، وبالأمس للمتى، ومتكي للوضع، وفي يده سيف للملك، ولواه للفعل، فالتوى للانفعال» (1)
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ محمد جواد مغنيه، معالم الفلسفة الإسلامية، ص 64 ـ 65. مكتبة الهلال.
(76)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ عرِّف كلاً من الكمّ المتصل والمنفصل، ذاكراً لكل منهما مثالاً.
2 ـ اذكر أنحاء الكيف مستعيناً بمثال توضيحي لكل نحو منها.
3 ـ اشرح المقولات التالية معززاً شرحك لكلٍ منها بمثال توضيحي:
الأين، المتى، الوضع، الملك، الفعل، الانفعال، الإضافة.
4 ـ اذكر ما ورد في الدرس من الشعر موضّحا موضع المقولات العشر منه.
(78)
--------------------------------------------------------------------------------
الدرس التاسع
العليّة
(العلة والمعلول) (1)
* مفاد أصل العليّة
* العلاقة بين العلة والمعلول
* نظرية الوجود
* نظرية الحدوث
* نظرية الإمكان الوجودي
* فكِّر و أجب
(80)
--------------------------------------------------------------------------------
مفاد أصل العليَّة:
إن لكلّ ممكن ـ محتاج وفقير ـ علّة تفيض عليه الوجود والتحقق كحقيقة الإنسان مثلاً، فإنها في حد ذاتها مفتقرة إلى علة توجدها، فإن وجدت علتها وجدت هي معها وإلا فلا، ولا يختلف حول هذهِ المسألة اثنان وهذا المعنى هو المستفاد من أصل العليَّة، ومن هنا فإن كلَّ عاقلٍ سويّ يذعن بأنَّ لكلِّ مصنوع صانعا ولكلّ مخلوق خالقاً ولكل معلول علّة، فما دام الموجود في ذاته مفتقراً في وجوده وتحققه فلابد وأنْ يكون مرتبطاً بسبب أفاض عليه الوجود والتحقق، وهذا بخلاف ما لو كان الموجود في ذاته غنياً عن غيره في الوجود، فلا معنى لاحتياجهِ إلى علة تفيض عليه الوجود ما دام غنياً عما سواه في ذلك؛ إذ الوجود بالنسبة إليه متحقق، وهذا من قبيل عدم احتياج الملح إلى ملح حتى يكون مالحاً، فما دام هو مالحاً لا معنى لاحتياجه إلى الملح، إذ أن أمراً كهذا يكون لغواً؛ لأنه تحصيل للحاصل.
ومن هنا، فإنّ الإلهي الموحّد يرى بأن الله غني عن كلِّ علّة مهما كان لونها، بل إن كلَّ علّة مدينةٌ في وجودها وتحققها إليه تعالى، فهو العلّةُ الأولى لكل ما سواه، وما سواه معلول ومفتقر إليه جَلّ وَعلا؛ وقد أثبت الفلاسفة والمتكلمون ذلك بما لا يُبقي مجالاً للشك والتردد كما سوف يتضح فيما يأتي من بحوث. (1)
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ راجع: الدرس العشرين.
(81)
--------------------------------------------------------------------------------
العلاقة بين العلة والمعلول
لا شك في وجود علاقة بين المعلول وعلته المفيضة له بالوجود والتحقق، وإنما المهم في هذا المجال معرفة نمط هذه العلاقة وسرّها، وعلى هذا الصعيد ذُكرت نظريات مختلفة، إليك بيانها:
1 ـ نظرية الوجود:
وقد ذهب إلى هذه النظرية جمع من الفلاسفة الماديين حيث أكدوا على أنَّ سرَّ العلاقة بين المعلول والعلّة يكمن في كونه موجوداً، فكل موجود محكوم عليه بالارتباط بعلة وجوده، ولأجله أكّدوا على أن لكل موْجودٍ موجداً، وفات هؤلاء أن الموجود إذا كان في وجوده غنياً فلا معنى لارتباطه بعلة تفيض عليه الوجود وتمنحه الغنى، وإنما يحتاج الشيء إلى علة الوجود إذا كان في ذاته مفتقرا إلى الوجود، كما سنتحدّث عنه في نظرية الإمكان، بعد قليل.
ومن هنا ذهب الإلهيون إلى القول باستغناء الله عن علة الوجود، إذ إنه غني فلا معنى لفرض ارتباطه بعلة توجده وتمنحه الغنى إذ هو تحصيل للحاصل، وتحصيل الحاصل باطل كما يقولون.
2 ـ نظرية الحدوث:
وهذه النظرية منسوبة إلى علماء الكلام، ومفادها هو أن سرّ ارتباط المعلول بعلته حدوثه، فكل حادث محتاج في حدوثه إلى علة الحدوث، وهذه النظرية لا تخلو من نظر، لأنّ لازمها استغناء الحادث بعد حدوثه عن علته المُحْدِثة له وهو باطل كما سيأتي بعد لحظات.
(82)
--------------------------------------------------------------------------------
3 ـ نظرية الإمكان الوجودي:
وقد نسبت هذه النظرية إلى الفلاسفة الإسلاميين وفي طليعتهم صدر المتألهين الشيرازي، ومفادها: أن سرّ ارتباط المعلول بعلته هو إمكانه وافتقاره الذاتي الوجودي. فالممكن في حد ذاته خلو من كل وجود، وإذا ما وجد فإنّ وجوده فيض من غيره، فسرّ ارتباط المعلول بعلته إمكانه وافتقاره إليها. (1)
وإليك توضيح الفكرة بأمثلة بيانية: إن العلاقة القائمة بين العلة والمعلول علاقة ارتباطية لا استقلالية، فإنك حين تقرأُ كتاباً أو تنظر إلى صورة جميلة أو تصافح صديقا لك، فإنه سوف توجد بينك وبين كل ما تقدم علاقة، وهذِهِ العلاقة تنتفي بمحض إعراضك عن تلك الأشياء، إلا أن انتفاء علاقتك بها لا يوجب انتفاء وجودها أو وجودك بل يبقى وجودك ووجودها على ما هو عليه، وهذا يعني أن وجود كلٍّ من الطرفين مستقل عن الآخر، وهذا هو معنى العلاقة الاستقلالية القائمة بين الطرفين.
بينما تجد العلاقة القائمة بين حركة اليد وحركة القلم علاقة تعلقية، بمعنى أن حركة القلم تنتفي بمحض قطع علاقتها بحركة اليد، وهذا يعني أن العلاقة الحاكمة بين حركة اليد وحركة القلم علاقة ارتباطية، أي أن حركة القلم مرتبطة في وجودها بحركة اليد، فلا وجود لحركة القلم من دون حركة اليد، وهذِهِ العلاقة
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ وقد وقع خلاف بين الفلاسفة في أن الإمكان المذكور هل هو إمكان ماهوي، بناءً على نظرية أصالة الماهية، أو أنه إمكان وجودي، بناء على نظرية أصالة الوجود؟ والصحيح هو الثاني على ما اختاره صدر المتألهين، وتفصيل الكلام وبيان الخلاف موكول إلى دراسات أعمق. وقد تقدمت الإشارة إليه فيما سبق عند البحث عن الماهية والوجود.
(83)
--------------------------------------------------------------------------------
قائمة بين كل علّة ومعلولها، فالمعلول عدم عند عدم علّته، وهكذا يمكن تصوير علاقة الكون بكل ما فيه ومن فيه بخالقهِ وبارئه الذي هو الله سبحانه، فالمخلوقات نفحة من نفحاته وفيض من فيوضاته القدسية، فلا يستغني أيُّ موجود عنه تعالى، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
(84)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ ما هو مفاد أصل العليّة؟
2 ـ لماذا يدّعي الإلهيون استغناء الله عن علة توجده؟
3 ـ اشرح نظرية الحدوث؟ ثمّ بيِّن ما يمكن أن يرد عليها من إشكال.
4 ـ ما هي نظرية الوجود؟ و ما هي المؤاخذة عليها؟
5 ـ ما هي نظرية الإمكان الوجودي؟
6 ـ اشرح العبارة التالية مستعيناً بمثال توضيحي:
«إن العلاقة القائمة بين العلة والمعلول ارتباطية لا استقلالية».
(86)
--------------------------------------------------------------------------------
الدرس العاشر
العليّة
(العلة والمعلول) (2)
* التعاصر بين العلة والمعلول
* العادة والقصد الضروري والجزاف والصدفة
* فكِّر و أجب
(88)
--------------------------------------------------------------------------------
التعاصر بين العلة والمعلول
وإذا كانت العلاقة بين العلة والمعلول تعلقية ربطية وبهذه الدرجة من القوة والربط ـ كما تقدم في الدرس الماضي ـ يتضح بجلاء ما أُثِرَ عن الفلاسفة من أن المعلول يقترن زماناً بعلته، فإذا وجدت العلة وجد معها المعلول وإن انتفت انتفى معها معلولها. وبعبارة أخرى: إن المعلول يعاصر علته، كما يقول الشهيد السعيد محمد باقر الصدر قدس سره: (1)
«لما كنا نعرف الآن وجود المعلول مرتبط ذاتياً بوجود العلة، فنستطيع أن نفهم مدى ضرورة العلة للمعلول، وأن المعلول يجب أن يكون معاصراً للعلة ليرتبط بها كيانه ووجوده، فلا يمكن أن يوجد بعد زوال علته، أو أن يبقى بعد ارتفاعها، وهذا ما شئنا أن نعبّر عنه بقانون التعاصر بين العلة والمعلول». (2)
وقد اشتبه الأمر على بعض، فتصور أن العلاقة الارتباطية بين العلة والمعلول
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ محمد باقر الصدر (1933 م ـ 1980 م): و لد قدس سره في مدينة الكاظمية ـ إحدى مدن العراق ـ في أسرة كريمة، نبغ مبكرا فنال درجة الاجتهاد ومن ثم مقام المرجعية الرشيدة، وصار ممن يشار إليه بالبنان، ومن النوادر الذين تشرف التاريخ بتدوين أسمائهم على صفحاته بأحرف من نور، وقد امتاز بالمثل الأخلاقية العليا، وبشمولية نظرته وعمقه العلمي، فكان له من المؤلفات: اقتصادنا، فلسفتنا، الأسس المنطقية للاستقراء، البنك اللاربوي في الإسلام ... تصدى لمواجهة نظام صدام الدكتاتوري في العراق، فحاز على درجة الشهادة الرفيعة.
2 ـ فلسفتنا ص 279. ط مجمع الشهيد الصدر العلمي.
(89)
--------------------------------------------------------------------------------
بمعناها المتقدم والتي يُسْفِرُ عنها تعاصر واقتران زماني بينهما لا تصدق على كثير من الموارد، فعلى سبيل المثال: أن البَنّاء الذي يكون علة في بناء البيت لا يؤَثِّر موتُه على البيت وبقائه، فالبيت يبقى مدة مديدة من الزمان رغم انتفاء علته، فبموت البَنّاء يظلّ صرح البَنَّاءِ باقياً، مع العلم أن العلاقة القائمة بين البَنّاء والبيت من نمط العلاقة الارتباطية.
وقد فات هؤلاء تشخيصهم الدقيق للمعلول المرتبط بعلته، فإن المعلول المرتبط بالبنّاء في هذا المثال ليس سوى عملية نقل وانتقال المواد من مكان ووضعها في مكان آخر، وهذا النقل ينتهي لا بعد موت البَنّاء فحسب بل حتى في حياته بعد سحب يده من عمله، وهذا يعني أن العلّة هنا عبارة عن عمل البَنّاء الموجب لنقل وانتقال مواد البَنّاء من مكان إلى آخر وهي تنتفي بمحض ما يتوقف البنّاء عن العمل. وأما علة بقاء البيت قائماً حتى بعد توقف البَنّاء عن العمل أو بعد موته، فيعود إلى أن لهيئة البيت وشكله علة أخرى وهي القوة التماسكية للمواد المستخدمة في البِناء وطبيعة تركيب الاَجُر؛ وهي موجودة مع البِناء، فإذا زالت انهار البناء.
فالعلاقة القائمة بين كل علة ومعلولها علاقة ارتباطية تعاصرية بلا ريب وهو ما يتضح بجلاء إذا ما أمعنا الدقة في تشخيص العلة ومعلولها في مواردها كما تبيّن في المثال آنف الذكر.
العادة والقصد الضروري والجزاف والصدفة:
قد تصور البعض خطأً انحصار الغايات في مورد الأفعال الناشئة عن الفكر والتأمل بنتائج الأفعال كذهاب العامل إلى معمله للكسب وتحصيل الرزق، و
(90)
--------------------------------------------------------------------------------
ذهاب الطالب إلى مدرسته للاستنارة بنور العلم. فلا غاية للأفعال التي لا تنشأ عن منشأ تصديقي فكري، كملاعب الصبيان وتسمّى بالجزاف، وكالعبث باللحية والأصابع المسمى بالعادة، وكحركات المريض الناشئة عن مزاج خاص فيه المُعَبّر عنها بالقصد الضروري.
والصحيح هو أن لكل فعلٍ غاية ينتهي إليها الفعل، فما كان فكريا كانت غايته فكرية، وما لم يكن كذلك بأن كان جزافيا أو طبيعيا أو مزاجيا كانت الغاية ما ينتهي إليها الفعل من نتيجة، لأنها مآل الفعل ومنتهاه.
والأفعال مهما كان منشأها، فكريا أو غيره قد يعرضها مانع يحول دون الوصول إلى غايتها وحينئذٍ يسمّى الفعل نسبة إلى ذلك المانع بالباطل. وهذا لا يعني بحال أن الفاعل لا هدف له من فعله، لأن عدم الغاية شيء ووجود مانع حال دون تحقق الغاية شيء آخر.
وإذا اتضح أن لكل فعل غاية يستهدف الفاعل تحققها يتضح أيضا استحالة الاتفاق ـ الصدفة ـ بين العلل والغايات التي تنتهي إليها تلك العلل، إذ إن الصدفة لو كانت ممكنة لأمكن صدور المعلول من أية علة مهما كانت، ولا شك في أنه واضح البطلان، إذ كيف يصح فرض صدور الحرارة من الثلج والبرودة من النار بحجة القول بالصدفة؟!
ومنه يتضح وهن ما استشهدوا به من أمثلة البخت السعيد والشقي، حيث قالوا: قد يحفر إنسان بئراً ليصل إلى الماء فيعثر على كنز، وقد يحفُر آخرُ بئراً ليصل إلى الماء فتلدغه أفعى فيموت على أثرها، فلا ربط إذن بين الأفعال وغاياتها. إلا أنك ترى وبأدنى تأمل أن كلاً من الفعل الأول والثاني لم يتخليا عن الغاية المختصة
(91)
--------------------------------------------------------------------------------
بهما، إذ إن الحفر بمفرده لم يوصل إلى الكنز ولا إلى الأفعى، بل إن الحفر في خصوص نقطةٍ من الأرض تحتها كنز أو أفعى يوصل إليهما لا كل حفر كيف ما اتفق. والحصيلة هي أن كل فعل لابد وأن يؤدي إلى نتيجته وغايته المنتهي إليها، فلا صدفة ولا انفصام بين الغايات للأفعال وبين عللها الفاعلية كما توهم البعض من أمثال ديمقريطس، الذي أكد على أن الله خلق أجساما صغاراً وأطلقها متحركة، فتصادمت الأجسام صدفة بعضها ببعض فنشأت عنها صور الكون وأشكاله المختلفة، مع إنها لم تكن مقصودة من الله بل وجدت صدفة!
(92)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ ما هو المقصود من قانون التعاصر بين العلة والمعلول؟
2 ـ إذا كان المعلول مرتبطا ومحتاجا إلى علته دوماً فلماذا يستغني البِناءُ عن البَنّاء؟
3 ـ ما هو المقصود من العادة والقصد الضروري والجزاف والصدفة؟
4 ـ ما هو ردك على قول القائل بانحصار الغايات في مورد الأفعال الناشئة عن الفكر دون غيرها؟
5 ـ ما هو الدليل على بطلان القول بالصدفة؟
6 ـ ناقش ما يلي:
(البخت السعيد أو البخت الشقي ينفيان الارتباط بين الأفعال وغاياتها).
(94)
--------------------------------------------------------------------------------
الدرس الحادي عشر
العليّة
(العلّة والمعلول) (3)
* التناسب بين العلة والمعلول (السنخية)
* قاعدة الواحد
* فكِّر و أجب
(96)
--------------------------------------------------------------------------------
التناسب بين العلة والمعلول (السنخية):
ومفاد هذه القاعدة أن للعلل معاليل تناسبها وتسانخها، كما أن للمعلولات عللاً تناسبها وتسانخها، فلا تصلح كل علة لكل معلول ولا يصلح كل معلول لكل علة، فالحرارة لا تصدر عن الثلج، والبرودة لا تنبعث من الحرارة، والجاهل لا يكون مصدراً للعلم كما أن العلم لا يصدر عن جاهل، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والعطاء لا يصدر من لا شيء، وبذلك يتضح بداهة قاعدة التناسب والسنخية بين العلة والمعلول.
وبفضل هذه القاعدة يمكن تعميم القوانين العلمية في مختلف حقول المعرفة الإنسانية، فكل حكم يستحيل تعميمه كقانون علمي شامل لجميع موارده المفترضة إلا بالاعتماد على قاعدة السنخية والتناسب بين العلة والمعلول، (1) لأنّ مفادها: أن كل مجموعة من الأشياء إذا كانت متفقة في حقيقتها، يلزم انسجامها في أسبابها ونتائجها وعللها ومعلولاتها.
(فعلى ضوء قانون التناسب نستطيع ـ مثلاً ـ أن نعمم ظاهرة الإشعاع المنبثق عن ذرة الراديوم لجميع ذرات الراديوم، فنقول؛ ما دامت جميع ذرات هذا العنصر متفقة في الحقيقة فيجب أن تتفق في أسبابها ونتائجها). (2)
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ وهو قانون عقلي كما تقدمت الإشارة إليه في الدرس الثاني.
2 ـ محمد باقر الصدر، فلسفتنا، ص 263، المجمع العلمي للشهيد الصدر قدس سره، محرم الحرام 1418 ه ق.
(97)
--------------------------------------------------------------------------------
قاعدة الواحد:
وبناءً على قاعدة السنخية بين العلة والمعلول، تتفرع قاعدة الواحد والتي تفيد أن «الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد»، وأن «الواحد لا يصدر إلا عن واحد»، ومن أجل التوضيح نقول: إذا كانت العلة ذات خاصية واحدة، فلا يمكن أن يكون معلولها ذا خاصّتين أو أكثر، كما أن المعلول إذا كان واحداً في خاصّته فإنه يستحيل صدوره عن عللٍ تامّةٍ كثيرةٍ، إذ لو كان لكل علة من العلل المتعددة في خواصها أثر في معلولها لبان وظهر أثرها، ولكان في المعلول آثارٌ وخواص متعدّدة بعدد العلل المؤثّرة فيه، لا أثر واحد وخاصة واحدة، والحال أن المعلول حسب الفرض لا يتضمن إلا أثراً وخاصة واحدة. فإن وجود أثر واحدٍ في المعلول يُنبئ عن وجود مؤثر واحد من مجموع المؤثرات لا جميعها، فلم يكن لبقية العلل والمؤثرات دور وتأثير في إيجادِ آثارها في المعلول، إذ لو كان لبان.
وقد تقول: إن تعدد العلل وتواردها على معلول واحد مألوف في حياتنا اليومية، كما لو شاهدنا مجموعة من الأفراد يدفعون حافلة وعلى أثر ذلك فإنها تتحرك باتجاه دفعهم لها، وهو مما يؤكد اجتماع علل كثيرة على معلول واحد وهو حركة الحافلة، والصحيح هو أن العلل التي اجتمعت لتحريك الحافلة لم تكن مستقلة وتامة في إيجاد المعلول، بل إنها علل ناقصة يكون مجموعها بمثابة العلة التامة الواحدة وهذا هو ما تعنيه قاعدة الواحد بصيغتيها آنفتي الذكر.
(98)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ ماذا تعني السنخية والتناسب بين العلة والمعلول؟ وضّح جوابك بمثال.
2 ـ اشرح ما يلي:
«وبفضل قاعدة التناسب بين العلة والمعلول يمكن تعميم القوانين العلمية في مختلف حقول المعرفة الإنسانية».
3 ـ بيِّن قاعدة الواحد بكلا فرضيها. معززاً بيانك بمثال توضيحي.
4 ـ ما هو ردّك على قول القائل؛ إن العلل وإن تعددت فإنها يمكن أن تترك أثراً واحداً والشاهد على ذلك ما نراه في حياتنا اليومية كدفع جماعة لحافلة، فإن العلل كثيرة والأثر واحد.
(100)
--------------------------------------------------------------------------------
الدرس الثاني عشر
العليّة
(العلة والمعلول) (4)
* أقسام العلة:
*…العلة الفاعلية والمادية والصورية والغائية
*…العلة التامة والناقصة
*…العلة المباشرة وغير المباشرة
*…العلة المنحصرة وغير المنحصرة
*…العلة الداخلية والخارجية
*…العلة البسيطة والمركبة
*…العلة الحقيقية والمُعِدّة
* فكِّر و أجب
(102)
--------------------------------------------------------------------------------
أقسام العلّة
تنقسم العلّة بحسب موردها إلى أقسام عديدة، نجملها فيما يلي:
1 ـ العلّة الفاعلية والمادية والصورية والغائية:
إن صناعة سرير من خشب تتوقف على وجود نجّار يصنعه، إذ لا يُمكن أن يوجد السرير صدفة وبلا علة، فيعدّ النجّار، علة فاعلية في صنع السرير، كما أن السرير لا يوجد بلا خشب، فالخشب علة مادية لوجود السرير، كما أن السرير لم يكن ليوجد لولا صورته وهيئتُه التي كانت في ذهن النجار والتي أوجد السرير على غرارها، وتسمّى الصورة والهيئة هنا بالعلّة الصورية، مضافاً إلى ما تقدم، فإن النجّار حين صنعه للسرير كان له غاية في صنعه وهي الرقاد والاستراحة عليه وهو ما يُسمّى بالعلة الغائية. (1)
تجدر الإشارة إلى أن العلل الأربع آنفة الذكر إنما تكون عللا للأجسام ولا تشمل بقية الجواهر بل ولا حتى الأعراض، كما أن المثال المذكور مبنيٌّ على المسامحة، إذ إن النجار ليس علة فاعلية، كما أن صورة الكرسي ليست علة حقيقية له.
2 ـ العلة التامة والناقصة:
ومن جهة أخرى تسمّى العلل الأربع المتقدم ذكرها في مثال السرير مجتمعة
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ ويُعبّر عن العلة الفاعلية بما منه الوجود، وعن العلة المادية بما فيه الوجود وعن العلة الصورية بما به الوجود وعن العلة الغائية بما له الوجود.
(103)
--------------------------------------------------------------------------------
بالعلة التامة، إذ باجتماعها تتم صناعة السرير، وأما لو نقص منها علة واحدة أو أكثر فسوف تكون العلة حينها علة ناقصة ولا يوجد المعلول ـ السرير في المثال ـ لنقص في علته التامة.
3 ـ العلّة المباشرة وغير المباشرة:
ومن ناحية ثالثة فإن العلّة إما أن تؤثر في معلولها من دون توسط شيء بينها وبينه فتسمى العلة بالعلة المباشرة، وإما أن يكون تأثير العلة في معلولها بتوسط واسطة فتسمى العلة حينها بالعلة غير المباشرة، فالنجّار يصنع السرير بأدواته كالمنشار مثلاً، فالمنشار علّة مباشرة في صنع السرير والنجار علة غير مباشرة في صنعهِ له.
4 ـ العلة المنحصرة وغير المنحصرة:
ومن ناحية رابعة، فإن المعلول إن لم يمكن وجوده إلا بعلة واحدة لا بديل لها، كما لو تصور الطفل انطلاقاً من جهله أن أباه علة لا بديل لها في رعايته والعناية به، فإن العلة في مثل هذِهِ الحالة تسمى بالعلة المنحصرة، وأما لو أمكن وجود المعلول بعلل متعددة، تستقل كل واحدة عن الأخرى في إيجاده كالنور الذي يمكن تحققُه بالشمس كما ويمكن تحققه بالشمعة المتقدة أو بالمصباح المتوهج أو بالنار المشتعلة، فإنّها تسمى حينئذ بالعلة على البدل، لأن كل علة من العلل المذكورة في مثال النور تصلح وبصورة مستقلة أن تكون بديلة عن غيرها في إيجاد وتحقق النور.
5 ـ العلة الداخلية والخارجية:
ومن ناحية خامسة فإن العلة قد تكون داخلية وهي التي توجد في المعلول ولا تنفصل عنه كمادة الخشب التي هي علة للسرير، فإنها في نفس الوقت الذي
(104)
--------------------------------------------------------------------------------
تكون فيه علة مادية، هي داخلية أيضاً باعتبارها داخلة ضمن المعلول الذي هو السرير. بخلاف النجار فإنه علة خارجية بالنسبة للسرير باعتباره خارجاً عن وجوده و حدوده.
6 ـ العلة البسيطة والمركبة:
ومن ناحية سادسة فإن العلة إما أن تكون بسيطة كوجود الله الأقدس الذي هو علة في مخلوقاته، فإنه تعالى غير مركب من أجزاء فهو بسيط كما أثبتهُ العلماء في كتبهم الكلامية والفلسفية، وإما أن تكون العلّة مركبة من أجزاء، كوسائط النقل التي تنقل المسافرين من مكان إلى آخر، فإنها مركبة من أجزاء وقطع تشكل بمجموعها علة واحدة في تحقق المعلول وهو نقل المسافرين.
7 ـ العلة الحقيقية والمعِدّة:
ومن ناحية سابعة فإن كل علة يكون المعلول متوقفا عليها بحيث يزول المعلول بزوالها تسمى بالعلة الحقيقية، نظير ما تقوم به النفس من إبداع في عالم الذهن، كنسجها لصور مدن كبيرة وعمارات عملاقة، بعد رؤيتها لمدن وعمارات أصغر منها بكثير، إلا إنها تشابهها وتسانخها من حيث المظهر والشكل.
وكل علة لا يكون المعلول متوقفا عليها، بل لها دخل في حصول الاستعداد لوجود المعلول تسمى بالعلة المُعِدّة؛ نظير ما يجمعه الإنسان من صورٍ ومعانٍ حسية عن طريق الحواس الخمس ثم نقلها إلى الدماغ وما يجري في هذا المجال من فعل وتفاعل، كل هذا يُعَدُّ مقدمة لتحقق إدراك النفس لتلك الصور والمعاني الحسية، فالنفس علّة حقيقية للإدراك وما سواها من علل تعتبر مُعِدّة لذلك، ليس إلا.
(105)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
وضّح مستعيناً بمثال كلاً مما يلي:
…1 ـ العلة الفاعلية والمادية والصورية والغائية.
…2 ـ العلة التامة والناقصة.
…3 ـ العلة المنحصرة وغير المنحصرة.
…4 ـ العلة الداخلية والخارجية.
…5 ـ العلة البسيطة والمركبة.
…6 ـ العلة الحقيقية والمعدّة.
الدرس الثالث عشر
الدور والتسلسل
* الدور
* التسلسل
* فكِّر و أجب
(108)
--------------------------------------------------------------------------------
الدَوْر:
«الدور» لغة: حركة شيء من نقطة حركة منحنية دائرية بحيث ينتهي إلى نفس النقطة التي انطلق منها.
وأما في الاصطلاح، فإن الدور يعني توقف الشيء على ما يتوقف عليه، أي أن يكون الشيء علّة لعلة نفسه، كما لو قيل: إن «أ» أوجد «ب»، و «ب» أوجد «أ»، فإن معناه أن «أ» أوجد «أ» وهذا يعني أن «أ» الذي لم يكن موجوداً صار علّة لوجود نفسه. وبعبارة أخرى، أن «أ» معلولٌ وعلة لـ «ب»، فيكون «أ» متأخراً عن «ب» لأنه معلول لـ «ب» كما إنه متقدم على «ب» لأنه علَّة له، وهو واضح البطلان لأنه محال كما ترى.
التوضيح بالمثال: لو فرض وجود شخص وهو بحاجة إلى توقيع أحد شخصين كانا يعملان موظفين في دائرة رسمية، فامتنع الأول عن التوقيع وعلّق توقيعه على توقيع الثاني، وحينما ذهب صاحب الوثيقة إلى الثاني ليوقع له وثيقته رفض التوقيع وعلّق توقيعه على الأول، وهكذا كلما ذهب إلى أحدهما يحوِّله إلى الآخر، والنتيجة هي أن هذا المسكين سوف يخرج بوثيقته من دون توقيع.
(109)
--------------------------------------------------------------------------------
«وقد أوضح أحدهم فكرة الدور في بيتين من الشعر بقوله:
مسألة الدور جرت ** بيني وبين من أُحب
لولا مشيبي ما جفا ** لولا جفاه لم أشب
يقول: إن حبيبه جفاه لشيبه وإن الشيب حصل أولاً ثم أعقبه الجفاء، ثم ناقض نفسه وقال: إن الشيب كان من جفاء الحبيب، أي أن الجفاء حصل أولاً ثم أعقبه المشيب، فيكون كلّ من الجفاء والشيب متقدماً ومتأخراً في آن واحد، وبالتالي يكون الشيء متقدما على نفسه». (1)
التسلسل:
التسلسل فهو توقف موجود كـ (أ) في وجوده على موجود آخر كـ (ب)، وتوقف (ب) في وجوده على (ج) ... إلى ما لا نهاية، مع فرض أن سلسلة الموجودات المتوقف بعضها على البعض الآخر في الفرض المتقدم فقيرة بذاتها ولا تمتلك الغنى.
وإليك بيان الفكرة بمثال توضيحي: ـ لو فُرِضَ وجود مجموعة لا متناهية من العدائين يريدون الاشتراك في مسابقة، وحين أُطلقت إشارة البدء لم يركض أحدٌ منهم، وحينما توجّه السؤال إلى أوّلهم أَجاب بأني لا أشرع بالعدو ما لم يشرع الثاني، وحينما توجّهوا إلى الثاني بالسؤال، أكد أنه لا يشرع بالعدو اِلا بشروع الثالث، وهكذا كل واحد منهم يُعلّق تحركّه على تحرك الذي بعده، والنتيجة المعروفة من هذا كله هي: أن المسابقة سوف لا تجري بين المتسابقين أصلاً، لوجود حالة التعليق وعدم الحسم في الموقف، لأن السلسلة غير متناهية وحالة
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ محمد جواد مغنيه، معالم الفلسفة الإسلامية، ص 53 ـ 54، مكتبة الهلالي.
(110)
--------------------------------------------------------------------------------
تواكل أحدهم على الآخر مستمرة وغير متوقفة.
وهذا التسلسل واضح البطلان ويدل على بطلانه أن الموجودات التي فرض وجودها في السلسة اللامتناهية فقيرة بذاتها؛ فإذا كانت كذلك فمن أين حصلت على غنى الوجود، والمفروض أنها لا تمتلكه من ذاتها، فلابد من فرض موجود آخر منحها الغنى والتحقق، وهو بذاته واجب في وجوده وغنيّ عن كل علّة توجده حتى يمكن أن تحصل سلسلة الموجودات الفقيرة على الوجود والتحقق.
وبهذا الدليل يمكن إبطال فكرة الدور أيضاً، وذلك لأن الدور سواء كان مضمراً أو مصرّحاً (1) فإن الموجودات المفترضة فيه فقيرة ومحتاجة إلى جهةٍ تغنيها وتمنحها الوجود؛ إذ لا يمكن لكل موجود مفتقر إلى الوجود منح غيره أو نفسه الغنى في الوجود، لأن فاقد الشيء لا يعطيه بحكم العقل. ويمكن تشبيه نسبة الموجودات الفقيرة في فرض الدور والتسلسل بمجموعة أصفار، أو مجموعة جُهّال، فكما أن إضافة صفر إلى صفر آخر لا يُوجِد عدداً، وكما أن استعانة جاهل بجاهل لا يحقق العلم، كذلك الحال بالنسبة إلى الموجودات الفقيرة فهي لا يمكن أن تمنح نفسها أو بعضها البعض الغنى والتحقق، لأنها فقيرة بذاتها وفاقدة لكل غنى.
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ أ ـ الدور المصرح مثل: تعريف الشمس بأنها كوكب يطلع في النهار والنهار لا يعرَّف إلا بالشمس، إذ يقال في تعريفه: النهار، زمان تطلع فيه الشمس. فينتهي الأمر في النهاية إلى أن تكون معرفة الشمس متوقفة على معرفة الشمس.
ب ـ الدور المضمر: مثل تعريف الاثنين بأنها زوجٌ أول، والزوج يُعرَّف بأنه منقسم بمتساويين، والمتساويان يُعرفان بأنهما شيئان أحدهما يطابق الآخر والشيئان يُعرّفان بأنهما اثنان، فرجع الأمر بالأخير إلى تعريف الاثنين بالاثنين. «محمد رضا المظفر، المنطق، ص 104 ـ 105 دار التعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان 1980 م».
(111)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ عرِّف كلاًّ من الدور والتسلسل مع ذكر مثال توضيحي لكل منهما.
2 ـ ما هو محذور الدور؟
3 ـ ما هو الدليل الذي يمكن اعتماده لبطلان كلٍ من الدور والتسلسل؟
4 ـ بيِّن فكرة الدور على غرار ما بيّنه الشاعر ببيتين من الشعر.
5 ـ ما الذي يمكن فرضه في مجال الظواهر الكونية، وسلسلة عللها ومعلولاتها من أجل التخلص من مشكلة الدور والتسلسل؟
الدرس الرابع عشر
الثابت والمتغيِّر (1)
* الثابت والمتغير
* التغيّر والحركة
* القوة والفعل
* الحركة العرضية
* الحركة الجوهرية
* فكِّر و أجب
(114)
--------------------------------------------------------------------------------
الثابت والمتغيِّر
ينقسم الموجود فيما ينقسم إلى ثابت ومتغير، فيطلق الثابت على وجود الله جَل جَلاله وسائر الموجودات المجردة التامة. بينما يطلق المتغيِّر على الموجودات المادية والنفوس المتعلقة بها.
التغيُّر والحركة
إن حالة التغيُّر الحاصلة في الأشياء إما أن تكون دفعية أو تدريجية، والتغيُّر الدفعي قد يحصل في جواهر الأشياء، وذلك بزوال صورة عن مادة وحدوث صورة أخرى محلها، كما هو الحال للتغيُّر الحاصل في البيضة التي تتحول إلى فرخ، فإن البيضة كانت على صورة وحقيقة، وتبدّلت إلى صورة وحقيقة ثانية تبدلاً دفعيّاً، ومن دون تدريج، وسُميّ هذا التحول بـ (الكون والفساد) لأن الموجود ـ البيضة في المثال ـ كان على حقيقة معينة وبعد التحول الدفعي الحاصل فيه، حدثت وتكوّنت حقيقة جديدة، بعد أن انحلّت وفسدت الحقيقة السابقة. وأما التغيُّر التدريجي الذي يحدث في الأشياء ليوجد فيها تحولاً فيُسمى بالحركة، كتحول الشمع حين اشتعال فتيلهِ من حالة جامدة إلى حالةٍ لينة ثم سائلة.
(115)
--------------------------------------------------------------------------------
وتقابل الحركة السكون تقابل الملكة وعدمها، أي أن السكون لا يطلق على موجود ليس من شأنه الحركة، فالله ليس من شأنه الحركة، ولهذا لا يُسمى ساكناً، بل يُسمى ثابتاً.
القوة والفعل
القوة عبارة عن إمكان الشيء، والفعل عبارة عن وجوده حقيقة، فالموجود المتطور يتمثل بقوى وإمكانات، وبالحركة تُسْتنفد تلك الإمكانات ويُستبدل في كل درجة من درجات الحركة الإمكان بالواقع والقوة بالفعلية، فالكائن الحي يتطور في حركة تدريجية فهو بويضة، فنطفة، فجنين، فطفل، فمراهق، فراشد. إن هذا الكائن في مرحلة محدودة من حركته نطفة بالفعل، ولكنه في نفس الوقت شيءٌ آخر مقابل للنطفة، وأرقى منها، فهو جنين بالقوة، ومعنى هذا: أن الحركة في هذا الكائن قد ازدوجت فيها الفعلية والقوة معاً.
(فلو لم يكن في الكائن الحي قوة درجة جديدة وإمكاناتها لما وجدت حركة. ولو لم يكن شيئاً من الأشياء بالفعل لكان عدماً محضاً، فلا توجد حركة أيضاً، فالتطور يأتلف دائماً من شيءٍ بالفعل وشيء بالقوة، وهكذا تستمر الحركة ما دام الشيء يحتوي على الفعلية والقوة معاً على الوجود والإمكان معاً، فإذا نفد الإمكان ولم يبق في الشيء طاقة على درجة جديدة انتهى عمر الحركة). (1)
وجدير بالملاحظة أن الحركة والتبدل من شيء إلى شيء آخر لا تحدث جزافاً وإنما تكون في الموجود الذي له استعداد للتحول إلى موجود آخر، فالحجر ليس
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ فلسفتنا، ص 201، مجمع الشهيد الصدر العلمي والثقافي.
(116)
--------------------------------------------------------------------------------
فيه استعداد للتحول إلى حيوان، نعم إنه وبعد عدة وسائط يمكن أن يتحول إلى حيوان.
الحركة العرضية
قد يتحرك الشيء حول نفسه فتسمى حركته حركة موضعية كدوران المروحة حول نفسها، وقد يتحرك الشيء من نقطة إلى أخرى، فتسمى حركته حركة انتقالية ـ أيْنيَّة ـ وقد تكون الحركة والتغيير في مقولة الكيف، كالتغير الحاصل في لون التفاحة من الأخضر إلى الأصفر أو إلى الأحمر، وكالتغير الحاصل في النفس من زيادة الحب أو البغض ... . وقد تكون الحركة والتغير في كمّ الأشياء كما في النمو الحاصل في النبات والحيوان على مرور الزمان. وتسمى تلك التغييرات بالحركات العرضية.
الحركة الجوهرية
ويوجد مضافاً إلى ما تقدم من تغيرات وحركات في أعراض الأشياء، حركة وتغير في جواهرها أيضاً، وتسمى بالحركة الجوهرية، واستدل صدر المتأَلهين الشيرازي على وجود هذا النمط من الحركة بأدلة، نقتصر على ذكر واحد منها:
إن كل ما تقدم من حالات التغيير والحركة كانت في مقولة الكم والكيف والأين، وهي مقولات عرضية، فلابد لها من سبب انبثقت عنه، وحيث أنها تابعة للجوهر الذي عرضت عليه، فلابد وأن يكون الجوهر علة لها، وعلة المتغير المتحرك متغيَّرة ومتحركة، وعليه فلابد وأن يكون جوهَرُ الشيء متغيراً ومتحركاً أيضاً.
(117)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ لماذا لا يطلق وصف المتحرك أو الساكن على الله تعالى؟ وأي اسم يناسب إطلاقه على ذات الله القدسية؟
2 ـ اشرح معنى الكون والفساد والحركة. معززاً جوابك بمثال توضيحي.
3 ـ وضّح العبارة التالية مع ذكر أمثلة لها:
«القوة عبارة عن إمكان الشيء، والفعل عبارة عن وجوده حقيقة»
4 ـ ما هي الحركات الظاهرية والجوهرية؟
5 ـ ما هو الدليل على وجود الحركة الجوهرية؟
الدرس الخامس عشر
الثابت والمتغيِّر (2)
* آراء وأفكار
* الحركة ولوازمها
1 ـ المبدأ
2 ـ المنتهى
3 ـ المسافة
4 ـ الموضوع
5 ـ الفاعل المُحَرِك
6 ـ الزمان
* حقيقة الزمان
* فكِّر و أجب
(120)
--------------------------------------------------------------------------------
آراء وأفكار
تعددت الآراء والأفكار المتعلقة بالحركة الجوهرية، فقد اختمرت الحركة الجوهرية في الفلسفة الإسلامية، بعد أن بنى ركائزها وثبَّت قواعدها الملاّ صدرا، وحلّ بفضلها العديد من المشكلات الفلسفية العويصة. (1) في الوقت الذي رفض فيه الفلاسفة الأقدمون ومن جملتهم ديموقريطيس (2) ـ من فلاسفة اليونان القديمة ـ وجود أي حركة في صَميم وجوهر الأشياء، نعم كان هريقليطيس (3) مؤمنا بشمول التغيُّر والحركة لكل شيء ظاهري وجوهري، فلا يوجد موجود واحد على حال واحد في لحظتين، وقد أُثر عنه قوله: «لا يمكن أن تضع رجليك مرتين في نهر واحد» (4)؛ فلا الشخص الذي وضع رجليه في المرة الأولى هو نفس الشخص الذي وضع رجليه في المرة الثانية، ولا النهر في المرة الأولى هو ذات النهر في المرة الثانية. بحكم التغير الشامل للأعراض والجواهر في كل لحظة ووقت.
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ كمشكلة علاقة النفس بالبدن، وصلة القديم بالحادث، ومشكلة الزمان.
2 ـ ديموقريطيس Demokritos «القرن الخامس ق. م»، فيلسوف يوناني، قال: إن كل كائن مركب من ذرات لا تحصى وإن السعادة تقوم بضبط أهواء النفس. يعتبر مؤسساً للفلسفة المادية.
3 ـ هريقليطيس Herakleitos«ـ 480 - 540 ق. م»، فيلسوف يوناني ولد في افسس؛ قال: إن العالم واحد ومتعدد وإن مادته الأولى هي النار.
4 ـ الشهيد مرتضى مطهري، آشنائي با علوم إسلام، منطق وفلسفة، ص 180.
(121)
--------------------------------------------------------------------------------
ومن الغريب أن بعض فلاسفة اليونان الأقدمين من أمثال «پارمنيدس»، (1) و «زينون الايلي» (2) لم يكتفوا بإنكار الحركة الجوهرية للأشياء فحسب، بل تعدوا في إنكارهم إلى ما هو ظاهر من الحركات حتى الانتقالية منها، وذهبوا إلى أن حركة شخصٍ من نقطةٍ إلى نقطة أخرى ليست إلا سكونات متعددة لأشخاص متعددين!
الحركة ولوازمها
ومما تقدم يظهر أن الحركة عبارة عن التغيُّر التدريجي وخروج الشيء من القوة إلى الفعل؛ فالإنسان حينما يخرج من منزله إلى محل عمله، والنبتة حينما تكون شجرة، والشجرة حينما تعطي ثمرة، والثمرة حينما يكون لها لون في ظهورها ثم تتغير إلى لون آخر، ثم تستقر على لون وحالة أخيرة، والماء حينما ترتفع درجة حرارته بالنار من الصفر إلى درجة مائة مئوية، ففي كل ما تقدم تظهر تغيرات وتحولات وحركات، ويلازم تلك التغيرات والحركات عناصر ستة، إليك ذكرها مجملة:
1 ـ المبدأ: وهو نقطة الانطلاق في الحركة، وهو ـ في المثال الأول ـ المنزل الذي بدأ الشخص حركته منه، متجها صوب مقصده وهدفه.
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ پارمنيدس Parmenides «ـ 450 - 540 ق. م»، فيلسوف يوناني له قصيدة «في الطبيعة» قال فيها بالتوحيد المطلق وعدم التغير وأزلية كل شيء.
2 ـ زينون الايلي «Zenon Aelee» «أواخر القرن الخامس ق. م»، فيلسوف يوناني تعلم على پارمنيديس، صاحب البراهين على عدم وجود الحركة.
(122)
--------------------------------------------------------------------------------
2 ـ المنتهى: وهو المقصد الذي استهدف الشخص الوصول إليه، وهو محل العمل في المثال.
3 ـ المسافة: وهي المقولة التي جرى فيها التغيّر، وهي الأين في مثال الشخص المتحرك من منزله إلى محل عمله، والكيف في مثال تغير درجة حرارة الماء ولون الثمرة، والكم في مثال النبتة ونموها إلى شجرة.
4 ـ الموضوع: والمراد من الموضوع هنا الشيء المتحرك، فبدن الشخص الذي خرج من منزله، والنبتة والشجرة والثمرة والماء على الترتيب في الأمثلة المتقدمة، فإنها جميعا متحركة أي إنها موضوع للحركة.
5 ـ الفاعل (المُحَرِّك): وهو واهب الحركة ومانحها للموضوع المتحرك، فواهب الحركة للنبتة والشجرة والثمرة هو الله، كما أن واهب الحركة لبدن الشخص المتحرك هو الله أيضاً، وإن كانت علة حركته المباشرة هي الروح إلا أن مآل كل ما في الكون من فاعلين إليه جل وعلا، لأنه علة العلل ومنتهى كل سبب: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (1)
6 ـ الزمان: وهو الوقت الذي يستغرقه الموجود في تغيره وحركته. كما هو الحال بالنسبة إلى الوقت الذي يستغرقه الشخص في خروجه من منزله حتى وصوله إلى محل عمله، وكما بالنسبة إلى النبتة فيما تمضيه من وقت حتى تكون شجرة ... .
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ الصافات: 96.
(123)
--------------------------------------------------------------------------------
حقيقة الزمان
ومما تقدم يُعلم أن الزمان إنما يمكن فرضه في الموجودات المادية دون المجردة، وذلك لأن الموجودات المادية في حركة دائمة في عوارضها وجواهرها بحكم القوى والاستعدادات المودعة فيها، بينما لا توجد هذه القوى والاستعدادات في الموجودات المجردة حتى يترتب على أثرها تغيُّر من القوة إلى الفعل ومن ثم حركة، وبالتالي زمان، لأن الزمان كما عرَّفناه توّاً هو الوقت الذي يستغرفه الموجود في تغيُّره وحركته بفعل مسيره من القوة إلى الفعل.
(124)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ اذكر مجمل الآراء الوارد ذكرها في هذا الدرس فيما يتعلق بالحركة الجوهرية.
2 ـ اشرح العبارة التالية:
وقال هريقليطيس: «لا يمكن أن تضع رجليك مرتين في نهر واحد».
3 ـ عرِّف الحركة وعدد لوازمها.
4 ـ اشرح لوازم الحركة بصورة مجملة مستيعناً بمثال توضيحي.
5 ـ ما هي حقيقة الزمان؟ وأين يمكن فرضه؟ ولماذا؟
الدرس السادس عشر
السبق واللحوق (التقدم والتأخر)
* السبق واللحوق (التقدم والتأخر)
* الحادث والقديم
* فكِّر و أجب
(128)
--------------------------------------------------------------------------------
السبق واللحوق (التقدم والتأخر)
السبق واللحوق نسبة قائمة بين شيئين بسبب اختلاف نسبتهما إلى شيء ثالث زيادة في أحدهما ونقيصة في الآخر، فيسمى الأول متقدما أو سابقا، ويسمى الثاني متأخراً أو لاحقاً، وتسمى النسبة بالسبق واللحوق، أو التقدم والتأخر، كما في الاثنين والثلاثة قياساً إلى الواحد، فإنّ الاثنين تسمى متقدما أو سابقا، لأنّها متقدمة على الثلاثة بالقياس إلى الواحد، وتسمى الثلاثة متأخراً أو لاحقا، لأنها متأخرة عن الاثنين قياساً إلى الواحد.
وأما لو تساوت نسبة شيئين إلى شيء ثالث فتسمى النسبة حينها بالمعية أو السوية ويسمّى كل من الشيئين بالمعان، كما لو وقعت حادثتان في زمن واحدٍ. (1)
وما يهمّنا من بحث السبق واللحوق اعتباره مقدمة لدراسة القديم والحادث باعتبار أن أحدهما سابق والآخر لاحق، فهلمّ نلقي نظرة سريعة إليهما.
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ وقد قسَّم الفلاسفة السبق واللحوق أقساما عثروا عليها بالاستقراء نذكرها مجملة، ونوكل تفصيلها إلى دراسات متقدمة من بحوث الفلسفة:
1 ـ السبق واللحوق الزماني. 2 ـ السبق واللحوق بالطبع. 3 ـ السبق واللحوق بالعلية. 4 ـ السبق واللحوق بالماهية. 5 ـ السبق واللحوق بالحقيقة. 6 ـ السبق واللحوق الدهري. 7 ـ السبق واللحوق بالرتبة. 9 ـ السبق واللحوق بالشرف.
(129)
--------------------------------------------------------------------------------
الحادث والقديم:
الحادث لغة يعني الجديد ويقابله القديم، وهما مفهومان نسبيان إضافيان، بمعنى أن كلاً منهما يصدق على شيءٍ بالقياس إلى غيره، فكتاب «الأسفار» للملاّ صدرا قديم قياساً إلى كتاب «المنظومة» للملاّ هادي السبزواري، لأن الكتاب الأول قد كتب قبل أربعة قرون بينما كُتب الثاني قبل قرنين من الزمان، فالأول قديم بالقياس إلى الثاني، والثاني حادث بالقياس إلى الأول، بينما يعتبر الكتاب الثاني ـ كتاب المنظومة ـ قديما بالقياس إلى كتابي «البداية» و «النهاية» للعلامة الطباطبائي (1) حيث تمّ تأليفهما بعد قرنين من تأريخ تأليف كتاب المنظومة.
وهذا المعنى للقدم والحدوث متداول عند العُرف العام للناس. وأما في الاصطلاح الفلسفي فإنَّ الحادث يعني؛ المسبوق في وجوده بعدم سواء كان السبق سبقا زمانيا أو غيره كالإنسان مثلاً في ذاته وماهيته خلو من كل وجود، شأنه شأن بقية الماهيات التي يفاض عليها الوجود بعد ذلك، فهي في ذاتها مفتقرة إلى الوجود، وعلى خلافه القديم، أي إنه في وجوده غير مسبوق بعدم كوجود الله جَلّ وَعلا.
وقد وقع خلاف شديد بين الفلاسفة والمتكلّمين فيما يتعلق بتحديد الحادث
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ العلامة الطباطبائي «1321 ـ 1402 ه ق» هو محمد بن حسين بن محمد المعروف بالعلامة الطباطبائي، ولد في مدينة تبريز إحدى مدن إيران وفي أسرة عريقة بالعلم والثقافة، وقد تمتع بذهنية وقادة ومنفتحة على أكثر العلوم فارتشف من معينها ونبغ فيها؛ فهو في مجال التفسير مفسر بارع، وفي مجال الفلسفة فيلسوف إسلامي كبير، كما إنه بلغ مرتبة الاجتهاد. ومن أشهر كتبه تفسيره الكبير «الميزان» وكتابا «البداية» و «النهاية». انتقل العلامة الطباطبائي إلى ربّه بعد أن عاش ثمانين سنة وثمانية عشر يوماً ووري جثمانه الطاهر في حرم السيدة فاطمة بنت الإمام الكاظم عليهما السلام في قم المقدّسة.
(130)
--------------------------------------------------------------------------------
من الموجودات، بعد تسليم الجميع بقدم الله سبحانه، فذهب المتكلمون إلى أن كلَّ ما سوى الله حادث، تجنباً من محذور تعدد القدماء المنافي لأدلة توحيد الله تعالى. بينما خالفهم الفلاسفة في ذلك وذهبوا إلى القول بأن مقتضى كونه تعالى علة للكون منذ الأزل هو قدمية الكون وأزليته أيضاً، باعتبار أنه تعالى فيّاض على الإطلاق، وقديم الإحسان والكون نفحة من نفحات فيضه وإحسانه. والتعدد في القدماء إنما يكون محذوراً إذا كان كل قديم غنيّا بذاته ـ واجب الوجود ـ والحال إنه لا ملازمة بين القول بتعدد القدماء وبين واجبية وجودهم وغناهم، بل إن صفة الفقر والإمكان يجب أن تكون ملازمة لوجود القدماء على الرغم من قدمهم وأزليتهم، باعتبارهم معلولين لعلّة وهي الله تبارك اسمه، وقد اتضح في بحث العلّية أن المعلول يمثل عين الارتباط بعلّته، فلا وجود استقلالي له من دون علته المفيضة عليه بالوجود والتحقق، وعلى هذا فلا معنى لاعتبار المعلول غنياً وواجباً حتى ولو كان قديماً وأزلياً في وجوده. فالشعاع المنبثق عن الشمس يبقى بحاجة إلى الشمس حتى لو فرضنا جدلاً قدم الشمس وبالتبع قدم الشعاع المنبثق عنها واقترانهما معاً.
إن استيعاب الكلام فيما يرتبط بهذا الموضوع مفصّل وإنما أردنا أن نطل عليه إطلالة محدودة عبر لمحة فلسفية خاطفة.
(131)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ ماذا يعني السبق واللحوق؟ عزز جوابك بمثال.
2 ـ عرِّف كلاً من الحادث والقديم لغة، مبيّناً تعريفك بمثال توضيحي.
3 ـ ماذا يُقصد من الحادث والقديم اصطلاحاً؟ اذكر مثالاً لكل منهما.
4 ـ ما هو الخلاف بين المتكلمين والفلاسفة فيما يرتبط بالموجودات الحادثة؟ ثمّ بيِّن ما استدل كلٌ منهما على مدّعاه.
الدرس السابع عشر
المعقولات الأولى والثانية
* المعقولات الأولى والثانية
* المعقولات الأولى أو المفاهيم الماهوية
* المعقولات الثانية الفلسفية
* المعقولات الثانية المنطقية
* فكِّر و أجب
(134)
--------------------------------------------------------------------------------
المعقولات الأولى والثانية
ثمّ إن المفاهيم الكلية على أنحاءٍ ثلاثة:
1. المعقولات الأولى أو المفاهيم الماهوية
وهي: «المفاهيم الكلية التي عروضها واتصافها معاً في الخارج».
توضيح ذلك:
إنّ أحدنا حينما ينظر إلى الخارج ويرى كتباً، فإن بمقدوره استنتاج مفهوم كلي عام، وهو مفهوم الكتاب، وهذا المفهوم صالح للانطباق على جميع مصاديق الكتاب الموجودة في الخارج، وهذا يعني أنّ مفهوم الكتاب موجود بوجود أفراده الخارجية، ومأخوذ منها؛ وبالنتيجة فإن هذا المفهوم الكلي يُعَدُّ وصفاً لمصاديقه الخارجية.
فعروض ـ أي وجود ـ أمثال هذِهِ المفاهيم في الخارج، واتصافها ـ أيّ إنها صفة لمصاديقها الخارجية ـ في الخارج أيضاً.
2. المعقولات الثانية الفلسفية
وهي: «المفاهيم الكلّية التي عروضها في الذهن واتصافها في الخارج».
(135)
--------------------------------------------------------------------------------
التوضيح:
إنك حينما تصف شخصا ما بوصف الجهل مثلاً، لا تجد في الواقع الخارجي إلا شيئاً واحداً وهو مصداق ذلك الشخص الموصوف، وأمّا صفة الجهل فإنها وإن كانت وصفا لشيء خارجي، إلا أنها أمرٌ عدميٌّ حيث إنها عدم العلم فيمن من شأنه أن يكون عالماً، فليس لها ما بإزاء خارجي.
3. المعقولات الثانية المنطقية
وهي: «المفاهيم الكلّية التي عروضها واتصافها ذهنيان».
التوضيح:
إن من أمثلة هذِهِ المفاهيم مفهوم الكلي، فإنه من المفاهيم التي يستحيل تحققها في الخارج، إذ إنَّ كل ما هو موجود في الخارج متشخص جزئي، والكلي ليس كذلك، وهل يمكن أن يكون هذا الكلي وصفاً لأشياء خارجية، كما كان ذلك للمفاهيم الأولى الماهوية والثانية الفلسفية؟ والجواب هو النفي، لأن كل ما هو موجود في الخارج جزئي لا يصلح في انطباقه الأعلى نفسه فكيف يمكن وصفه بأنه كلي، فنقول: الإنسان كلي، والمقصود من الإنسان هنا الإنسان الذهني، لا الإنسان الخارجي، وإلاّ لما صَحَّ وصفه بأنه كليّ كما تقدم توّاً، وبذلك يتّضح تعريف هذِهِ المفاهيم بأنّ عروضها (وجودها) واتصافها (وصفها للأشياء) كلاهما ذهني.
(136)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ عَرِّف ما يلي:
أ ـ المعقولات الأولى أو المفاهيم الماهوية.
ب ـ المعقولات الثانية الفلسفية.
ج ـ المعقولات الثانية المنطقية.
2 ـ مثّل لكل ما تقدّم من المعقولات الثلاثة آنفة الذكر مثالاً، موضّحا تعريفه الخاصّ به.
3 ـ ما هو الفرق بين المعقولات الكلية المتقدمة، بعضها مع البعض الآخر.
الدرس الثامن عشر
العلم الحضوري والحصولي
* العلم الحضوري والحصولي
* التصور والتصديق
* الكلي والجزئي
* المشكك والمتواطئ
* المشترك اللفظي والمعنوي
* فكّر و أجب
(140)
--------------------------------------------------------------------------------
العلم الحضوري والحصولي
قد يعلم الإنسان بشيء علماً مباشراً من دون توسط شيء بينه وبين المعلوم، الذي يكون حاكياً له، فلا يحتاج العالم من أجل علمه بالمعلوم إلى حاكي وكاشف يحكي ويكشف عنه لكي يتحقق العلم به. ويُسمى هذا العلم بالعلم الحضوري أو «المعرفة الحضورية»؛ كما لو علم الإنسان بنفسه أو بالحالات التي تطرأ عليها من حزن وفرح أو جوع وعطش أو حب وبغض ... وسبب تسميتها هكذا هو أن الإنسان يَعلم بالشيء من دون توسط صورة ذهنية بينه وبين الشيء المعلوم، فالمعلوم حاضر بذاته لدى العالم.
وقد لا يتحقق علم الإنسان بذات الشيء مباشرة بل بصورته الذهنية الحاكية له ويسمّى هذا العلم بالعلم الحصولي، من قبيل علمنا بالأشياء الخارجية، فإنها غير معلومة لنا بذاتها، وإنما عِلمنا بها عبر صورتها الذهنية. وأما ذات الصورة فإنها معلومة لنا بالعلم الحضوري. وذلك لأنك حينما ترى ناراً مشتعلة في الخارج، فقد حصل لك العلم بها «علماً حصولياً»؛ لأن ذات النار لم تحضر عندك في ذهنك حتى يتحقق علمك بها علماً حضورياً، وإلا لاحترق ذهنك بها وإنما حصل لك العلم بها بتوسط صورتها الموجودة في الذهن، فصارت الصورة واسطة بينك أنت العالم بالنار وبين النار الموجودة في الخارج، وأما صورة النار الموجودة في الذهن فمعلومة لك بالعلم الحضوري، لأنها حاضرة عندك ولا تحتاج إلى توسط شيء
(141)
--------------------------------------------------------------------------------
بينك وبينها كي يتحقق علمك بها.
فيكون الشيء المعلوم بالعلم الحضوري معلوماً بالذات؛ لأنه معلوم لك بذاته، بينما المعلوم لك بالعلم الحصولي يكون معلوماً بالعرض؛ لأن العلم لم يتعلق به مباشرة بل تعلق بصورته الموجودة في الذهن وهي بدورها كشفت عنه.
ومما تجدر الإشارة إليه، أنّ ما تقدّم من بحث العلم الحضوري والحصولي يختلف عما يذكره علماءُ الكلام من قسمي العلم اللدنّي والكسبي؛ إذ إن مقصودهم من العلم اللدنّي هو ذلك العلم الذي يتوصّل إليه الإنسان أحياناً من دون توسط معلم يعلِّمه بل إنه يُلْهَمُ به إلهاماً، على خلاف العلم الكسبي الذي لا يحصل عليه الإنسان إلا بتعليم معلّم.
التصور والتصديق
ومن جهة أخرى قد يحصل عند الإنسان علم بشيء أو بحكم من الأحكام من دون إذعان بتحققه، ويسمّى هذا العلم علماً تصورياً، كما لو شاهد شخص ما تفاحة على الشجرة، أو طَرَقَ سمعه حكم بأن زيداً عالمٌ، من دون أن يذعن بوجود التفاحة خارجاً ولا بتحقق نسبة العلم إلى زيد. وعلى خلافه يكون التصديق؛ والفرق بين التصور والتصديق يظهر في أن التصور ليس إلا صورة يستحضرها الإنسان في ذهنه من دون أن يحكم عليها بنفي أو إثبات، بينما التصديق فعل من أفعال النفس يتمثّل بإذعان النفس بوجود شيء أو نسبة أو عدمهما.
وبهذا يتّضح زيف ما ذهب إليه بعض الفلاسفة الحسيين كـ «جون ستوارت ميل» (1) من إنه لا فرق بين التصور والتصديق إلا في أن التصور عبارة عن العلم
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ «جون ستوارت ميل 1806 ـ 1873 م Mill John Stewart» فيلسوف واقتصادي إنجليزي، من أتباع المدرسة الاختبارية له كتاب في المنطق الاستدلالي والاستنتاجي.
(142)
--------------------------------------------------------------------------------
بصورة واحدة، بينما التصديق يعني العلم بصور مُتلاحقة ومتعاقبة! محاولة منه لحصر مصدر المعرفة بالجانب الحسي من الإنسان وإقصاء دور العقل أو الفطرة من الميدان.
الكلّي والجزئي
إن مفاهيمنا التصورية منها ما هو جزئي ومنها ما هو كليّ؛ ففي جملة «عليٌ إمامٌ» يُلاحظ مفهومان: أحدهما جزئي وهو ما تدل عليه كلمة «عليٌ» والآخر كُلّي، وهو ما تدل عليه كلمة «إمامٌ» والفارق بينهما يظهر في أن المفهوم الكلي يصح انطباقه على كثيرين، فإن كلمة إمام تنطبق على كل من تتوفر فيه شرائط الإمامة، بينما كلمة «علي» لا تنطبق إلا على مسمّاها الخاص بها.
المشكِّك والمتواطئ
والمفاهيم الكلية منها ما هو مشكِّك ومنها ما هو متواطئ. والأول وهو المتفاوت، من قبيل مفهوم النور؛ فإنه يختلف في درجة انطباقه على أفراده شدّةً وضعفاً، فنور المصباح يختلف عن نور الشمس، لأنّ الأول ضعيف نسبة إلى الثاني. وأما المفهوم المتواطئ فهو المتساوي النسبة إلى أفراده كمفهوم الإنسان الذي ينطبق وبصورة متساوية على مصاديقه فلا يختلف زيد عن عمر وخالد ..... في انطباق مفهوم الإنسانية عليهم جميعاً بلا تفاوت.
(143)
--------------------------------------------------------------------------------
المشترك اللفظي والمعنوي
وسواء كان الكلي مشكّكا أو متواطئاً فإنه مشترك بين أفراده ويطلق على هذا الاشتراك اسم الاشتراك المعنوي، وإلى جانبه يوجد اشتراك آخر يطلقُ عليه اسم الاشتراك اللفظي وهو من قبيل لفظة «جون»، الصادقة على الأبيض والأسود على حدٍ سواء.
والفرق بين الاشتراك المعنوي واللفظي يظهرُ في أن الأول يُعَرَّفُ بأنه المفهوم الكلي الذي يصلح للانطباق على أكثر من مصداق واحد، بينما يُعَرَّفُ الثاني بأنه اللفظ الذي وضع لأكثر من معنى، فيوضع اللفظ لكل معنى على حِدَة بأوضاع متعددة.
(144)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ اشرح مع المثال، العلم الحضوري والحصولي، وما هو المقصود من المعلوم بالذات والمعلوم بالعرض.
2 ـ هل إن ما يقصده الفلاسفة من العلم الحضوري والحصولي هو نفس ما يقصده المتكلمون من العلم اللدنّي والكسبي؟ ولماذا؟
3 ـ اشرح مع المثال الفرق بين التصور والتصديق؟ ثم بيّن رأي «جون ستوارت ميل» في التصديق.
4 ـ ما هو الفرق بين المفاهيم الجزئية والكلية؟ والمفاهيم الكلية المشككة والمتواطئة؟ والمشترك اللفظي والمعنوي؟ بيِّن جوابك لكل مورد بمثال توضيحي؟
(146)
--------------------------------------------------------------------------------
الدرس التاسع عشر
الإدراك
* الإدراك
* خلط ولبس
* تجرّد المُدْرِك والمُدْرَك
* فكِّر و أجب
(148)
--------------------------------------------------------------------------------
الإدراك
ونريد في هذا الدرس أن نطلّ على بحث الإدراك، ليتبيّن لنا ما إذا كان الإدراك ظاهرة مادية توجد في المادة حين بلوغها مرحلة خاصة من التطور والكمال أو أنها تعبّر عن لون من الوجود، مجرد عن المادة وظواهرها وقوانينها.
خلط ولبس:
لقد أكدت بعض المدارس المادية ومنها الماركسية على المفهوم المادي للفكر، وهو ما يظهر من آرائهم وتصريحاتهم المأثورة عنهم:
قال ماركس:
«لا يمكن فصل الفكر عن المادة المفكرة، فإنّ هذِهِ المادة هي جوهر كل التغيرات». (1)
وقال انجلز: (2)
«إن شعورنا وفكرنا ـ مهما ظهرا لنا متعاليين ـ ليسا سوى نتاج عضوي مادي
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية، ص 19.
2 ـ «فريدريك انجلز 1820 ـ 1895 م Engels» اشتراكي وفيلسوف ألماني، اشترك مع ماركس في وضع «البيان الشيوعي» عام 1848 م.
(149)
--------------------------------------------------------------------------------
جسدي، هو الدماغ». (1)
ومما يوهم صواب الماركسية في فهمها للإدراك ما توصل إليه العلم من مكتشفات على مستوى الفيزيولوجيا حيث «استكشفت عدة أحداث وعمليات تقع في أعضاء الحس، وفي الجهاز العصبي بما فيه الدماغ، وهي وإن كانت ذات طبيعة فيزيائية كميائية ولكنها تمتاز بكونها أحداثاً تجري في جسم حي فهي ذات صلة بطبيعة الأجسام الحية. وقد استطاعت الفيزيولوجيا بكشوفها تلك أن تحدّد الوظائف الحيوية للجهاز العصبي وما لأجزائه المختلفة من خطوط في عمليات الإدراك. فالمخ مثلاً ينقسم بموجبها إلى أربعة فصوص هي: الفص الجبهي والفص الجداري والفص الصدغي والفص المؤخري؛ ولكل فص وظائفه الفيزيولوجية، فالمراكز الحركية تقع في الفص الجبهي، والمراكز الحسية التي تتلقى الرسائل من الجسم تقع في الفص الجداري، وكذلك حواس اللمس والضغط. أما مراكز الذوق والشم والسمع الخاصة، فتقوم في الفص الصدغي في حين تقوم المراكز البصرية في الفص المؤخري إلى غير ذلك من التفاصيل». (2)
وواضح من كلمات أصحاب الاتجاه المادي وأمثالهم الخلط بين الإدراك وبين ما يعتمد عليه من مقدمات ومعدات تمهِّد له، فالتبس عليهم الأمر فظنّوا أن المقدمة هي بنفسها ذو المقدمة. في حين يرى الفلاسفة الإلهيون أن الروح مركز لكل ألوان الإدراك، إلا أن كل ما يصدر عنها من نشاط ومنه الإدراك والإحساس لا يتحقق إلا عبر البدن وأجهزته الإدراكية كالباصرة واللامسة والذائقة والشامّة و
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ «لودفيج فيور باخ»، ص 57.
2 ـ السيد محمد باقر الصدر، فلسفتنا، ص 375، دار الكتاب الإسلامي، إيران ـ قم.
(150)
--------------------------------------------------------------------------------
السامعة، فالروح تدرك عبرها المبصرات والملموسات والمذوقات والمشمومات والمسموعات كما وإن الروح تدرك عبر المخِ بعض المفاهيم والاستنتاجات الكلية التي لا تمت إلى الحس الخارجي بصلة، ويكون المخ قناة لوصول الروح إليها. فالإدراك مركزه الروح، وليس البدن بما فيه من أجهزة حسيّة وعصبية مخيّة، إلا وسيلة للوصول إليه، وهذا لا يعني بحال إلغاء دور ما سوى الروح في عملية الإدراك، بل إنّ له دوراً مهماً وأساسياً في عملية الإدراك، إذ بدونه لا يتحقق إدراك عند موجود مدرك، إلا أن دوره لا يتعدى دور المقدمة لتحقق ذلك، وهو أشبه ما يكون بجهاز الهاتف الناقل للصوت بين متخابرين اثنين، فلولاه لم يسمع أحدهما صوت الآخر، إلا أن الذي يسمع الصوت ليس جهاز الهاتف بل الطرفان اللذان يقفان خلف الهاتف.
وكذلك الحال فيما نحن فيه، إذ يمكن القول، أن مركز الإدراك جهة أخرى غير البدن وهي ما يُعَبِّرُ عنها الفلاسفة الإلهيون بالروح، وهي موجود مجرد عن المادة ولا يخضع لقوانينها وضوابطها.
تجرد المُدْرِك والمُدْرَك:
وقد أقام الفلاسفة أدلة كثيرة على أن الإدراك يجري في جهة غير بدننا المادي، يطلق عليها اسم الروح، وهي مجردة عن المادة نكتفي بذكر السهل اليسير منها:
1 ـ يذهل أحدنا بعض الأحيان عن بدنه وآلامه التي يعاني منها، حينما يشغل نفسه بقضية مهمّة بالنسبة إليه كزيارة صديق عزيز عليه، وهكذا حينما يسرح الإنسان في تأمّله برؤية منظر طبيعي، فإن سمعه لا يدرك أحياناً الأصوات المرتفعة إلى جنب أذنيه ... .
(151)
--------------------------------------------------------------------------------
والسبب واضح وهو: أن الإنسان لا يتمثّل وجوده ببدنه المادي الترابي فقط، بل يوجد إلى جانبه موجود آخر لا مادي وهو الروح التي تعتبر مركز إحساسنا والمحل الذي يتحقق فيه إدراكنا.
2 ـ الأحلام المتمثلة بالأحداث التي يَراها النائم في منامه والتي تجد مصداقيتها في عالم اليقظة بتفاصيلها وأرقامها وجزئياتها، لا يمكن أن تجد لها تفسيراً مادياً ما لم نفترض وجود شيءٍ لا مادي إلى جانب البدن المادي، له قدرة على العلم بالمستقبل، وليس هو سوى الروح، لأنّ البدن لا يتسنى له الاطلاع إلا على الموارد التي تخضع لحواسه الخمس، والموجودة في الخارج بالفعل لا تلك التي توجد في المستقبل.
3 ـ إن ذهننا وخلايانا المخية المحدودة لا يمكنها استيعاب ما هو أكبر منها حجماً وأوسع منها مساحة، كإدراكنا في رؤيتنا لمنظر تتجاوز مساحته عشرات الكيلومترات، بلا نقيصة في مساحتهِ، فلابد وأن يكون مركز إدراكنا هذا في محل آخر كي يصلح أن يكون ظرفاً لمظروفها المُدرَك، وليس هو إلا روحنا التي بين جنبينا.
وهكذا اتضح أن المدْرِك لحقائق الأشياء، إنما هو الروح وهي غير البدن المادي، فهي مجردة عنه وعن قوانين المادة.
ومما تقدم يتضح كذلك أنّ الصور المدْرَكة مجرّدة عن المادة أيضاً، بحكم كونها نتاجا للروح وإدراكها.
(152)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ ما هو مورد الخلاف بين الماديين والإلهيين فيما يرتبط بالإدراك؟
2 ـ ما هو دور المخ والأجهزة الحسية في عملية الإدراك؟ مَثّل لجوابك بمثال توضيحي.
3 ـ ما هو الخلط واللبس الذي وقع فيه الماديون فيما يتعلّق بالإدراك؟
4 ـ اذكر ما اعتمدناه من براهين على تجرّد المُدْرِك والمُدْرَك.
الدرس العشرون
خالق الكون على ضوء ما سبق
* خالق الكون على ضوء ما سبق
* دليل الإمكان والوجوب
* خُرافة أزلية المادة وغناها
* وهمٌ و ردٌّ
* فكِّر و أجب
(156)
--------------------------------------------------------------------------------
خالق الكون على ضوء ما سبق
بعد تطواف سريع حول أُمهات مسائل الإلهيات بالمعنى الأعم المتناولة لأحكام الموجود بما هو موجود، آن الأوان أن نقطف ثمارها في البحث عن الإلهيات بالمعنى الأخص، المتناولة لوجود الله وصفاته جل وعلا، وهي في مسائلها مفصلة نقتصر على النزر اليسير منها تَوَخّيا للاختصار بما يناسب نافذتنا الفلسفية الصغيرة التي بين يديك، ونوكل تفاصيل البحث فيها إلى دراسات مقبلة إن شاء الله تعالى.
دليل الإمكان والوجوب
إنّ الأدلة على وجود الخالق الحق أكثر من أن تُحصى، فهي بعدد أنفاس الخلائق وذرات الرمل وأوراق الشجر ...
وفي كلّ شيءٍ له آية ** تدل على أنه واحد
ونحن نذكر واحداً منها من باب لا يُترك الميسور بالمعسور، وهو دليل الإمكان والوجوب وإليك بيانه:
لا شك في أن لكل ممكن علّة ولكل مخلوق خالق ولكل مصنوع صانع و
(157)
--------------------------------------------------------------------------------
لا يختلف في ذلك اثنان، ويعود السبب إلى أن ما فرض أنه معلول أو مخلوق أو مصنوع يُضمِر في ذاته حاجته وافتقاره إلى علةٍ أو سببٍ أو صانعٍ يمنحه الغنى؛ فلو فرضنا أن عالم الكون في ذاته محتاج وفقير إلى الوجود، فهو بلا شك معلول ومصنوع ومخلوق يحتاج إلى جهة تغنيه وتمنحه التحقق والوجود، ولا مناص من إرجاعه إلى علته التي تمنحه ذلك؛ لأن العلاقة القائمة بين المعلول وبين علته تمثّل عين الربط والتعلّق بعلته، أي إن المعلول في وجوده مفاض من علته، وبانقطاعه عنها ينقطع الفيض والغنى. وهذِهِ العلة إما أن تكون غنية بذاتها وهي التي يُعبّر عنها في علم الكلام بواجبة الوجود، وهي التي لا تحتاج في ذاتها إلى أي سبب وعلة، لفرض أنها غنية مطلقاً؛ في ذاتها وصفاتها. وهذه العلة من شأنها التكفّل بعالم الكون فتمنحه التحقق والوجود. أو أن تكون علة الكون الموجدة له غير غنية بذاتها ممكنة ومحتاجة إلى غيرها، فلابد حينها من فرض انتهاء هذِهِ العلّة وكل علة مثلها إلى علّة هي في ذاتها غنية وواجبة وإلا سوف نضطر إلى فرضِ علة لهذه العلة هي مثلها في الاحتياج والافتقار، وهذه العلة إما أن تكون نفس المعلول ـ وهو عالم الكون في المثال ـ الذي كنّا في صدد البحث عن علته، وهذا هو الدور الواضح في بطلانه، لأنه مستلزم لتوقف الشيء على نفسِه، أو تقدم ما هو متأخر وتأخر ما هو متقدم، فالكون الذي فرض أنه معلول «متأخر» سوف يكون في نهاية المطاف متقدماً، والعلة للكون التي كانت متقدمة بحكم كونها علة للكون سوف تكون متأخرة، لأنها سوف تكون في المآل معلولة للكون. فكيف يوجد الشيء نفسه بنفسهِ بعد أن كان عدماً؟! وكيف يكون المتأخر متقدماً والمتقدم متأخراً؟!
(158)
--------------------------------------------------------------------------------
وإما أن نفرض لعلةِ الكون علةً أخرى غير المعلول الأول والعلة الأخرى يفرض لها علة بعدها وهكذا يجري فرض سلسلة علل ومعلولات متصاعدة وبلا توقف، وهو المعبّر عنه بالتسلسل، وهو كالدور باطل ويرجع السر في بطلانه إلى أن كل حلقة من هذِهِ السلسلة فقيرة ومحتاجة، فكيف يمنح بعضها البعض الآخر وجوداً وتحققاً مع فرض أن الجميع مفتقر إلى الوجود والتحقق، وهل يعقل أن يمنح الفقير في الوجود نفسه أو غيره غنى الوجود؟! فإذا أمكن للصفر أن يمنح نفسه أو غيره عدداً من الأعداد أمكن ذلك أيضاً، وهو محال كما ترى، لحكم العقل القطعي بأن فاقد الشيء لا يعطيه.
خرافة أزلية المادة وغناها
وقد تقول: لماذا لا نفترض المادة أزلية حتى لا نقع في دوّامة البحث عن خالقها وبارئها، ومن ثم لا نقع في مشكلة الدور والتسلسل.
وقد رَدَّ المتكلمون والعلماء على الوهم المزبور بردود شتّى؛ نكتفي منها بما اختاره «فرانك آلن» (1) أستاذ الطبيعة البيولوجية حيث أكّد:
أن أجزاء العالم تتجه إلى حالة تساوي درجات الحرارة بعد أن تفقد الأجزاء الأكثر حرارة حرارتها لتكون متساوية مع غيرها في درجة واحدة، وقد استند في ذلك إلى الأصل الثاني من أصول الثرموديناميك، والذي يعُبّر عنه باصطلاح «انتروبي» أو «الاستنزاف والبلى» فالمادة لو كانت أزلية لتساوت درجة الحرارة
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ فرانك آلن: ماجستير ودكتوراه من جامعة كررلل، أستاذ الطبيعة الحيوية بجامعة مانيتوبا بكندا من سنة 1904 ـ 1944، أخصائي في إبصار الألوان والبصريات الفيسولوجية وإنتاج الهواء السائل وحائز على وسام ترري الذهبي للجمعية الملكية بكندا.
(159)
--------------------------------------------------------------------------------
الموجودة فيها منذ زمن سحيق، وحيث أنها لم تكن كذلك بل تنتظر يوماً موعوداً، فالمادة إذاً حادثة وليست قديمة. (1)
إلاّ أنّ الأولى أن يُقال، وكما ألمحنا فيما تقدم: (2)
إن أزلية وقدم موجود ما لا تمنع من حاجته إلى علة توجده وتمنحه الغنى، لأن السرَ في رجوع المعلول إلى علته إمكانه واحتياجه، فإذا ثبت لموجود من الموجودات أنه ممكن ـ محتاج ـ، فلا شك حينئذٍ في لزوم رجوعه إلى علة تمنحه الغنى والتحقق.
وقد أثبت الفلاسفة من خلال بحوثهم أن المادة العلمية (3) لا يصح أن تكون منشأً لنفسها ولا حتى للظواهر المرتبطة بها لائتلافها من مادة وصورة، ولا يمكن لكلٍ من المادة والصورة أن توجد مستقلة عن الأخرى، فيجب أن يوجد فاعل أسبق لعملية التركيب، تلك التي تحقق للموجودات المادية وجودها، وذلك لأن المركب الجامع للمادة والصورة محتاج إليهما وكل جزء محتاج إلى الآخر، (4) فلا يوجد من بينهم ما هو غني بذاته ووجوده، فيبقى الافتقار حاكماً وقاضياً بوجود علة غنية تُعدُّ محطة تنتهي إليها قافلة الموجودات الإمكانية لتضخها بالوجود والتحقق. «ومثال ذلك: أن العلوم الطبيعية تبرهن على إمكان تحويل
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ المؤلف، أصول الدين بين السائل والمجيب. ص 28 ـ 29، ط أولى.
2 ـ الدرس السادس عشر.
3 ـ المقصود من المادة العلمية كل ما يخضع للحس والتجربة، كما يوجد اصطلاح آخر للمادة، وهو اصطلاح فلسفي، والذي يعبّر عنه بالهيولا أو المادة الأولى. وقد تقدم الكلام عن الاصطلاح الفلسفي في الدرس السابع. فراجع.
4 ـ و بهذا البيان يتضح أن الله تعالى يستحيل أن يكون مركبا؛ للزوم احتياجه إلى أجزائه واحتياج كل جزءٍ إلى الجزء الآخر، ومن هنا فإنه تعالى مجردٌ لا مادي.
(160)
--------------------------------------------------------------------------------
العناصر بعضها إلى بعض، وهذه حقيقة علمية تتناولها الفلسفة كمادة لبحثها وتطبق عليها القانون العقلي القائل بأنَّ الوصف الذاتي لا يتخلف عن الشيء، فنستنتج أن صورة العنصر البسيط كالصورة الذهبية ليست ذاتية لمادة الذهب، وإلا لما زالت عنها وإنما هي صفة عارضة، ثم تمضي الفلسفة أكثر من ذلك فتطبق القانون القائل إن لكل صفة عرضية علة خارجية، فتصل إلى هذه النتيجة أن المادة لكي تكون ذهبا أو نحاساً أو شيئاً آخر، بحاجة إلى سبب خارجي»، (1) وذلك السبب هو الأول الذي لا أول قبله، والآخر الذي لا آخر بعده، وهو الذي أيَّن الأين إذ لا أين، وكيّف الكيف إذ لا كيف، وهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. ولا غرابة في ذلك ما دام الله غنياً بذاته، مستغنياً عما سواه، بل إن كلَّ ما سواه محتاج إليه. ومن كان هذا شأنه وهذِهِ منزلته فإن من العبث السؤال عن موجده وخالقه، وهو قريب من قول القائل: إن الملح مع كونه ملحاً يحتاج إلى ملح كي يكون مالحاً، وإن السكر مع كونه سكراً يحتاج إلى سكر حتى يكون حلواً!!
وهمٌ و ردٌ
وقد تقول: ألا يعني هذا إلا الدور الواضح في بطلانه؛ لأن استغناء الله عن علة توجده موجب للقول بأن الله توقف في وجوده على نفسه، أي أن الله تعالى هو الذي أوجد نفسه بنفسه!
«والجواب على ما قيل هو: إن هذا المعنى يصدق فيما لو كان الله فقيراً في وجوده، أو أن له بداية بدأ بها، ولكنّا قلنا وأثبتنا بأنه تعالى غني بالذات، بمعنى إنه لم يكن في زمن من الأزمان بمفتقرٍ إلى الوجود أو معدوماً حتى يحتاج إلى من
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ فلسفتنا، ص 92، محمد باقر الصدر، المجمع العلمي والثقافي للشهيد الصدر.
(161)
--------------------------------------------------------------------------------
يغنيه أو يخرجه من العدم إلى حَيّز الوجود، وعلى هذا وكما تقدم فإن الله لا يصدق عليه أنه مخلوق ومعلول ومصنوع حتى نسأل عن خالقه وعلته وصانعه، أو أن نقول بأنه خلق نفسه بنفسه». (1)
ومن الغريب جنوح البعض إلى أزلية المادة وغناها وإرجاعه كل ما تحتضنه من أنماط الوجود وصوره البديعة إلى المادة الأولى مع إنها خرساء طرشاء وفاقدة لكل معلم من معالم الفكر والإدراك، متغافلاً عن دور قوة عظيمة وحكيمة وعقل مدبر وكبير وهو الله جل اسمه، فلماذا يسمح هؤلاء لأنفسهم إعطاء صفة الأزلية والغنى الذاتي للمادة الأولى، ولا يسمحوا للموحدين وصف الله بذلك، بل إن البعض منهم يظهر اشمئزازه وسخطه من ذلك، مع أن ذات الله القدسية أولى بتلك الأوصاف مما سواها. وعلى أكبر الظن إن من أهمّ الأسباب التي دعت هؤلاء إلى ذلك، رغبتهم بالتحلل وعدم الالتزام؛ ولا شك أن الإيمان بوجود الله يعني الإيمان بأحكامه ووعده ووعيده، فمن أجل أن يريح وجدانه من التفكير في يوم موعود، يعاقب فيه المسيئون أشدَّ العقاب ويجازى فيه المحسنون بأحسن الثواب، يجحدُ وجود الله ووعده ووعيده.
{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} (2)
ويحاول إنكاره بأدلة واهية إراحة لوجدانه، وتبريراً لفجوره وفسوقه.
{أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ * بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} (3).
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ أصول الدين بين السائل والمجيب، ص 27 ـ 28، ط أولى، المؤسسة الإسلامية العامة للتبليغ، المؤلف.
2 ـ سورة النمل، الآية 14.
3 ـ سورة القيامة، الآية 3 ـ 5.
(162)
--------------------------------------------------------------------------------
فكِّر و أجب:
1 ـ وضّح دليل الإمكان والوجوب على وجود الله الخالق الحق، على ضوء ما تقدم من دروس.
2 ـ اذكر الدليل الذي اختاره (فرانك آلن) للردِّ على القول بأزلية وغنى المادة. ثم اذكر مختار الفلاسفة للرد على دعوى غنى المادة عن العلة.
3 ـ كيف استدل الفلاسفة على وجود سبب خارج عن حدود الموجود المادي من خلال اكتشاف العلم لتحول العناصر بعضها إلى البعض الآخر؟ بيِّن جوابك بمثال توضيحي.
4 ـ ناقش العبارة التالية:
«إذا كان الله مستغنيا عن غيره في وجوده، فهذا يعني أنه توقف في وجوده على نفسه، وهو معنى الدور، كما تقدم تعريفه».
5 ـ لماذا يظهر المادي اشمئزازه وسخطه على من ينسب الأزلية والغنى إلى الله، بينما يرضى لنفسه نسبتها إلى المادة؟
(163)
--------------------------------------------------------------------------------
مصادر البحث
1 ـ آشنائى با علوم اسلامى ـ منطق وفلسفة ـ بالفارسية مرتضى مطهري
2 ـ أصول الدين بين السائل والمجيب صادق الساعدي
3 ـ الإِلهيات جعفر سبحاني
4 ـ الله يتجلى في عصر العلم جون كلوفر مونسما
5 ـ الأيدولوجية المقارنة محمد تقي مصباح اليزدي
6 ـ بداية الحكمة محمد حسين الطباطبائي
7 ـ تاريخ الفلسفة اليونانية يوسف كرم
8 ـ تذكرة الأعيان جعفر سبحاني
9 ـ درآمدى بر آموزش فلسفة «أستاذ محمد تقي مصباح» ـ بالفارسية ـ محسن غرويان
10 ـ شرح مصطلحات فلسفي «بالفارسية» علي شيرواني
11 ـ فلسفتنا محمد باقر الصدر
12 ـ معالم الفلسفة الإسلامية محمد جواد مغنيه
13 ـ المنجد في الأعلام لويس معلوف
14 ـ المنطق محمد رضا المظفر
15 ـ المنهج الجديد في تعليم الفسلفة محمد تقي مصباح اليزدي
16 ـ الموسوعة الفلسفية عبد الرحمن بدوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق